أنساب منطقة الظّهرة وسفوحها (دراسة إثنيّة وتشكّلات الهويّة في الفترة العثمانيّة)
ملخص:
البحث عبارة عن دراسة إثنية في جبال الظّهرة غربي الجزائر، خلال العهد العثماني وقبل الاحتلال الفرنسيّ، بتتبّع التنوّعات والجماعات البشريّة والإثنيّة، والتّدافع فيما بينها، من خلال مجتمع استحكمت عليه القبلية، والمعتقدات، وعوامل الاتّزان فيه من خلال عامل الأشراف والمرابطين، وعوامل الاضطرابات والصّراعات فيما بينها، يضاف إليها عامل الدّخيل والأجنبيّ، الّذي بقدر ما شكّل تهديدا لهذه الجماعات البشريّة، شكّل عامل توحّد وتكاتف للجماعات البشريّة المحليّة، وساهم أيضا بقدر كبير في تشكّل المجتمع الجزائريّ الحديث.
الكلمات المفتاحية: تشكّلات الهوية، التنوّع الإثني، جبال الظّهرة، الجزائر، المرابطون، العهد العثماني.
Abstract:
The research is an ethnic study conducted in the western mountains of Dahra, Algeria tackling issues that took place during the Ottoman period before the French occupation. It tracks the variations besides to human and ethnic groups and defends them through a society dominated by tribalism, beliefs, equilibrium factors such as sovereigns, Almoravids, unrest and conflict in addition to foreigner and outsider factor. The latter is considered as a threat to these human groups as it has been a cause that unites and coalesces local human groups and contributed significantly to the formation of modern Algerian society.
Keywords: Identity problems; ethnic diversity; Dahra Mountains; Algeria; marabouts; Ottoman era.
تمهيد:
علم الأنساب علم شريف، وهو نواة نظريّة العمران عند ابن خلدون، وإن اعتبره بلا ثمرة، فالعصبيّة الّتي بُنيت عليها دول المغرب في العصر الوسيط ارتكزت كلّها على العصبيّة والولاء للقبيلة، فقامت دولة المرابطين على بطون لمتونة وإخوانهم من صنهاجة الجنوب، وقامت دولة الموحّدين على عصائب مصمودة وإخوانهم من أمازيغ المغرب الأقصى والأوسط، وقبلهم قامت دولة الأدارسة على سواعد أوربة وبعض بطون زناتة، ودارت الدّائرة لبطون زناتة في القرن السّابع وما بعده من خلال بطون بني مرين وبني عبد الواد، ونازعهم الملك بنو عمومتهم مغراوة بمنطقة الظّهرة (كانت تُسمّى الظّهرة ببلاد مغراوة)، وبنو توجين ببطحاء شلف والونشريس، ولمّا ضعفت عصائبهم وتلاشت قُواهم -نتيجة الصّراع الدّامي بينهم ظهرت في أواخر العصر الزّياني وبداية العصر العثماني (التّركي)- فظهر إلى الوجود بهذه المنطقة بطون من زغبة؛ وفروعها سويد وصبيح وفليتة من عرب بني هلال، وأسّسوا إمارات مستقلّة عن بني عبد الواد وغيرهم، والّذين شاخت دولتهم في القرن التّاسع الهجريّ، وأنهكتها الحروب مع بني عمومتهم المرينيّين غربا، وبني عمومتهم مغراوة وبني توجين شرقا، والظّاهر أنّ مغراوة وبني توجين تفرّقت في البلاد واندمجت مع الوافدين بطون زغبة، وهذا ما يؤكّده الوضع في مازونة في العهد التّركي الّتي صارت مدينة يعمرها بعض بطون مغراوة وبعض فروع صبيح الهلاليّة، وكان عامل المرابطين والأشراف عاملا رئيسا في تعايش الجميع واندماجهم، وكذلك دور جالية الأندلس يُذكر فيُشكر في هذا الصّدد، فقد أدخلوا صنائعهم وفنونهم إلى تنس ومازونة وبوادي الظّهرة، حيث ارتسم جليا من خلال الحرف والغناء، وممّا زاد في ذوبان هذه العناصر مع بعضها وانصهارها في بوتقة واحدة؛ هو عامل التّهديد الأجنبيّ، فغزو الإسبان لسواحل الجزائر واستيلائهم على وهران جعل الكلّ يُدرك ضرورة الالتحام وتوحيد الصّفّ، وقد عاينوا جرائمهم في حقّ الجالية المسلمة هناك، يُضاف إلى ذلك حماية العثمانيّين ووصايتهم على الجزائر، واستعانتهم بهم بحكم الرّابطة الدّينيّة ووجوب ردّ المعتدي الأجنبيّ، فكانوا رافضين لهم في الواقع محتاجين إلى قوّتهم البحريّة لمكابدة العدوّ والرّباط على الثّغور. هذه العوامل أذابت الفروقات العصبيّة بين قبائل العرب في ما بينها وقبائل الأمازيغ في ما بينها أيضا، وبين هؤلاء جميعا ودول المغرب الأوسط، فتشكّلت من هذه الإثنيّات المختلفة عناصر موحّدة تجمعها التّقاليد والعادات المشتركة، ورابطة الدّين الإسلامي، وحراسة المرابطين والأشراف، وحضارة المهاجرين الأندلسيّين وصنائعهم؛ مهّدت هذه الظّروف لتشكيل هوية جديدة متميّزة، هي الهويّة الجزائريّة الحديثة، وأردنا من خلال هذا العمل البحث عن كيفيّة تأسيس هذه الهويّة، بما امتازت به من خصائص ثقافيّة وذهنيّة عن باقي شعوب المغرب الكبير، وقد اخترت منطقة الظّهرة نموذجا لاستكناه تشكّل الهويّة الجزائريّة بمختلف تمفصلاتها وتركيباتها، وهذا تسهيلا لحصر العناصر الّتي مرّت بهذه المنطقة وتتبّع مسارها الطّويل، ثمّ التّعرّف على اندماجها وانصهارها في هذا الجيل من النّاس، فصار يصعب التّفريق بين المرابط والشّريف والعربي والأمازيغي، نتيجة هذه الهويّة الجديدة المتفرّدة، هذا ما حاولت تتبّعه وجمعه من خلال أنساب الظّهرة وسفوحها بنواحي شلف، فميّزت بين أشرافها وأمازيّغها وعربيّها إضافة إلى جالية الأندلس، وكيف انصهر الجميع في عصبيّة واحدة تشمل هذه المكوّنات المختلفة، وهي ما يُعرف بالهويّة الجزائريّة، والّتي ظهرت ملامحها في العهد الزّياني وتبلورت في الفترة العثمانيّة، وظلّت صامدة لقرون رغم محاولا تفتيتها وتشتيتها، فقدّمت بما لابدّ من معرفته في علوم النّسب وما يختصّ بالمنطقة المغاربيّة عموما والجزائر خصوصا، وقد وضعتها عل شكل ملاحظات متفرّقة كمدخل لتناول موضوع الإثنيات بمنطقة الظّهرة وأحوازها فسمّيتها بـ (شذرات في علم الأنساب)، ثمّ تدرّجت نحو بيان هذه المكوّنات بما توفّر لنا من مصادر ومراجع، وبما أُتيح لنا من وقت وجهد، وقد ركّزت على تبيين تعايش هذه العصبيّات المختلفة وتماهيها في هويّة واحدة (أي الجزائريّة) من خلال هذه المنطقة الّتي اتّخذتها نموذجا لهذا الغرض، ولاشكّ أنّ الوضع لا يختلف عن باقي مناطق الجزائر.
- شذرات في علم الأنساب:
- من كتب الأنساب في العهد العثمانيّ أرجوزة (سبيكة العقيان) في صلحاء الشلف، لمحمّد الموفّق ابن حواء، ومحمّد الجوزي الرّاشدي بكتاب (عقد الجمان النّفيس) في أشراف غريس، ونظم البونيّ ألفيّته (الدّرّة المصونة في صلحاء بونة) وابن مريم في (البستان) وغيرها[1].
- علم الأنساب؛ هو علم عرفه المسلمون عن العصر الجاهلي، لكنهم جمعوه ودونوه، فضلاً عن شيوعه بينهم. وقد استمر الاهتمام بالأنساب في عصر السيرة والراشدين لضرورات دينية واجتماعية وعسكرية وإدارية، وفي الوقت الذي حرم الإسلام العصبية القبلية والتفاخر بالأنساب فإن للأنساب أهمتها في تطبيق أحكام الأحوال الشخصية من زواج وميراث … وفي معرفة أنساب المحدثين لتمييز رواة الحديث، وفي توزيع العطاء، وفي التنظيم العسكري حيث كانت القبيلة وحدة مقاتلة كما أنها كانت أساس التنظيم الاجتماعي والإداري في الأمصار، ويمكن أن نعتبر ديوان الجند في خلافة عمر رضي الله عنه أول تدوين شامل للأنساب. وقد صحَّ أن الرّسول صلى الله عليه وسلم أمر بتعلم الأنساب فقال: “تعلّموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم”[2]، وهذا العلم من خصائص العرب الّذين لا ينافسهم فيه أحدٌ من الأمم[3]، وهو رمز أيضا من رموز شرفهم وغيرتهم وعلوّ أخلاقهم.
- الأنساب علمٌ ظنّيّ، لذلك فالنّاس مصدّقون في أنسابهم، ويستدلّون بقول الإمام مالك (ت179هـ) –رضي الله عنه-: “النّسب كالحيازة فمن فمن حاز نسبا فهو مصدّق فيه …”[4].
- علم الأنساب قديمٌ في العرب، وكان من علومهم في الجاهليّة، قال الشّهرستاني: “وعلوم العرب في الجاهليّة ثلاثة: الأوّل: علم الأنساب، والتّواريخ، والأديان، والثّاني: علم الرّؤيا، والثّالث: علم الأنواء”[5]، واندرج عند كثير من علماء التّاريخ والأخبار ضمن مباحث علم التّاريخ، فصار جزءا منه، ولذلك قال المقريزي: ” لاخفاء أن معرفة علم التاريخ المشتمل على علم الأنساب من الأمور المطلوبة، والمعارف المندوبة، لما يترتب عليه من الاحكام الشرعية والمعارف الدينية، …”[6].
- اشتهر كبار الأعيان بتفوّقهم في علم الأنساب منهم أبو بكر الصّدّيق –رضي الله عنه-[7]، وعقيل بن أبي طالب –رضي الله عنه-، وكان “يُجتمع إليه في علم النّسب وأيّام العرب”[8]، وكذلك سعيد بن المسيّب[9].
- يثبت النّسب بالتّواتر، فمنه ما هو مدوّن في كتب الأنساب، وفي شجرات الأنساب، ومنه ما لم يُدوّن أو هو في حكم المفقود، ولكن تواطأ النّاس بحكم التّواتر على هذا النّسب أو ذاك.
- وعلم الأنساب عند ابن خلدون (ت808هـ) ذهبت ثمرته مع اختلاط الأنساب وضعف النّعرة والعصبيّة[10]، فالاعتناء بالأنساب هو نواة العصبيّة الّتي يحصل بها الملك، وعليها تنبني نظريّة العمران، ولذلك قال: “النّسب علمٌ لاينفع وجهالة لا تضرّ، بمعنى أنّ النّسب إذا خرج عن الوضوح وصار من قبيل العلوم ذهبت فائدة الوهم فيه عن النّفس وانتفت النّعرة الّتي تحمل عليها العصبيّة فلا منفعة فيه حينئذ، والله أعلم”[11]، وابن خلدون إنّما قال هذا بعد اختلاط الأنساب وصعوبة الجزم بها، وهذه المقولة قديمة في التّراث العربي، ووجدنا أنّ ابن حزم الظّاهريّ (ت456هـ) يحكم ببطلان هذا القول، فقال: ” فوضح بما ذكرنا بطلان قول من قال إن علم النسب علم لا ينفع، وجهالة لا تضرّ، وصحّ أنه بخلاف ما قال؛ وأنه علم ينفع وجهل يضرّ. وقد أقدم قوم فنسبوا هذا القول إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم”[12]، وأنكر ذلك أيضاً الفقيه ابن عبد البرّ القرطبيّ المالكيّ (ت463هـ) وأوقفه على أبي هريرة –رضي الله عنه-[13]، ورُوي عن عمر –رضي الله عنه- أيضا ولا يثبت[14]، وحمله الصّنعاني على ذمّ التّوغّل فيه والاسترسال بحيث يشغل عن الأهمّ ويزيد على كفاية ما يُنتفع به[15]، وإنّما يكون علم النّسب ضارّا وجهالته تنفع إذا كان يتوصّل به إلى المفاخرة والكبر بالأنساب، وهو علمٌ لا ينفع وجهالة لا تضرّ إذا كان تقيّا، وإلا فعلمه يضرّ وجهالته تنفع، وممّا يُنسب لعليّ بن أبي طالب –كرّم الله وجهه-:
اَلنّاسُ مِنْ جِهَةِ التّمْثِيلِ أَكْفَـــاءُ أَبُوهم آدَمُ وَالأُمُّ حَـــــواءُ
فَإنْ أَتيْتَ بفَخْرٍ من ذوي حَسَبٍ فإنّ حَسْبَهُمَا الطّينُ وَالْمَاءُ
وَوَزْنُ كُلِّ امْرِئٍ مَا كَانَ يُحْسِنُهُ وَالجَاهِلُونَ لِأَهْلِ الْعِلْمِ أَعْدَاءُ[16]
- وصريح النّسب إنّما يوجد في البوادي من القفر من العرب وأمثالهم، واختلاط الأنساب يقع بسبب الحلف والولاء أو الفرار من قومه إلى آخرين فيدّعي بنسب هؤلاء[17].
- ثمّ النّسب قد يُتناسى بطول الزّمن ويذهب أهل العلم به فيخفى على الأكثر، ولهذا نرى اختلاف النّاس في أنسابهم وتضارب آرائهم[18].
- ولهذا كثُر ادّعاء النّسب وتضارب الآراء حوله، وهذا ما لاحظه ابن خلدون عند تشريحه لظاهرة العصبيّة واستحقاق الملك، فقد قال: “… وقد يتشوّف كثيرٌ من الرّؤساء على القبائل والعصائب إلى أنسابٍ يلهجون بها، إمّا لخصوصية فضيلة كانت في أهل ذلك النّسب من شجاعة أو كرم أو ذكر كيف اتّفق فينزعون إلى ذلك النّسب ويتورّطون بالدّعوى في شعوبه، … وهذا كثيرٌ في النّاس لهذا العهد، فمن ذلك ما يدّعيه زناتة جملةً أنّهم من العرب، .. ومن ذلك ادّعاء بني عبد القويّ بن العبّاس بن توجين أنّهم من ولد العبّاس بن عبد المطلب رغبة في هذا النّسب الشّريف وغلطاً باسم العبّاس بن عطيّة أبي عبد القويّ، ولم يُعلم دخول أحد من العبّاسييّن إلى المغرب، لأنّه كان منذ أوّل دولتهم على دعوة العلويّين أعدائهم من الأدارسة والعبيديّين فكيف يكون من سبط العبّاس أحدٌ من شيعة العلويّين؟! وكذلك ما يدّعيه أبناء زيّان ملوك تلمسان من بني عبد الواحد أنّهم من ولد القاسم بن إدريس ذهابا إلى ما اشتهر في نسبهم أنّهم من ولد القاسم، فيقولون بلسانهم الزّناتي: أنت القاسم، أي بنو القاسم، … ولقد بلغني أنّ يغمراسن بن زيّان مؤثّل سلطانهم أنّه لمّا قيل له ذلك أنكره … ومن هذا الباب ما يدّعيه بنو سعد شيوخ بني يزيد من زغبة أنّهم من ولد أبي بكر الصّدّيق –رضي الله عنه-، وبنو سلامة شيوخ بني يدللتن من توجين أنّهم من سليم، والزّواودة شيوخ رياح أنّهم من أعقاب البرامكة …”[19]، وادّعاء النّسب الشّريف من غيرهم معروف وكثير في التّاريخ الإسلاميّ، منهم على سبيل المثال ما ادّعاه عليّ بن محمّد بن عبد الرّحيم العبقسيّ صاحب الزّنج من أنّه هو عليّ بن محمّد من ذرّية الحسين بالكوفة، والعجيب أنّه كان معاصراً له بل وعاش بعد مقتل ذلك المدّعي[20].
- نهاية الحسب عند ابن خلدون أربعة آباء، “وذلك أنّ باني المجد عالم بما عاناه في بنائه ومحافظٌ على الخلال التي هي أسباب كونه، وابنه من بعده مباشرٌ لأبيه فقد سمع منه ذلك وأخده عنه إلا أنّه مقصّر في ذلك تقصير السّامع بالشّيء عن المعاني له، ثمّ إذا جاء الثّالث كان حظّه الاقتفاء والتّقليد خاصّة فقصّر عن الثّاني تقصير المقلّد عن المجتهد، ثمّ إذا جاء الرّابع قصّر عن طريقتهم جملةً وأضاع الخلال الحافظة لبناء مجدهم واحتقرها، …”[21].
- علم النّسب عند ابن حزم (ت 456هـ) علمٌ جليل؛ إذ به يحصل التّعارف المُشار إليه في الآية الكريمة، ومنه ما هو فرض كنسب النّبيّ –صلّى الله عليه وسلّم-، “فمن شكّ في محمّد –صلّى الله عليه وسلّم- أهو قرشيّ، أم يمانيّ، أم تميميّ، أم أعجميّ فهو كافر، غير عارف بدينه، إلا أن يُعذر بشدّة ظلمة الجهل، ويلزمه أن يتعلّم ذلك، ويلزم من صحبه تعليمه أيضا”[22]، وكذلك ما يتعلّق به الإيمان كأمّهات المؤمنين والصّحابة من المهاجرين والأنصار، وما يتعلّق بكلّ فريق منهم، أو بأعيانهم –رضي الله عنهم جميعا-، وهو لا يحصل إلا بعلم النّسب[23].
- كان علم النّسب ضروريّاً أيضا في صدر الإسلام، لأنّ من شروط الإمامة عند أهل السّنّة لا تجوز إلا نسل قريش، ومنها أن يعلم أمّه وأباه وأقاربه لتحصل الصّلة وجميع ما يترتّب على ذلك شرعا من المواريث والزّواج والولاية والكفالة ونحوها، ومنه الحديث النّبويّ الشّريف: “تعلموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم”[24].
- وهو ضروري أيضا في معرفة الرّجال والرّواة في علم الحديث والتّاريخ والأدب، “لأنّ طالب العلم والحديث إذا لم يكن يدري علم النّسب وسمع حديثاً قد صُحِّف فيه اسم أحد على غير جهته، أو نقل من قبيلة إلى غيرها، جاز ذلك عليه. وإذا كان بالأنساب عالماً، وبالأخبار عارفاً أنكر ذلك ورده إلى نسبه وأسمه، وأتى بالصواب في موضعه وحقيقة أصله”[25]، وعلم الأنساب حفظ لنا الأسماء والألقاب والكُنى من الخلط والتّحريف والتّصحيف والضّياع[26].
- تأسيس مدينة فاس نفسها، فقد بناها إدريس الأصغر (ت 213هـ) بن إدريس الأكبر (ت 175هـ) بن عبد الله الكامل بن الحسن المثنّى بن الحسن السّبط بن علي بن أبي طالب وفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك سنة 182هـ، وقد ظلّت عاصمة للأدارسة حتى سنة 317هـ[27].
والجواب أنّه عُرف عن المغاربة عموماً محبّة أهل البيت وتوقيرهم وتَوَلّيهم ونصرتهم حين فرّوا من المشرق والحجاز، فوجدوا فيهم حُسن العزاء وتمام الولاء، ولا أدلّ أيضا على ذلك من أنّ كثيرا ممّن طمحت نفسه إلى السّلطة منهم كان ينتسب إليهم ولو زُوراً كما قيل في شأن المرابطين والمرينيين وادّعاء المهدويّة.
وقد ذُكر أنّ إدريس لمّا أراد الشّروع في بنائها رفع يديه وقال: “اللّهمّ اجعلها دار علم وفقه، يُتلى فيها كتابك، وتُقام بها حدودك، واجعل أهلها متمسّكين بالسّنّة ما أبقيتها” ثمّ أخذ المِعْوَل بيده فابتدأ بحفر الأساس[28]، فصارت مدينة فاس بذلك مأوى للغرباء، من دخلها أو سكنها صَلُحَ حاله بها، وقد نزلها كثير من العلماء والفقهاء والصّلحاء والأدباء والشّعراء والأطباء وغيرهم، فهي في القديم والحديث دار علم وفقه وحديث وعربية.
- واتّصفت بصفة البركة والقداسة والولاية عند المغاربة عموما، ولا يزالون يُعظّمونها ويُولُونها أكبر الاهتمام لمكانة إدريس الأزهر (ت 213هـ) بها ومقامه المشهور هناك، فقصده الزّائرون وتبرّك بها النّاس، وجاورت ثراه العلماء ورغّبوا في ذلك[29]، ولا زالت مدينة فاس في نموّ وزيادة وتكاثر، خصوصا مع قدوم المهاجرين الأوائل من أهل القيروان، فبنوا جامعا نُسب إليهم وهو “جامع القرويين” سنة 245هـ، وصار أقدم جامعة للدّراسات العليا في العالم، ونافسه في هذه المهمّة “جامع الأندلس” الذي أسّسه المهاجرون الأندلسيّون الأوائل[30].
- التّركيبة الإثنيّة لمنطقة الظّهرة وسفوحها: ما يُلاحظ أنّ التّركيبة البشريّة (قبائل المغرب الكبير) اعتمدت على الظّنّ الغالب والمشتهر من الأخبار، فقد اعتمد ابن خلدون مثلا في أخبار قبائل المغرب الكبير في القرون التي سبقته إلى زمانه على ما ذكره نسابو البربر وعلى ما تواتر ذكره وشاع خبره وطار في الأصقاع بحيث يستحيل تواطؤهم على الكذب[31].
- تتنوّع هذه التّركيبة البشريّة في منطقة الشّلف وتنس ومازونة وما يحيط بها من جبال الونشريس والظّهرة، كباقي شمال إفريقيا، وامتازت كونها نقطة صدام منذ القديم بين القبائل الّتي استوطنتها من جهة، وبين دول شمال إفريقيا في الصّراع على بسط النّفوذ عليها، وقد كانت في الغالب تحت سيطرة القبائل الّتي سكنتها؛ سواء من العرب أو من الأمازيغ، أو منهما معا، وهذا طبعاً في حال ضعف الدّول الّتي تعاقبت على المغرب الأوسط خصوصا، وهذا ما جعلها عرضة لعدم الاستقرار البشريّ بها، فكثرت الهجرات منها وإليها، وأهمّ التركيبة الإثنيّة بها تمثّلت في ما يلي:
- قبائل الأمازيغ: تعدّدت قبائل الأمازيغ الّتي ساكنت الونشريس والظّهرة وما بينهما، فسكنتها بعض بطون كتامة وغيرها من فروع الصّنهاجة وبعض بطون هوّارة ومكناسة ومطماطة، ولكن أغلب سكّانها من الأمازيغ كانوا من فروع زناتة، كمطغرة وبني توجين ومغراوة وبنو ومانو وغيرهم.
- مغراوة:وهم من أوسع بطون زناتة وأهل البأس والغلب منهم، وكان لهم في العصر الإسلاميّ ملكٌ بفاس، وسجلماسة (تافيلالت)، وتلمسان، وطرابلس وغيرها، وموطنهم بالمغرب الأوسط من شلف إلى تلمسان[32]، وذكروا أنّ موطنهم –بالتّحديد- شمال الونشريس ووادي الشّلف إلى البحر، ينتهي شرقا إلى قرب متّيجة، وغربا إلى البطحاء ناحية وادي مينة، يشتمل على جبالٍ شاهقة وسهول خصبة ومدن عامرة، منها مليانة ووادي جر شرقا، ومازونة وتنس وشرشال[33]، وهم بدورهم بطون كثيرة، فأمّا الّذين بناحية الشّلف في عهد الموحّدين فهم بنو ورسيفان[34]، وذكر ابن خلدون عن بعض نسّابة زناتة أنّ أكبر بطونهم أربعة، وهم سنجاس، وريغة، والأغواط، وبني ورّا، وكان بنو سنجاس أكثرهم عدداً ولهم بأس وشدّة، وكانت لهم أيّامٌ وفتن حتّى ساكنتهم بنو هلال وضربت عليهم المغارم[35]، وقد ذكروا أنّهم أدركهم الإسلام وهم ذوو شأن فأسلموا وحسُن إسلامهم، وأنّ أميرهم صولات بن وزمار هاجر إلى المدينة ووفد على أمير المؤمنين عثمان بن عفّان –رضي الله عنه-، فاستقبله وعقد له قومه ووطنه، وقيل إنّه أسِر وأشخص إلى عثمان فأسلم وأقرّه، لهذا اُختصّت مغراوة بولاء عثمان وبني أميّة[36]، وبهذا أيضا نفهم دورهم التّاريخي في ما بعد في مناهضة الدّول، وفي بناء دولة بني أميّة بالأندلس، وقد كان لهم دورٌ بارزٌ في أحداث المغرب الأوسط، منها حروبهم مع الزّيريّين ولاة الفاطميّين بالمغرب الأوسط[37]، وكانت لهم شوكة وهيبة أيّام دولة الموحّدين فأقرّوهم على بلادهم بالشلف[38]، وكان لهم دور في الصّراع بين الزّيانيّين والمرينيّين تارة، وبينهم وبين الزّيانيّين تارةً أخرى[39]، وكانوا مع بني توجين مناهضين للدّولة الزّيانيّة، وتكرّرت فتنهم حتّى إنّ أبا حمّو موسى الأوّل قام بحربهم سنة 711هـ، وابتنى هنالك قصره المعروف اليوم بعمّي موسى قرب مازونة[40]. وأمّا بنو ورّا من مغراوة نقلهم السّلطان يوسف بن يعقوب المريني في القرن الثّامن الهجريّ إلى ناحية الشّلف لارتيابه منهم[41]، وأمّا مازونة فقد شهدت استقرارا ووفاء لبطون مغراوة منذ نشأتها إلى غاية قدوم العرب الهلاليّة الّذين استقرّوا في بداية الأمر ببطحاء شلف ووادي مينة قبل أن يصلوا إلى أعالي الظّهرة عن طريق التّعليم والتّجارة[42].
- بنو توجين: موطنهم شرقي تلمسان وجنوب مغراوة في ما بين سعيدة والمدية، حياتهم حياة ظعن كمغراوة، يبلغون في رحلة الشّتاء إلى ميزاب والزّاب الغربي، وبموطنهم جبل الونشريس وأحوازه صيفا، إلى غلبهم بطونٌ من زغبة على السّهول فانقبضوا أخيرا إلى الونشريس[43]، وقد عدّهم ابن خلدون من أقوى بطون زناتة عددا وشوكة بعد بني مرين وبني عبد الواد[44]، وتجاذبوا الملك والرّئاسة معهم في أحواز الشّلف، إلى أن غالبهم بنو زيّان وأضعفوا من قوّتهم[45]. وكانت لهم قبل ذلك في القرن السّابع الهجريّ أيّام مع بني عمومتهم مغراوة، ولمّا ضعفت شوكة مغراوة من حروبهم الكثيرة غالبهم بنو توجين على جبل الونشريس[46]. كما كانت بين بني توجين ومغراوة أيّام وفاق وافتراق، وكانت بينهم وبين الزّيانيّين عداوات وحروب، وبهم ظاهر الحفصيّون المغرب الأوسط وتوغّلوا فيه، إلى أن كسر شوكتهم يغمراسن بن زيان[47]. وكانت الأيّام بينهم دول، فكلّما ضعُف شأن الزّيانيين ظهر أمر مغراوة وبني توجين، وقد حكى ابن خلدون أيّامهم في زمانه بالتّفصيل، وكانوا أحيانا أولياء لبني مرين وأحيانا للزّيّانيّين، وربّما كانت لهم إمارات مستقلّة.
- بنو ومانو: وهناك قبائل أمازيغيّة كثيرة سكنت بالمنطقة، ومنهم بنو ومانو كانوا يسكنون شرقي وادي مينة وأسافل الشّلف، وظهر أمرهم بعد إجلاء صنهاجة لمغراوة أيّام الحمّاديّين، فكان لهم صيت وذكر في أيّامهم، وبعد أن ضعف أمر الحماديّين كانت الكرّة عليهم فتغلّبت عليهم بنو عبد الواد وبنو توجين، وازدرتهم القبائل فتفرّقوا بين النّاس أوزاعا[48].
- بنو منداس: وهو قبيلة أمازيغيّة نُسبت إلى هوارة، سكنوا غربي الونشريس وسُمّيت المنطقة باسمهم، إلى أن غالبتهم مطماطة على بلادهم وأخرجوهم، ويبدو أنّهم تفرّقوا أوزاعا أيضا بين النّاس، وهؤلاء أيضا غالبهم بنو توجين[49]، وشهدت هذه المنطقة حروبا كثيرة ومعارك طاحنة بين مختلف الدّول الّتي تعاقبت على المغرب الكبير، وبين القبائل الأمازيغيّة والعربيّة الّتي ساكنت المنطقة، لأنّها منطقة عبور مكشوفة.
- ويبدو أنّ شوكة الزناتيّين من بني توجين ومغراوة قد خفتت في أواخر عهد الزّيانيّين في في القرن التّاسع الهجريّ وما بعده، وحلّت محلّها فروع زغبة الهلاليّة، كما يبدو أنّ فلولها قد اندمجت مع قبائل العرب، خصوصا مع تعدّد الخطر الأجنبيّ، وخير مثال على ذلك هو ثورة ابن الشّريف الدّرقاوي سنة 1219هـ الّتي تزعّمها الأشراف وشارك فيها العرب وقبائل زناتة، فشدّد العثمانيّون الخناق على الجميع، وكان من ضحاياهم ابن القندوز التّوجيني الّذي قتل في مازونة أواخر الحكم العثماني[50].
- ولا شكّ أنّ هذه الأحداث شرّدت الكثير من قبائل الأمازيغ والعرب بين المناطق والجبال، وكوّنت مجموعة بشريّة بهذه المناطق مزيج بين مغراوة وبني توجين وغيرهم من الأمازيغ، وتداخلت لغاتهم ولهجاتهم.
- قبائل العرب: وصلت الكثير من القبائل العربيّة إلى منطقة الظّهرة وأحوازها، خصوصا بعد الغزوة الهلاليّة في القرن الخامس الهجريّ وما بعده، ووصلت قبائل سليم وزغبة؛ وعُرفوا بالحشم منذ عهد الزيانيّين، ومعهم أفراد من قريش؛ وعُرفوا بالأجواد، إلى بلاد راشد (من مليانة إلى معسكر) في عهد الموحّدين[51]، ومن قبائل الحشم قبائل قبائل بني عامر بن زغبة في أحواز وهران، واختلطوا مع بعض قبائل الأمازيغ[52]، ويبدو أنّ ذلك كان في وقت مبكّر من ظهورهم في المنطقة، ومن أبرز وأقوى القبائل العربيّة الّتي استقرّت بمنطقة الظّهرة وسفوحها قبيلة سويد، التي صارت تنس وأحوازها أهمّ معاقلهم، وبطون زغبة، واُختلف في نسبهم، والأظهر أنّهم أنّ سويد بطن من بطون زغبة الهلاليّة من العرب العدنانيّة، وهم سويد بن عامر بن مالك بن زغبة[53]، ومن فروعهم أفخاذ عديدة منهم صبيح ومجاهر وفليتة[54]، وقد لعبوا دورا كبيرا في أحداث المغرب الأوسط، وبرزوا بشكل لافت في عهد الزّيانيّين، وكان من أخبارهم معهم ما كان من أخبار مغراوة وبني توجين[55]. كما كان لهم دورٌ بارز أيّام التّواجد العثمانيّ، وقد ناصبوا العثمانيّن العداء، وجرت بينهما حروب كثيرة؛ عُرفت هذه الحروب باسم “ثورة المحال”، الّتي طانت تتّقد تارةً وتخبو تارة أخرى حوالي قرنين من الزّمان، وكانت قاعدة هذه الثّورة قبيلة سويد العربيّة بمدينة تنس، كما يبدو أنّ العثمانيّين قد أجلوهم منها[56]، وقد خلّد مآثر سويد شعراؤها عبر الشّعر الملحون، منهم الشّاعر ابن السّويكت، الّذي سجّل انتصار سويد على العثمانيّين:
التّرك جاروا واسويد عقابهم طافحين والتّرك شاربين الهبال في سطله
لا من جاب اخبار اسْويد أين مضرب راهم نازلين امحاله[57]
ويبدو أنّ إمارة سويد بتنس صار لها شبه استقلال عن الزّيانيّين في أواخر عهدهم (القرن التّاسع الهجري)، وأنّ العناصر الإثنيّة في هذه المنطقة (عرب، وأمازيغ، وأشراف، وأندلسيّون) قد ذابت في عصبيّة سويد وشوكتها، وهي في الحقيقة مشكّلة من جميع هذه العناصر الّتي تماهت في بوتقة واحدة لمجابهة الخطر الأجنبيّ (الإسباني خصوصا)، وابتداء من هذه المرحلة صار يصعب الفصل بين العناصر المشكّلة للمجتمع الجزائريّ بصفة عامّة، وخاصّة بعد وصول الحكم العثماني إلى الجزائر، فإنّ هذه الإمارات فقدت استقلاليّتها، كالثّعالبة في الجزائر ومتّيجة، وإمارة كوكو في جبال الزّواوة، وإمارة سويد بتنس وأحوازها[58]، ويبدو أنّ هذه العناصر المكوّنة لقبائل سويد وقفت سدّا منيعا أو على الأقلّ معيقا أمام الامتداد العثماني.
ومن فروع سُويد بطن جهة البطحاء (شلف السّفلي ناحية غليزان) يُعرفون بهبرة، يُنسبون إلى مجاهر بن سويد، قال ابن خلدون: “وهم يزعمون أنّهم من قوم المقداد بن الأسود، وهم بهذا من قضاعة، ومنهم من يزعم أنهم من تجيب إحدى بطون كندة والله أعلم. ومن ظواعن سويد هؤلاء ناجعة يعرفون بصبيح، ونسبهم إلى صبيح بن علاج بن مالك ولهم عدد وقوة وهم يظعنون بظعن سويد ويقيمون بمقامهم”[59].
ومن العرب الّذين امتزجوا بزناتة بحيث تردّد الطّيّب الغريسي في نسبتهم هم التقاقرة من المحال بالشّلف، وأنّهم من زناتة كانوا من خدم الأجواد، وانفصلوا عنهم أواخر الحكم العثمانيّ[60].
ويذكر يحيى لوكيل في بحثه حول مازونة أنّ هذه المدينة في المرحلة العثمانيّة قد قُسمت إلى جزئين بسور نتيجة الفتن بين أولاد السّايح والحساسنة أحلاف قبيلة صبيح الهلاليّة، وبين قبيلة مديونة الزناتيّة، ويذكر أنّ أشراف البلدة تدخّلوا للصّلح بين المتخاصمين، والظّاهر أنّ الصّلح لم يدم طويلا، وأسباب الخصومة هي أسباب تجاريّ في الغالب، وأنّ الأتراك كانوا في وضع المتفرّج، خاصّة وأنّهم كانوا مرفوضين من قبائل المحال وغيرها[61].
- الأندلسيّون والقرويّون: الظّاهر أنّ وجود العنصر الأندلسيّ في منطقة الظّهرة وسفوحها قديم، فقد ذكر البكريّ أنّ مدينة جليداسن بين تنس والشلف بناها أمازيغ مطغرة، وكان يسكنها الأندلسيّون والقرويّون، ويظهر أنّه قد حصل بها تمازج بين هذه العناصر، والملفت للنّظر أنّ هذه المدينة لا يدخلها أمازيغ برقجانة سكان تاجنة القريبة منها من وقت غدرهم بها[62]. وقد ذكروا أيضا أنّ بُناة تنس الحديثة أسّسها البحريون من أهل الأندلس منهم الكركرني وأبو عائشة والصقر وصهيب وغيرهم، وذلك سنة 262هـ، ويسكنها من أهل الأندلس أهل البيرة وأهل تدمير[63]. ثمّ إنّ هذه العناصر المختلفة تعايشت وتعاونت على بناء مدينة تنس وتوسيعها، ورحل إليهم أهل سوق إبراهيم، “فتوسّع لهم أهل أهل تنس في منازلهم وشاركوهم في أموالهم، وتعاونوا على البنيان. واتخذوا الحصن الذي فيها اليوم”[64]. ولم تنقطع هجرات الأندلسيّين إليها خاصّة بعد النّكبة وتحرّشات إسبانيا وغيرها على السّاحل الجزائريّ، فلجأ المهاجرون الأندلسيّون إلى مدن السّاحل، ومن أبرزها بلا شكّ مدينة تنس وأحوازها، وقد استقرّوا بها خاصّة في الفترة العثمانيّة. وما يُلاحظ أنّهم كانوا من أشدّ النّاس ولاءً للعثمانيّين، باعتبار العدوّ الأجنبيّ المشترك، وباعتبار قوّة العثمانيّين في البحر وقدرتهم على استرجاع الأندلس المفقود، فشاركوهم في حروبهم برا وبحرا، كما تحالفوا معهم في الدّاخل لتوطيد الأمن والاستقرار وازدهار التّجارة[65]. وممّا يُقوّي هذا أنّهم عوملوا معاملة سيّئة من الأعراب بالغرب الوهراني، ونهبوا أموالهم وتسلّطوا عليهم بالإذاية والقتل، ودافعت عنهم بعض القبائل كقبيلة سويد الّتي قامت لمقاتلة القبائل المعتدية على الأندلسيّن، كقبيلة هبرة، على جرائمها[66].
- الأشراف:
تقديس الأشراف:
مجتمع المسلمين صنع السّادة والأشراف كظاهرة لتقديس الأفراد الّذين ينتمون بالنّسب للنّبيّ واعتبرهم طبقة عالية متميّزة عن غيرهم من النّاس، وانتشرت في جميع البلدان، وقد تطلق على الفرد من هذه الطّبقة ألقاب مختلفة، مثلا في مصر والمغرب لقب “الشّريف”، وفي السّودان والعراق واليمن “السّيّد”، وفي بعض أنحاء الهند وتركيا “المير”، وفي إيران وباكستان وأفغانستان “الملا” وجمعهم “ملالي”.[67] وتقديس الأولياء هو ركيزة التّديّن الشّعبي والتّكافل الاجتماعي، ومواسمهم من أهمّ أسباب التّلاحم وبناء المجتمع التّقليدي في المغرب العربي بصفة عامّة، وفي الجزائر بصفة أخصّ، فالتّوازن الاجتماعي المبنيّ على تلك الخصائص والمواصفات جعلت من هذا المجتمع ينطبع بمميزات كثيرة، لا تميّزه عن الغرب آنذاك (إسبانيا والبرتغال وفرنسا و….)، بل وتميّزه عن باقي الشّعوب الإسلاميّة، وكوّن مع مرور الوقت أعراف وعادات، امتزجت فيها قيم الإسلام بالأمازيغيّة والعروبة، كما دخلها عنصر آخر وهو هجرة الأندلسيّين إليها عقب نكبة الأندلس؛ وهؤلاء في الحقيقة أيضا تجمعهم رابطة الإسلام والعنصر الأمازيغي- العربيّ، أو ببيان أدقّ؛ كوّن كلّ ذلك هويّة متجذّرة في التّاريخ حافظت على الثّابت منها؛ من دين ولغة وعادات، وأثّرت فيها أيضا عوامل أخرى من سلطة عثمانيّة لم يُجمع عليها السّكّان، ولكنّهم محتاجون إليها لدحر الطارئ الآخر، وهو الغزو الأجنبي بقيادة إسبانيا والبرتغال وفرنسا وغيرها، ولمّا احتاجت كلّ عنصر من هذه العناصر إلى بعضها البعض؛ من أجل المدافعة والممانعة، وللتّعاون والتّعايش في سبل العيش والكسب تمازجت عاداتهم واختلطت ألسنتهم، “فصارت لغة الجميع عربيّة من حيث الوضع عجميّة من حيث تغيير الإعراب”[68].
وفي عهد الأتراك سُجّل لهم احترام الأشراف، فيقول الطّيّب الغريسي مثلا في شأن أشراف أولا دحو بالغرب: “… ولجدّهم احترام عند ملوك الأتراك، حتّى إنّ بكلّ محكمة من محكماتهم مسجدا مضافا إليه، ومن دخله من أهل المطالب والجنايات لا يتعرّض له، ولا يؤاخذ بشيء مراعاة لجناب سيدي دحو”[69]، وتُقبل شفاعاتهم كما ذُكر عن سيدي محمد بن الهاشمي شيخ الطّريقة الطيبيّة في العهد العثماني[70]، وكان للأشراف المشارفة حظوة أيضا عند أمراء العثمانيّين، ولهم عندهم خطط شرعيّة[71]. وكان لبعض الأشراف وساطات بين الباي محمّد الصّغير المقلاش وبين الحشم في زمن ثورة ابن الشّريف الدّرقاوي[72]، ومنها اعتناؤهم بالمشارف بوهران، لاشتهارهم بشرف النّسب والعلم، وربّما أيضا لخشية احترام النّاس لهم وطاعتهم، فاستعملوهم في التّعليم والوظائف، ونقلوا بعضهم إلى وهران لذلك، ومنهم الشّيخ الطّاهر المشرفيّ، وقد كان أبوه بالمغرب الأقصى، يقول عنه محمّد العربي المشرفي: “… كان عل منهاج والده وجدّه في تدريس العلوم وحسن السّمت والتّؤدة، نقله ملك الأتراك لوهران للنّفع به، فكانت العلماء تختلف إلى مجلسه العلميّ، وترد عليه الأسئلة فيجيب عنها جوابا شافيا، وانتفع به خلق كثير، وقد جبره (كذا في الأصل: أجبره) ملك الأتراك على القضاء بعد إبائه منه وامتناع، فأحسن السّياسة الشّرعيّة، ولا يختلف اثنان في عدله وعدم جوْره …”[73].
- وقد تميّز المغاربة عموما بتقديس الأولياء، والطّاعة المطلقة والولاء، ومن هؤلاء المرابطون الأشراف وغيرهم ممّن استقرّ في أذهان العامّة بشرفهم وكراماتهم، بل صاروا لا يُفرّقون بين المرابط والشّريف، وقد تفطّن لذلك إدمون دوتي (Edmond Douté) في كتابه (Les marabouts)[74]، وتحدّث عن ذلك في طثير من كتبه وأبحاثه مثل (L’Islam Algérien en l’an 1900)[75]، ويبدو أنّ دلالة المرابطين على الأشراف متأخّرة، ربّما في العهد العثمانيّ تقديرا، لأنّ عامّة الأشراف في ذلك الزّمان اختصّوا ببناء الرّباطات والزّوايا، وقد فصّل ذلك الطّيّب بن المختار الغريسيّ (ت 1320هـ) بقوله: “… ثمّ اعلم أنّه ليس كلّ مرابط شريف، بل قد يكون المرابط بربري النّسب، أو من مطلق العرب، وذلك أنّ كثيرا من النّاس لمّا عاين حال المرابطين بالأصالة، وشاهد ما هم عليه من السّمت الحسن … تزيّي بزيّ المرابطين وتخلّق بخلقهم ولبس شعارهم فأطلق هذا الاسم لوجود معناه فيه ظاهرا، وظنّ النّاس أنّه شريف النّسب فعاملوه معاملة الأشراف، … ومن أجل ذلك كثُرت دعوى الشّرف في أهل هذا الوطن”[76] .
ولمّا تفرّق أبناء إدريس الأصغر بين الأمصار، تولّى أبناء عمومته تلمسان وأحوازها، فكانت تلمسان لولد إدريس بن محمّد بن سليمان، وتنس لولد إبراهيم بن محمّد بن سليمان[77]، وإليهم تُنسب ممالك محمّد بن إبراهيم، وهي تنتشر من متيجة ومليانة إلى ناحية مستغانم وما يُقابلها من البحر المتوسّط، ومنها تبدأ ممالك هوارة، وآخر مدنهم سوق إبراهيم ناحية تنس[78]، وهي تُنسب إليه على ما ذكره اليعقوبي وغيره، وقيل تُنسب إلى إبراهيم بن عيسى بن محمّد[79]، وكلاهما من نسل سليمان بن عبد الله الكامل أخي إدريس مؤسّس دولة الأدارسة بالمغرب.
ومدينة سوق إبراهيم هذه ذكرها الإدريسي بأنّها في الطّريق بين بلد التّين (تاجنة) والغزة (غليزان)[80]، وهي ناحية وادي اسلي حسب مبارك الميلي[81].
وقد كان للأشراف والمرابطين مكانة هامّة في العهد العثماني، فالكلمة الأولى ترجع إليهم في استقرار المجتمع أو ثوراته ضدّ الحكم العثماني، ولاشكّ أنّ أكبر ثورة تعرّض لها الحكم العثماني هو ثورة الشّريف الدّرقاوي في الغرب الجزائري، وقد كانت الحروب بينهما سجال، وقد تحدّث عن ذلك شعراء الملحون منهم الشّاعر بوعلام بن الطّيّب السّجراري، وهو يصف إحدى انتصارات درقاوة على الأتراك:
كي قصّة الاجواد مع أتراك النّوبة يوم أن فزعهم ابن الشّريف أو جاوا[82]
وممّا يُذكر في شأن الأشراف السّليمانيّين أنّهم أقلّ ذكرا، “ولم يبق معروفا من هذه الفروع لهذا العهد إلا القليل”[83]، واتّفق النّسّابة على أنّ فروعهم بالغرب الجزائري، وأنّهم يلتقون جميعا في محمّد بن سليمان دفين جبل وهران[84].
- ومن الأشراف النّازلين ناحية الشّلف أبناء محمّد بن سليمان علي بن إدريس بن محمد بن سليمان، وأخوه محمّد بن إدريس بمستغانم، ويعقوب نزل بمازونة[85]، وبنو عبد الحيّ من أولاد محمّد بن سليمان بواد شلف قادمين إليها من توات[86]، وهم أولاد يعقوب بن أحمد بجبل مغراوة قرب مازونة[87]، ومنهم في شلف فرع من أولا عبد الله بن إدريس[88]، وفي مديونة فرع من أولاد داود بن إدريس[89].
- وانتقل سيدي أبو زيد في زمن الأتراك من بني راشد إلى وادي مينة وله بها خلف يعرفون بأولاد حواء، اشتهروا بالعلم وتولّى بعضهم القضاء للبايات[90].
- أشراف مجّاجة: وأمّا أبو الحسن علي آبهلول المجاجي فقد وقفت على من نسبه إلى الوطاسيّين؛ وهم أمازيغ من بقايا لمتونة بالمغرب الأقصى، اعتمادا على صاحب (الفتح)[91]، وعرّض بكتاب (الدّرّة الوهاجة) لمحمّد العربي المشرفيّ[92]، وعنوانه في صورة لمخطوط خاصّ هو (ياقوتة التّسب الوهّاجة، وفي ضمنها التّعريف بسيدي امحمّد بن علي مولى مجاجة)، “وإن شئت قلت: (اليواقيت الثّمينة الوهّاجة في التّعريف بسيدي محمّد بن علي مولى مجّاجة)”[93]، وقد قسّمه على مقدّمة وخاتمة وأربعة أقسام، جعل القسم الأوّل في نسب النّبيّ –صلّى الله عليه وسلّم- والخلفاء الأربعة، والقسم الثّاني في التّعريف بريحانة الرّسول مولانا الحسن ابن فاطمة البتول، الّذي هو غاية المنى والسّول، والقسم الثّالث في التّعريف ببعض ذرّية الرّيحانتين (الحسن والحسين –رضي الله عنهما-، والقسم الرّابع في التّعريف بالقطب الواضح، والكوكب النّيّر اللائح؛ سيّدي امحمد ابن علي المجاجي، وذكر شجرته في هذا القسم، وهو من فروع داود بن إدريس الأصغر، وبيتهم بيت ملك من بني حمود شرفاء غرناطة وملوكها[94]، وقد اعتمد في بيان نسبه على كتاب (تمييز الأنساب) لصاحبه محمّد بن أحمد المغراوي[95]، واستئناسا بما في (سمط اللالئ) ونسبه غيره إلى فروع عمر بن إدريس، ومن أشهرهم سيدي محمّد بن على آبهلول المجاجي صاحب الزّاوية الفقيه المفسّر (ت 1008هـ)، وكانت زاوية عامرة لعبت دورا كبيرا في دعم الحسّ الوطنيّ وتوحيد الصّفوف أمام الغزو الأجنبي، إضافة إلى دورها الدّيني والاجتماعي في حوض شلف، كما لعبوا دورا بارزا في أواخر العهد العثماني في استقرار المنطقة إثر انتشار الفوضى وقطاع الطّرق، وأعانوا الأمير عبد القادر على ذلك[96].
- وببطحاء الشلف فرع سيدي أبي عبد الله (ت 820هـ) ابن سيدي واضح دفين وادي ارهيو، الملقب بالمغوفل، وهو من الفروع المشيشيّة؛ وإليه النّسبة في أشراف البوعبدليين، وامتلأت بفروعه البطحاء، من أشهرهم شيخ الطّريقة الشّاذليّة عدّة بن غلام الله، واختلف في نسبتهم بين النّسبة الحسنيّة أو الحسينيّة، ومن الفروع المشيشيّة أيضا بالعطاف فرع يُقال لهم عتبة، منهم الجيلالي بن عبد الحكم الأديب النّسابة[97].
- وفرقة من أحفاد عيسى بن إدريس ببلد السّويد، وأولاد الشّيخ البوعبيدي بالعطاف[98]، ومن هذا الفرع سيدي يعقوب الشّريف دفين جبل الدّيس جهة وادي الشّلف قرب مستغانم[99].
- ومن الحسينيّين ذكروا فرقة ببلد سويد تُعرف بأولاد إبراهيم التّازي، ومنهم أفراد ساكنوا شافع بن زغبة، وهو ينتهون إلى جعفر الصّادق، ومنهم أيضا عليّ بن عبد القويّ، وكان أهله أصحاب تاقدامت، وله فروع كرام بإزّاء وادي الشّلف، وبها فرقة أيضا من أولاد موسى الكاظم، وبقبيلة فليتة فرع أولاد سيدي علي بن يحيى[100].
- السّاقية الحمراء: لقد ظلّ الانتماء إلى الأدارسة وباقي الفروع الحسنيّة والحسينيّة، كما ظلّ الانتماء إلى السّاقية الحمراء والغرب علامة على حفظ الشّرف وصحّة الانتساب إلى بيت النّبوة[101]، ولهذا كان للسّاقية الحمراء حضور قويّ في أشراف المغرب الأوسط (الجزائر) خصوصا، كما لها حضورٌ قويّ في الذّاكرة الجماعيّة لسكّانه شرقا وغربا، وقد حفلت كتب الأنساب بالإشارة إلى من سكنها من الأشراف، منهم فرقٌ من أولاد عبد الله بن إدريس[102]، وفيها فرقة من أولاد حمزة بن إدريس[103]، وكثُر أدعياء الشّرف الانتساب إلى السّاقية الحمراء أيّام العثمانيّين الأتراك[104]، وذكروا أنّ أولاد عبد المؤمن بقسنطينة من مرابطي السّاقية الحمراء[105]، وكذلك كثير من مرابطي زواوة وغيرها قدموا من السّاقية الحمراء[106]، ومن مشاهير المنسوبين إلى السّاقية الحمراء أجداد الشّيخ اطفيش، هاجر أحد أجداده إلى ورقلة، ومنها إلى ميزاب في القرن التّاسع الهجريّ[107]، وكان بها نسب القادريّة إلى عبد القادر الجيلاني[108]، وعلي بن عمر الطولقي تلميذ الشّيخ عبد الرّحمن الأزهريّ مؤسّس الطّريقة الرّحمانيّة، جاء أجداده من السّاقية الحمراء في القرن الخامس عشر ميلادي في العهد العثماني[109].
- وقد عقد القاضي حشلاف في (سلسلة الأصول) تتمّة في ذكر الأشراف الّذين ثبت شرفهم ولم يقف لهم على سلسلة، منهم ببطحاء الشلف أبو عمران وزين العابدين ببلدتها[110]، وقد ذكر أنّ تتبّع فروع الأشراف لا يمكن حصره، والإحاطة بجميعهم يكاد يكون من المستحيل[111]، ولهذا يُعوّل في كثير من الأحيان على الرّواية الشّفويّة الّتي احتفظت بها الذّاكرة الجماعيّة، وهي تفتقر إلى التّدوين والتّحقيق، وقد تناقلها النّاس أجيالا بعد أجيال، ويستحيل التّواطؤ على الكذب خصوصا في قضيّة المرابطين والأشراف، من ذلك على سبيل المثال، الولي سيدي زيان المدفون بقرية تُسمّى باسمه في أعالي الظّهرة، فقد ارتسم في الذّاكرة الجماعيّة أنّه من الأشراف القادمين من المغرب.
- وممّا يُلاحظ أنّه كثُر الانتساب والانتحال لآل البيت طمعا في ما اُختصّوا به، ويذكر أبو القاسم الزياني المغربي (ت 1249هـ/ 1833م) أنّ أغلب المنتحلين للنّسب الشّريف ألصقوا أنفسهم ببني عمران فروع الأدارسة لكثرتهم وتفرّقهم بين الأمصار، قال: “… وفيه الدّخلاء، وإليه يقصد أهل التّلبيس والتّدليس”[112]، ويسمّيهم الزّياني بالمتشرفة، ويقول في موضع آخر: “لكنّك لا تكاد تجد رسما من رسوم أهل الدّعاوى المكذوبة إلا وعليه خطوط العلماء وأشكال الشّهود وثبوت القضاة وإمضاء النّقباء، وهم محكوم عليهم ببطلان شرفهم في القديم، منبّه على ما في أيديهم من الرّسوم المزوّرة والشّجرات المستعملة، … فبسبب ذلك فسدت الأنساب وتساوت الأحساب، … وصار يتولّى النّقابة من لا علم له ولا معرفة بالأنساب، بل صارت النّقابة منصبا دنيويّا … وصار النّقيب يجبي منه المال، ويقبض الهدايا والرّشا، ويلحق بأهل البيت من لا نسب له فيهم ولا اتّصال له بهم …”[113].
- وتُشير الدّراسات الّتي قام بها هانوتو ولوتورنو في الحقبة الاستعماريّة أنّ المرابطين كانوا من كلّ الأعراق، وتوصّلوا إلى أنّ فيهم من كان تركي الأصل أو زنجيّا[114].
- البوبكريّة: وهم أحفاد أبو بكر الصّدّيق –رضي الله عنه- الدّاخلين إلى بلاد المغرب، نزلوا بتونس بعد أن طردهم العبّاسيّون من مكّة في القرن الثاني الهجريّ، وانتقل فرعٌ منهم إلى الجنوب الغربي جهة البيض وأحوازها تحت قيادة معمر أبي العالية في القرن الثّامن الهجريّ تقديرا[115]، تنحدر منها عدّة أعراش؛ منهم أولاد سيد الشّيخ، وأولاد سيدي أحمد المجذوب، وأولاد سيد التّاج، وأولاد نهار (من جهة الأمومة) وغيرهم، ومن مشاهيرعم الشّيخ بوعمامة، ومنهم سيدي معمر جهة غليزان في بلدية عمّي موسى، وله ضريح معروف في قرية بين شلف وتنس تسمّى باسمه “سيدي معمر”، ويُعرف أيضا بـ “بومكحلة”؛ أي صاحب البندقية، تذكر الرّواية أنّ معمر أبا العالية قدم من الجنوب الغربي واستقرّ معلما بقبيلة حميس، وقبل عودته أوصى زوجته الّتي كانت حاملا أن تسمّي ابنها المولود معمر، وبقي الطّفل في حضانة أمّه وتلقّى تعليما مميّزا، وذات يوم وجد سلاحا ناريّا فأراد منحه لأحد شيوخه، فأوصاه هذا الأخير بالاحتفاظ به لأنّه قد يكون مصدر بركة، واشتهر باسم سيدي معمر بومكحلة، ولمّا كبر صار شخصيّة دينيّة معتبرة، وأسّس المهر المحدود للزّواج[116]، ولا يزال ضريحه يُزار إلى يوم النّاس هذا، وانتشرت تلك العادة الّتي سنّها وبقيت إلى يومنا هذا، وتُعرف بُعرف سيدي معمر، والتّقدير أنّ سيدي معمر صاحب القبرين هو شخصيّة عاشت في العهد التّركي.
وقد تمازجت هذه العناصر بحيث صار يصعب التّمييز بين العربي والأمازيغيّ والشّريف والأندلسيّ، وقد ظهرت بشكل واضح أواخر العهد الزياني، فكان بنو عامر الهلاليّين من أحلاف بني عبد الواد الزّناتيّين ضدّ خصومهم من المرينيّين وبني توجين ومغراوة من جهة وضدّ سويد الهلاليّة من جهة أخرى، فهذه العوامل السّياسية والاجتماعيّة والاقتصاديّة جعلت الجميع ينصهرون في بوتقة واحدة، ولهذا نرى النّسّابة في أواخر العهد العثماني يتردّدون في إثبات هذا العنصر أو ذاك، فهذا الطّيّب الغريسي مثلا يتردّد في نسبة إحدى الفرق بين العرب وزناتة فيقول: “… وكذا المشاشيل فإنّهم لم يكن لهم أب يجمعهم ولا اتّصال بعضهم ببعض، والظّاهر أنّهم من زناتة، ولمّا غلب العرب على هذه النّواحي … انحاشوا إلى الأجواد وخدموهم خدمة مخصوصة من رعي للدواب، … ولذلك قيل لهم المشاشيل، فإنّ معنى هذه اللفظة عند زناتة الخدام، والواحد منه مشيل”[117]. وقال في موضع آخر: “… وقد امتزج هذا الجيل بالبربر امتزاجا كلّيّا فلا يكاد الآن يميّز بين البربري من الزناتي …”[118].
نتائج البحث:
- تشكّلت العصبيّة في مجتمع المغرب الأوسط كباقي مجتمعات المغرب على أساس النّسب والارتباط القبليّ، سواء كان عربيّا أم أمازيغيّا.
- قامت المغالبات بين هذه العصائب القبليّة للسّيطرة والنّفوذ وتغليب هذه الدّولة على تلك على هذا الأساس، ولعبت دورا كبيرا في قيام دول المغرب الأوسط وسقوطها.
- تماهت العصبيّات الصّغرى في العصبيّات الكبرى بالولاء أو الرّضوخ، ممّا فتح المجال لتشكّل حقول إثنيّة جديدة، وبالأخصّ أواخر الحكم الزّيّاني وبداية العهد التّركي، كما تماهت قبيلة منداس البربريّة في مطماطة البربريّ أيضا، وهذه الأخيرة تماهت أيضا في عصبيّة بني توجين.
- في نهاية الحكم الزّيّاني ضعفت العصبيّات الأمازيغيّة في المغرب الأوسط عموما، وبالأخصّ في منطقة الظّهرة والونشريس؛ نتيجة للصّراعات البينيّة بين القبائل الأمازيغيّة الزّناتيّة في ما بينها، كقبيلتي مغراوة وبني توجين، وبين هذه القبائل وبين السّلطة المركزيّة في تلمسان (بني عبد الواد).
- حلّت محلّها القبائل العربيّة أبرزها بطون زغبة الهلاليّة كسويد وفروعها صبيح وفليتة ورياح وهبرة بإقليم الظّهرة، وبني عامر بنواحي وهران، وكالثّعالبة في متّيجة والجزائر ويسّر، وما يُلاحظ هو أنّ القبائل الأمازيغيّة قد تماهت في عصبيّة بطون بني هلال، وذلك بالولاء والحلف أو بالرّضوخ، وأصبحت تشكّل معها نسيجا اجتماعيّا واحدا، لا تكاد تفرّق بين عناصره.
- لعب عنصر الأشراف دوراً كبيرا في التحام هذه العصبيّات، وفي استقرار المنطقة أو اضطرابها خلال الفترة العثمانيّة، كما حدث مع ثورة ابن الشّريف الدّرقاوي، أو في الاستقرار مع شرفاء غريس، أو في توحيد الحسّ الوطني النّابع من عقيدة الجهاد ضدّ الغزاة، ونقصد بالتّحديد دور أشراف مجاجة في الدّعوة لحماية الثّغور (تنس) من الخطر الإسباني.
- أدّت هذه العوامل مجتمعة إلى اندماج مكوّنات المجتمع الجزائريّ في ما بينها، فصار يصعب التّفريق بين الأمازيغي والعربي والشّريف.
- اندماج هذه العناصر جعلت المجتمع الجزائريّ يتميّز عن غيره، وهذا هو مفهوم الهويّة الجزائريّة، عملت العناصر الإثنيّة المختلفة على تشكيلها، وساهمت الظّروف السّياسيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة على التحامها، بضعف العصبيّات القبليّة، وتعدّد الخطر الأجنبيّ.
- نرى أنّ أواخر العهد الزّيّاني وبداية الفترة العثمانيّة هي بداية تشكّل الهويّة الجزائريّة الحديثة.
- أخذنا منطقة الظّهرة والونشريس كعيّنة لتشكّلات الهوية الجزائريّة الحديثة، والّتي قد تماهت العناصر العصبيّة القديمة فيها في عصبيّة واحدة، اشتركت في مواجهة التّهديد الأجنبي (إسبانيا تحديدا)، وفي التّعامل الحذر مع الوجود العثماني؛ بالتّعاون معه حينا في ردّ التّهديد الأجنبي (فتح وهران مثلا)، وفي رفض وجوده أحيانا أخرى، تمثّلت في الثّورات الكثير عليه، أشهرها ثورة ابن الشّريف الدّرقاوي في أواخر حكم العثمانيّين.
- أثّرت هذه الذّهنيّة الجديدة في ما بعد على رحيل العثمانيّين وبداية الاحتلال الفرنسي للجزائر.
- انتبه المستعمر الفرنسيّ إلى تشكّلات الهويّة الجزائريّ وعناصرها، فسعى جاهدا إلى تفكيك هذه العصبيّة الجديدة الّتي كانت عائقا حقيقيّا أمام قوّاته لفرض سيطرته على شمال إفريقيا، فسعى إلى كسر العائلات الكبيرة وتفكيك القبائل المنتشرة، أو ما أسموه بمشروع القضاء على الارستقراطيّة العربيّة، في ستّينات القرن التّاسع عشر (سنة 1863م تحديدا بقانون الأرض)[119]، وذلك بالقضاء على الأصول العائليّة وقطع آثار الماضي، “بعد أن ثبت لديهم أنّ معظم الثّورات العربيّة كانت بإيعاز أو بقيادة الأشراف والمرابطين والأجواد، وكلّ هؤلاء يرجعون في أصولهم إلى أنساب عريقة”[120].
مصادر البحث:
- الإنباه على قبائل الرّواة، أبو عمر يوسف بن عبد الله ابن عبد البرّ النمري القرطبي (ت 463هـ)، تحـ: إبراهيم الأبياري، دار الكتاب العربي، بيروت، ط1، 1405هـ، 1985م.
- انبعاث الإسلام في الأندلس، علي بن محمّد المنتصر بالله الكتاني (ت 1422هـ)، دار الكتب العلميّة، بيروت، ط1، 1426هـ – 2005م.
- أنفس الذّخائر وأطيب المآثر في أهمّ ما اتّفق لي في الماضي والحاضر، سيدي الطّيّب المهّاجي، مطبعة الشّركة الجزائريّة للطّبع والأوراق بوهران، دت.
- تاريخ الجزائر الثّقافيّ، أبو القاسم سعد الله، دار الغرب الإسلاميّ، بيروت، ط1، 1998م.
- تاريخ الجزائر في القديم والحديث، مبارك بن محمد الميلي الجزائري (ت 1364هـ)، تقديم: محمد الميلي، المؤسّسة الوطنيّة للكتاب بالجزائر، 1406هـ – 1986م.
- تحفة الحادي المطرب في رفع نسب شرفاء المغرب، أبو القاسم الزّياني، تقديم وتحقيق: رشيد الزّاوية، منشورات وزارة الأوقاف الإسلاميّة بالمملكة المغربيّة، 1429هـ/ 2008م.
- التَّنوير شَرْح الجامع الصّغير، محمّد بن إسماعيل بن صلاح الحسني، الكحلاني ثم الصنعاني، أبو إبراهيم، عزّ الدّين، المعروف بالأمير (ت 1182هـ)، تحـ: د. محمَّد إسحاق محمَّد إبراهيم، مكتبة دار السّلام، الرّياض، ط1، 1432هـ – 2011م.
- التّوضيح لشرح الجامع الصّحيح، سراج الدّين أبو حفص عمر بن علي بن أحمد الشّافعي المصري، المعروف بابن الملقّن (ت 804هـ)، تحـ: دار الفلاح للبحث العلمي وتحقيق التراث، دار النّوادر، دمشق، ط1، 1429هـ – 2008م.
- الثّمار الزّكيّة للحركة السّنوسيّة في ليبيا، علي محمّد محمّد الصَّلاَّبي، مكتبة الصّحابة الشّارقة – الإمارات، ومكتبة التّابعين، القاهرة، ط1، 1422 هـ – 2001 م.
- جمهرة أنساب العرب، أبو محمّد علي بن أحمد ابن حزم الأندلسي القرطبي الظاهري (ت 456هـ)، تحـ: لجنة من العلماء، دار الكتب العلميّة، بيروت، ط1، 1403م- 1983هـ.
- الجوهرة في نسب النّبيّ وأصحابه العشرة، محمّد بن أبي بكر بن عبد الله الأنصاري التِّلمساني المعروف بالبُرِّي (ت بعد 645هـ)، نقّحها وعلّق عليها: د. محمّد التونجي، دار الرّفاعي للنّشر والطّباعة والتّوزيع، الرّياض، ط1، 1403 هـ، 1983 م.
- ديوان المبتدأ والخبر في تاريخ العرب والبربر ومن عاصرهم من ذوي الشّأن الأكبر، ولي الدّين أبو زيد عبد الرّحمن بن محمّد بن محمّد ابن خلدون الحضرمي الإشبيلي (ت 808هـ)، تحـ: خليل شحادة، دار الفكر، بيروت، ط2، 1408 هـ – 1988 م.
- سلسلة الأصول في شجرة أبناء الرّسول، سيدي عبد الله بن محمّد حشلاف، نشر الذّاكر المذكور، البليدة، ط1، 2006م.
- سيرة البوبكريّة (أجداد أولاد سيد الشّيخ)، خليفة بن عمارة، ترجمة: محمّد السّنوسي، مكتبة جودي مسعود، وهران، ط2، 2002م.
- شذرات الذّهب في أخبار من ذهب، عبد الحيّ بن أحمد بن محمد ابن العماد العَكري الحنبلي، أبو الفلاح (ت 1089هـ)، تحـ: محمود الأرناؤوط، وخرج أحاديثه: عبد القادر الأرناؤوط، دار ابن كثير، دمشق – بيروت، ط1، 1406 هـ – 1986 م.
- شرح زرّوق على متن الرّسالة لابن أبي زيد القيرواني، شهاب الدّين أبو العبّاس أحمد بن أحمد بن محمّد البرنسي الفاسي، المعروف بـ زروق (ت 899هـ)، اعتنى به: أحمد فريد المزيدي، دار الكتب العلميّة، بيروت، ط1، 1427 هـ – 2006 م.
- صورة الأرض، أبو القاسم محمد بن حوقل البغدادي الموصلي (ت بعد 367هـ)، دار صادر، أفست ليدن، بيروت، 1938م.
- عصر الخلافة الرّاشدة محاولة لنقد الرّواية التّاريخيّة وفق منهج المحدّثين، أكرم بن ضياء العمري، مكتبة العبيكان، الرّياض، ط1، الأولى، 1430 هـ – 2009 م.
- عقد الجمان النّفيس في ذكر الأعيان من أشراف غريس، أبو زيد عبد الرّحمن بن عبد الله التّوجيني، دار الخليل القاسميّ، الجزائر، ط1، 2005.
- فتح الباري شرح صحيح البخاري، أحمد بن علي بن حجر أبو الفضل العسقلاني الشّافعي، رقم كتبه وأبوابه وأحاديثه: محمد فؤاد عبد الباقي، دار المعرفة، بيروت، 1379هـ.
- فيض القدير شرح الجامع الصّغير، زين الدّين محمّد المدعو بعبد الرّؤوف بن تاج العارفين بن علي الحدادي ثم المناوي القاهري (ت 1031هـ)، المكتبة التّجاريّة الكبرى، مصر، ط1، 1356هـ.
- القول الأعمّ في بيان أنساب قبائل الحشم، الطّيّب بن المختار الغريسي المختاري، المطبعة الخلدونيّة بتلمسان، 1381هـ.
- مجموع النّسب والحسب والفضائل والتّاريخ والأدب في أربعة كتب، بلهاشمي بن بكار، مطبعة ابن خلدون، تلمسان، الجزائر، 1381هـ- 1961م.
- المختصر في أخبار البشر، أبو الفداء عماد الدّين إسماعيل بن علي بن محمود بن محمد ابن شاهنشاه بن أيوب، الملك المؤيد، صاحب حماة (ت 732هـ)، المطبعة الحسينيّة المصريّة، ط1، دت.
- المرآة الجليّة في ضبط ما تفرّق من أولاد سيدنا يحيى بن صفيّة، الجيلالي بن عبد الحكم، مطبعة ابن خلدون، تلمسان، الجزائر، 1372هـ.
- معجم قبائل العرب القديمة والحديثة، عمر بن رضا بن عبد الغني كحالة الدمشقي (ت 1408هـ)، مؤسّسة الرّسالة، بيروت، ط7، 1414هـ – 1994م.
- نشوة الطّرب في تاريخ جاهليّة العرب، ابن سعيد الأندلسي، تحـ: الدّكتور نصرت عبد الرّحمن، مكتبة الأقصى، عمّان – الأردن، دت.
- النّفحة المسكيّة في السّفارة التّركيّة، علي بن عبد الله الجزولي التّمكروتي، طبعة حجريّة، دت.
- نهاية الأرب في معرفة أنساب العرب، أبو العبّاس أحمد بن علي القلقشندي (ت821هـ)، تحـ: إبراهيم الإبياري، دار الكتاب اللبنانين، بيروت، ط2، 1400 هـ – 1980 م.
- ياقوتة النّسب الوهّاجة وفي ضمنها التّعريف بسيدي امحمّد بن علي مولى مجّاجة، محمّد العربي المشرفيّ، مخطوط خاصّ.
- BENAMARA Khelifa, La saga des Boubekria (Ancètres des Ouled Sidi Cheikh), Librairie Djoudi Messaoud, 2eme éd, 2002.
- Douté Edmond, Les marabouts, éditions Alger livres, 2008
- Y, Mazouna; Ancienne capitale du Dahara, Imprimerie Algérienne, Alger, 1912.
[1] – انظر: تاريخ الجزائر الثّقافيّ، 1/263.
[2] – عصر الخلافة الرّاشدة، أكرم العمري، ص 315، والحديث أخرجه الإمام أحمد في (المسند) برقم 8868 من حديث أبي هريرة –رضي الله عنه-، والطّبراني في (المعجم الأوسط) برقم 8308، وفي (المعجم الكبير) برقم 176 من حديث العلاء بن خارجة، والحاكم في (المستدرك على الصّحيحين) برقم 7284 من حديث أبي هريرة أيضا، والبيهقي في (شعب الإيمان) برقم 1594، والترمذي في (السّنن) برقم 1979.
[3] – انظر: الموسوعة الموجزة في التّاريخ الإسلاميّ، المقدّمة.
[4] – المرآة الجليّة، ص 6، وسلسلة الأصول في شجرة أبناء الرّسول، ص 15، وأضاف صاحب (عقد الجمان النّفيس، ص 10): “… مقيّد بمعرفة النّسب لمن ادّعاه وحازه كحيازة الأملاك، وإلا فلابدّ له من إقامة البيّنة … وعليه يحمل قول من قال: من ادّعى أنّه شريف لا يُصدّق”.
[5] – نشوة الطّرب في تاريخ جاهليّة العرب، ابن سعيد الأندلسي، ص 80، 81، وانظر: المختصر في تاريخ البشر، ابن شاهنشاه، 1/99.
[6] – الثّمار الزّكيّة للحركة السّنوسيّة، 1/162، نقلا من: الدّرر السّنيّة في أخبار السّلالة الإدريسيّة، ص 6.
[7] – انظر مثلا: نهاية الأرب في معرفة أنساب العرب، القلقشنديّ، ص 12.
[8] – الجوهرة في نسب النّبيّ وأصحابه العشرة، محمّد التّلمسانيّ البُرّيّ، 2/40.
[9] – انظر: المنتخب في ذكر نسب قبائل العرب، عبد الرّحمن اللامي، مقدّمة الكتاب.
[10] – انظر: مقدّمة ابن خلدون، ص 134.
[11] – مقدّمة ابن خلدون، ص 129.
[12] – جمهرة أنساب العرب، ابن حزم، مقدّمة المؤلّف، وانظر: التّوضيح لشرح الجامع الصّحيح، ابن الملقّن، 20/18.
[13] – الإنباه على قبائل الرّواة، ابن عبد البرّ، ص 12، وانظر: التّنوير شرح الجامع الصّغير، الأمير الصّنعاني 7/263.
[14] – انظر: فتح الباري، ابن حجر، 6/527.
[15] – انظر: التّنوير شرح الجامع الصّغير، الأمير الصّنعاني، 5/59، وانظر كذلك: فيض القدير شرح الجامع الصّغير، محمّد عبد الرّؤوف المناوي، 3/252.
[16] – شرح زرّوق على الرّسالة، 2/1107.
[17] – انظر: مقدّمة ابن خلدون، ص 130.
[18] – انظر: نفسه، ص131.
[19] – مقدّمة ابن خلدون، ص 132، 133.
[20] – انظر: جمهرة أنساب العرب، ابن حزم، ص 57.
[21] – مقدّمة ابن خلدون، ص 136، 137.
[22] – جمهرة أنساب العرب، ابن حزم، مقدّمة المؤلّف.
[23] – انظر: نفسه، مقدّمة المؤلّف.
[24] – نفسه، مقدّمة المؤلّف.
[25] – الأنساب، الصّحاري، مقدّمة المؤلّف.
[26] – انظر: شذرات الذّهب في أخبار من ذهب، ابن العماد الحنبليّ، 1/81.
[27] – انظر: جنى زهرة الآس في بناء مدينة فاس، علي الجزنائي، ص 25.
[28] – انظر : سلوة الأنفاس، ج1 ص 73، وجنى زهرة الآس، ص 22، 23.
[29] – انظر: سلوة الأنفاس، ج1 ص 82 وما بعدها.
[30] – انظر: جنى زهرة الآس، ص 91.
[31] – انظر: تاريخ ابن خلدون، 6/137.
[32] – انظر: تاريخ الجزائر في القديم والحديث، مبارك الميلي، 1/109.
[33] – انظر: نفسه، 2/467.
[34] – انظر: نفسه، 2/327.
[35] – انظر: تاريخ ابن خلدون 7/63.
[36] – انظر: تاريخ ابن خلدون، 7/33.
[37] – انظر: تاريخ ابن خلدون، 6/204.
[38] – انظر: تاريخ ابن خلدون، 7/86.
[39] – انظر: تاريخ الجزائر في القديم والحديث، 2/431.
[40] – انظر: نفسه، 2/443.
[41] – انظر: تاريخ ابن خلدون، 7/65، 66.
[42] – Voir: MAZOUNA, Ancienne capitale du Dahara, Y. LOUKIL, Imprimerie Algérienne, Alger, 1912, p 5.
[43] – انظر: تاريخ الجزائر في القديم والحديث، 2/471.
[44] – انظر: تاريخ ابن خلدون، 7/79.
[45] – انظر: تاريخ ابن خلدون، 7/85.
[46] – انظر: تاريخ ابن خلدون، 7/87.
[47] – انظر: تاريخ ابن خلدون، 7/116.
[48] – انظر: تاريخ الجزائر في القديم والحديث، 2/212.
[49] – انظر: تاريخ ابن خلدون، 6/164.
[50] – انظر: تاريخ الجزائر الثّقافيّ، أبو القاسم سعد الله، 1/223.
[51] – انظر: تسهيل المطالب لبغية الطّالب، محمّد الأعرج الغريسي الفاسيّ، ص 370.
[52] – انظر: أنفس الذّخائر وأطيب المآثر، الطّيّب المهّاجي، ص 23.
[53] – انظر: معجم قبائل العرب القديمة والحديثة، عمر رضا كحالة، 1/221، وانظر: نفسه، 2/566، وانظر: تاريخ ابن خلدون، 6/44، 45.
[54] – انظر: معجم قبائل العرب القديمة والحديثة، عمر رضا كحالة، 2/441، و(فليتة) كان مركزها جنوبي الشلف، انظر: نفسه، 3/927، 928. ولكن مع دخول الاستعمار الفرنسيّ تفرّقوا أوزاعا بين الأصقاع.
[55] – انظر: تاريخ ابن خلدون، 7/161.
[56] – انظر: تاريخ الجزائر الثّقافيّ، أبو القاسم سعد الله، 1/212، 213.
[57] – انظر: تاريخ الجزائر الثّقافيّ، أبو القاسم سعد الله، 2/315، ونفسه، 1/212، 213.
[58] – انظر: تاريخ الجزائر الثّقافي، 1/138.
[59] – تاريخ ابن خلدون، 6/65.
[60] – انظر: القول الأعمّ في بيان نسب قبائل الحشم، الطّيّب الغريسي، ص 351.
[61] – Voir: MAZOUNA, Ancienne capitale du Dahara, Y. LOUKIL, Imprimerie Algérienne, Alger, 1912, p 7.
[62] – انظر: تاريخ الجزائر في القديم والحديث، 2/109.
[63] – انظر: تاريخ الجزائر في القديم والحديث، 2/109.
[64] – تاريخ الجزائر في القديم والحديث، 2/110.
[65] – انظر: تاريخ الجزائر الثّقافيّ، أبو القاسم سعد الله، 1/141.
[66] – انظر: انبعاث الإسلام في الأندلس، عليّ بن محمّد الكتّاني، ص 180، وانظر: تسهيل المطالب لبغية الطّالب، ص 389، 390.
[67] – انظر: http://www.hurriyatsudan.com/?p=171274
[68] – القول الأعمّ في بيان أنساب قبائل الحشم، الطّيّب بن المختار الغريسي، ص 343.
[69] – القول الأعمّ في بيان أنساب قبائل الحشم، الطّيّب بن المختار الغريسي، ص 330.
[70] – انظر: نفسه، ص 331، 332.
[71] – انظر: نفسه، ص 332، 333.
[72] – انظر: نفسه، ص 333.
[73] – ياقوتة النّسب الوهّاجة، محمّد العربي المشرفي، مخطوط خاصّ، 44ظ، 45و.
[74] – Les marabouts, Edmond Douté , éditions Alger livres, 2008, p 14.
[75] – انظر: إدمون دوتي، إضاءة عن مؤسّس أنتروبولوجيا الدّين الكولونيالية بالمغرب، يونس لوكيلي على الرابط: http://www.wikimaroc.com/.html
[76] – القول الأعمّ في بيان أنساب قبائل الحشم، الطّيّب بن المختار الغريسي المختاري، المطبعة الخلدونيّة بتلمسان، 1381هـ، ص 329، وانظر: تسهيل المطالب لبغية الطّالب، ص 371.
[77] – انظر: تاريخ ابن خلدون، 7/35، وانظر: النّفحة المسكيّة في السّفارة التّركيّة، التمكروتي، ص 14.
[78] – انظر: تاريخ الجزائر في القديم والحديث، مبارك الميلي، 2/105، 106.
[79] – انظر: تاريخ الجزائر في القديم والحديث، مبارك الميلي، 2/108، وانظر: تحفة الحادي المطرب، ص 87.
[80] – انظر: صورة الأرض، ابن حوقل، 1/90.
[81] – انظر: تاريخ الجزائر في القديم والحديث، مبارك الميلي، 2/109.
[82] – انظر: تاريخ الجزائر الثّقافيّ، أبو القاسم سعد الله، 2/316.
[83] – تسهيل المطالب لبغية الطالب، محمّد الأعرج الغريسي، ص 370.
[84] – انظر: شجرة الأصول، ص 133.
[85] – انظر: تحفة الحادي المطرب في رفع نسب شرفاء المغرب، أبو القاسم الزّياني، ص 54.
[86] – انظر: تحفة الحادي المطرب، ص 87، وانظر: سلسلة الأصول، ص 134، 135، وقال: “سكنوا توات وبعضهم بوادي شلف”، وقال (ص 136): “وقد كثر الدّخيل فيهم ممّن لا يخاف الله”.
[87] – انظر: تحفة الحادي المطرب، ص 81، وانظر: شجرة الأصول، ص 136.
[88] – انظر: نفسه، ص 83.
[89] – انظر: نفسه، ص 86.
[90] – انظر: القول الأعمّ، الطّيّب الغريسي، ص 334.
[91] – هو كتاب (فتح الرّحمن في شرح عقد الجمان) للشيّيخ محمّد الجوزيّ الرّاشديّ، شرح به كتاب (عقد الجمان النّفيس في ذكر الأعيان من أشراف غريس) لصاحبه أبي زيد عبد الرّحمن بن عبد الله التّوجينيّ (ق11هـ) في الأنساب، وشرحه أيضا أبو راس النّاصري (ت 1238هـ/ 1823م) بكتاب (إيضاح الغميس وأنوار البرجيس بشرح عقد الجمان النّفيس).
[92] – انظر: تسهيل المطالب لبغية الطّالب، محمّد الأعرج الغريسي، ص 391، 392.
[93] – ياقوتة النّسب الوهّاجة، محمّد العربي المشرفيّ، مخطوط خاصّ، 4و، 4ظ.
[94] – انظر: سلسلة الأصول في شجرة أبناء الرّسول، سيدي عبد الله بن محمّد حشلاف، نشر الذّاكر المذكور، البليدة، ط1، 2006م، ص 101 وما بعدها.
[95] – انظر: ياقوتة النّسب الوهّاجة، محمّد العربي المشرفي، مخطوط خاصّ، 72ظ.
[96] – انظر: نفسه، 73ظ.
[97] – انظر: سلسلة الأصول في شجرة أبناء الرّسول، ص 48 وما بعدها.
[98] – انظر: نفسه، ص 84.
[99] – انظر: نفسه، ص 83.
[100] – انظر: سلسلة الأصول في شجرة أبناء الرّسول، ص 153، 154.
[101] – انظر: تاريخ الجزائر الثّقافي، 7/319.
[102] – انظر: سلسلة الأصول في شجرة أبناء الرّسول، ص 83.
[103] – انظر: نفسه، ص 187، وهو استدراك من النّاشر على المؤلّف اعتمادا على أحمد العشماويّ في كتابه (التّحقيق في النّسب الوثيق).
[104] – انظر: تاريخ الجزائر الثّقافي، 1/241.
[105] – انظر: نفسه، 1/264.
[106] – انظر: نفسه، 1/464.
[107] – انظر: نفسه، 3/265.
[108] – انظر: نفسه، 4/42.
[109] – انظر: نفسه، 4/147.
[110] – انظر: سلسلة الأصول في شجرة أبناء الرّسول، ص 130.
[111] – انظر: نفسه، ص 132.
[112] – تحفة الحادي المطرب، ص 64.
[113] – تحفة الحادي المطرب، ص 88، 89.
[114] – انظر: تاريخ الجزائر الثقافي، 3/181.
[115] – انظر: سيرة البوبكريّة (أجداد أولاد سيد الشّيخ)، خليفة بن عمارة، ترجمة: محمّد السّنوسي، مكتبة جودي مسعود، وهران، ط2، 2002م، ص 4 وما بعدها.
[116] – انظر: نفسه، ص 31 وما بعدها.
[117] – القول الأعمّ، الطّيّب الغريسي، ص 351.
[118] – نفسه، ص 352.
[119] – انظر: تاريخ الجزائر الثّقافي، أبو القاسم سعد الله، 7/317.
[120] – نفسه، 7/318.