ملخص:
ظل البحث في تاريخ المغرب العربي بشكل عام ضئيل وقليل وشحيح، وجل ما حبر نحوه اتجه للحقل السياسي وما باح به من معاهدات، وحروب، واتفاقيات. مع غياب شبه كلي للمعطى الاجتماعي والاقتصادي والفكري، وفي هذا المنحى ارتأينا البحث والتنقيب في العلاقات التجارية بين شمال المغرب والمغارب، بالرغم من عوز المادة المصدرية، وغياب الدراسات العصرية التي تميط اللثام حول فحوى الموضوع.
وبشكل عام يحبل الموضوع بجملة من المعطيات استقيناها من معين الأبحاث، وأوضحت لنا غنى المعطى، فالعلاقات التجارية كانت قائمة بصفة وازنة بين شمال المغرب والمغارب في عدة مناحي وأنواع تجارية بشكل لم ينقطع وفق ما تتبعنا حتى أوائل القرن العشرين.
Abstract:
Research in the history of the grand Maghrib suffers from a lot of problems including the methodological and cognitive problems especially in the economic and social fields in the real history, away from policy and diplomacy.this article, shows the evolution of trade relations between a specific geographical area which is the north of Morocco, and the group of grand Maghrib starting from the medieval era , reaching the modern and contemporary era by focusing on the most resources that tackle this issue ( official resources, geographical books, al hijaziya travel), which reaches the a great rank thanks to this article, and that also what denies the hypothesis which states that the trade was confined only with the European countries without the Islamic countries.
In spite of the lack of the cognitive material that refers to this issue. that’s why, it is an important research that has already started for the trade relations between the north Morocco and the whole grand Maghrib, and this issue needs the full patience in order to search on it.
مقدمة:
عرف البحث التاريخي طفرة نوعية باختراقه لمام عدة موضوعات تاريخية، وكشفه عن مكنون عدة مصادر دفينة تميط اللثام عن جملة من القضايا الإشكالية على شاكلة الأوضاع الاقتصادية والمبادلات التجارية ونوعيتها. وإن كان الفكر التاريخي الأوربي قد قطع أشواط هامة في هذا المضمار، من خلال النهل من نهج مدرسة الحوليات عبر أعمالها الرائدة من طرف جهابذة هذا الاتجاه وعلى رأسهم فرناند بروديل، ولوسيان فيفر، وجون لوي مييج في بحثه في المجال المغربي.
فان أقطارنا المغاربية لازالت مثل هذه الأبحاث تظل في ظل الشح والندرة فجل الدراسات انصرفت إلى الجانب السياسي والدبلوماسي وما باح به من حروب ومعاهدات واتفاقيات، وفي هدا الصدد ووعيا منا بأهمية “التاريخ الاقتصادي” ارتأينا أن نبحث في موضوع “العلاقات التجارية بين شمال المغرب والمغارب “وهو موضوع لا زال بكرا، يتطلب البحث والتنقيب بين ثنايا السطور والنتف المنتشرة بين ردهات المصادر والمراجع والكتابات المحلية والوطنية والمغاربية.
فلا غرو أن المبادلات التجارية بين شمال المغرب والمغارب عرفت شأوا عظيما برغم من النزر اليسير في بطون المصادر والمراجع، وسنحاول بين متون هدا العرض أن نستجلي مسار هذه العلاقات من خلال التعريف بالمصادر والمراجع التي يمكن النهل منها، وكذا معرفة جغرافية المنطقة باعتبار أن العوامل الجغرافية تلعب أدوار أساسية في تفسير حركية التاريخ خاصة في شقه الاجتماعي، إضافة إلى تتبع النشاط التجاري بين شمال المغرب والمغارب في بعده الزمني الطويل وذلك بتتبع نشاطه من الحقبة الوسيطية إلى الفترة المعاصرة.
ولا شك ان الميدان التجاري وسليله الاقتصادي لا زال يعاني من نقص مهول في ميدان الدراسات والأبحاث والأطروحات الجامعية، حيث يشير الأستاذ عمر أفا أن تاريخ التجارة لم يتم التطرق إليها بما تستحق من العناية والاهتمام، فمن خلال ما يزيد عن عشرة ألف وثمانمائة رسالة وأطروحة جامعية في مجالات العلوم الإنسانية بالمغرب منها ألفٌ وخمس وسبعون رسالة وأطروحة خاصة بالتاريخ لم يتعرض لتاريخ التجارة حتى الآن غير إحدى عشرة دراسة. هذا بالنسبة لكل الحقب والدول المتعاقبة على تاريخ المغربي)[1](. فما بالك بالتاريخ التجاري للمغارب.
المادة المصدرية المتعلقة بالموضوع
إن البحث في تاريخ المغارب يطرح عدة إشكالات منهجية تتعلق بطبيعة المادة المصدرية وشحها، حيث يشير الدكتور عثمان المنصوري بأن هناك فقرا في الدراسات المتعلقة بالفضاء المغربي بالرغم من غناه، فلازال الحديث عن هذا النوع من الدراسات من باب الأماني)[2](، وفي نفس السياق يشير الدكتور محمد حبيدة في كتابه “بؤس التاريخ” أن الدراسات ذات صلة بمجموع المغارب الكبير ظلت ناقصة.)[3](
فالباحث والدارس إن أراد استكناه الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية عليه بالصبر والأناة وسبر أغوار المصادر والتنقيب بين ثناياها.
ومن المصادر التي يمكن أن تشكل ينبوعا يمتح منه الباحث مادته التاريخية نذكر كتب الرحلات الحجازية إلى الأراضي المقدسة. فقد عرفت العلاقات المغربية المشرقية امتداد روحيا وتواصلا ثقافيا منذ فترات مبكرة، حيث شكلت الرحلة إلى بلاد الحجاز لأداء فريضة الحج هاجسا لدى معظم المغاربة، خاصتهم وعامتهم، وقد دأب بعض العلماء المغاربة خلال فترات مختلفة من تاريخ المغرب على تدوين رحلاتهم في أسلوب أدبي متين)[4](،ومن هنا من الممكن ان يقتنص الدارس بعض القضايا الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي أوردها هؤلاء الرحالة في معرض رحلتهم عن بلدان المغارب. حيث كان الركب ينحو الى مصر عبر الجزائر وتونس وطرابلس وبذلك يكتسي هذا الركب أهمية تجارية قصوى.)[5]( ناهيك عن بعض المصادر الرئيسية والكتابات الاجنبية والمحلية التي تفيد الباحث في التاريخ الاقتصادي للمغارب.
المبحث الأول: المعطيات الطبيعية للمغارب
لا بد لنا ونحن ندرس النشاط الاقتصادي لبلاد المغرب من تأييد ما قاله أحد الباحثين، من أن أي نشاط تجاري لمجتمع ما يتطلب الإحاطة بالبيئة الطبيعية، ونوعية العناصر التي يتكون منها، ذلك أن العملية الاقتصادية هي تفاعل الإنسان مع بيئته)[6](. والإنسان نتاج طبيعته.
تشكل بلاد المغارب وحدة جغرافية متميزة عن بقية أجزاء القارة الإفريقية، وقد كان لطبيعة الأرض ونوع المناخ تأثير في توزيع المياه ومناطق الاستقرار فيها، وبالتالي في أنشطتها الاقتصادية، وتتكون تضاريسها من سلاسل جبلية وهضاب وصحراء، وتتخللها أودية، وأنهار، وعيون، لذا يمكن تقسيم بلاد المغرب جغرافيا إلى ثلاثة أقسام رئيسية وهي المنطقة الساحلية، والجبلية، والصحراوية.)[7](
تمتد المنطقة الساحلية على طول شواطئ البحر الأبيض المتوسط حتى مدينة طنجة واعتبرت هذه المنطقة تجمع بشري منذ زمن مبكر.
وتوجد بجانب السهل الساحلي منطقة سهول داخلية، وغالبا ما تكون منفصلة ومنقطعة في صورة تلال، كسهل فاس ومكناس، وتلمسان وبني سليمان بالجزائر، وباجة في تونس، وقد ساعدت هذه السهول على امتداد الطرق التجارية بين مدن بلاد المغرب المختلفة خلال العصر الوسيط.
أما المنطقة الجبلية فتمتد من الجنوب الغربي إلى الشمال الشرقي، ولعل أهمها في موضوعنا هي الريف في شمال غرب المغرب، والتل في الجزائر وتونس.
في حين تعتبر المنطقة الصحراوية القسم الأكبر من بلاد المغرب، فتمتد من واحات برقة، وفزان، وزويلة، وورجلان، إلى سجلماسة)[8](، اما شمال المغرب فلا توجد فيه صحاري على غرار باقي بلدان المغرب القاحلة، ومع ذلك فإن الينابيع والواحات تنتشر في أغلب المواضع، وبفضلها أمكن للقوافل التجارية أن تخترق هذا المجال.
أما بخصوص المناخ فهو متمايز بين المتوسطي والصحراوي. وتتوزع الخريطة البشرية لبلاد المغرب بين قبائل بربرية وعربية وأفارقة وسودان، وكان لهذه التشكيلة دور مهم في المجالات الاقتصادية المختلفة.
المبحث الثاني: العلاقات الاقتصادية بين شمال المغرب والمغارب العصر الوسيط
يطرح البحث في الشق الاقتصادي والتجاري بخصوص العصر الوسيط جلة من الإشكالات المنهجية خاصة أن المغاربة شانهم بذلك شأن باقي المسلمين كانوا لا يعتبرون أنفسهم أجانب بالبلاد الإسلامية بحكم الشعور الذي تعمق لديهم بالانتماء إلى نفس الدار.
فجل المبادلات كانت قائمة مع الأقطار الأوربية، وقد أشار كانرد (CANAR) أن الرسائل التي كانت متبادلة بين المسلمين ونظرائهم في باقي أقطار الإسلام لم تحمل البتة أية هموم تجارية تذكر.)[9](
ولا نعدم الإشارات المصدرية بخصوص الفترة الوسيطية في بعض المصادر الجغرافية بخصوص العلاقات التجارية بين شمال المغرب والمغارب، حيث يذكر ابن حوقل في كتابه “صورة الأرض” عن مدينة البصرة)[10](بأن القطن كان منتشرا بأرجائها معروفة بالمتاجرة فيه وتصديره إلى مجموعة من المناطق من بينها “إفريقيا” حيث يقول”مدينة مقتصدة عليها سور ليس بالمنيع ولها مياه عن خارجها من عيون عليها بساتين من شرقيها ولها غلات كثيرة من القطن المحمول إلى افريقية وغيرها ومن غلاتهم القمح والشعير والقطاني وسهمهم من ذلك وافر.[11]كما اشتهرت المدينة بكثرة الثروة الحيوانية فيها ورحابة مراعيها، وإنتاجها للألبان حتى سميت في متون المصادر “بمدينة الألبان “على حد تعبير ابي عبيد الله البكري ولا نستبعد تصديرها إياه إلى سائر المغارب على شاكلة القطن.
كما حملت من فاس البرانس المديونية إلى سائر المغرب كما كان يصدر فائض الذهب بسلجلماسة إلى شتى الأقطار الأوربية والمغاربية انطلاقا من ميناء أصيلا وسبتة، وتخبرنا الرحلات الحجازية أن النحاس كان يصدر من المغرب إلى المشرق عبر قوافل الحجيج المتجه إلى بيت الله، وبما أن المناطق المغاربية طريق رئيسية في مسار الرحلات المكية، فقد انتشرت تجارة النحاس بها.
بالإضافة إلى ذلك كانت المواشي ضمن الصادرات وشملت طلبات المشرق مـن المغـرب الأقصى ناهيك على التمور، والقرظ[12].
ومن هذا يمكن لنا أن نتبين أن القوافل التجارية وخط سيرها من المغرب الاقصى عبر المغارب إلى المـشرق كان مرتعا تجاريا غنيا لا زال في حاجة ماسة الى البحث والتنقيب.)[13](
كما عرفت هذه المبادلات التجارية عدة صراعات وحزازات بين السكان)[14]( في هذه الأقطار، فهذا ابن عذارى المراكشي يحدثنا أن رجلا من جند كتامة قام على رجل من تجار أهل القيروان، فلما دافعوه عنه، شهروا عليهم بالسلاح، وابتغوا نهب الحوانيت.
وكذلك قضية أوردها الونشريسي ضمن نوازله حول قضية عقارية وتجارية وقعت بين أحد أهل تلمسان ونظراءه المغاربة بمدينة فاس عام 870ه/ 1520م
وقد شكلت المنتوجات الزراعية نسبة كبيرة من قائمة التبادل التجاري بين أقاليم المغرب الثلاثة، خاصة وأن الكثيـر من مدن المغارب التي كانت تنتج المحاصيل الزراعية بأنواعها وهذا ينطبق على التجارة بين المغرب الأقصى وإقليمي المغرب الأوسط والأدنى. فقد حمل الفستق من مدينة قفصة إلى المغرب الاقصى.
اما غلات الزيتون والزيت والتـي اشتهرت بإنتاجها مدينة سفاقس في المغرب الأدنى فكانا يحملان الى مدن أقاليم المغرب([15]).
كما عرفت مدن المغرب الأوسط مثل بونة وزلو بإنتاجها الوافر للحنطة والشعير ومدينـة ادبـس بإنتاجها الواسع للزعفران)[16](.
وإن كنا لا نملك إشارة صريحة إلى تصديره إلى شمال المغرب المتوسطي بالذات ذلك أن المصادر اكتفت بذكر بلاد المغرب الاقصى دون مدنه الى في حالة شاذة مثلا ذكر مدينة البصرة السالفة الذكر.
ولا شك ان ميدان المبادلات التجارية خاصة في الحقبة الوسيطية في حاجة ماسة الى اختراق المصادر الدفينة من كتب النوازل والتراجم والمناقب والطب والفلاحة وغيرهم.
المبحث الثالث: العلاقات التجارية في الفترة الحديثة
أضحى المغارب من الناحية السياسية في الفترة الحديثة ذا وضعية اعتبارية خاصة، فالمغرب الأقصى استقر به الحال بعد فوضى مجالية إلى حكم الأشراف السعديين (1510 م -1660م) ونظرائهم العلويين، والمغربين الأوسط والأدنى أصبحا داخل نطاق الدولة العثمانية ، وقد نشطت الرحلات الحجازية بصفة وازنة إبان هذه الفترة، فلا نعدم الرحلات التي قطعت المغارب في اتجاه البقاع المقدسة محملة بشتى ضروب وأنواع السلع التي صرفت جلها في أقطار المغرب عند استراحتها.
ومن الرحلات التي انطلقت من قاعدة تطوان نذكر: رحلة ابن عثمان المكناسي، ورحلة الرافعي التطواني، فقد ظهر حسب الأستاذ مصطفى الغاشي نوع من التعامل التجاري بين الحجاج والسكان المحليين، بحيث كانت القوافل محملة ببعض البضائع التي يمكن ترويجها مع سكان المناطق التي يمر منها الركب)[17](،فيقول أبي سالم العياشي ” فإذا اخدت في تجهيز أمرك فاشتر شيئا من الجلد الأحمر فهو نافق أمامك)[18](” ومن البضائع التي كانت منتشرة كثيرا في قوافل الحجاج برا وبحرا “القرنفل والكحل والسواك والزعفران والجاوي والمشط وشيء من الإبر والكاغذ.)[19](
وفي مدينة مليلية وصلت سفينة من الجزائر يحمل 12 اثنى عشر مدفعا ثقيلا لإنجاد حسن باشا الذي كان يحاصر مدينة فاس وذلك عام 1558 م /916 ه، وقد اهتم أتراك الجزائر بهذا الحسن وسموه بالميناء الجديد.)[20](
والملاحظ في الفترة الحديثة ان التجارة والاقتصاد تراجعا بشكل كبير ومهول بفعل الاوبئة والمجاعات التي كانت ضاربة أطنابها، والحروب التي كانت أوبتها شامخة، والظروف السياسية المتردية، سواء بعد وفاة أحمد المنصور الذهبي، أو السلطان العلوي المولى إسماعيل.
كذلك كانت الصراعات والمناوشات قائمة بين اتراك الجزائر والدولة السعدية بشكل قلت معه المبادلات التجارية بصفة وازنة، ناهيك على ان الكتابات التاريخية ركزت في هذه الفترة على الرحلات الحجازية وطرقها واهم الصعاب التي تعترضها ومساراتها ومستلزماتها([21]).
المبحث الرابع: العلاقات التجارية في الفترة المعاصرة
برغم أن جل الأبحاث وجهت أنظارها إلى المعاملات التجارية مع الأقطار الأوربية، مقدمة معلومات هامة حول وارداتها وصادراتها، فإننا لا نعدم المادة المصدرية بخصوص التبادلات التجارية بين شمال المغرب والمغارب في الفترة المعاصرة، والتي ستعرف ضغوطات استعمارية انتهت بسقوط المغرب الكبير في شباك الامبريالية الأوربية.
وقد لعب مرسى تطوان في القرن الثامن عشر دورا رئيسيا بحيث أضحى المرسى الوحيد لسائر المنطقة الشمالية، بالإضافة الى تمتع المدينة بنوع من الاستقلالية عن السلطة المركزية، وفي نفس الوقت مرفأ بحريا رئيسيا، وبذلك أضحى مرفأ تطوان الوحيد المؤهل لاستقبال السفن الواردة من الخارج ).[22](
ومن أوجه التجارة بين تطوان والجزائر نذكر أن جزء كبيير منها كان يقوم على الوسق فكانت تطوان تصدر نحو الجزائر قسطا مهما من إنتاجها الحرفي مثلا البلاغي وأنواع الحصير، وقد انتقلت هذه الصناعة إلى الجزائر على يد أسرة الحسيسين التي كان أفرادها ينتقلون بين تطوان ووهران. كما كانت تطوان قاعدة لتزويد الأمير عبد القادر بالأسلحة.
بينما كانت تستورد تطوان من الجزائر منتجات الحرير وبعض الاواني الصفرية وكذلك القزذرة.)[23](
ومع احتلال الجزائر هاجر إلى تطوان ثلة من الأسر الجزائرية التي عملت على إثراء الحياة التجارية، وإدخال حرف جديدة إلى الحاضنة التطوانية كما أشار الأستاذ ادريس بوهليلة في كتابه “الجزائريون في تطوان “
ومن التجار المغاربة الذين حلوا بالقطر الجزائري نذكر محمد السليماني صاحب كتاب “اللسان المعرب عن التهافت الأجنبي على المغرب” حيث كان يقيم العديد من التجار الفاسيين في قطر تلمسان “)[24](ولا يخبرنا صاحب الكتاب عن نوعية التجارة التي كانت سائدة في هذه المدينة.
وحسب الأستاذ عكاشة برحاب فانه يستفاد من الوثائق القليلة أن القوافل التجارية المتوجهة من فاس إلى غرب الجزائر كانت تربط بانتظام، أما المواد المنقولة، فبعضها منتجات مغربية من أصل فلاحي(حبوب، ملابس صوفية، جلود خام أو مواد مصنعة أو جلود مصنعة زيوت، حناء، عسل…).)[25](
غير أن الوضع تغيير بعد احتلال فرنسا للجزائر، فأصبحت الجزائر البلد الإسلامي، تعيش في ظل نظام غير إسلامي، فبادر السلطان عبد الرحمان إلى معارضة إقامة علاقة تجارية بين البلدين. وتخوف أن تستعمل التجارة مطية لامتداد النفوذ الفرنسي الى المغرب.)[26](
وفي سنة 1867 م/1225 ه، أصدرت السلطات الفرنسية بالجزائر مرسوما نص على إعفاء المنتجات المغربية من أداء الرسوم الجمركية، مع محاولة جادة من طرف بريطانيا من اجل الحد من هذه التجارة وسيطرتها على المبادلات مع موانئ شمال المغرب.)[27](
كما أن التجارة البحرية بين ميناء سبتة ووهران كانت قائمة في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، حيث يخبرنا الرحالة الفرنسي هنري دوفيري (Henri Duverier)،أنه في 18 نوفمبر من سنة1852 / 1210ه،سيطر الاسبان على مركب محمل بالسلع في حوزة القلعيين متجها إلى ثغر وهران.
ويَعتقد بعض الدارسين أن أصول قبيلة بطيوة المستقرة بأرزيو في المنطقة الوهرانية تعود الى قبيلة بني سعيد الريفية، التي يحتمل أن تكون استقرت بالجزائر منذ القرن الثامن عشر، نتيجة المبادلات التجارية التي كانت قائمة خاصة بين سبتة ومليلية ونظيرتهم وهران. وقد تحدثت الكثير من الدراسات عن هذه الهجرات التجارية وفي مقدمتها.(Auguste Mouliéras, Le Maroc inconnu – Marquis de Sagonzac; Voyages au Maroc)[28]
وقد لعب أيضا ميناء طنجة دورا كبيرا في تصدير واستيراد عدة منتجات سواءً إلى الأقطار الأوربية أو إلى الأسواق المشرقية والمغاربية، حيث يشير الدكتور خالد بن الصغير أنه في سنة 1872م/ 1230ه ثم شحن ما يربو عن 264 بالة احتوت على 79200 زوجة صدرت نحو الجزائر.)[29](
وبخصوص إيالة تونس يخبرنا الناصري أن المغرب قدم حمولات تجارية إلى تونس بعد سفارة الرياحي لدى مولاي سليمان الذي وفد إلى فاس في سياق أزمة غذائية طاحنة، طالبا باسم باي تونس تقديم إمدادات مغربية لمواجهة المسغبة، مما يدل على أن العلاقات بين تونس العثمانية والدولة المغربية كانت قائمة بصفة ودية ولاشك أن المبادلات التجارية مهمة بين الطرفين.)[30](
خاتمة:
خلاصة القول، إن العلاقات التجارية بين شمال المغرب والمغارب بلغت مرحلة كبيرة من التطور، انطلاقا من العصر الوسيط كما نستشف من المصادر الجغرافية، أو الفترة الحديثة بالرغم من الصراعات التي كانت قائمة في المنطقة، وخضوع الأقطار المغاربية للسيطرة العثمانية، وإن كان جزء من المغارب في الفترة المعاصرة فقد استقلاله وسقط في شباك الإمبريالية الفرنسية.
إن موضوع العلائق التجارية بين شمال المغرب والمغارب، يعد مجالا رحبا للبحث، قد يبوح بعدة معطيات ثرية وغنية عن الحياة الاقتصادية من خلال استقصاء المصادر المحلية والوطنية، والتنقيب في الأرشيفات العثمانية والأوربية، من أجل تحديد طبيعة المبادلات التي كانت قائمة بين هذه الأقطار والمدن المغاربية.
ومن أهم الخلاصات التي توصلنا إليها بين ثنايا هذا البحث المتواضع :
-أن العلاقات التجارية بين شمال المغرب والمغارب كانت قائمة بينة شملت عدة منتجات أساسية.
-أن المادة المصدرية متوفرة بكثرة، تحتاج فقط إلى صبر وأناة في اختراقها، وكشف مكنونها، ورصد زادها، وعدم الاقتصار على المصادر المعروفة، بل ينبغي إماطة اللثام على المصادر الدفينة من كتب المناقب والتراجم والطب والفلاحة وغيرها…
إضافة إلى الدراسات الأجنبية التي دونما شك تعد عمدة في التأريخ لتاريخ المغارب قاطبة، وفي شقه التجاري خاصة.
وقد فتح الموضوع شهيتنا، وأفصح عن نهمنا حيال التنقيب في مثل هذه المواضيع الجادة في التاريخ الاقتصادي الذي لم يفرج بعد عن كنوزه، ويعد منجما بكرا ينبغي كشفه.
لائحة المصادر والمراجع المعتمدة:
- المصادر :
- مؤلف مجهول، كتاب الاستبصار في عجائب الأمصار وصف مكة والمدينة ومصر وبلاد المغرب، تحقيق عبد الحميد سعد زغلول، جامعة الاسكندرية،1958.
- حوقل ابي القاسم، صورة الأرض، منشورات دار مكتبة الحياة، بيروت، لبنان،1996.
- محمد السليماني، اللسان المعرب عن التهافت الأجنبي حول المغرب، مطبعة الأمنية، الرباط،1971.
- أحمد بن خالد الناصري، الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى، وزارة الاتصال والثقافة، الرباط،2001.
- المراجع :
- أفا عمر، التجارة المغربية في القرن التاسع عشر البنيات والتحولات 1830-1912، منشورات مكتبة دار الأمان، الرباط،2005.
- عبد العزيز بنعبد الله، تاريخ المغرب العصر الحديث والمعاصر، مكتبة السلام، الدار البيضاء، دون سنة النشر.
- عبد العزيز سعود، تطوان في القرن التاسع عشر، مطبعة الحداد يوسف إخوان، تطوان،1996.
- عز الدين موسى أحمد، النشاط الاقتصادي في المغرب الاسلامي خلال القرن السادس هجري، دار الشروق القاهرة،1983.
- فاطمة بلهواري، التكامل الاقتصادي والمبادلات التجارية بين المدن المغاربية خلال العصر الوسيط، منشورات الزمن، مطبعة النجاح الجديدة، الدارالبيضاء،2010.
- محمد المنوني، ركب الحاج المغربي، مطبعة المخزن، تطوان،1983
- محمد حبيدة، بؤس التاريخ، مراجعات ومقاربات، دار الأمان،2015.
- المقالات:
- خالد بن الصغير، الحركة التجارية بمرسى طنجة في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، ضمن ندوة طنجة في التاريخ المعاصر 1800-1956،الناشر العربي للثقافة،طنجة،1991.
- ميمون أزيزا، هجرة اهل الريف الى الجزائر بين قساوة الطبيعة وعنف الاستعمار (1856-1956)ضمن ندوة العنف في تاريخ المغرب، أشغال الأيام الوطنية 21 للجمعية المغربية للبحث التاريخي 14-16 نونبر 2013،كلية الآداب والعلوم الانسانية،الرباط،2013.
- عكاشة برحاب، مشكلة التجارة بين المغرب والجزائر1830-1907،ضمن ندوة التجارة في علاقتها بالمجتمع والدولة عبر تاريخ المغرب، جامعة الحسن الثاني، الجزء 2،الدار البيضاء،1989.
- مصطفى عبد الله الغاشي، الطرق وظروف الرحلة الى مكة في الفترة الحديثة –المعرب الاقصى نموذجا-ضمن المغرب والاندلس دراسات في التاريخ والأركيولوجيا –تقديم وتنسيق محمد الشريف، منشورات كلية الآداب والعلوم الانسانية تطوان،2006.
- المنصوري عثمان، التقارير الختامية عن أعمال ورشات الأيام الوطنية للجمعية المغربية للبحث التاريخي، مجلة البحث التاريخي، ع 7-8،2009-2010،العدد 44
- المراجع باللغة الاجنبية :
- Canard(M) ; Les relations des Mérinides avec les Memeloukes; Annales d’institut des études orientales; Paris; 1939.
- Miége J.L; Le Maroc et L’Europe 1830-1894; P.U.F; Paris; 1962.
R.Thomassy; Le Maroc et ses caravanes; Meurtim édition; Paris; 1845.
[1]أفا عمر، التجارة المغربية في القرن التاسع عشر البنيات والتحولات 1830-1912،منشورات مكتبة دار الأمان، الرباط،2005،ص 7
[2]المنصوري عثمان، التقارير الختامية عن أعمال ورشات الأيام الوطنية للجمعية المغربية للبحث التاريخي، مجلة البحث التاريخي، ع 7-8،2009-2010،العدد 44،2015،ص 124 .
[3]محمد حبيدة، بؤس التاريخ، مراجعات ومقاربات، دار الأمان،2015، ص 54.
[4]أمعيط نور الدين، الرحلة المغربية الى الحجاز خلال العصر الوسيط –رحلة العبدري نموذجا، مجلة أمل، العدد 48
[5]R .Thomassy, Le Maroc et ses caravanes, Meurtim édition, Paris, p61, 1845.
[6]عز الدين موسى أحمد، النشاط الاقتصادي في المغرب الاسلامي خلال القرن السادس هجري، دار الشروق، القاهرة، 1983،ص 35.
[7]بلهواري فاطمة، التكامل الاقتصادي والمبادلات التجارية بين المدن المغاربية خلال العصر الوسيط، منشورات الزمن، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، 2010، ص 11.
[8]مؤلف مجهول، كتاب الاستبصار في عجائب الامصار وصف مكة والمدينة ومصر وبلاد المغرب، تحقيق عبد الحميد سعد زغلول، جامعة الاسكندرية،1958،ص 109.
[9]Canard(M); Les relations des Mérinides avec les Memeloukes ; Annales des l’institut des études orientales ;1939 ;Paris ;p 73.
[10]مدينة أسست في الفترة الادريسية ولعبت أداور طلائعية، وتحولت في فترة وجيزة من مجرد قرية الى مدينة عامرة ومركز اقتصادي كبير، تعرضت للاندثار ولم تعد لها قائمة في وقتنا الحالي تقع على طريق سوق أربعاء الغرب في اتجاه وزان، على بعد حوالي 40 كلم من الساحل الأطلنتي وحوالي 20 كلم جنوب مدينة القصر الكبير، للمزيد من التفاصيل، انظر: أبي عبيد الله البكري في المسالك والممالك، وابن حوقل في “صورة الأرض”.
[11]ابن حوقل أبي القاسم، صورة الأرض، منشورات دار مكتبة الحياة، بيروت، لبنان،1996،ص 80.
[12] وهو نوع من الشجر البري والزراعي يستخرج منه الصمغ الأحمر.
[13]النشاط التجاري في المغرب الاقصى خلال القرن 9-11 م، رسالة ماجستير، جامعة بغداد،2004،ص 79 .
[14]نفسه ص80.
[15] نفسه ص 81.
[16]نفسه ص 81.
[17]مصطفى عبد الله الغاشي، الطرق وظروف الرحلة الى مكة في الفترة الحديثة –المغرب الاقصى نموذجا- ضمن المغرب والأندلس دراسات في التاريخ والأركيولوجيا –تقديم وتنسيق محمد الشريف، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية تطوان، 2006، ص166.
[18]نفسه ص 166 نقلا عن أبو سالم العياشي “الرحلة الصغرى”.
[19]نفسه ص 167.
[20]عبد العزيز بنعبد الله، تاريخ المغرب في العصر الحديث والمعاصر”، الجزء الثاني، مكتبة السلام، الدار البيضاء، دون سنة النشر،ص80.
[21] محمد المنوني، ركب الحاج المغربي، مطبعة المخزن، تطوان، 1983، ص 9.
[22]عبد العزيز سعود، تطوان في القرن الثامن عشر-السلطة- المجتمع- الدين، منشورات جمعية تطوان أسمير، مطبعة الخليج العربي ط 1،تطوان،2007،ص 195.
[23]عبد العزيز سعود، تطوان في القرن التاسع عشر، مطبعة الحداد يوسف إخوان، تطوان،1996، ص 43.
[24]محمد السليماني، اللسان المعرب عن التهافت الاجنبي حول المغرب، مطبعة الأمنية، الرباط،1971، ص 156.
[25]عكاشة برحاب، مشكلة التجارة بين المغرب والجزائر1830-1907، ضمن ندوة التجارة في علاقتها بالمجتمع والدولة عبر تاريخ المغرب، جامعة الحسن الثاني، الجزء 2، الدار البيضاء،1989، ص 247.
[26]-نفسه. نقلا عن أطروحة عبد الرحمان المودن: إيناون والمخزن 1873-1907، رسالة جامعية، كلية الآداب والعلوم الإنسانية، الرباط، ص420.
[27]-Miége J.L, Le Maroc et L’Europe 1830-1894, P.U.F, Paris, 1962, T2, p267.
[28]-ميمون أزيزا، هجرة أهل الريف إلى الجزائر بين قساوة الطبيعة وعنف الاستعمار (1856-1956) ضمن ندوة العنف في تاريخ المغرب، أشغال الأيام الوطنية 21 للجمعية المغربية للبحث التاريخي 14-16 نونبر 2013، كلية الآداب والعلوم الإنسانية، الرباط،2013،ص 14.
[29]-خالد بن الصغير، الحركة التجارية بمرسى طنجة في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، ضمن ندوة طنجة في التاريخ المعاصر 1800-1956، الناشر العربي للثقافة، طنجة،1991،ص 86 .
[30]أحمد بن خالد الناصري، الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى، وزارة الاتصال والثقافة، الرباط،2001ج 5،ص 197.