حكامة المجتمع المدني ورهانات التنمية المحلية

حكامة المجتمع المدني ورهانات التنمية المحلية دراسة سوسيولوجية لحالة الشبكة الجمعوية للتنمية التشاركية بمكناس      

    نوقشت هذه الأطروحة بتارخ 19 يوليوز 2017 بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بظهر المهراز فاس، ونال صاحبها ميزة مشرف جدا.  وتكونت لجنة المناقشة من الدكاترة الآتية أسماؤهم: د. عبد الرحمان الملكي ـ فاس، د. عبد السلام فراعي ـ فاس، د. بوشتى الخزان ـ فاس، د. عبد المالك ورد ـ مكناس، د. أحمد شراك ـ فاس.

مدخل

           يعد المجتمع المدني أحد ملامح أوجه الرأسمال الاجتماعي الأساس الذي يضيق أو يتسع بحسب مادته من جهة، وطبيعة النظم السياسية والثقافية الموجودة على أرض الواقع من جهة ثانية. فعبره يكتسب الأشخاص قيمة وفعالية في العلاقات والروابط الاجتماعية، مع تشجيعهم على المساهمة والمشاركة في الحياة العامة من أجل تحقيق الكرامة والعدالة الاجتماعية. وهو ما جعل البعض يعتبره قاعدة الديمقراطية وأرضيتها وقائمتها، فأدم فرغسون مثلا من الفلاسفة الذين تساءلوا عن كيفية الحد من تمركز السلطة السياسية خلال مراحل التحول الديمقراطي في المجتمع البريطاني، معتبرا وجود الحركة الجمعوية في المجتمع أحسن أداة ضد الاستبداد بالحكم. وهو نفس الأمر تقريبا أكد عليه عالم الاجتماع الفرنسي إميل دوركايم معتبرا المجتمع المدني مصدرا من مصادر الدولة القوية، فالأفراد لا تحركهم فقط مصالح ذاتية، وإنما أيضا وعيهم وانتماؤهم إلى جماعة تعبر عن وجودهم كأفراد لهم روابط اجتماعية وثقافية وسياسية، وهو ما يجعل من هذه السلسلة من التنظيمات الاجتماعية أو الكيانات الثانوية الوسيطة بين المجتمع والدولة، الكفيلة في الكثير من الوضعيات أو الحالات المرضية من تقديم المساعدة لعلاج أزمات المجتمع المعاصر، بالاعتماد على ما أصبح يعرف بالمقاربة المندمجة والتشاركية مع كل الهيئات السياسية والنقابية والجمعوية. وهو ما يفرض درجة عالية من الوعي التنظيمي والتخطيط الإستراتيجي على مكونات المجتمع المدني اليوم في العالم.

وعليه فمن هذا السياق النظري – وبعض التجارب الميدانية خاصة ما أكد عليه الكسيس دو طوكفيل في كتابه الديمقراطية في أمريكا – تتولد لدينا مجموعة من الإشكالات الإبستيمولوجية الخاصة بالمجتمع المدني ببلادنا، على مستوى البناء التنظيمي من جهة، والممارسة اليومية من داخل الفضاء العام بتعبير هابرماس وعلاقتها بالسياسات العمومية للمؤسسات المنتخبة من جهة ثانية.

 فأي واقع تنظيمي ومهني ببلادنا لمؤسسات المجتمع المدني؟ وأية رهانات مستقبلية له؟ وما مدى قدرته على المساهمة في بسط وتحقيق حكامة التنمية في مستوياتها المختلفة داخل المجال الوطني عموما والمحلية على وجه التحديد؟  

ولمقاربة هذا الموضوع من الناحية السوسيولوجية مع الانفتاح على حقول معرفية أخرى كلما دعت إلى ذلك الضرورة عملنا على تتبع الخطوات التالية المعتمدة في بحوث علم الاجتماع.

  1. دوافع البحث

في كتابه ميلاد المجتمع يتحدث مالك بن نبي أنه حينما يرتخي التوتر داخل خيوط الشبكة، فتصبح عاجزة عن القيام بالنشاط المشترك بصورة فعالة فذلك أمارة على أن المجتمع مريض وأنه ماض إلى نهاية. أما إذا تفككت الشبكة نهائيا، فذلك إيذان بهلاك المجتمع، وحينئذ لا يبقى منه غير ذكرى مدفونة في كتب التاريخ”.

استنادا إلى هذا القول وغيره من الأقوال المعبرة عن واقع الحال الذي يعلوا ولا يعلى عليه، تحكمت في عملنا البحثي هذا دوافع ذاتية وموضوعية. الأولى يطبعها هاجس الممارسة الميدانية والتطبيق العملي لكل المكتسبات من التعلمات خلال مسارنا الدراسي، لأن المصطلحات والكلمات لا تكتسب قيمة ويكون لها وجود في الزمان إلا داخل الحياة العملية، بما هي مجال للممارسة والجدال الفكري، الذي يعتبر لبنة أساس في عملية التشييد والبناء لمجتمع تنموي حقيقي، ينعم فيه الفرد والجماعة بسعادة الحياة، بعيدا عن كل إكراه أو عنف أو قهر اجتماعي مادي أو رمزي.

فيما الدوافع الموضوعية ترتبط بما تعرفه الحياة المجتمعية من أزمات البؤس والفقر والإقصاء الاجتماعي، فأشكال ومظاهر وظواهر اجتماعية وغير اجتماعية أصبحت منتشرة بشكل ملفت للمساءلة والقلق الفكري داخل الفضاء العام، ليس بالمجال الحضري فقط، وإنما حتى بالعالم القروي، نظرا لمجموعة من التغيرات التي يعرفها هذا المجال في الآونة الأخيرة، والتي أصبحت محط انتباه ومساءلة سوسيولوجية من طرف علماء الاجتماعي القروي. وهو ما يعني أن المجالين معا أصبح يفرضان مجموعة من التحديات والرهانات، لم تعد سياسة الرجل الواحد والعبقري، قادرة على إيجاد الحلول السحرية لدوائها وعافيتها، وإنما الأمر وبشكل لا مجال فيه للخطابات السوفسطائية، يفرض القيام بعملية تشاركية مندمجة لكل القوى الفاعلة في الحقل الاجتماعي، بدءا بالدولة ومؤسساتها، وصولا عند القطاع الخاص، وانتهاء وليس نهاية عند المجتمع المدني بكل أشكاله المجتمعية. هذا الأخير الذي أصبح يفرض نفسه على الدولة بسبب تراجعها عن أداء مجموعة من الخدمات الاجتماعية بشكل قصدي أو غير قصدي، وهو ما أثار انتباه العديد من الباحثين في حقل العلوم الإنسانية، وعلى رأسها علم الاجتماع.  فسالت في ذلك أقلام ونسجت أفكار ولا تزال إلى يومنا هذا، نظرا لكون مؤسسات المجتمع المدني يلحقها التغيير والتحول لارتباطها بقضايا المجتمع التي تعرف حركية جد سريعة ومتقلبة.

  • أهمية البحث واشكاليته

لكل بحث أهمية كبرى أو صغرى يستقيها من إشكاليته المركزية ، ومما يعتبر قيمة مضافة في خزانة البحوث السوسيولوجية الخاصة بفرع معين أو فروع متداخلة فيما بينها، وبحثنا هذا المعنون بحكامة المجتمع المدني ورهانات التنمية المحلية” حالة الشبكة الجمعوية للتنمية التشاركية بمكناس تكمن أهميته في كونه مساءلة سوسيولوجية لواقع المجتمع المدني ببلادنا عموما، ومجال الدراسة من خلال عينة البحث على وجه التحديد، خاصة وأنه يعد أول بحث سوسيولوجي لنيل شهادة الدكتوراه بالمدينة، بما هي مختبر اجتماعي La ville comme laboratoire social   . فالتقارير الدولية والوطنية تشير بشكل صريح إلى ما عرفه قطاع المجتمع المدني من تنامي عددي فاق المائة ألف جمعية، مما جعلها فريسة للمساءلة من داخل العلوم الإنسانية عموما، وعلم الاجتماع على وجه الخصوص، خاصة وأن مهمة الباحث في علم الاجتماع كما يقول كلود جافو تكمن في مساءلة الوقائع الاجتماعية، بغاية الوصول إلى تفسير الأسباب أو الشروط التي أدت إلى ظهور مشكلة ما، في سياق الأشياء الاجتماعية. فإذا لم تكن هناك مسألة لا يمكن أن تكون معرفة علمية، فلا شيء يعطى كل شيء يبنى، من خلال وعي غير منفصل عن الواقع، بتعبير الإبستيمولوجي الفرنسي غاستون باشلار.

بالإضافة إلى ما شهدته الحياة الجمعوية في الآونة الأخيرة، من ظهور لأشكال تنظيمية رافعة شعار التنمية عموما، والبشرية على وجه الخصوص، هذه الأخير التي يعزف على وترها ونغماتها الكل تقريبا، السياسي، والاقتصادي، والاجتماعي. إلا أن التنمية الحقيقية لا تتحقق عبر ما نشاهده من تشتت للقدرات والقرارات بين كونات المجتمع ببلادنا، وإنما تحقيقها رهين بسياسة تشاركية مندمجة لكل الفئات المجتمعية رغم اختلافها الإيديولوجي، وبالاعتماد على آليات تدبيرية محكمة، وهنا يحضر مفهوم الحكامة بما هو آلية من آليات الفعل التدخلي في الحياة العامة للمواطنين.

وعلى هذا الأساس بالذات يأتي إشكالنا المركزي في هذه الدراسة البحثية، والمتمثل في إلى أي حد يمكن القول معه أن الشبكة الجمعوية للتنمية التشاركية بمكناس في بنائها التنظيمي، وأداءها الوظيفي والمهني، تعمل على تطبيق فلسفة الحكامة، للمساهمة في ربح رهانات التنمية المحلية، والانخراط الفعلي في مسلسل حكامة التنمية البشرية عموما، والمحلية على وجه الخصوص.

وحتى تتضح الصورة أكثر عملنا على تجزيء الإشكالية المحورية في البحث إلى تساؤلات فرعية من قبيل:

  • ما قيمة التشبيك الجمعوي في حياة العمل التطوعي؟
  • كيف يستقبل ويتعامل الجسم الجمعوي مع مفهوم الحكامة المستورد من حقل المقاولة والاقتصاد؟
  • إلى أي حد خلق المجتمع المدني ببلادنا لنفسه اليوم أدوات منهجية تلاءم أدواره المجتمعية الجديدة سواء على مستوى تنظيمه أو آليات اشتغاله؟
  • كيف تقرأ وتتعاطى هذه التنظيمات الوسيطة مع مفهوم التنمية المحلية بالعالم الحضري على وجه الدقة؟
  • ما نظرة الدولة والمؤسسات الحزبية والصناعية إلى واقع ومستقبل المجتمع المدني المتمثل أساسا في الجمعيات في صناعة السياسات العمومية والبرامج التنموية؟
  • فرضية البحث

ولهذا الغرض قسمنا الفرضيات إلى عامة وجزئية:

فالأولى نعتبر فيها أن التحول الكمي والنوعي للجسم الجمعوي بالمجال الحضري، على مستوى التنظيم وآليات الاشتغال، يتبعه إسهام فعلي ناجع في تحقيق التنمية المحلية بالمدينة.

أما الثانية فتكمن في:

  • كلما كان البناء التنظيمي لمؤسسات المجتمع المدني مؤسس على قواعد ديمقراطية قانونية، كلما كانت الفعالية في الوجود مستمرة.
  • كلما كانت الاستقلالية في القرار والتخصص الوظيفي والاحتراف المهني حاضرة في جسم تنظيمات المجتمع المدني، كلما كان ربح التنمية المحلية بالمدينة أمرا ممكنا.
  • البرامج والمشاريع المخطط لها بشكل تشاركي وبعقلية حكماتية بين أفراد المجتمع، أساس الإنجاز وتحقيق المردودية المادية والمعنوية.
  • إقامة شراكة مع مؤسسات أو منظمات وطنية ودولية، قيمة مضافة في إنتاج الخيرات وتطوير القدرات.
  • الحرص على تفعيل توصيات الحوار الوطني حول المجتمع المدني لسنة 2013 من طرف الدولة وباقي الشركاء بما فيهم المجتمع المدني، خطوة مهمة في مسار تفعيل نمط حكامة التنمية المحلية.
  • الحرص على تطبيق مقتضيات دستور 2011 في جانبه المتعلق بالأدوار الأساسية للمجتمع المدني، مبدأ أساس لربح رهان التنمية التشاركية المستدامة وضمان التماسك المجتمعي.

4 – منهجية البحث

ولتحقق من الفرضية العامة أو الفرضيات الجزئية تم الاعتماد على منهج دراسة الحالة أو ما يسمى بالمنهج المونوغرافي من خلال القيام بعملية وصفية تحليلية، مستعينين في ذلك بأدوات بحثية ممزوجة بتقنيات كمية وكيفية، بدءا بالملاحظة، مرورا بالمقابلة والاستمارة، وصولا إلى تحليل المضمون، بما هو وسيلة لربط الخطاب بالواقع، لأن كل شكل في الوجود كما يقول ريمون لودريت له علاقة بالمجال، وكل شكل في المجال ينخرط في علاقات مجالية مع أشكال أخرى. لكون المجال عند آل العلوم الاجتماعية يرتبط بعقلنة الفعل الاجتماعي داخل الفضاء أو الحيز الجغرافي، وما ينتج عن هذا الفعل من أدوار وعلاقات سوسيو اقتصادية. إضافة إلى كونه حلبة صراع بين استراتيجيات سياسية مختلفة ومتعارضة، تتوخى مراقبته قصد التحكم في سير المجتمع ككل.

5 – عناصر البحث

وحتى نتمكن من بناء معرفة سوسيولوجية متكاملة الأركان ومعالجة لكل إشكالات الموضوع عملنا على تقسيم هذه البحث إلى قسمين بعد مقدمة وخاتمة، لكل واحد منها مقدمة وخاتمة مع فصول تصل في مجموعها إلى ستة، وهي كالتالي.

القسم الأول: حكامة المجتمع المدني والظاهرة الجمعوية كموضوع سوسيولوجي:

من خلال هذا القسم حاولنا الكشف عما يؤسس لمجتمع مدني مكتمل الأركان من جهة، ولسوسيولوجيا الجمعيات من جهة ثانية. ويضم ثلاثة فصول.

    الفصل الأول: الحكامة: مفهومها، مرتكزاتها، أسس بنائها

تم الوقوف عبره على الخلفيات النظرية لمفهوم الحكامة وبعض تقاطعاته وامتداداته الفكرية مع ذكر أهم المرتكزات والأسس التي ينبني عليها المصطلح في شموليته معرجين مع ذلك على أهم المجالات التي من اللازم حضوره بداخلها خاصة الجانب الاجتماعي والاقتصادي والسياسي بما هي مجالات الحياة الأساس كلما كان تدبييرها بشكل محكم وبعقلية تشاركية كان لها وقع على المعيش اليومي للمجتمع الوطني والمحلي.

الفصل الثاني: المجتمع المدني من السياق الكوني إلى التجربة المغربية

ويتضمن السياق التاريخي لنشأة وتطور مفهوم المجتمع المدني في الفكر الفلسفي عموما والسوسيولوجيا على وجه الخصوص. مع الوقوف على بعض الحيثيات التي رافقت انتقال المفهوم من سياق ثقافي إلى أخر له القدر الوافر من الاختلاف والتشابه مع سابقه.

الفصل الثالث: الظاهرة الجمعوية كموضوع سوسيولوجي

ويحتوي على تعريف للتنظيم الجمعوي وهويته الثقافية من خلال حقول معرفية فلسفية وقانونية وسوسيولوجية ومدى استفادة سوسيولوجيا الجمعيات اليوم من العدة النظرية لسوسيولوجيا التنظيمات خاصة المقاولاتية علما أن الجمعية كتنظيم اجتماعي تشبه في كثير من جوانبها المقاولة مع الاحتفاظ بالخصوصيات لكل تنظيم على حدة.

القسم الثاني: العمل الجمعوي والبعد التنموي المحلي بالمجال الحضري (حالة الشبكة الجمعوية للتنمية التشاركية بمكناس)

من خلاله يتم تحقيق دراسة سوسيولوجية امبريقية لكل محتويات التنظيم المدروس البنائية والوظيفية مع الوقوف على محدودية هذا التنظيم في المساهمة التنموية بالمجال الحضري. وذلك من خلال فصول ثلاثة:

الفصل الرابع: العمل الجمعوي وسياسة تدبير المجال الحضري

ويعرض لأهم السمات والخصائص التي تميز الظاهرة الجمعوية عموما منذ عهد ما قبل الاستقلال إلى اليوم، وصولا إلى المجال المدروس من جهة والمتمثل في حاضرة مدينة مكناس، والعينة المبحوثة من جهة أخرى بما هي حالة الشبكة الجمعوية للتنمية التشاركية وما تتضمنه من جمعيات ذات طابع تنموي تشاركي، بالإضافة إلى استحضار أهم اللحظات التاريخية لمسلسل تدبير المجال بالمغرب وما مدى إسهام المجتمع المدني في ذلك، بغية إحقاق التنمية المجتمعية عموما والمحلية على وجه الخصوص.

الفصل الخامس مسلكيات التنمية المحلية والتغير الاجتماعي بالمدينة

من خلاله تم الوقوف على معنى التنمية وما لحق المفهوم من تطور في الدلالة اللفظية والمعنوية المادية أولا، واهم النظريات السوسيولوجية المؤطرة لما يسمى بسوسيولوجيا التنمية والتغير الاجتماعي ثانيا، مع الحرص على تبيان وتحليل أهم المسلكيات المختلفة والمصادر المتنوعة لتحقيق التنمية المستدامة ثالثا.

الفصل السادس: حكامة الفعل الجمعوي والبعد التنموي المحلي

إن ما يجعل الفعل الجمعوي ذا مغزى يحمل معنى ويبلغ رسالة، أي معنى التنمية المجتمعية المستدامة، هو الاعتماد في نظرنا على الأسس النظرية التي ينبني عليها مفهوم الحكامة من قبيل الديمقراطية التشاركية، التخطيط الاستراتيجي المندمج، العمل بالمشروع المتكامل بين أفراد التنظيم، الاحتكام إلى القانون المؤسس والمؤطر لعمل التنظيم….الخ. إذ بموجبها يتشكل مجتمع مدني قوي يساهم في تأسيس دولة قوية، حتى وإن كان الأول في قوته مرتبط بقوة الثانية التي هي الدولة، أي دولة قوية تساوي مجتمع مدني قوي والعكس صحيح.

وفي هذا الفصل وغيره من الفصول السابقة حاولنا الوقوف بالدراسة والتحليل السوسيولوجي عند التنظيم المدروس، وما مدى تمثله من الناحية العملية لمبادئ وأسس الحكامة، سواء على مستوى البناء الهيكلي التنظيمي، أو على مستوى الوظيفة المهنية في الحياة المجتمعية. مسجلين حضور البعض وغياب البعض الآخر، مفسرين ذلك بأسباب ذاتية وأخرى موضوعية لها صلة وصل بحال ومآل هيئات المجتمع المدني ببلادنا عموما، والمدينة الإسماعيلية على وجه التحديد. 

6 – خلاصات البحث:

لا ندعي الإحاطة الشاملة بكل إشكالات وقضايا المجتمع المدني الراهنة في الوقت المعاصر وإنما محاولة بحثية في بحر لجي يغشاه موج من التساؤلات المتعلقة بقضايا التنظيمات الوسيطة بين الدولة والمجتمع على مستوى بنائها التنظيمي أو الوظيفي الذي يمكن أن تلعبه اليوم من خلال العلاقة الممكنة مع مفهوم الحكامة كآلية منهجية في التعامل من جهة والتحولات المجتمعية على أكثر من مستوى من جهة أخرى، وذلك لربح التنمية المحلية دون الادعاء بقدرة هذه التنظيمات لوحدها على فك جينات انحلال الروابط الاجتماعية وتفشي المسألة بكل أشكالها في المجتمع الواحد والمجال الواحد، وإنما أمر يتطلب نهج مقاربة تشاركية مندمجة لكل القوى المجتمعية لربح التنمية على مستويات عدة اقتصادية واجتماعية وسياسية وثقافية وبيئية …الخ.

ولهذا خلصنا إلى ما يلي:

  • لم يعد مصطلح الحكامة قاصدا فقط حفظ التوازن الاقتصادي بالمؤسسات الصناعية بل تعداها ليشمل كل التنظيمات بما فيها الاجتماعية المسمى بالوسيطة بين الدولة والمجتمع. مما يفيد معه أن الحكامة تدل على كفاءة المجتمعات على توفر أنظمة تمثيلية وهيئات اجتماعية قادرة على تسيير وتدبير الترابطات الاجتماعية والقضايا السياسية بشكل يعتمد الكفاءة العقلية والأخلاقية.
  • رغم الطابع الكوني الذي أضحى يكتسبه مفهوم المجتمع المدني إلا أن ذلك لا يمنع القول بوجود خصوصيات بين المجتمعات البشرية على مستوى نظرتها لنشأته وتطوره من جهة، ولأدواره المجتمعية من جهة ثانية.
  • لأحد ينكر وجود تنظيمات اجتماعية وسيطة خبرها المجتمع المغربي منذ القدم وربما إلى يومنا هذا لا تزال بعض إرهاصاتها بادية في الحياة القروية على وجه الخصوص، إلا أنها لا ترقى إلى المستوى الذي قد توجد عليه اليوم هذه التنظيمات رغم وجود أعطاب ذاتية وموضوعية ترتبط بها. مما يوحي بوجود نسقين من التنظيمات أو الهيئات الوسيطة بالمجتمع. نسق تقليدي روابطه قبلية ومجالية، ونسق حديث مبني على فلسفة التعاقد بشكل إرادي بين الذوات المشكلة للتنظيم.
  • بفعل التحديات التي يفرضها المجالين الحضري والقروي من جهة، وتنامي معه أشكال البؤس والحرمان الاجتماعي أصبح من اللازم على مؤسسات الدولة والقطاع الخاص نهج سياسة تشاركية حقيقية ومندمجة لكل الهيئات المجتمعية بما فيها مؤسسات المجتمع المدني التي أضحت شريكا استراتيجيا لا بديل عنه بالنسبة للدولة لتحقيق الرفاهية والتقدم وبالتالي تحقيق التنمية البشرية المندمجة والمنشودة من طرف أفراد المجتمع.
  • بما أن الإنسانية وبتعبير باسكال تشبه رجلا يتعلم باستمرار من جهة، والكون يتقدم باستمرار وبحرية كاملة وفي سيرورة لا متناهية بتعبير الفيلسوف الألماني لبينتس من جهة أخرى، فتحقيق التنمية والتغيير الاجتماعي يقتضي تضافر الجهود بين كل المكونات السياسية والاقتصادية والاجتماعية وفق رؤية وتخطيط استراتيجي بشكل معقلن ومحكم.

يكتسي التشبيك داخل المجتمع المدني راهنية كبرى وقيمة محورية في التعامل مع المشكلات الاجتماعية المعقدة داخل المجتمع الواحد، فعبره يخلق التنافس بين مؤسسات المجتمع ذات الصلة بالعمل الجمعوي من جهة، وخلاله يكتسب الأفراد ويتبادلون قيم ومهارات فكرية وعملية تساعدهم في تقعيد عملهم المهني، رغم بعض السلبيات التي يمكن أن تنتج عن عملية التشبيك على مستوى حضور الجمعيات الصغرى أو المتوسطة عددا وعدة.  

Leave A Reply

Your email address will not be published.