مقومات السلم المدني المتضمنة في وثيقة المدينة

ملخــص:

تعتبر وثيقة المدينة التي كتبها رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثابة دستور أمة، يدخل فيها كل من ينتمي إلى نفس الموطن، يتمتع مواطنيها بقوانين وحقوق تكفل لهم كرامتهم وحريتهم، ويتحملون واجبات والتزامات اتجاه وطنهم واتجاه أفراد المجتمع، وهو ما يسمى في القوانين الوضعية بدستور العقد المدني الاجتماعي، ويتجلى هذا من خلال بنود الوثيقة التي عقدها رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين الأنصار، وبين اليهود والمشركين، بعيدا عن الدعوة إلى الله تعالى التي اختصه الله بها، وهذا إن دل على شيء إنما يدل على وعي الرسول الكريم بأهمية إرساء قانون الدولة المدنية، والقيام بها على أحسن وجه ووفق لقانون يشمل كل الأفراد، دون تمييز بينهم من حيث الشكل، والجنس، واللون، والمعتقد، بحيث يتمتع كل المواطنين بوطنيتهم، ويتحملون مسؤوليتهم وواجباتهم جميعا اتجاه وطنهم، ولقد اعترف المستشرقون وغير واحد منهم بأن أول من وضع قانون الدولة المدنية هو محمد صلى الله عليه وسلم، حيث قال أحدهم:” بأن محمدا كان رجل دين ورجل دولة بامتياز”. حيث تضمنت الوثيقة مقومات قوية ومهمة لتحقيق السلم المدني بين أفراد المجتمع رغم اختلاف المعتقد، لتحقيق التعايش والتكافل بين الجميع، وتعتبر وثيقة المدينة المرجع الأساسي لبعض القوانين الوضعية لبناء الدولة المدنية، بكونها أول وثيقة تاريخية وضعت لبناء ما يسمى الآن بالدولة.

Abstract:

The need of civilizations to the Prophet’s biography, the city document model.
The current observer in the problem of the contemporary world is the problem of the type of state, the type of its relations with the people on its territory, the extent to which they enjoy their rights and their lives, and the contemplator in the prophetic document finds that it represents the religious origin of the civilizational experiment in building the civil state with Islamic reference. It is necessary for this article to stand on the exemplary ideal picture of the divine wisdom in the building of man and society and the engineering of the state, through our study of the document to stand on the purposes of the civilizational project that it stipulated.

مقدمة:

إن الإسلام منهج إصلاح اجتماعي متكامل، ودين تحقيق المصلحة ودرء المفسدة، وترجيح الأولويات الكبرى ودين الموازنة بين الخير والشر، فهو ليس نظاما تعبديا فحسب، وإنما هو نظام اقتصادي، تربوي، سياسي، واجتماعي، في كلياته وجزئياته، الأصولية أو الفرعية، فهودين سلم وسلام وأمن وطمانينة،ودين يسر ووسطية واعتدال، يقول تعالى:” وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً”[1]، فالله تعالى اختار سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم آخر رسله وخاتمهم، وختم للإنسانية أجمع بكتابه الحكيم ذو الرحمة والهداية والرشاد. والذي يعتبر دستور ومرجع هذه الأمة، ومنهاجها الأصلح وطريقها الأقوم، وأكمل لها الدين وأتمه على يد رسوله الأكرم، صلى الله عليه وسلم، ورسالته ليست محطة تربوية شخصية يُتوقف عندها، وإنما هي رسالة عالمية بوصفها رحمة للعالمين، بكل ما تحمل من معاني الرحمة في الاقتصاد والسياسة والأسرة وحفظ الحقوق، ورعاية الضعفاء، يقول تعالى في هذا الصدد: “وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ”[2]،ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أُسوة حسنة، فقد تركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها، وأوضح ما كان مبهما، وبين ما كان مجملا، وقد عالج جميع جوانب ومناحي الحياة، سواء الدنيوية أو الأخروية، وكل ما يهم الإنسان على وجه الخصوص، والجماعة والمجتمع على وجه العموم، وكما هو معلوم أن الإنسان اجتماعي بطبعه، ويحتاج للعيش وسط الجماعة، حتى تستقيم حياته وتستوي على سوقه، ولكي تتحقق هذه الحياة سواء الفردية أو الجماعية لابد من توفر عنصر مهم وأساسي لسيرورة الحياة، ألا وهو السلم والسلام، والأمن والأمان والطمأنينة، سواء تعلق الأمر بالسلم النفسي الداخلي، أو الخارجي، المتمثل في مقومات العيش وسط الجماعة، حتى ينعم الإنسان بالراحة والاستقرار، ليتمكن من أداء دور وجوده في هذه الحياة، وهو أعظم ما خصه الله تعالى به وهو العبادة والاستخلاف في الأرض وإعمارها على أحسن وجه، والجهاد في تحقيق المسؤولية الملقاة على عاتقه سواء اتجاه خالقه، أو نفسه، أو أسرته، أو مجتمعه، أو وطنه، أو اتجاه أمته الإسلامية، ولن يتأتى هذا الدور إلا باستشعار الفرد بداخله السلم والأمان، لكي يستقر به مقامه وتهدئ نفسه، لهذا كان محور بحثنا حول السلم، لكن ليس بإطلاق، ولكن بتخصيصه بالسلم المدني ومقوماته من خلال وثيقة المدينة التي كتبها صلى الله عليه وسلم عند هجرته للمدينة، واستخراج أهم ما تتضمنه من مقومات عقدية وأخلاقية واجتماعية لتحقيق مبدأ السلم الذي نحن بصدد الحديث عنه.

مع العلم أننا في حاجة ماسة لتناول هذا الموضوع، والذي يمكن أن نعتبره موضوع العصر، وخاصة ما نراه في واقعنا الحالي، وما تمر به دول العرب خصوصا، مثل سوريا والعراق ومصر… من حروب وتقتيل وتدمير، وهذا مما جاء الإسلام ليصدع بأنه مخالف تماما لمقاصد الشريعة السمحة.

أهمية الموضوع:         

 

يعالج هذا الموضوع أهم مقومات الحياة الإنسانية في الوجود ألا وهي السلم والسلام، وهو عنصر أساسي لسيرورة الحياة وتمكينها فوق الأرض، وإن عرف هذا العنصر خللا أو انعدما، فستختل موازين الاستقرار والعيش والتمكين والاستخلاف في الكون، وكان لابد من التطرق لأهم مقوماته المستخلصة من وثيقة المدينة، التي كتبها الرسول صلى الله عليه وسلم عند إقامة الدولة المدنية، بين فئات المجتمع المختلفة في الدين والعقيدة، للاستفادة منها في العصر الحالي، وتنزيلها تنزيلا صحيحا على أرض الواقع، وكيف لا ونحن نعلم التكتلات والضغوطات التي تعاني منها الأمة الإسلامية سواء الداخلية أو الخارجية.

الدراسات السابقة في الموضوع:

هناك نوعين من الدراسات السابقة، دراسات عنت خصوصا بدراسة الوثيقة واستخراج مضامنيها، ودراسات متعلقة بمواضيع التاريخ الإسلامي، والسيرة النبوية والسياسة الشرعية، والحكم السياسي الإسلامي.

الدراسات السابقة التي تناولت الحديث عن الوثيقة أساسا:

  • التربية الإيماينة للصحابة في المدينة المنورة، لإبراهيم محمد خالد برقان، دراسات علوم الشريعة والقانون، المجلد42، العدد1، السنة 2015. تتحدث هذه الدراسة عن التربية الإيمانية للصحابة رضي الله عنهم في المدينة، وأسس هذه التربية وخصائصا ومظاهرها، وقد تناولت هذه الدراسة الحديث عن وثيقة المدينة ودورها في التربية الإيمانية.
  • حقوق الآخر في ضوء وثيقة المدينة المنورة: تأصيل إسلامي لمبدأ التعايش، لخالد عليوي جياد، مجلة رسالة الحقوق، السنة الرابعة العدد الثاني، السنة 2012م، وهذه الدراسة تناولت بالخصوص الحديث عن صورة الآخر من خلال بنود الوثيقة وبينت الحقوق التي يتمتع بها في ظل هذه الوثيقة.
  • معاهدات الرسول صلى الله عليه وسلم، دراسة الأبعاد الإنسانية، لجنيد أحمد الهاشمي –وشاه معين الدين الهاشمي، القلم 2013م، العدد 380. وهذه الدراسة تناولت الحديث خصيصا حول الأبعاد الإنسانية المتضمنة داخل بنودها.
  • وثيقة المدينة المنورة الدستور الإنساني الأول، للسيد عمر، هذه الدراسة جاءت تشرح بنود الوثيقة ولا علاقة لها بمضوع السلم المدني.
  • وثيقة المدينة المضمون والدلالة، لأحمد قائد الشعيبي، كتاب الأمة عدد 110، يناير 2006، وهي مجلة تصدرها وزارة الأوقاف القطرية، السلسلة الخامسة والعشرون. ويمكن أن نعتبر هذه الدراسة هي الدراسة التي تناولت الحديث عن الوثيقة بتفصيل، من جميع جوانبها وتحليل بنودها وتصنيفها إلى أصناف اجتماعية وسياسية وأمنية.

الإضافة الجديدة هي استخراج مقومات السلم الاجتماعي من بنود الوثيقة، التي يمكن أن تكون أساسا وسببا في تحقيق التعايش بين الأفراد بوجه خاص، أو بين الأفراد والدولة بوجه عام.

المنهج المتبع:

المنهج المتبع في هذا البحث هو المنهج الاستقرائي، وذلك باستقراء بنود وثيقة المدينة كاملة، وتتبعها لاستخلاص أهم مقومات السلم المدني التي تضمنتها، ثم اتباع المنهج التحليلي، وذلك من خلال تحليل الأفكار المتضمنة في الوثيقة ومدى مطابقتها مع مفهوم السلم الذي تطمح إليه النفوس وتطمئن له، من أجل سيرورة عجلة الحياة التي خلقها الله تعالى لعباده المستخلفين.

إشكالية الموضوع:

يعالج هذا الموضوع قضية مهمة وهي: مقومات وأبعاد السلم المدني المستنبطة من وثيقة المدينة، التي كتبها الرسول صلى الله عليه وسلم، قبل أربعة قرون ونيف، بمعنى هل يمكن الرجوع إلى محتوى هذه الوثيقة الضاربة في الزمن، واعتمادها كمرجع أساسي لتأسيس الدولة المدنية وفق قوانين محكمة، ونظم أساسية تحقق العدل الاجتماعي، وتحقق السلم والأمن والأمان بين جميع الأفراد، على اختلاف أجناسهم، وديانتاهم، ولغاتهم، وثقافتهم، وحضارتهم، وفكرهم، والوصول إلى نقطة مشتركة للاجتماع، لتحقيق ثمرة العيش المشترك؟

المبحث الأول: مفهوم السلم والآيات الدالة عليه في القران الكريم

الموضوع يعالج بصفة عامة السلم في جزئياته وفرعياته، ولابد قبل تناول أبعاده في مضمون الوثيقة أن نعرف به.

تعريف السلم لغة:

السلم لغة: جمع أسلُم وسِلام، وبالكسر: المسالِم، والصلح، والسلام، والإسلام، وبالتحريك: السلم، والاستسلام والخضوع[3].

والسلام: من أسماء الله تعالى، والسلامة: البراءة من العيوب، وسلم من الآفة، بالكسر، سلامة، وسلمه الله تعالى منها تسليما، وسلمته إليه تسليما فتسلمه: أعطيته فتناوله. والتسليم: الرضا، وأسلم: انقاد، وصار مسلما[4].

وجاء بنفس المعنى في كتاب مفردات غريب القران، السلم: بمعنى الصلح قال تعالى: ” ولا تقولوا لمن ألقى لكم السلم لست مؤمنا”[5]، وقيل: نزلت فيمن قتل بعد إقراره بالإسلام ومطالبته بالصلح، وقوله تعالى:” يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة”[6]، وقوله تعالى:” فان جنحوا للسلم”[7]،وقيل: السلم اسم بإزاء حرب، والإسلام: الدخول في السلم، وهو أن يسلم كل واحد منهما أن يناله من ألم صاحبه، ومصدر أسلمت الشيء إلى فلان: إذا أخرجته إليه، ومنه السلم في البيع.

نستخلص من التعريف اللغوي للسلم، أن من معانيه، الصلح والاستسلام والانقياد والخضوع والإيمان وضده الحرب.

تعريف السلم اصطلاحا:

السلم كلمة واضحة المعنى، تعبر عن ميل فطري في أعماق كل إنسان، وتحكي رغبة جامحة في أوساط كل مجتمع سوي، وتشكل غاية وهدفاً نبيلاً لجميع الأمم والشعوب. والسلم من السلام وأصله السلامة، أي البراءة والعافية والنجاة من العيوب والآفات والأخطار. ويطلق السلم بلغاته الثلاث السِلم والسَلم والسَلَم على ما يقابل حالة الحرب والصراع. وهو تعبير عن العلائق الطبيعية بين بني الإنسان، وأن القتال هو حالة استثنائية أجازها الإسلام في حالة واحدة، وهي قتال أئمة الكفر الذين يكون كفرهم سببا لامتناع الجمهور عن الدخول في الإسلام[8].

ويعد السلم استسلاما باطلا إذا أدى إلى الهوان، أو التنازل عن حق مقدس، أو في حالة تخلي الأمة عن مشروعها الحضاري، ولا يكون السلام واقعا عند جنوح الطرف الآخر للسلم.

النصوص القرآنية المؤصلة للسلم:

إن النصوص القرآنية المؤصلة للسلم كثيرة جدا وسأقتصر على بعضها على سبيل المثال، وليس الحصر، نذكر من بينها:

  • يقول تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ﴾[9]، فالسلم هنا بمعنى الإسلام، وقال الكسائي:” السِّلْم والسَّلَم بمعنى واحد، وهما جميعا يقعان للإسلام والمُسالمة[10].
  • وقوله تعالى: “وَإِن جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ، إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ”[11].
  • وقوله تعالى:” فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَن يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ[12].
  • وقوله تعالى: “إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَىٰ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَنْ يُقَاتِلُوكُمْ أَوْ يُقَاتِلُوا قَوْمَهُمْ  وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَاتَلُوكُمْ  فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا “، والمقصود من ذلك الذين يتصلون بهم ويدخلون فيما بينهم من الجوار والحلف، والمعنى فلا تقتلوا قوما بينهم وبين من بينكم وبينهم عهد، فإنهم على عهدهم، وفي هذه الآية دليل على إثبات الموادعة كما قال الإمام القرطبي:” الموادعة ثابتة بين أهل الحرب وأهل الإسلام إذا كان في الموادعة مصلحة للمسلمين”[13].
  • وقوله تعالى: “الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ[14] وذلك الإلقاء عائد على المشركين، ومعنى السِّلم: الاستسلام والانقياد لحكمه تعالى[15].

فالسلم في هذه الآيات جاء بمعنى الاستسلام والخضوع والانقياد لحكم الله تعالى.

المبحث الثاني: دراسة حول وثيقة المدينة

لقد اتجه الرسول صلى الله عليه وسلم بعد أن قوت صلة الأتباع بربهم، إلى بناء أول صرح إسلامي وهو المسجد، كما وثق الصلة بين المهاجرين والأنصار بالمؤاخاة التي وحدت صفهم، وجلبت أنظار الآخرين من غير المؤمنين – المشركين واليهود- المتواجدين في المدينة، ثم توجه اهتمامه إلى رسم سياسة مسالمة لكلا الفريقين، تفاديا لوقوع النزعة والفرقة بينهم، محاولا نشر الدعوة الإسلامية خارج المدينة، وتعاليم الدين وشؤون الدولة الفتية الجديدة، وخاصة وأن الدعوة لا تزال في بدايتها وفي أولى مراحلها، وأقام صلى الله عليه وسلم بينه وبينهم معاهدة، تعتبر من أهم الوثائق الدينية والسياسية التي حفظها التاريخ.

إذن ما هي مسميات هذه الوثيقة؟

مسميات الوثيقة

الكتاب: لقد أطلق ابن إسحاق على هذا النص اسم الكتاب، حينما وضع عنوانا له بقوله[16]:” وكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابا بين المهاجرين والأنصار، وادع فيه اليهود وعاهدهم، وأقرهم على دينهم “وهذه التسمية وردت مرتين في البند رقم 1: “هذا كتاب من محمد النبي”، والثانية في البند رقم 47: “وأنه لا يحول هذا الكتاب…”

الصحيفة: بينما نجد هذا الاسم ورد في المتن ثماني مرات ( البنود: 22- 37- 39)، وتكرر مرتين في البند (42) وثلاث مرات في البند( 46)، ورغم هذا التكرار لاسم الصحيفة في المتن، إلا أن ابن إسحاق قد يكون فضل اسم الكتاب، لأن مدلول الصحيفة يجعلها أقرب إلى كونها إعلانا من جانب الرسول صلى الله عليه وسلم، يظهر فيه الأمور التي يريد الالتزام بتنفيذها من جميع الأطراف داخل المدينة، أما الكتاب فقد يدل على الأمر الواجب التنفيذ، وهذا القول أيضا نهجه الدكتور صالح احمد العلي([17])حيث قال: إن كلمة كتاب وردت في القران بنفس المعنى في قوله تعالى: “كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ”([18]). وقوله تعالى أيضا:” إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا”([19]).

أي أن الرسول صلى الله عليه وسلم قصد من إصدارها بيان الأمور التي يرى وجب إتباعها، فهي بيان مسجل للتنظيمات التي يريد أن يتبعها الناس ([20]).

المعاهدة: هي أول معاهدة لحسن الجوار في الإسلام التي عقدها الرسول صلى الله عليه وسلم بعد هجرته إلى المدينة مع اليهود، وأقرهم على دينهم وأموالهم وشرط لهم واشترط عليهم ([21]).

إذن ما هو مفهوم المعاهدة وخاصة في العصر الحالي، نسمع كثيرا بالمعاهدات والمواثيق الدولية لضبط المفهوم وللتمكن من تنزيله على أرض الواقع.

المعاهدةلغة: من الاعتهاد، والتعاهد والتعهد بمعنى واحد، هو إحداث العهد بما عهدته[22]. وقد وردت في اللغة العربية ألفاظ كثيرة مرادفة لمعنى المعاهدة كما هو الشأن بالنسبة للإل والذمة والحلف واليمين والميثاق[23].

وفي الاصطلاح: يتطابق معنى المعاهدة في اللغة مع ما استقر عليه العمل، وتواترت عليه أعراف الدول والجماعات، من حيث النظر إلى المعاهدة بوصفها اتفاقا بين طرفين أو أكثر. فالمعاهدة هي كل ما يعقد من اتفاقات وما يبرم من تعهدات بين المسلمين وغيرهم، من أجل تحقيق مصلحة الدعوة وصالح المسلمين[24].

فهي تشكل العقد الاجتماعي الأول في تاريخ البشرية، والذي يعتبر أهم دعائم المواطنة في دولة المدينة، والتي حمت السلم الأهلي.

النظام[25]: هو الذي أقامه الرسول صلى الله عليه وسلم بعد هجرته إلى المدينة، والموسوم بالنظام الاجتماعي، بحيث إذا قيس بمقاييس السياسة في العصر الحديث، يمكن وصفه بأنه سياسي، كما لا يمنع كونه ديني، إذا كانت وجهة الاعتبار هي النظر إلى أهدافه ودوافعه، إذ يمكن وصفه في نفس الوقت بالوصفين معا، ديني وسياسي، ويجمع بين الشؤون المادية والروحية، غير أننا نجد بعض أقوال المستشرقين التي تنم عن اعترافات صريحة بكون النبي محمد صلى الله عليه وسلم، قد أسس دينا، وأقر قوانين بناء الدولة المدنية، ومن هذه الأقوال نذكر ما يلي:

  • ذهب نالينو بأن محمدا أسس في آن واحد دينا ودولة، أي أنه بعد استقرار الدعوة الإسلامية، قام بوضع الأسس الأولى لبناء الدولة بالمدينة[26]. وهذا اعتراف بكون النبي هو من سن النظم، والقوانين الأولى لبناء الدولة المدنية، ما يسمى في القانون، بالقانون الداخلي الخاص للدولة.
  • وقال جيب (Gipp): “بعد وفاة النبي بثمان سنوات، أصبح واضحا أن الإسلام لم يكن مجرد عقائد دينية فردية، وإنما استوجب إقامة مجتمع مستقل، له نظام معين في الحكم، وقوانين وأنظمة خاصة”[27]. أي أنه بعد ثبات ركائز الإسلام، أقيمت الدولة المدنية، وسنت لها قوانين وأنظمة خاصة بها لا يحيد عنها كل من ينتمي إلى موقعها الجغرافي، رغم اختلاف الدين والعرق واللسان.
  • كما قال ماكدونالد: “هنا في المدينة تكونت الدولة الإسلامية الأولى، ووضعت المبادئ الأساسية للقانون الإسلامي”[28]. هذا اعتراف صريح بكون أن أولى أسس الدولة الإسلامية، كانت بالمدينة والتي تأسست على يد النبي صلى الله عليه وسلم
  • وقال توماس أرلوند: “أن النبي كان في آن واحد، رئيسا للدين ورئيسا للدولة”[29]، وهذا دليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم هو من صدع بالدعوة الإسلامية، وهو من أقام الدولة المدنية بالمدينة، ووضع لها قوانينها ونظمها الخاصة بها، الغير بعيدة عن منهج الشريعة الربانية التي أقرها للأمة.

كما أن هذه الأقوال تؤيد وقائع وحقائق التاريخ التي لا يستطيع أحد إنكارها، أي أنه على ضوء ظهور الدعوة الإسلامية تكوَّن مجتمع جديد له ذاتية مستقلة، يعترف بقانون واحد، وتسير حياته وفقا لنظام معين، ويهدف إلى غايات مشتركة، وبينه وبين أفراده روابط قوية من الجنس، واللغة، والدين، والشعور العام بالتضامن، ومثل هذا المجتمع الذي تتوفر فيه هذه العناصر يوصف بأنه سياسي وهو الذي يقال عنه اليوم أنه دولة.

وجاء في كتاب الجانب السياسي لحياة الرسول لأحمد حمد: أن هذا الدستور ظل معمولا به منذ صدوره إلى وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، ولم يوضع دستور أخر ليحل محله حتى في أيام الخلفاء الراشدين، ولا من بعدهم ([30]).

وهذا الكلام يعضد ما سلف من أقوال المستشرقين الذين اعترفوا اعترافا صريحا، بكون الني صلى الله عليه وسلم كان رائدَ الدعوة الإسلامية، وكان أيضا رئيسا للدولة التي أنشأها وأقر لها قوانينها، حيث أصبحت هذه الوثيقة مرجعا في القانون المتعلق بنظام أمة تعيش في نفس الموقع الجغرافي، ما يعرف بحق المواطنة وحق الانتماء.

غير أن الصحابة الكرام ساروا على نفس النهج، حيث أنه بعد الرسول صلى الله عليه، وقع عمر بن الخطاب رضي الله عنه عهدا مع أهل إيليا، سمي بالعهدة العمرية لأهل بيت المقدس، ومن نصوصها:” هذا ما أعطى عبد الله عمر أمير المؤمنين أهل إيليا من الأمان، أعطاهم أمانا لأنفسهم وأموالهم، ولكنائسهم وصلبانهم وسقيمها وبريئها وسائر ملتها، انه لا تسكن كنائسهم ولا تهدم ولا ينتقص منها ولا من حيِّزها ولا من صليبهم، ولا من شيء من أموالهم، ولا يكرهون على دينهم، ولا يضار أحد منهم…”([31]).

هذه بعض البنود في العهدة العمرية لأهل بيت المقدس التي شهد عليها جمع من الصحابة، لكيفية التعامل والتعاقد والشراكة والتكامل والتوافق والتعارف مع الآخر، الذي يستدعي الاجتهاد والنظر والتفكير وإيجاد الصيغ الملائمة للتعامل مع الآخر مهما كان الاختلاف حاصل بينهم. وهذا دليل على أن الصحابة رضي الله عنهم ساروا على نهج النبي الكريم، مما ينبغي لمن جاء بعدهم أن يسير على نفس النهج من حكام وسياسيين وملوك، لما حققته الوثيقة من كفالة للحقوق وضمان للحريات.

كما أنه يلزم التثبت من صحة الوثيقة، لاستنباط أحكام السلم، حتى يكون الاعتماد عليها له مسوغ وأساس منطقي.

مدى صحة هذه الوثيقة:

يجب التيقن من صحة الوثيقة وخاصة أن أحد الباحثين يرى أن الوثيقة موضوعة ([32])، فهو يقول: ” بأن الوثيقة لم ترد في كتب الفقه والحديث الصحيح رغم أهميتها التشريعية، بل رواها ابن إسحاق اعتمادا على رواية كثير لكنه تعمد حذف الإسناد“([33])، وهو الأستاذ يوسف العش.

لذا لابد من التثبت من صحتها فكان أقدم من أورد نص الوثيقة كاملا هو محمد بن إسحاق (ت: 151ه)، لكنه أوردها بدون إسناد، وقد صرح بنقلها عنه كل من ابن سيد الناس وابن كثير، وقد ذكر البيهقي إسناد ابن إسحاق للوثيقة التي تحدد العلاقات بين المهاجرين والأنصار دون البنود المتعلقة باليهود، لذلك لا يمكن الجزم بأنه أخذها من نفس الطريق. وقد ذكرها ابن سيد الناس أن ابن أبي خيثمة أورد الوثيقة فأسنده بهذا الإسناد:” حدثنا أحمد بن خباب أبو الوليد حدثنا عيسى بن يوسف حدثنا كثير ابن عبد الله بن عمرو المزني عن أبيه عن جده:” أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب كتابا بين المهاجرين والأنصار فذكره بنحو الكتاب الذي أورده ابن إسحاق([34]).

كذلك وردت الوثيقة في كتاب الأموال لأبي عبيد القاسم بن سلام بإسناد أخر هو[35]:” حدثني يحي ابن عبد الله بن بكير وعبد الله بن صالح، قالا حدثنا الليث بن سعد قال: حدثني عقيل بن خالد عن ابن شهاب أنه قال: بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب بهذا الكتاب ما جاء نصه في الوثيقة.

كما وردت الوثيقة في كتاب الأموال لابن زنجويه من طريق الزهري أيضا.

هذه هي الطرق التي وردت منها الوثيقة بنصها الكامل، والتطابق كبير بين سائر الروايات سوى بعض التقديم والتأخير في العبارات، أو اختلاف بعض المفردات، أو زيادة بنود قليلة ولا يؤثر هذا الاختلاف على مضمونها.

لكن الوثيقة لا ترقى إلى مرتبة الأحاديث الصحيحة فابن إسحاق في سيرته رواها بدون إسناد مما يجعل روايته ضعيفة وأوردها البيهقي من طريق ابن إسحاق أيضا بإسناد فيه سعد بن المنذر وهو مقبول فقط[36].

لكن نصوصا من الوثيقة وردت في كتب الأحاديث بأسانيد متصلة، وبعضها أوردها البخاري ومسلم فهذه النصوص من الحديث الصحيح، وقد احتج بها الفقهاء وبنوا عليها أحكامهم، كما أن بعضها ورد في مسند الإمام أحمد، وسنن أبي داود، وابن ماجة، والترمذي. وهذه النصوص جاءت من طرق مستقلة عن الطرق التي وردت بها الوثيقة ([37]).

وإذا كانت هذه الوثيقة لا تصلح للاحتجاج بها في الأحكام الشرعية، سوى ما ورد منها من كتب الحديث الصحيح، فإنها تصلح أساسا للدراسة التاريخية التي لا تتطلب درجة الصحة، وتقتضيها الأحكام الشرعية، خاصة وأن الوثيقة وردت من طرق عديدة تتظافر في إكسابها القوة. ثم إن أهم كتب السيرة ومصادر التاريخ ذكرت موادعة النبي لليهود، وكتابته بينه وبينهم كتابا ([38])، كما ذكرت كتابته كتابا بين المهاجرين والأنصار أيضا.

كما أنه ليس في هذه الوثيقة نصوص تمدح او تقدح فردا أو جماعة، أو تخص أحدا بالإطراء او الذم لذلك يمكن القول بأنها وثيقة أصلية وغير مزورة ([39]).

تاريخ صدور الوثيقة:

قسم الدكتور صالح أحمد العلي هذه الوثيقة إلى ثلاث أقسام([40]):

  • القسم الأول: قسم يتعلق بالمسلمين
  • القسم الثاني: يتعلق باليهود
  • القسم الثالث: يتعلق بأحكام عامة تخص أحوال المدينة

مما يدل على أن هذه الوثيقة هي في الأصل وثيقتين، ولكن ابن إسحاق جمعها في روايته وجعلها وثيقة واحدة.

والراجح عنده أن الرسول صلى الله عليه وسلم أصدر هذه الوثيقة بعد انتصاره في بدر، ذلك الانتصار الذي كان مبعث قوة معنوية كبيرة للمسلمين، وفي نفس الوقت زاد نشاط اليهود لإثارة الشغب ضد المسلمين في المدينة، فكان لابد من تنظيم العلاقة بين السكان، وتحديد الواجبات والحقوق، وإلزام الجميع بجعل الرسول صلى الله عليه وسلم حكما ومرجعا في القضايا الرئيسية[41].

ويوافقه في هذا الرأي أكرم ضياء العمري بأن الوثيقة وثيقتان إلا أنه يختلف في تاريخ صدورها، فوثيقة اليهود صدرت قبل غزوة بدر أول ما قدم صلى الله عليه وسلم إلى المدينة والثانية صدرت بعد غزوة بدر ([42]).

وهناك من يرى بأن الوثيقة وثيقة واحدة، وتمت بعد هجرته إلى المدينة وقبل غزو بدر ([43]).

وأنا أرجح نفس هذا القول لأنني لا أرى حاجة للمؤرخين بأن يجمعوها في وثيقة واحدة، وهي في الأصل وثيقتين رغم تواجد بنود تتعلق باليهود وأخرى بالمسلمين والله أعلى وأعلم.

نص الوثيقة: ( [44])

هناك وثيقة تضمنت 52 بند وأما هذه فقد تضمنت 47 بند إلا أنه لا خلاف بينهما، لأن كليهما تتضمن نفس البنود، سوى كون الوثيقة الثانية فيها تكرار لبعض البنود، وسيتم اعتمادها. حيث جاء في أولها:

قال ابن إسحاق[45]: وكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابا بين المهاجرين والأنصار، وادع فيه اليهود وعاهدهم، وأقرهم على دينهم وأموالهم، وشرط لهم واشترط عليهم:

بسم الله الرحمن الرحيم، هذا كتاب من محمد النبي صلى الله عليه وسلم، بين المؤمنين والمسلمين من قريش ويثرب، ومن تبعهم، فلحق بهم، وجاهد معهم…تتمة بنود الوثيقة في الهامش([46]).

المبحث الثالث: مقومات السلم المدني من خلال الوثيقة

اذن ما هي هذه المقومات التي تضمنتها هذه الوثيقة لتحقيق السلم المدني بين الأفراد والدولة، أو بين الأفراد فيما بينهم؟؟

المقوم الأول: ضمان حق المواطنة (بنود 1- 12 و20- 25 و50)

نصت الوثيقة على اعتبار الإسلام أساسا للمواطنة في الدولة الاسلامية الجديدة بالنسبة لأمة الإسلام، وأحلت الوثيقة الرابطة الدينة محل الرابطة القبلية، فعبرت عنهم بأنهم” أمة دون الناس”، ويجعل هذا النص منهم أمة يجمع أفرادها الإيمان بالدين الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم، دون النظر إلى أصولهم القبيلة أو النسبية، وهذه الظاهرة لأول مرة يعرفها المجتمع العربي في تاريخه، فلم يكن اجتماعهم قبل الإسلام، إلا على أساس من صلات القرابة والنسب.

بالإضافة إلى أن دولة المدينة لم تعتبر ” أحادية الاعتقاد” شرطا في المواطنة، ولم تفصل بين الدين والدولة، بل ميزت بينهما. وذلك تجلى في تمييزها الواضح بين “أمة المؤمنين” (المهاجرين والأنصار)، و”أمة الوطن” (كل سكان المدينة قاطبة)، البنود من (1- 12). وتعد وثيقة المدينة دليلا قاطعا على انتفاء الصفة الدينية عن الدولة في التصور السياسي الإسلامي، إذ هي دولة مدنية تتعدد فيها الأطياف الدينية، وتتعايش في ظلها تحت عنوان المواطنة الكاملة التي لا تشترط الاعتقاد أساسا لها[47].

غير أن المواطنة أصبحت من حق المقيمين بالمدينة: سواء من سكانها الأصليين، أو من هاجر إليها مع الرسول، أو من هاجر قبله، أو بعده. وحددت ما لهم من حقوق وما عليهم من واجبات. بشرط الولاء للدولة الإسلامية عن طريق العهد، لأن حق المواطنة لا يستلزم وحدة العقيدة ولا وحدة العنصر. بل شرط الإقامة بالمدينة هو الذي أعطى حق المواطنة والانتماء للدولة[48]. ولا تشمل الغير المقيمين بها لقول الله تعالى:” والذين آمنوا ولم يهاجروا مالكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا، وان استنصروكم في الدين فعليكم النصر إلا على قوم بينكم وبينهم ميثاق”[49].

ولتحقيق مواطنة المسلم بالهجرة لابد من تحقيق أمران: الإيمان والولاء للنظام المعمول به في الدولة. والمسلمون الذين يفضلون التوطن خارج حدود الدولة الإسلامية، فلا يعدون من مواطنيها لانقطاع الولاية، من هو خارج حدود الدولة الإسلامية يخرج من دائرة الولاية السياسية.

وهذا يعتبر مقوما أساسيا لتحقيق السلم المدني داخل تراب الوطن، لأنه ينبذ العصبية والقبلية التي كانت سائدة في أمة الإسلام قبل نص هذه الوثيقة، وتوحيد صفوف القاطنين داخل تراب هذه الدولة رغم اختلاف دينهم، وجنسهم، وعرقهم، وثقافتهم، وإعطائهم حق المواطنة، وحق الانتماء الجغرافي لها.

استتباب الأمن. بنود (13و31 و48).

حتى يعم السلم بين أفراد المجتمع الواحد، وداخل الدولة الوحيدة، لابد من حفظ وصون حريات الأفراد فقد قررت الوثيقة صونها، والتي من بينها: حرية الفكر والرأي، وحرية الاعتقاد والتدين، وحرية المشاركة الفعالة في الأنشطة السياسية للدولة.

فحرية الدين مكفولة للمسلمين ولغيرهم، من خلال قوله تعالى: “لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي”[50]، وقد أنذرت الوثيقة بالوعيد، وإهلاك من يخالف هذا المبدأ، أو يكسر هذه القاعدة الصلبة.

كما كفلت حرية التنقل داخل يثرب بسلام، وحرية المغادرة بسلام. يستثنى من حرية التنقل مغادرة المؤمنين يثرب، لا يسمح بها إلا بإذن خاص من النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا التدبير من إجراءات الأمن الاحتياطية تعمل به الدول في الظروف الاستثنائية الخاصة، وقد سبق إليه الإسلام قبل قرون، وشرعته دولته الأولى الناشئة، وهي تباشر مسؤولياتها الإدارية والسياسية، وهي برهان قوي على دقة الدولة الاسلامية في رقابة رعيتها، وتتبع حركاتهم وسهرها على أمن الأمة وسلامتها، وهي أيضا دليل ظاهر على مبلغ اضطلاعها بأعبائها حيال المحكومين ([51]).

كما ضمنت الأمن لجميع طوائف المجتمع: بنود (13و31 و48). بمنع البغي، ومنع الغدر، ومنع إيواء المجرمين، وقمع الظلم والفساد والعدوان والفتن، وضمان حق الحياة للجميع.

إن من أهم القضايا التي كانت تؤرق المجتمع المدني قبل هجرة النبي الكريم إليه واستقراره بالمدينة، قضية انعدام السلم الأهلي، وسيادة ظاهرة الثأر كما قال الشاعر عمرو بن كلثوم:

ألا لا يجهلن أحد علينا       فنجهل فوق جهل الجاهلينا

إلى درجة أن بلغ الأخذ بالثأر عندهم شيئا مقدسا في نفوسهم، وكانوا يعتقدون أن القتيل إذ قتل يخرج من رأسه طائر يدور حول قبره يظل يصيح قائلا: اسقوني… اسقوني…، ولا يكف عن هذا الصياح حتى يأخذ قومه بثأره كما يرضى ويرضون[52].

وهذا يمكن أن نستفيد منه تجليات التعايش السلمي مع الآخر سواء في نفس الموطن، أو في مواطن مختلفة، فالتعايش السلمي مع المخالف ضرورة كونية تقتضيها حكمة الله تعالى الذي يقول: “لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ[53]، وقوله: ” وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَنْ فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ”[54].

إذن مضمون هذه الوثيقة يتوافق مع ما جاء به القران الكريم، بأن وجود الكافر والملحد والمخالف حتمية كونية أرادها الله تعالى في الكون، وقيمة التعايش مع الآخر كفلها الرسول صلى الله عليه وسلم من خلال بنود هذه الوثيقة.

المقوم الثالث: التحلي بالأخلاق. البنود (3- 11 و15،12)

من خلال استقراء هذه البنود، تتجلى هذه الأخلاق في التكافل والتناصر والتناصح بين العشائر والطوائف، التي تبدو من خلال إطلاق سراح أحد أعضاء المسلمين إذا وقع في الأسر، وقد ذكر الله تعالى الفداء عندما قال:” حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق فإما منا بعد وإما فداءا حتى تضع الحرب أوزارها”[55]. ويكون الفداء بالمال بمقابل أسرى العدو بيد المسلمين أو الفداء بمقابل خدمات.

كما تتجلى أيضا في وفاء الدين على الغارمين سواء بين المسلمين أو اليهود، ومبدأ مراعاة الولاء، والمساواة بين الطبقات الاجتماعية على اختلاف مستواها، ومراعاة حق الجار.

وأوجبت على كل فريق أن يبذل ماله ودمه وما يملك من ممتلكات مادية، كلما داهم البلد عدو أو فرضت عليهم حرب. كما أوجبت على كل فريق أن يتقدم بما لديه من نصح، أو رأي فيما يتصل بسلامة الدولة، ومقاومة البغي ودرء الخطر المتوقع من العدو.

كما أن مرجعية الحكم: بند 23- 42. في أي خلاف يحصل، إنما يكون مرده إلى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، يقول تعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ[56]، وقوله تعالى: “إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا، وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ”[57].

لتحصيل التعايش السلمي داخل خلية المجتمع الواحد، لابد من ترسيخ قيم التكافل والتسامح والنصح والتناصر والتعاون، لتعميق جسور الأخوة والمحبة رغم اختلاف العقيدة والأفكار والانتماء، ولتحقيق مبدأ الاستخلاف في الأرض وإصلاحها وعمارتها كما أراد الله تعالى. وهذا ما تضمنته الوثيقة، بالإضافة إلى الرجوع عند حصول نزاع ما بين الأطراف إلى شخص الرسول صلى الله عليه وسلم للحكم بالحق والعدل الذي أمر الله به كل الخلق.

المقوم الرابع: وحدة الانتماء. (البند2، و46)

هذا المقوم يرتكز على الانتماء داخل المجتمع الواحد، والذي عبرت عنه الوثيقة بالأمة، لذا لابد للتطرق إلى مفهوم الأمة أولا: مفهوم الأمة لغة: وردت لفظة أمة 64 مرة في القران بصيغ مختلفة، وجماع ذلك ثمان وجوه وهي: الرجل الأمة[58]، الجماعة[59]، أتباع الأنبياء[60]، الدين[61]، الرجل الصالح[62]، الزمان[63]، القامة[64]، الأم[65].

  • التعريف الاصطلاحي للأمة[66]:

الأمة مجموعة من الأفراد يشعرون بأنهم متحدون تربطهم صلات مادية ومعنوية وتجمع بينهم الرغبة المشتركة في العيش معا، فالرابطة بين الأمة والفرد رابطة نفسية تنشا نتيجة العديد من العناصر المتداخلة المعقدة مثل الجنس واللغة والدين والتاريخ، والمصالح المشتركة التي تؤدي إلى زيادة الروابط بينهم.

  • تعريف الأمة من خلال الوثيقة:

الأمة هي كيان اجتماعي سياسي، تقوم على أساس الفكر والعقيدة لا على أساس الدم أو على أسس بيولوجية، لا تحدها لغة أو جنس أو وطن ولا تصادر الأفكار والعقائد الأخرى، بل لها من الرحابة ما تستوعب به العناصر الأخرى دون صهر أو تذويب، قابلة للتوسع والتقلص تبعا لعدد من ينضم إليها أو يتركها باختياره. حيث نصت الوثيقة “على أن المؤمنين والمسلمين سواء كانوا من مكة أو يثرب يشكلون مجتمعا موحدا”. وفكرة الوحدة فيه ترتكز على وحدة الانتماء إلى العقيدة الجديدة، التي هي رسالة الأمة وشرط تكونها الجديد هو “الوحدة“، قال تعالى:﴿إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ)[67]. (بند: 2). فيكون المجتمع الجديد أمة واحدة بالمعنى السياسي وأمتين بالمعنى العقدي (أمة استجابة وأمة دعوة).

إن المسؤولية والحرية ترتبطان بالكرامة الإنسانية ارتباطا وثيقا، فالله تعالى هو الذي جعل الإنسان مسئولا عن عمله فردا، أو جماعة لا يؤخذ واحد بوزر واحد ولا أمة بوزر أمة[68]، يقول تعالى:” كل امرئ بما كسب رهين”[69].

إن العقوبة الجنائية تقتصر آثارها على شخص المذنب ولا تتجاوزه إلى غيره، ولا تنصرف آثارها القانونية إلى غيره، قوله تعالى:” ولا تزر وازرة وزر أخرى”[70].

هذا المقوم يعتبر كل من ينتمي إلى هذا الموطن أمة واحدة، بالمعنى السياسي، وأمتين بالمعنى الإيديولوجي، غير أن المسؤولية المدنية يتحملها كل فرد من أفراد الأمة الكل، لا فرق بين مسلم وغير مسلم، وهذا من شأنه تحقيق السلم والأمان داخل المجتمع، مما ينتج عنه سيادة روح السكينة والسلام بين كل أفراده.

المقوم الخامس: ضمان الحقوق، (البنود: 14، 21، 25، 33، 40)

إذا درسنا تاريخنا جيدا، نجد بأنه تقرر الإعلان عن المبادئ الإنسانية العامة في دستور دولة الرسول صلى الله عليه وسلم، قبل أن تصدع الامم المتحدة بالإعلان عنها بأكثر من أربعة عشر قرنا.

فلما كانت لحقوق المواطنين وحرياتهم، تأكيد بحرمتها في دستور الدولة الإسلامية الأولى، حيث كفلت الوثيقة عدة حقوق منها: حق الحرية – حق الحياة – حق حرية الاعتقاد- حق العدل والمساواة- كفالة حرية الرأي-  حق الأمن والمسكن والتنقل- حق الفرد في المعونة المالية والاقتصادية- ( التكافل والتضامن الاجتماعي)([71])، وحرية المشاركة الفعالة في الأنشطة السياسية للدولة، أهمية كبيرة ركزت عليها وثيقة المدينة من أجل ادماج كل المواطنين في المجتمع السياسي المدني في المشاركة السياسية الفعالة، والتخطيط الدائم والاستفادة من الخبرات والطاقات، والثقة المتبادلة في التعامل، من خلال مفاهيم جديدة في التناصر، والتفاهم، والتعايش، والتعاون فيما بينهم على البر دون الإثم[72].

فالتسامح الديني يدل عليه تصرف الرسول صلى الله عليه وسلم عندما كان يقترض من اليهود ويرهنهم متاعه …

والتعايش السلمي والتعاون بين الأفراد يتجلى في الاعتراف بالآخر، والاحترام المتبادل، والرغبة في التعاون مع الآخرين.

يتضح من هذه المقومات الخمسة التي وردت ضمن بنود الوثيقة، والتي إن طبقت على أحسن وجه، فلا شك أنها ستحقق السلم المدني الذي يسعى إلى تحقيقه كل فرد، للعيش بأمن وأمان وفي طمأنينة تضمن له حقوقه، وتفرض عليه واجبات من أجل تحقيق عمارة الأرض واستخلافها على أحسن وجه.

خاتــمـة

نخلص إلى النتائج التالية:

  • إن السلم هو ضرورة كونية تهم إرساء معالم الأمن والأمان والطمأنينة والاستقرار النفسي والروحي والوطني وحتى الدولي، في حياة الأفراد من أجل استمرار حياتهم، وقد نصت عليه آيات كثيرة.
  • إن وثيقة المدينة أطلق عليها عدة مسميات من بينها: الوثيقة، الدستور، الكتاب، الصحيفة، المعاهدة، النظام. بالإضافة إلى ورودها في عدة كتب، وبأسانيد مختلفة، تدل على صحتها، وأن محتواها لا يتعارض مع النصوص النقلية والاستدلالات العقلية، وخاصة أن واضعها لا ينطق عن الهوى، بل قوله قول حكيم ورزين وثابت.
  • اعتراف بعض المستشرقين مثل:”جيب”، “ماكدونالد”، “توماس أرلوند”، “نالينو” بأن محمدا صلى الله عليه وسلم، كان رجل دين ودولة، وذلك من خلال إقامته لمعالم الدولة المدنية، لها قوانين خاصة بها ونظم دستورية هامة، يخضع لها كل من ينتمي إلى موطنها، رغم اختلاف الدين والجنس والعرق واللغة…
  • تضمن وثيقة المدينة لمقومات خاصة بتحقيق السلم، كمقوم حق المواطنة، (بنود 1- 12 و20- 25 و50)، ومقوم استتباب الأمن، بنود (13و31 و48)، ومقوم التحلي بالأخلاق، البنود (3- 11 و15،12)، ومقوم وحدة الانتماء، (البندان 2 و46)، ومقوم ضمان الحقوق، (البنود: 14، 21، 25، 33، 40).
  •  
  • لتحقيق السلم الاجتماعي المدني، والدولي معا.

لائحة المصادر والمراجع المعتمدة:

الكــتـب

  • ابن سلام أبو عبيد القاسم، كتاب الأموال، تحقيق: محمد عمارة، الطبعة الأولى، السنة، 1989م، دار الشروق، بيروت.
  • أبو الفرج البغدادي، زاد المسير في علم التفسير، المكتب الإسلامي للطباعة والنشر.
  • أحمد عبد الونيس، الأصول العامة للعلاقات الدولية في الإسلام وقت السلم- دراسة في تحليل أهم أدوات العلاقات الخارجية للدولة الاسلامية. الطبعة الأولى، السنة 1996م، المعهد العلمي للفكر الإسلامي القاهرة.
  • الأصفهاني الراغب، مفردات الفاظ القران، تحقيق عدنان داوودي، دار القلم- الدار الشامية، الطبعة الرابعة. السنة: 2009م.
  • الحمد أحمد، الجانب السياسي في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم.
  • الحميري عبد الملك بن هشام بن أيوب المعافري، السيرة النبوية، تحقيق: عمر عبد السلام تدمري، الطبعة الثالثة، السنة: 1990م، دار الكتاب العربي.
  • الريس محمد ضياء الدين، النظريات السياسية الإسلامية، الطبعة السابعة، دار التراث.
  • العمري أكرم ضياء، المجتمع المدني في عهد النبوة، خصائصه وتنظيماته الأولى، محاولة لتطبيق قواعد المحدثين في نقد الروايات التاريخية، الطبعة الأولى، سنة 1983م.
  • الفهداوي خالد، الفقه السياسي الاسلامي الطبعة الثالثة، السنة 2008م، دار الأوئل دمشق.
  • الفيروز أبادي، القاموس المحيط، تحقيق: مكتب التراث في مؤسسة الرسالة، الطبعة الثامنة، السنة: 2005م، مؤسسة الطباعة والنشر والتوزيع بيروت.
  • فيض الله محمد فوزي، صور وعبر من الجهاد النبوي في المدينة، الطبعة الأولى 1416- 1996م، دار القلم دمشق.
  • محمد حميد الله، مجموعة الوثائق السياسية للعهد النبوي والخلافة الراشدة، الطبعة السادسة سنة 1987م.العفيفي محمد صادق، المجتمع الإسلامي وأصول الحكم لمحمد الصادق عفيفي، الطبعة الأولى، 1980م، دار الاعتصام.
  • النواوي عبد الخالق، العلاقات الدولية والنظم القضائية في الشريعة الإسلامية، الطبعة الأولى 1973م.

الكتب الأجنبية:

– ARNOLD. SIR THOMAS W. THE CALIPHATE, 1924, Oxford at the clarendon press.

– GIBB H.A.R. MOHAMMEDANISM an historical survey, second edition, 1953, A GALAXY BOOK, New York. Oxford university press.

– MACDONALD. DUNCAN B, Development of Muslim Theology, Jurisprudence and constitutional Theory, New York, Charles Scribners Sons, 1903.

– ARNOLD. SIR THOMAS W. THE CALIPHATE, 1924, Oxford at the clarendon press.

المجلات:

  • الأنصاري أحمد بوعشرين، مفهوم الدولة المدنية في الفكر الغربي والاسلامي – دراسة مقارنة لبعض النصوص التأسيسية. ابريل 2014. المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات. سلسلة دراسات.
  • الشعبي أحمد قائد، وثيقة المدينة المضمون والدلالة، كتاب الأمة عدد 110، يناير 2006وهي مجلة تصدرها وزارة الأوقاف القطرية، السلسلة الخامسة والعشرون.
  • العلي صالح أحمد، تنظيمات الرسول الإدارية في المدينة، صدر هذا الموضوع في مجلة المجمع العلمي العراقي، العدد 17، السنة 1969م.
  • العمري أكرم ضياء، أول دستور أعلنه الإسلام لنفس المؤلف أكرم ضياء العمري، صدر هذا الموضوع في مجلة كلية الإمام الأعظم بغداد، العدد الأول سنة 1392هـ. ويتضمن نفس المقال الصادر في كتابه المجتمع المدني في عهد النبوة.
  • الهاشمي، جنيد أحمد شاه معين الدين، معاهدات الرسول محمد صلى الله عليه وسلم – دراسة الأبعاد الإنسانية- الطبعة الأولى، السنة 1996م، المعهد العلمي للفكر الاسلامي القاهرة.

* باحثة – جامعة محمد الخامس – كلية الآداب – الرباط – المغرب.

[1]– سورة البقرة: آية 143.

[2]– سورة الانبياء آية: 107.

[3]– الفيروز أبادي، القاموس المحيط، تحقيق: مكتب التراث في مؤسسة الرسالة، الطبعة الثامنة، السنة: 2005م، مؤسسة الطباعة والنشر والتوزيع بيروت، مادة سلم، ص: 1121.

[4]– نفس المرجع، ص: 1122.

[5]– سورة النساء، آية: 94.

[6]– سورة البقرة، آية: 208.

[7]– سورة الأنفال، آية: 61.

[8]– خالد الفهداوي، الفقه السياسي الإسلامي، الطبع الثالثة، السنة 2008م، دار الأوائل، دمشق، ص: 185.

[9]– سورة البقرة، الآية: 208.

[10]– القرطبي، الجامع لأحكام القران، ج3، ص: 17.

[11]– سورة الأنفال، آية: 61.

[12]– سورة محمد، آية: 35.

[13]– القرطبي، الجامع لأحكام القران، ج3: ص: 199.

[14]– سورة النحل، آية 32.

[15]– ابن كثير، تفسير القران العظيم، ج2، ص: 126

[16]– عبد الملك بن هشام بن أيوب المعافري الحميري، السيرة النبوية، تحقيق: عمر عبد السلام تدمري، الطبعة الثالثة، السنة: 1990م، دار الكتاب العربي، ج2، ص: 369.

[17]– صالح أحمد العلي، تنظيمات الرسول الإدارية في المدينة، صدر هذا الموضوع في مجلة المجمع العلمي العراقي، العدد 17، السنة 1969م، ص: 4.

[18] – سورة البقرة، آية 216.

[19] – سورة النساء، آية 103.

[20]– صالح العلي، تنظيمات الرسول الإدارية في المدينة، ص: 4.

[21] – عبد الخالق النووي، العلاقات الدولية والنظم القضائية في الشريعة الإسلامية، الطبعة الأولى، 1973م، ص: 75.

[22]– مجمع اللغة العربية، المعجم الوسيط، السنة: 2004م، مكتبة الشروق الدولية، مادة عهد.

[23]– أبو الفرج البغدادي، زاد المسير في علم التفسير، المكتب الإسلامي للطباع والنشر، ج1، ص: 56.

[24]– أحمد عبد الونيس شتا، الأصول العامة للعلاقات الدولية في الإسلام وقت السلم – دراسة ف تحليل أهم أدوات العلاقات الخارجية للدولة الإسلامية، ص: 42.

[25] – المرجع نفسه، ص: 42.

[26]-ARNOLD. SIR THOMAS W. THE CALIPHATE, 1924, Oxford at the clarendon press. p:198.

[27]– GIBB H.A.R. MOHAMMEDANISM an historical survey, second edition, 1953, A GALAXY BOOK, New York. Oxford university press. P: 3.

[28]– MACDONALD. DUNCAN B, Development of Muslim Theology, Jurisprudence and constitutional Theory, New York, Charles Scribners Sons, 1903, p:67.

[29]– ARNOLD. SIR THOMAS W. THE CALIPHATE, 1924, Oxford at the clarendon press. p:30.

[30] – أحمد الحمد، الجانب السياسي في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم، ص: 65- 68.

[31] – قائد الشعبي، وثيقة المدينة المضمون والدلالة، كتاب الأمة، عدد: 110، يناير 2006م، هذه المجلة تصدرها وزارة الاوقاف القطرية، السلسة الخامسة والعشرون، ص: 14

[32] – أكرم ضياء العمري، المجتمع المدني في عهد النبوة، خصائصه وتنظيماته الأولى، محاولة لتطبيق قواعد المحدثين في نقد الروايات التاريخية، الطبعة الأولى، سنة 1983م. ص: 107.

[33]  – فلهاوزن، الدولة العربية وتاريخ سقوطها ليوليوس، ترجمة يوسف العش، ص: 20، حاشية رقم: 6.

[34] – عبد الملك بن هشام بن أيوب المعافري الحميري، السيرة النبوية، تحقيق: عمر عبد السلام تدمري، الطبعة الثالثة، السنة: 1990م، دار الكتاب العربي، ج2، ص: 369.

[35]– أبو عبيد القاسم بن سلام، كتاب الأموال، تحقيق: محمد عمارة، الطبعة الأولى، السنة، 1989م، دار الشروق، بيروت، ص: 80.

[36]– عبد الملك بن هشام بن أيوب المعافري الحميري، السيرة النبوية، تحقيق: عمر عبد السلام تدمري، ج2، ص: 369.

[37] – صالح العلي، تنظيمات الرسول الإدارية في المدينة، ص: 5

[38] – البلاذري أحمد يحي بن جابر، جمل من أنساب الأشراف، تحقيق: سهيل زكار- رياض زركلي، السنة: 1997م، دار الفكر للطباعة والنشر، ج1، ص: 308

[39] – صالح العلي، تنظيمات الرسول الإدارية في المدينة، ص: 5

[40]– نفس المرجع، ص: 8.

[41]– صالح العلي، تنظيمات الرسول الإدارية في المدينة، ص: 5.

[42] – أكرم ضياء العمري، أول دستور أعلنه الإسلام، ص: 10

[43] – أحمد قائد الشعبي، وثيقة المدينة المضمون والدلالة. ص: 12.

[44] – محمد حميد الله، مجموعة الوثائق السياسية للعهد النبوي والخلافة الراشدة، ص: 41- 47.

[45]– عبد الملك بن هشام، السيرة النبوية، ج2، ص: 369.

[46]– تتمة نص الوثيقة: “2- إنهم أمة واحدة من دون الناس.

  • المهاجرون من قريش على ربعتهم، يتعاقلون بينهم، وهم يفدون عانَيهم (أي أسيرهم) بالمعروف والقسط بين المؤمنين.
  • وبنو عوف على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى، وكل طائفة تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين.
  • وبنو الحارث (بن الخزرج) على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى وكل طائفة تفدي عانيها بالمعروف.
  • وبنو ساعدة على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى وكل طائفة تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين.
  • وبنو جشم على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى وكل طائفة تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين.
  • وبنو النجار على ربعتهم يتعاقلون ومعاقلهم الأولى وكل طائفة تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين.
  • وبنو عمرو بن عوف على ربعتهم يتعاقلون ومعاقلهم الأولى وكل طائفة تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين.
  • بنو النبيت على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى وكل طائفة تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين.
  • 11-               وبنو الأوس على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى وكل طائفة تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين.
  • 12-               وإن المؤمنين لا يتركون مُفرَحا (المثقل بالدين) بينهم أن يعطوه بالمعروف في فداء أو عقل، وألا يحالف مؤمن مولى مؤمن دونه.
  • 13-               وإن المؤمنين المتقين على من بغى منهم أو ابتغى دسيعة (هي العطية وتطلق على دفع المكروه) ظلم، أو إثم، أو عدوان، أو فساد بين المؤمنين، وإن أيديهم عليه جميعا ولو كان ولد أحدهم.
  • ولا يقتل مؤمن مؤمنا في كافر، ولا ينصر كافرا على مؤمن.
  • 15-               وإن ذمة الله واحدة يجير عليهم أدناهم، وإن المؤمنين بعضهم موالي بعض دون الناس.
  • وإنه من تبعنا من يهود فإن له النصر والإسوة غير مظلومين ولا متناصر عليهم.
  • وإن سلم المؤمنين واحدة، لا يسالم مؤمن دون مؤمن في قتال في سبيل الله إلا على سواء وعدل بينهم.
  • وإن كل غازية غزت معنا يعقب بعضها بعضا.
  • 19-               وإن المؤمنين يُبئ بعضهم عن بعض بما نال دماءهم في سبيل الله.

20-  وإن المؤمنين المتقين على أحسن هدي واقومه، وانه لا يجير مشرك مالا لقريش ولا نفسا، ولا يحول دونه على مؤمن.

  • وإنه من اعتبط مؤمنا قتلا عن بينة فانه قود به (يقاد به فيقتل) إلا أن يرضي ولي المقتول، وإن المؤمنين عليه كافة، ولا يحل لهم إلا قيام عليه.
  • وإنه لا يحل لمؤمن أقر بما في الصحيفة، وآمن بالله واليوم الاخر، أن ينصر محدثا ولا يؤويه، وإنه من نصره أو آواه، فان عليه لعنة الله وغضبه يوم القيامة، ولا يؤخذ منه صرف ولا عدل.

23- وإنه مهما اختلفتم فيه من شيء، فإن مرده إلى الله عز وجل، وإلى محمد صلى الله عليه وسلم.

24- وإن اليهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين.

  •  وإن يهود بني عوف أمة مع المؤمنين، لليهود دينهم وللمسلمين دينهم، ومواليهم، وأنفسهم إلا من ظلم وأثم، فإنه لا يوتغ (يهلك) إلا نفسه واهل بيته.
  • 26-               إلى 30-) ذكر يهود بني النجار وبني الحارث وبني ساعدة وبني جشم وبني الأوس لهم مثل ما ليهود بني عوف.
  • وليهود بني ثعلبة مثل ما ليهود بني عوف إلا من ظلم واثم فإنه لا يوتغ إلا نفسه وأهل بيته.
  •  وإن جفنة بطن من ثعلبة كأنفسهم.
  •  وإن لبني الشطبية، مثل ما ليهود بني عوف، وإن البر دون الإثم.
  •   وإن موالي ثعلبة كأنفسهم.
  •   وإن بطانة يهود كأنفسهم.
  • وإنه لا يخرج منهم أحد إلا بإذن محمد صلى الله عليه وسلم.

36ب- وإنه لا ينحجز على ثأر جرح، وإنه من فتك فبنفسه فتك، وأهل بيته، إلا من ظلم وإن الله على أبر هذا.

37- وإن على اليهود نفقتهم وعلى المسلمين نفقتهم، وإن بينهم النصر على من حارب أهل هذه الصحيفة، وإن بينهم النصح والنصيحة والبر دون الإثم،

37(ب)- وإنه لم يأثم امرؤ بحليفه، وإن النصر للمظلوم.

38- وإن اليهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين.

39- وإن يثرب حرام جوفها لأهل هذه الصحيفة.

40-  وإن الجار كالنفس غير مضار ولا آثم.

41-  وإنه لا تجار حرمة إلا بإذن أهلها.

42- وإنه ما كان بين أهل هذه الصحيفة من حدث أو اشتجار يخاف فساده فإن مرده إلى الله عز وجل، وإلى محمد صلى الله عليه وسلم، وإن الله على أتقى ما في هذه الصحيفة وأبره.

43- وإنه لا تجار قريش ولا من نصرها.

44-  وإن بينهم النصر على من دهم يثرب.

45- وإذا دعوا إلى صلح يصالحونه ويلبسونه فإنهم يصالحونه ويلبسونه، وإنه ماذا دعوا إلى مثل ذلك فإنه لهم على المؤمنين، إلا من حارب في الدين.

45(ب)-  على كل أناس حصتهم من جانبهم الذي قبلهم.

46-  وإن يهود الاوس، مواليهم وأنفسهم، على مثل ما لأهل هذه الصحيفة مع البر المحض من أهل الصحيفة. وإن البر دون الإثم، لا يكسب كاسب إلا على نفسه وإن الله على أصدق ما في هذه الصحيفة وأبره.

47-  إنه لا يحول هذا الكتاب دون ظالم أو إثم، وإنه من خرج آمن ومن قعد آمن بالمدينة إلا من ظلم وأثم، وإن الله جار لمن بر واتقى، ومحمد رسول الله صلى الله عليه وسلم”.

[47]-أحمد بوعشرين الأنصاري، مفهوم الدولة المدنية في الفكر الغربي والاسلامي – دراسة مقارنة لبعض النصوص التأسيسية. ص: 24- 25.

[48] – قائد الشعبي، وثيقة المدينة المضمون والدلالة، ص: 46.

[49]– سورة الانفال، الآية: 72.

[50]– سورة البقرة، جزء من الآية: 256.

[51]– محمد فوزي فيض الله، صور وعبر من الجهاد النبوي في المدينة، الطبعة الأولى 1416- 1996م، دار القلم دمشق،

ص: 22- 30.

[52] – جنيد أحمد الهاشمي- شاه معين الدين الهاشمي، معاهدات الرسول محمد صلى الله عليه وسلم – دراسة الأبعاد الإنسانية- الطبعة الأولى، السنة 1996م، المعهد العلمي للفكر الإسلامي القاهرة، ص: 8

[53]– سورة البقرة، جزء من الآية: 256.

[54]– سورة يونس، الآية: 99.

[55]– سورة محمد أية 4.

[56]– سورة النساء، الآية: 59.

[57]– سورة النور، آية، 51.

[58]– الرجل الأمة: الأوحد في معناه الذي لا يداخله فيه أحد.

[59]– ويكون الأمة الجماعة، قال تعالى: “وجد عليه امة من الناس يسقون” (القصص، 23)

[60]– الأمة: أتباع الأنبياء، كما نقول نحن من امة محمد صلى الله عليه وسلم أي من أتباعه.

[61]– وتكون الأمة الدين، كما قال الله عز وجل: ” إنا وجدنا آباءنا على أمة”(الزخرف، 23)، معناها على دين.

[62]– وتكون الأمة الرجل الصالح الذي يؤثم به، كما قال تعالى: “إن إبراهيم كان أمة قانتا لله حنيفا”(النحل، 120).

[63]– وتكون الأمة الزمان، كما قال تعالى: “وادكر بعد أمة”(يوسف، 45).

[64]– وتكون الأمة القامة، يقال: فلان حسن الأمة.

[65]– وتكون الأمة الأم، يقال هذه أمة فلان، أي أم فلان.

[66]– أحمد الشعبي: وثيقة المدينة المضمون والدلالة، ص: 70.

[67]– سورة الأنبياء، آية 92.

[68]– أحمد الشعبي: وثيقة المدينة المضمون والدلالة، ص: 71.

[69]– سورة الطور، الآية: 21.

[70]– سورة فاطر، الآية: 18.

[71] -أحمد الشعبي، وثيقة المدينة المضمون والدلالة، ص: من 28- 99.

[72]– معاهدات الرسول محمد صلى الله عليه وسلم – دراسة الأبعاد الإنسانية، ص: 8.

Leave A Reply

Your email address will not be published.