معالم التجديد الأصولي عند الدكتور حسن الترابي

تنزيل مجلة ذخائر العدد الأول

معالم التجديد الأصولي عند الدكتور حسن الترابي: دراسة تحليلية مقارنة

ملخص: 

       إن موضوع تجديد أصول الفقه من الموضوعات ذات الارتباط الوثيق بإشكالية تجديد التراث الإسلامي عموما، والفقه الإسلامي خصوصا. وقد توالت النداءات والدعوات إلى تجديده ليواكب التطورات والمستجدات المعاصر.

     وإذا كانت قد تباينت مواقف العلماء والكتاب والمفكرين من تجديد علم الأصول بين مؤيد ومعارض، فإن الدكتور حسن الترابي يعد من أبرز الدعاة إلى التجديد. وللوقوف مع مشروعه التجديدي وأهم معالمه، ومقارنته مع غيره من المشاريع التجديدية الأخرى، اخترت لمداخلتي عنوان: “معالم التجديد الأصولي عند الدكتور حسن الترابي، دراسة تحليلية مقارنة”، وقسمته إلى:

     معالم منهجية: حيث سجل الترابي جملة من الملاحظات النقدية المنهجية للتراث الأصولي، منها: غلبة الأصول التفسيرية وفقه التدين الفردي على القضايا العامة. وغلبة طابع التجريد والجدل النظري على الواقعية. ونسبية علم أصول الفقه وتاريخيته. وتقنين علم الأصول.

     معالم الموضوعية: حيث إن التجديد الأصولي عند الترابي لم يتوقف عند النقد المنهجي فحسب، وإنما تعداه ليشمل النظر في جملة من القضايا المعرفية، خاصة ما يتعلق بالأدلة الأصولية الاجتهادية، خاصة القياس والاستصحاب والاجماع، التي يقترح توسيعها حتى تستوعب كل مستجدات العصر بدل حصرها في دائرة ضيقة.

Abstract:

           Renewing the fundamentals of Islamic jurisprudence is closely related to the problem of renewing Islamic heritage in general and Islamic jurisprudence in particular. Successive calls for renewing it have been launched to keep pace with respect to contemporary developments. Dr. Hassan Al-Turabiadvocatesrenewing fundamentals of Islamic jurisprudence althoughattitudes of some scholars, writers and thinkers agree to differconcerning this notion. This comparative analytical study, then, intends to clarify his renewal project and its important features besides to comparing it with other renewal projects in respect of Methodology and objectivity. Concerning the former,Turabinoticed a number of systematic criticisms about fundamentalist heritage includingthe predominance of interpretive fundamentals and individual religiosity on general issues, the predominance of abstraction and theoretical debate on realism, and the relativity of jurisprudence and its history. The latter includesthe fundamentalist renewal with regard toDr. Turabi’snotion did not stop at the methodological criticism, but it also considers a number of cognitive issues that concern fundamentalist jurisprudence evidence, especially measurement, accompanying and consensus.He proposes to expand it so as to be wide enough for all modern developments instead of limiting its functions.

Keywords: Dr. Turabi’s project, Islamic jurisprudence, fundamentalist renewal.

مقدمة:

     الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه والتابعين إلى يوم الدين. وبعد:

     إن موضوع تجديد أصول الفقه من الموضوعات بالغة الحساسية والأهمية في الفكر الإسلامي، وهي مسألة ترتبط ارتباطا وثيقا بإشكالية تجديد التراث الإسلامي عموما، والفقه الإسلامي خصوصا. وقد توالت النداءات والدعوات إلى تجديده ليواكب التطورات ومستجدات العصر.

     ويعتبر الدكتور حسن الترابي أحد أبرز دعاة تجديد علم أصول الفقه؛ فقد أفرد رسالة خاصة لهذا الموضوع وسمها بــ “تجديد أصول الفقه الإسلامي“، أوقعت ضجة في الأوساط العلمية، وأسالت مدادا كثيرا بين مؤيد ومعارض.

     وتسعى هذه الورقة للوقوف مع نظرية التجديد عند الترابي وأهم معالمها، ومقارنتها مع غيرها من المشاريع التجديدية الأخرى. وتستوجب منا بنية الموضوع استدعاء مناهج مستوعبة لهذه الإشكالات بغرض وضعها في ميزان المراجعة الشاملة للتراث الأصولي، ثم توظيفها بشكل يساهم في تجليته وتحقيق المقصود. وارتأيت تقسيمه إلى مقدمة مفاهيمية وثلاثة مباحث، ثم خاتمة.

مدخل مفاهيمي: مفهوم تجديد أصول الفقه

     لما كان الحكم على الشيء فرعٌ عن تصوُّره؛ كان لا بد من بيان المراد بالتجديد أولا:

     التجديد في اللغة: من جَدَّ يَجِدُّ، فهو جَدِيدٌ. والجِدَّةُ: مَصْدَرُ الجَدِيدِ. والجِدَّةُ: نَقِيض البِلَى، وأَجَدَّ ثَوْبًا واسْتَجَدَّه. وتجدَّد الشيءُ: صَارَ جَدِيدًا. وأَجَدَّه وجَدَّده واسْتَجَدَّه أَي صَيَّرَهُ جَدِيدًا[1].

     وأما التجديد في الاصطلاح: فقد تنوعت وتعددت تعاريف العلماء له[2]، وكلها تدور حول حديث: «إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها»[3].

  • فقد عرف شرف الحق العظيم آبادي التجديد بأنه: “إحياء ما اندرس من العمل بالكتاب والسنة، والأمر بمقتضاهما، وإماتة ما ظهر من البدع والمحدثات”[4]. وبه قال المباركفوري[5]، ونقله المناوي في فتح القدير عن العلقمي[6].
  • كما عرفه المناوي بأنه: “ما اندرس من أحكام الشريعة، وما ذهب من معالم السنن، وخفي من العلوم الدينية الظاهرة والباطنة”[7].
  • و في معنى (يجدد لها دينها) قال المناوي أيضا: “أي يبين السنة من البدعة، ويكثر العلم وينصر أهله، ويكسر أهل البدعة ويذلهم”[8]. وقريب منه تعريف أبي الحسن الهروي[9].

وعليه، فالتجديد هو إحياء وانبعاث لما اندرس من العمل بالكتاب والسنة، وأحكام الشريعة، ومعالم السنن، وإماتة ما ظهر من البدع والمحدثات، وليس المقصود بالتجديد أبدا “التخلص من القديم أو محاولة هدمه، بل الاحتفاظ به، وترميم ما بلي منه، وإدخال التحسين عليه”[10].

     أما المجدد: فقد اشترطوا فيه شروطا، فقال صاحب عون المعبود: “المجدد لا يكون إلا من كان عالما بالعلوم الدينية ومع ذلك من كان عزمه وهمته آناء الليل والنهار إحياء السنن ونشرها ونصر صاحبها وإماتة البدع ومحدثات الأمور ومحوها”[11].

     وذهب المباركفوري إلى أنه: “لا بد أن يكون عالما بالعلوم الدينية الظاهرة والباطنة، ناصرا للسنة، قامعا للبدعة، وأن يعم علمه أهل زمانه”[12].

     هذا وقد يكون المجدد فردا واحدا وقد يكون جماعة، قال الهروي: “والأظهر عندي، والله أعلم، أن المراد بمن يجدد ليس شخصا واحدا، بل المراد به جماعة يجدد كل أحد في بلد في فن أو فنون من العلوم الشرعية ما تيسر له من الأمور التقريرية أو التحريرية، ويكون سببا لبقائه وعدم اندراسه وانقضائه إلى أن يأتي أمر الله”[13].

     وقال المناوي: “ولا مانع من الجمع فقد يكون المجدد أكثر من واحد. قال الذهبي: “مَنْ” هنا للجمع لا للمفرد، فنقول مثلا: على رأس الثلاث مئة ابن شريح في الفقه، والأشعري في الأصول، والنسائي في الحديث…”[14].

     قال في الفتح: “قال النووي: فيه أن الإجماع حجة، ثم قال: يجوز أن تكون الطائفة جماعة متعددة من أنواع المؤمنين ما بين شجاع، وبصير بالحرب، وفقيه، ومحدث، ومفسر، وقائم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وزاهد وعابد، ولا يلزم أن يكونوا مجتمعين في بلد واحد، بل يجوز اجتماعهم في قطر واحد وافتراقهم في أقطار الأرض، ويجوز أن يجتمعوا في البلد الواحد، وأن يكونوا في بعض منه دون بعض، ويجوز إخلاء الأرض كلها من بعضهم أولا فأولا إلى أن لا يبقى إلا فرقة واحدة ببلد واحد، فإذا انقرضوا جاء أمر الله”[15]. وهو كذلك في شرح مسلم مع شيء من التصرف[16]. وعقب الحافظ ابن حجر قائلا: “وهو متجه، فإن اجتماع الصفات المحتاج إلى تجديدها لا ينحصر في نوع من أنواع الخير، ولا يلزم أن جميع خصال الخير كلها في شخص واحد”[17].

     وقال ابن الأثير: “ولا يلزم منه أن يكون المبعوث على رأس المائة رجلا واحدا، وإنما قد يكون واحدا، وقد يكون أكثر منه، فإن لفظة “مَنْ” تقع على الواحد والجمع، وكذلك لا يلزم منه أن يكون أراد بالمبعوث: الفقهاء خاصة، كما ذهب إليه بعض العلماء، فإن انتفاع الأمة بالفقهاء، وإن كان نفعا عاما في أمور الدين، فإن انتفاعهم بغيرهم أيضا كثير مثل أولي الأمر، وأصحاب الحديث، والقراء، والوعاظ، وأصحاب الطبقات من الزهاد، فإن كل قوم ينفعون بفن لا ينفع به الآخر، إذ الأصل في حفظ الدين حفظ قانون السياسة، وبث العدل والتناصف الذي به تحقن الدماء، ويتمكن من إقامة قوانين الشرع، وهذا وظيفة أولي الأمر، وكذلك أصحاب الحديث: ينفعون بضبط الأحاديث التي هي أدلة الشرع، والقراء ينفعون بحفظ القراءات وضبط الروايات، والزهاد ينفعون بالمواعظ والحث على لزوم التقوى والزهد في الدنيا، فكل واحد ينفع بغير ما ينفع به الآخر..”[18].

     والراجح أن يكون التجديد جماعة، لأنه أقرب إلى الصواب والسداد، خاصة في زمن التخصص الذي نذر فيه المجتهد المطلق الموسوعي، وإليه ذهب الشيخ يوسف القرضاوي[19]، واختاره الدكتور حسن الترابي؛ حيث ذهب إلى إن التجديد ينبغي أن تقوم به حركة وجماعة واسعة، لا سيما في عصرنا حيث الحياة قد تشعبت، وأصبح تجديد الفكر أوسع وأكثر تركيبا وتعقيدا من أن يقوم به رجل واحد مهما كان دوره في دفع التجديد[20].

     ولا يقتصر التجديد على الفروع الفقهية بل يتعداه إلى علم أصول الفقه، قال الشيخ القرضاوي: “الاجتهاد الذي ندعو إليه لا ينبغي أن يقف عند حد الفروع الفقهية فحسب، بل ينبغي أن يتجاوزها إلى دائرة أصول الفقه نفسها”[21]. وقد توالت النداءات والدعوات إلى تجديده ليواكب التطورات والمستجدات، إلا أن هذه الدعوة ليست مسلمة بين العلماء، بل هي محل خلاف.

المبحث الأول: مواقف العلماء واتجاهاتهم من التجديد

     تباينت مواقف العلماء والكتاب والمفكرين من التجديد إلى ثلاثة اتجاهات:

الاتجاه الأول: الاتجاه التقليدي الذي ينظر إلى التراث الأصولي والفقهي وكأنه وحي مقدس لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وشعارهم ما ترك الأول للآخر شيئا، وليس في الإمكان أبدع مما كان. وبجمودهم هذا يقفون في وجه أي تجديد: في العلم، في الفكر، في الأدب، في الحياة، فما بالك بالدين؟[22]، ولا تعني الدعوة إلى التجديد والاجتهاد عندهم – إن تحدثوا عنه – إلا الدوران في فلك أقوال السابقين والتخريج عليها، ولا يكادون التفريق بين الوحي والتراث.

     يمثل هؤلاء بعض الجامدين عند ظواهر النصوص، المقلدين للمذاهب، المناهضين لكل جديد، فيهاجمون كل محاولات التجديد ويتهمونها بالعصرانية أو التغريب[23]، وإلى مثل هؤلاء يقول الدكتور يوسف القرضاوي: “لا ينبغي أن نجعل أكبر همنا مقاومة كل جديد، وإن كان نافعا، ولا مطاردة كل غريب، وإن كان صالحا، وإنما يجب أن نفرق بين ما يحسن اقتباسه وما لا يحسن، وما يجب مقاومته وما لا يجب، وأن نميز ما يلزم فيه الثبات والتشدد، وما تقبل فيه المرونة والتطور”[24].

     ولا غرابة، فقد علّمنا تاريخ أصول الفقه أن كل محاولات التجديد والانبعاث تواجه بالصد والإنكار[25]، فقد تعرضت محاولة الإمام الشاطبي التجديدية لانتكاسة ليعود علم الأصول بعدها إلى سابق عهده من التقليد والجمود[26]، كما تعرضت جهود الإمام الشوكاني التجديدية إلى نفس الانتكاسة[27] ليرجع علم الأصول إلى الجمود والدوران في الحلقة المفرغة، وها هي اليوم محاولة التجديد تتعرض لنفس الصد والإنكار.

الاتجاه الثاني: هو الاتجاه الذي يرمي إلى تخطي النصوص وتجاوز القطعيات، والطعن في القواعد المحكمات، ويذهب أصحابه إلى إسقاط النظريات الغربية الحديثة على الإسلام، سماهم الدكتور القرضاوي “الغلاة في التجديد الذين يريدون أن ينيفوا كل قديم”، وقال إن تديد هؤلاء هو التغريب بعينه، إن قديم الغرب عندهم جديد[28]، وهذا الاتجاه يمثله بعض الكتاب والمفكرين الذين أعجبوا بالغالب[29]، من أمثال الدكتور حسن حنفي، و الدكتور محمد أركون، و الدكتور محمد عابد الجابري وغيرهم[30].

     فيرى الدكتور عابد الجابري ضرورة فتح آفاق جديدة للاجتهاد بما يوافق المعاصر، معتمدا في ذلك على المقاصد الشرعية المتماشية مع العقل، وأن يقتصر العمل بالنص على مكانه وزمانه المتقدمين، وهذا يظهر واضحا في مشروعه حول نقد العقل العربي الذي تمثله كتاباته “تكوين العقل العربي” و”بنية العقل العربي” و”العقل السياسي العربي” و”العقل الأخلاقي العربي”.

     كما للدكتور محمد أركون كتب متعددة نشر فيها آراءه في أصول الفقه الإسلامي، منها : “من الاجتهاد إلى نقد العقل الإسلامي”، و”تاريخية الفكر العربي الإسلامي”، وكلها تشكيك في مصادر التشريع الإسلامي، وفي القرآن الكريم خاصة باعتباره المصدر الأول لأصول الفقه.

     ولم يكن الدكتور حسن حنفي أقل صراحة من سابقه، فلم يخفِ الدكتور حنفي أنه صاحب فكر شيوعي ماركسي، فقد جاء في حوار له مع مجلة (15-21) أنه قال: “إننا في غياب البديل الإسلامي الثوري لجأنا بالضرورة إلى الماركسية لحل قضية العدالة الاجتماعية وإلى الليبرالية – الديمقراطية – لحل القمع المسلط على شعوبنا وإلى القومية لإنهاء حال التشرذم وإلى ديكارت لتأكيد العقلانية.. لقد لاحظ اليسار الإسلامي أن في التراث الغربي بعض الجوانب الإنسانية المضيئة لا يمكن إهمالها ولا يمكن القيام بنهضة فكرية واجتماعية مالم نستفد من هذه الجوانب التي يلخصونها في العقلانية والعدالة الاجتماعية والحرية والوحدة القومية”[31]، وللدكتور حنفي مشروع تجديدي سماه “التراث والتجديد” يعتبر فيه الدين تراث من إنتاج الجماعة، فيقول: “لا يوجد دين في ذاته، بل يوجد تراث لجماعة معينة ظهر في لحظة تاريخية محددة، ويمكن تطويرها للحظة تاريخية قادمة”[32]، وله كتب عدة  في بناء هذا المشروع، منها كتاب “من النص إلى الواقع” في جزأين الأول “تكوين النص” والثاني “بنية النص”. ولهذا قال الدكتور جمال عطية إن هذا التجديد “يأتي من خارج النسق الإسلامي”. وقد تصدى العلماء لأصحاب هذا الاتجاه، وناقشوا آراءهم وذهبوا إلى تفنيدها[33].

الاتجاه الثالث: وهو اتجاه وسط بين الاتجاهين السابقين، يرفض جمود الأولين وجحود الآخرين، ويلتمس الحكمة من أي وعاء خرجت، ويقبل التجديد، بل يدعو إليه وينادي به، على أن يكون تجديدا في ظل الأصالة الإسلامية. كما يفرق بين ما يجوز اقتباسه وما لا يجوز، ويميز بين ما يلائم وما لا يلائم.. هذا هو موقف دعاة الإسلام الحقيقيين، إن شعارهم: الجمع بين القديم النافع والجديد الصالح.. الانفتاح على العالم دون الذوبان فيه، الثبات على الأهداف والمرونة في الوسائل[34]. وهذا التجديد هو “التجديد الذي يأتي من داخل النسق الإسلامي” كما قال الدكتور جمال عطية.

     ويمثل هذا الاتجاه ثلة من العلماء في مقدمتهم الدكتور يوسف القرضاوي[35]، والدكتور أحمد الريسوني[36]، والدكتور جمال عطية[37]، والدكتور وهبة الزحيلي[38]، والدكتور محمد عمارة[39] وآخرون.

     ويعتبر الدكتور حسن عبد الله الترابي من أبرز رواد هذا الاتجاه، بل كان سبّاقا لطرح فكرة تجديد علم أصول الفقه في وقت كان يتخوف بعض العلماء من الحديث عنها خشية أن تلقى دعوتهم الإنكار والإعراض، وأن يكونوا هدفا لسهام المناهضين للتجديد. وكان الدكتور الترابي على علم بهذا التحدي، ولهذا قال: “ومهما يكن فإنكار الجديد هو سنة اجتماعية معروفة، وعن طريقه يعمل المجتمع عملية التوازن بين عناصر الثبات وعناصر الحركة لئلا يجمد المجتمع فيموت، ولا يعربد فينحرف كذلك. فإنكار المحافظين المتزمتين ظاهرة تتحرك في وجه كل اجتهاد جديد، وتنشط بقدر هجمة حملات التجديد.. ويستدعي القيام بتكاليف الاجتهاد في مثل ظروفنا جرأة في الرأي وقوة في الصبر على ضغوط المحافظين”[40].

      هذا وتنطلق الرؤية التجديدية للدكتور حسن الترابي وبواعثها من صلة علم أصول الفقه بواقع الحياة، ولما كان أصول الفقه الحالي لا يحقق حاجات الأمة المعاصرة كان “لابد أن نقف وقفة مع علم الأصول تصله بواقع الحياة لأن قضايا الأصول في أدبنا الفقهي أصبحت تؤخذ تجريدا، حتى غدت مقولات نظرية عميقة لا تكاد تلد فقها البتة، بل تولد جدلا لا يتناهى، والشأن في الفقه أن ينشأ في مجابهة التحديات العملية. ولا بد لأصول الفقه كذلك أن تنشأ مع هذا الفقه الحي”[41].

     وإذا كان منهج أصول الفقه الذي ورثناه بطبيعته بعيدا عن واقع الحياة العامة، فإنه قد “أصبحت الحاجة إلى المنهج الأصولي الذي ينبغي أن تؤسس عليه النهضة الإسلامية حاجة ملحقة. لكن تتعقد علينا المسألة بكون علم الأصول التقليدي الذي نلتمس فيه الهداية لم يعد مناسبا للوفاء بحاجتنا المعاصرة حق الوفاء، لأنه مطبوع بأثر الظروف التاريخية التي نشأ فيها، بل بطبيعة القضايا الفقهية التي كان يتوجه إليها البحث الفقهي”[42].

     وعليه، فلابد أن تقوم هذه النهضة على منهج أصولي جديد وضّح الترابي تفاصيله في مكتوباته ومحاضراته، فما هي أهم معالم ذلك المنهج؟

المبحث الثاني: معالم التجديد المنهجي لعلم أصول الفقه.

     تناول الدكتور حسن الترابي التجديد الأصولي من عدة جوانب منهجية نذكر منها:

أولا: غلبة الأصول التفسيرية وفقه التدين الفردي على القضايا العامة:

     من القضايا النقدية التي يثيرها التراث الفقهي والأصولي غلبة الفقه الجزئي على القضايا العامة، حيث ركز الاجتهاد الفقهي في الماضي على الفقه الفردي في مختلف القضايا من صلاة وزواج وطلاق وغيرها من القضايا الفرعية، في حين كان الإنتاج في الفقه الجماعي من القضايا السياسية والاجتماعية والاقتصادية وغيرها ضئيلا جدا، يقول الدكتور الترابي: “ولئن كان فقهنا التقليدي قد عكف على هذه المسائل عكوفا شديدا فإنما ذلك لأن الفقهاء ما كانوا يعالجون كثيرا قضايا الحياة العامة، وإنما كانوا يجلسون مجالس العلم المعهودة، ولذلك كانت الحياة العامة تدور بعيدا عنهم، ولا يأتيهم إلا المستفتون من أصحاب الشأن الخاص في الحياة، يأتونهم أفذاذا بقضايا فردية في أغلب الأمر. فالنمط الأشهر في فقه الفقهاء المجتهدين كان فقه فتاوى فرعية، وقليلا ما كانوا يكتبون الكتب المنهجية النظرية، بل كانت المحررات تدوينا للنظر الفقهي حول قضايا أفراد طرحتها لهم ظروف الحياة من حيث هم أفراد. ولذلك اتجه معظم الفقه للمسائل المتعلقة بقضايا الشعائر والزواج والطلاق والآداب حيث تتكثف النصوص ولا تتسع لمجال الكثير من الخلافات الأصولية حول تفسير تلك النصوص”[43]. ومن ثم كانت “القضة الأصولية كلها قضية تفسير للنصوص، استعمالا لمفهومات الأصول التفسيرية، ونظرا في معاني العام والخاص، والتعارض والترجيح، ووجوه الدلالة للنصوص وضوحا أو خفاء، ودلالة النص المباشرة، ودلالة الإشارة ومفهوم المخالفة ونحو ذلك”[44].

     ولما اعتزل الفقهاء القضايا الكبرى للأمة وانشغلوا بالفروع والفقه الفردي، وجدنا “أن الحياة الإسلامية الجماعية قد انحرفت كثيرا عن مقتضى شرع الإسلام لقضايا الحياة العامة، وانحرف معها الفقه. فالفتاوى المتاحة تهدي الفذ كيف يبيع ويشتري، أما قضايا السياسة الشرعية الكلية – كيف تدار حياة المجتمع بأسره، إنتاجا وتوزيعا واستيرادا وتصديرا، وعلاجا لغلاء معيشة أو خفضا لتكاليفها – هذه مسائل لم يعن بها أولياء الأمور، ولم يسائلوا عنها الفقهاء ليبسطوا فيها الفقه اللازم. ومثل قضايا الاقتصاد العام التي أهملت، قضايا الأوضاع السياسية وتدابيرها العملية، وكيف تدور الشورى في المجتمع، وكيف يتبلور الإجماع، وكيف يكون الأمر والطاعة والولاية العامة. على وجه الإجمال لم يسأل عن ذلك كثيرا، لأن الحكومة بكل أمورها العامة قد انحرفت عن مقتضى العقيدة والشريعة الإسلامية منذ زمن بعيد، وحينما انحرف الواقع ومرق من الدين، فالفقه بالضرورة منحسرا أيضا عن هذا الواقع. ومن ثم قلّ كسب الفقه في هذا الجانب: جانب الحياة الاسلامية العامة”[45].

     وما يفهم من كلامه رحمه الله أن الفقهاء إنما عكفوا على الفروع الفردية بعد أن عزلهم السلطان – بعد انحرافه- عن الحياة العامة، وأفردهم للفتوى في شؤون الناس اليومية، وهو نفسه ما ذهب إليه الفقيه القانوني عبد الرزاق السنهوري حيث قال: “إن القانون العام في الفقه الإسلامي أقل تطورا من القانون الخاص، فهو لا يزال في مراحله الأولى لم يقطع شوطا كافيا في ميدان التقدم”[46]، وبرر ذلك بأنه: “يرجع إلى قيام حكومات مستبدة متعاقبة في الإسلام كانت مهمتها إخماد أي حركة فقهية تقيم أصول الحكم على أسس الحرية السياسية والحقوق العامة الديمقراطية، أما القانون الخاص في الفقه الإسلامي فقد تقدم تقدما كبيرا لأن الحكومة المستبدة لم يكن يضيرها تقدمه”[47].

     وعليه، فنحن في حاجة إلى أصول تناسب الحياة العامة غير الأصول التفسيرية، يقول الترابي: ” وإلى مثل تلك المشكلات ينبغي أن يتجه همنا الأكبر في تصور الأصول الفقهية واستنباط الاحكام الفرعية، ففي مجالها تواجهنا المشكلات والتحديات والأسئلة المحرجة”، ومن ثم “نحتاج في نشاطنا الفقهي لأن نركز تركيزا واسعا على تلك الجوانب، وعلى تطوير القوا عد الأصولية التي تناسبها. فالأصول التفسيرية وحدها – وأعني بها قواعد تفسير النصوص- ذاك نظرا لقلة النصوص التي تتعلق بنظام الحياة العامة”[48].

ثانيا: غلبة طابع التجريد والجدل النظري على الواقعية:

     لما أصبح أصول الفقه الحالي لا يفي بحاجات الناس المعاصرة، وانفصل عن واقعهم، صارت قضاياه تتصف بالتجريد، فلا ينبني عليها فقه، ولا يتعلق بها عمل، ولذلك انطبق عليه ما قاله الشاطبي: “كل مسألة مرسومة في أصول الفقه لا ينبني عليها فروع فقهية، أو آداب شرعية، أو لا تكون عونا في ذلك؛ فوضعها في أصول الفقه عارية”[49]، ذلك “أن هذا العلم لم يختص بإضافته إلى الفقه إلا لكونه مفيدا له، ومحققا للاجتهاد فيه، فإذا لم يفد ذلك؛ فليس بأصل له”[50]

     ولذلك كان “لابد أن نقف وقفة مع علم الأصول تصله بواقع الحياة، لأن قضايا الأصول في أدبنا الفقهي أصبحت تؤخذ تجريدا، حتى غدت مقولات نظرية عميقة لا تكاد تلد فقها البتة، بل تولد جدلا لا يتناهى، والشأن في الفقه أن ينشأ في مجابهة التحديات العملية”[51].

     ويضيف الدكتور الترابي أن “جنوح الحياة الدينية عامة نحو الانحطاط، وفتور الدوافع التي تولد الفقه والعمل في واقع المسلمين أديا إلى أن يؤول علم أصول الفقه – الذي شأنه أن يكون هاديا للتفكير – إلى معلومات لا تهدي إلى فقه، ولا تولد فكرا، وإنما أصبح نظرا مجردا يتطور كما تطور الفقه. كله مبالغة في التشعيب والتعقيد بغير طائل”[52].  وكل ذلك بسبب انحراف علم الأصول عن مساره، وتأثره بعلم المنطق الهيليني وعيوبه “حتى غلب عليه طابع التجريد والجدل النظري العقيم”[53]. وهو ما يوافقه عليه الدكتور محمد الدسوقي الذي قال: “إن المنهج الأصولي بعد مرحلة نضجه وتطوره انفصل عن واقع الحياة، وتأثر بالمنطق الصوري، وخاض في قضايا جدلية، وطغت عليه المباحث الشكلية”[54].

     ولربط علم الأصول بحياة الناس وقضاياهم وجب تغليب المنحى العملي على المنحى التجريدي، “لأننا في عصر لا يقيم للأفكار والنظريات المجردة وزنا من حيث صحتها ووجوب الأخذ بها، وإنما يحكم على الأفكار بالصحة من خلال علاقتها بالواقع وتأثيرها فيه”[55]، ولأن “الشريعة لم تأت تقريرات مطلقة، بل تنزلت أحكامها حية على واقع متحرك منسوبة إلى أسبابه وأحداثه، موصولة بالمقاصد المبتغاة فيه”[56]. لكن أن السؤال المطروح: هل المشروع التجديدي للدكتور الترابي استطاع بالفعل أن ينقل علم الأصول من طور التنظير إلى طور التنزيل، أم يبقى مجرد مشروع نظري يحتاج إلى ينزله؟. والحقيقة أننا في حاجة – كما قال الدكتور الريسوني- إلى “الانتقال من التحدث عن تجديد علم أصول الفقه ومناقشة فكرته، إلى العمل على تحقيق هذا التجديد وممارسته”[57].

ثالثا: نسبية علم أصول الفقه وتاريخيته:

     ينبه الدكتور حسن الترابي إلى مسألة تاريخية علم أصول الفقه ونسبيته، والتمييز بين الثابت والمتغير، وبين الحقائق الثابتة وفكر المسلمين المتغير، فيتساءل: أليس الدين حقائق ثابتة لا تتغير من حين إلى حين؟ ثم يجيب: “بلى، ذلك حق في شأن حقائق الإسلام. ولكن الفكر هو عمل المسلمين في تفهم الدين وتفقهه، وذلك كسب بشري، يطرأ عليه ما يطرأ على سائر الحادثات من التقادم والبلى والتوالد والتجديد”[58].

     وتحت عنوان “الدين الثابت والتدين المتطور” ميز الدكتور الترابي بين الدين المطلق والتدين النسبي، وبيّن أن “ظواهر الجمود والرجعية إنما تطرأ على الحادثات وكسب البشر ولا تطرأ على جوهر الدين، فهي تغشى صور التدين أو مواقف الناس من الدين.. وهكذا جعل أمر الدين دائرا بين الثبات والتطور. فلئن كان الدين أصل ثابت فإن من الأمراض التي تلازم التدين الجنوح للجمود، ومن المعالجات التي يستدعيها التدين، التجديد بعد التقليد، والبعث بعد الجمود”[59]. فيدل ذلك على أن الدين ثابت والتدين متطور ومتجدد.

     ولمزيد من البيان ذهب الترابي إلى أنه “مادام الدين – من حيث هو خطاب للإنسان ثم كسب منه – واقعا في الإطار الظرفي، فلا بد أن يعتريه شيء من أحوال الحركة الكونية. ولكن – من حيث هو صلة بالله وسبب للآخرة متعلق بالأزل المطلق الثابت – إنما يؤسس على أصول وسنن ثابتة لا تتحول ولا تتبدل. وهو بهذا وذاك قائم على رد الشأن الظرفي المتحول إلى محور الحق الثابت”[60].

     وبهذا يكون الدكتور الترابي قد أجاب التقليديين الذين لا يميزون بين الوحي الثابت والتراث المتغير، وفي الآن ذاته أجاب الدهريين الذين يعتبرون الوحي تراث نسبي، وفي هذا يقول: “ولعل أول الإشكالات التي طرحها تطاول الفترة التاريخية، هو بلورة التصور للعنصر التاريخي أو الزمني في الدين، فقد يتوهم بعض المتدينين أن الدين من حيث تعلقه بالله القديم الباقي، لا يخضع في شيء لأحوال الزمن وأطواره. ولا يتصور فيه مفارقة بين قديم وجديد مما نعالجه بالتجديد. وقد توهم الدهريون أن الدين، بل الوجود كله نسبي، وكله متقادم بائد. والحق في تصور الدين أنه توحيد بين شأن الله وشأن الإنسان في الدنيا، بين المطلق الثابت والنسبي المتحول”[61].

     وبهذا نميز بين القطعي والظني في الدين، فيبقى القطعي قطعي، والظني ظني، ويفهم الظني في ضوء القطعي كما ذهب إلى ذلك الشيخ القرضاوي[62]، فنكون قد جمعنا بين “إكمال الدين” في قوله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ}[المائدة:3]، و”التجديد” في قوله صلى الله عليه وسلم: «إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها»[63]، “فليس التجديد إذن نقيضا لاكتمال الدين وثباته، بل إنه السبيل لامتداد تأثيرات الدين الكامل وثوابته إلى الميادين الجديدة والأمور المستحدثة، والضمان لبقاء الأصول صالحة دائما لكل زمان ومكان”[64].

رابعا: تقنين علم الأصول:

     يرى الدكتور الترابي أنه على الدولة بعد أن تصدر الآراء وتعقد الشورى أن “تقنن الآراء والأحكام المعتمدة، بل عليها أن تحتاط لذلك التقنين والتدوين تنظيما مسبقا لحياة المجتمع الرشيد، واذا كان النمط التقليدي هو إيكال أمر تطوير الأحكام للفقهاء الذي ينتظرون الحادثات والمسائل ليستنبطوا لها المعالجات والفتاوى، فشأن المجتمع الرشيد الذي يتخذ لحركته وجهة مقررة، ولا يركن إلى العفوية والتجريدية، أن يخطط نظامه القانوني ما أمكن. والواقع أن المسلمين قديما لما توافر لهم كسب كثير من الفتاوى والفقه، أخذوا يرتبون الأحكام في مدونات ليست كتبا فقهية، تورد الأدلة الشرعية، وتعالج وجوه النظر من حواشي الإيضاح والاستدلال، وتحرر في لغة واضحة تخاطب الأفهام بشيء من البرود، وهذه المصنفات أشبه شيء عندنا بالمدونات القانونية الحديثة، فيها معنى وضوح الأحكام لمن يريد الاطلاع عليها، وفيها ما يعيب هذه المدونات الحديثة من تجريد الأحكام. فما ينبغي وصلها به من الإسناد إلى أصول النصوص، وربطها بنظام الشريعة ومقاصدها، ووصلها بالعامل الأخلاقي في الدين حافزا ووازعا. فالنشاط الفقهي ينبغي أن يظل حرا مباحا. ولكن الأمم لابد لها من سلطان عام، يرعى تنظيمه وتوظيفه لتوجيه المجتمع وضبط حركته”[65].

     المبحث الثالث: معالم التجديد الموضوعي لعلم أصول الفقه.

     إن التجديد الأصولي عند الدكتور حسن الترابي لم يتوقف عند النقد المنهجي فحسب، وإنما تعداه ليشمل النظر في جملة من القضايا المعرفية، خاصة ما يتعلق بالأدلة الاجتهادية.

     إن ما تواجهه الأمة من مشكلات وتحديات في الحياة العامة – السياسية والاقتصادية والاجتماعية – وأمام قلة النصوص المؤطرة لها ومرونتها، فرض على العلماء تطوير الأدلة الأصولية الاجتهادية وتوسيعها حتى تستوعب كل مستجدات العصر، وهو ما اختاره الدكتور الترابي، حيث ذهب في مشروعه التجديدي نحو أصول واسعة لفقه اجتهادي فقال: “وفي هذا المجال العام يلزم الرجوع الى النصوص بقواعد التفسير الأصولية ولكن ذلك لا يشفي إلا قليلا لقلة النصوص. ويلزمنا ان نطور طرائف الفقه الاجتهادي التي يتسع فيها النظر بناء على النص المحدود”[66].

     ومن أهم الأدلة التي يرى توسيعها نذكر:

أولا: القياس الواسع

     إذا كان علماء الأصول قد حصروا القياس في دائرة ضيقة، وهي تعدية حكم الأصل إلى الفرع بجامع العلة المنضبطة، فإن هذا “القياس التقليدي أغلبه لا يستوعب حاجتنا بما غشيه من التضييق انفعالا بمعايير المنطق الصوري التي وردت على المسلمين مع الغزو الثقافي الاول الذي تأثر به المسلمون”[67] وإنما يصلح – في نظر الدكتور الترابي – “استكمالا للأصول التفسيرية في تبين أحكام النكاح والآداب والشعائر. لكن المجالات الواسعة من الدين لايكاد يجدي فيها إلا القياس الفطري الحر من تلك الشرائط المعقدة التي وضعها له مناطقة الإغريق، واقتبسها الفقهاء الذين عاشوا مرحلة ولع الفقه بالتعقيد الفني”[68].

     وإذا كان كذلك فإن الدكتور الترابي يقترح اللجوء إلى ما سماه “القياس الواسع” أو “القياس الفطري الحر” أو “القياس الإجمالي” أو “قياس المصالح المرسلة”،  باعتباره “درجة أرقى في البحث عن جوهر مناطات الأحكام؛ إذ نأخذ جملة من أحكام الدين منسوبة إلى جملة الواقع الذي تنـزل فيه، ونستنبط من ذلك مصالح عامة، ونرتب علاقاتها من حيث الأولوية والترتيب”[69].

     ويوضح الترابي طبيعة هذا البديل وسبيل الوصول إليه فيقول: “ولربما يجدينا أن نتسع في القياس على الجزئيات لنعتبر الطائفة من النصوص، ونستنبط من جملتها مقصدا معينا من مقاصد الدين أو مصلحة معينة من مصالحه، ثم نتوخى ذلك المقصد حيثما كان في الظروف والحادثات الجديدة. وهذا فقه يقربنا جدا من فقه عمر بن الخطاب رضي الله عنه، لأنه فقه مصالح عامة واسعة، لا يلتمس تكييف الواقعات الجزئية تفصيلا فيحكم على الواقعة قياسا على ما يشابهها من واقعة سالفة، بل يركب مغزى اتجاهات سيرة الشريعة الأولى، ويحاول في ضوء ذلك توجيه الحياة الحاضرة”[70]، وهذا يعني الرجوع بالقياس إلى سابق عهده، وهو ما يظهر جليا في قول الدكتور الترابي: “بدأ القياس في عهد الصحابة والتابعين قياسا حرا، كلما رأوا شبيها بين حادث وقع في عهد الرسول -صلى الله عليه وسلم- وحكم فيه، وحادث وقع من بعده، كانوا يعدون ذلك الحكم إلى هذه الحادثة، ولكن خشية من أن يضل الهوى بهذا القياس غير المنظم، عطل الناس ذلك القياس الفطري، واستعملوا المنطق الصوري التحليلي الدقيق حتى جمدوا القياس في معادلات دقيقة لا تكاد تولد فقها جديدا”[71].

     ومن ثم، وسيرا على نهج الصحابة والتابعين، فإن القياس الفطري الحر “يستلزم شيئا من تجريد الظروف المحدودة التي جاءت سياقا ظرفيا للنص. مثال ذلك ما روي عن أن رجلا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال هلكت. وقعت على امرأة في نهار رمضان… الخ، فتلك واقعة لا تكرر بشكلها الكامل أبدا، وربما يحدث مثلها لرجل غير الرجل مع امرأته هو، ولكنا رغم ذلك نسقط اعتبار الأعيان ونعدي الحكم بين الواقعتين. ولربما يطرأ فساد الصوم في رمضان بغير ذلك الأسلوب من أكل أو شرب، ونطرح السؤال: هل نتجرد أيضا من اعتبار ذلك الأسلوب، ونعتمد كل وجوه إفساد الصيام ونتسع في تعدية الحكم أو لا نفعل؟ يختلف الفقهاء في ذلك وهكذا يتعرض منهجنا القياسي للسعة أو الضيق في درجة التجرد من الظروف الأولى، تنقيحا لمناط الحكم الجوهري، وليس في الاختلاف على ذلك حرج”[72].

     فبهذا القياس الواسع “وبذلك التصور لمصالح الدين نهتدي إلى تنظيم حياتنا بما يوافق الدين، بل يتاح لنا –ملتزمين بتلك المقاصد- أن نوسع صور التدين أضعافا مضاعفة”[73].

     إلا أن هذا الذي قد ذهب إليه الدكتور الترابي لم يكن يسلّم له، بل كان محل نقاش وجدال بين أهل العلم، فمنهم من سايره في ذلك إلى درجة التماهي كما هو الحال بالنسبة للدكتور الدسوقي الذي ذهب إلى “التوسع في مفهوم القياس منطلقه أن ما ثبت من الأحكام التي وردت بها النصوص المبنية على علل وأسباب شرعت لأجلها وأن هذه العلل كما يدل الاستقراء مرجعها جميعها إلى تحقيق مصالح الناس، فكل ما يحقق مصلحة للناس في معاملاتهم في أي زمان ومكان يكون مشروعا قياسا على ما نص عليه، والعلة هنا هي المصلحة، وليس كما قرر الأصوليون الأمر الجامع المنضبط  بين المقيس والمقيس عليه كالسكر مثلا بين الخمر وسائر المخدرات”[74].

     وإذا كان الدسوقي قد ساير الدكتور الترابي في استعمال القياس المصلحي، فإن محمد حامد الناصر يعتبر ذلك هجوما من الترابي على أصل القياس[75]، بينما ذهب وصفي عاشور أبو زيد إلى أن ما اختاره الترابي لا مسوغ له، وأن ما ذهب إليه هو قياس الشبه، وأن العلماء لم يهملوه، وإنما لا يصار إلى قياس الشبه مع إمكان قياس العلة[76].

     والحقيقة، أنه لا تناقض بينهما، فإن الترابي يتحدث عن القياس الواسع أمام عجز القياس المحدود في مواكبة المستجدات المعاصرة، إلا أن ما جاء به الترابي ليس جديدا عند الأصوليين، فقد تحدثوا عن التعليل بالحكمة، فقال القرافي: ” الوصف إن لم يكن منضبطا جاز التعليل بالحكمة”[77]، وهو ما قال به الرازي[78]، وغيره. كما تحدث المالكية في مشهور مذهبهم عن التعليل المصلحي ، لكن الذي يفهم من دعوة الدكتور الترابي إنما هو الدعوة لتفعيل هذا المنهج وإعماله في الحياة، ورد الأمر إلى سالف عهده، وهذا أيضا من معاني التجديد.

ثانيا: الاستصحاب الواسع

     إذا كان الاستصحاب من الأدلة التي يقر بها جمهور العلماء، فإن الدكتور الترابي، وفي إطار تحقيق مقاصد الشريعة وكلياتها، يرى توسيع هذا الأصل هو الآخر، ومغزى الاستصحاب الواسع عنده هو “أن الدين لم ينزل بتأسيس حياة كلها جديد، وإلغاء الحياة القائمة قبل الدين بأسرها، فما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مثلا يعتبر أن كل الذي كان ساريا من القيم من قبله لغو باطل ينبغي هدمه لتأسيس الدين على قاعدة جديدة مطلقا، بل كان المبدأ المعتمد أن ما تعارف عليه الناس مقبول، وإنما ينزل الشرع ويتدخل ليصلح ما اعوج من أمرهم”[79]. وهو ما سايره عليه الدكتور الدسوقي، الذي ذهب إلى أن الاستصحاب باعتباره من وسائل الاجتهاد في استنباط الأحكام، يشير إلى “أن الشريعة الخاتمة لم تنزل لإلغاء كل ما عرفته الحياة البشرية من عادات، وألفته من تصرفات، وإنما كان نزولها لإصلاح ما اعوج من العقائد والقيم، ولإحياء ما درس منها، ولتكميل ما نقص، ومن ثم لم تكن الشريعة هادمة لكل ما كان في الجاهلية، وكان ما تركته دون حكم له أو نص عليه، على الأصل في الحل والإباحة”[80].   

     ومن القرآن الكريم ينطلق الدكتور الترابي لضرب الأمثلة الدالة على ما ذهب إليه، فيقول: “فحينما يطلق الكلام في القرآن عن الأمر بالمعروف فهو ما كان سائدا معروفا إلا حيث يصححه الدين. وحينما يدعو القرآن الكريم بالعدل والقسط، فهو مراعاة القيم العدلية التي عرفها الإنسان، واستشعرها الوجدان المخلص مقرونة مع التصويبات والتقويمات التي ترد عليها من تلقاء الشريعة المنزلة. وهكذا يقال في القسط والخير والظلم والإحسان والإساءة، بل في نظم الأسرة، وفي الشعائر. فقد كانت الحياة تقوم على كثير من أثارات الحق الذي أورثته الديانات أو اهتدت إليه الفطرة البشرية، وجاءت الشريعة الخاتمة تحيي ما درس، وتقوم ما اعوج، وتكمل ما نقص، … وفي الكتاب والسنة نصوص مباشرة تدل على قبول قاعدة الاستصحاب”[81]. من ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: “إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق”[82].

     وعليه، فما لم يرد من الشارع دليل فيبقى الأمر على ما كان عليه، ومن ثم كان “الأصل في الأشياء الحل، وفي الأفعال الإباحة، وفي الذمم البراءة من التكليف، وكل ما تطوقه المؤمن يقصد به وجه الله عبادة مقبولة، وكل ما أخذ لمتاع الحياة الدنيا عفو متروك لا له ولا عليه إلا أن يرد النص فينفي صفة العفاء أو الإباحة عن فعل معين”[83].

     قال الترابي: “وإذا جمعنا أصل الاستصحاب مع أصل المصالح المرسلة تتهيأ لنا أصول واسعة لفقه الحياة العامة في الإسلام”[84].

ثالثا: إجماع المسلمين

          بداية يجب تحرير محل الإجماع الأصولي الذي يتحدث عنه الترابي، حيث يجب التمييز بين ما هو معلوم من الدين بالضرورة وبين القضايا الظنية التي تختلف فيها أنظار الناس، فالمعلوم من الدين بالضرورة لا ينسحب عليه المفهوم الأصولي للإجماع، لأنه ليس مجالا للنظر والبحث وصدق عليه أن الأمة قد أجمعت عليه، فيبقى محل الإجماع الأصولي هو ما لم يرد فيه نص صريح فبني الحكم فيه على أساس التشاور والاتفاق بين المجتهدين، وقالوا لا يجوز مخالفته، فهذا النوع من الإجماع هو الذي يرى الدكتور الترابي وغيره وجوب إعادة النظر فيه[85].

     يرى الدكتور الترابي أن الإجماع الأصولي الحالي وقع نتيجة انحراف في تاريخ المسلمين، وحتى يكون صحيحا يوافق ما جاء به النصوص الصحيحة يجب أن إعادة النظر فيه ليشمل المسلمين جميعا، ولا يقتصر على المجتهدين، فتحت عنوان “الكلمة للمسلمين، والإجماع إجماعهم” قال: “الإجماع لظروف تاريخية معينة ورد عليه بعض الانحراف، والآية التي يردك إليها الذين يدعونك إلى حتمية الإجماع تتحدث عن المسلمين، الآية تقول مثلا:{وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ}[النساء:115]، وهذا يعني مجموع المؤمنين. هذه الآية تدعو الإنسان إلى اتباع المؤمنين.. والآيات التي تلزم الإنسان المسلم بالشورى تجعل الشورى للمؤمنين {وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ. وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ. وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ}[الشورى:36-38]، فأولئك هم المسلمون جميعا، فالشورى هي شورى المسلمين”[86].

     وإذا كان الإجماع في أصله هو إجماع المسلمين، فإنه لظروف تاريخية طرأت على المسلمين ورد عليه بعض الانحراف “لذلك اضطر العلماء إلى أن يجعلوا الشورى بين العلماء، وأن يجعلوا الإجماع- إجماع العلماء – وليس لهم مستند في ذلك إلا الضرورة العملية التي كانت قائمة يومئذ.. فالإجماع هو إجماع المسلمين”[87].

     لكن هل المسلمون في هذه الظروف في مستوى الاختيار، وهل علمهم يؤهلهم ليستشاروا جميعا، يجيب الدكتور الترابي “كلا.. بل ينبغي على كل مسلم قبل أن يختار رأيا معينا أن يرجع إلى العلماء.. فهم الهداة الذين يقترحون ويبسطون أمامنا الدين. فيقولون: يجوز ذلك ولا يجوز هذا.. وذلك أقرب إلى المصلحة. وفي النهاية القرار الذي يلزم هو لعامة المسلمين ولجمهورهم”[88].

     لكن بيننا وبين هذا المستوى خرق القتاد كما يقال، والدكتور الترابي كان على علم بهذا التحدي، حين قال: “وإذا أمكن لنا بوسائل الاتصال الحديثة أن نحيط بشعبنا المسلم وأن نربي فيه ورعه وتقواه وفكره وفهمه، وأن نوثق بينه وسائل الاتصال بحيث يتيسر عقد الشورى وإجراء المناصحة وتبادل الآراء، فيمكن أن ترد إلى الجماعة المسلمة حقها الذي كان قد باشره عنها ممثلوها الفقهاء، وهو سلطة الإجماع”[89]

     وفكرة الإجماع هذه يمكن أن يعبر عنها في نظر الدكتور الترابي بـ”الاستفتاء الحديث، أو الإجماع غير المباشر، وهي نظام النيابة الحديثة.. مجلس برلماني ينتخبه المسلمون انتخابا الحر، يكون هو الخطة الاجتماعية عند المسلمين”[90]. ومن باب الاحتياط، وحتى لا يجمع على أمر يخالف الكتاب والسنة، يمكن أن نقيم خطة قضائية للرقابة عليهم، كما نقيم خطة رقابية على البرلمان تنبعث من الحفاظ على الدستور[91].

     وإلى ذلك الحين يرى آخرون اتخاذ القرار بالأغلبية، فـيرى الدكتور الريسوني أن “العمل بمبدأ الأغلبية، إنما هو في الحقيقة فرع عن العمل بمبدأ الإجماع، فإذا كان الإجماع يستمد حجيته وقوته من الكثرة التي لا مخالف لها، أو لا مخالف يعتد بخلافه. فإن هذا الأساس موجود في مسألتنا، ولكن بدرجة أقل” ويضيف “وإذا كانت المسائل والأحكام التي تتقرر بالإجماع تعتبر صوابا لاشك فيه، وتعتبر من الأحكام القطعية التي لا تقبل النقض أو الاحتمال، لكون الإجماع معصوما، فإن الأغلبية تحقق أكبر قدر ممكن من الصواب والسلامة من الخطأ، وتمثل أقرب المراتب من مرتبة العصمة”[92].

     خاتمة:

     لقد لقيت دعوة الدكتور حسن الترابي هذه إلى تجديد أصول الفقه ترحيبا لدى كثير من العلماء والمفكرين، لكونها تتجاوب مع تصوراتهم في سبل النهضة بالأمة، وتجعل الدين مسايرا لمقتضيات العصر و يفي بحاجات الناس وواقعهم المعيش. كما لقيت معارضة شديدة من قبل آخرين وصلت إلى حد رميه بالكفر والزندقة؛ لكنها دعوة، كما قال عنها صاحبها، “لا تعدو أن تكون اجتهادا.. والمجتهد معرض لأن يخطئ ويصيب، وأسأل الله أن يعطيني فيها الأجر الواحد إن كنت مخطئا، وأن يعطيني فيها الأجرين إن كنت مصيبا”[93].

     وهي مع ذلك تبقى محاولة فكرية جادّة تستحق منا كل الاهتمام والبحث والدراسة قصد تطويرها وبلورتها، وتجاوز أخطائها، بمنهج أدق وتحليل أوسع، حتى تترجم إلى على أرض الواقع، وتخرج من طور التنظير إلى طور التنفيذ.

     هذه إذن، بعض معالم التجديد الأصولي عند الدكتور حسن الترابي رحمه الله، أرجو أن أكون قد وفقت في تناولها، والحمد لله رب العالمين

لائحة المصادر والمراجع:

– تجديد أصول الفقه الإسلامي للدكتور حسن الترابي، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع – الخرطوم، ط1/1400هـ -1980م.

– التجديد الأصولي نحو صياغة تجديدية لعلم أصول الفقه للدكتور أحمد بن عبد السلام الريسوني، دار الكلمة للنشر والتوزيع، ط 1/1436هـ- 2015م.

– تجديد الفكر الإسلامي لحسن الترابي، دار القرافي للنشر والتوزيع- المغرب، ط 1/1993م.

– التجديد في الفكر الإسلامي للدكتور عدنان محمد أمامة، دار ابن الجوزي للنشر والتوزيع، ط 1/1424هـ.

– تطور علم أصول الفقه وتجدده للدكتور عبد السلام بلاجي، دار الوفاء للطباعة والنشر والتوزيع، ط 1/1428هـ -2007م.

– جامع الأصول في أحاديث الرسول لمجد الدين أبي السعادات المبارك بن محمد بن محمد بن محمد ابن عبد الكريم الشيباني الجزري ابن الأثير (ت : 606هـ)، تحقيق عبد القادر الأرنؤوط – التتمة تحقيق بشير عيون، مكتبة الحلواني – مطبعة الملاح – مكتبة دار البيان، ط 1/1392 هـ ، 1972 م.

– سنن أبي داود لأبي داود سليمان بن الأشعث بن إسحاق بن بشير بن شداد بن عمرو الأزدي السِّجِسْتاني (ت:275هـ)، تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد، المكتبة العصرية، صيدا – بيروت.

– شرح تنقيح الفصول لأبي العباس شهاب الدين أحمد بن إدريس بن عبد الرحمن المالكي الشهير بالقرافي (ت:684هـ)، تحقيق طه عبد الرؤوف سعد، شركة الطباعة الفنية المتحدة، ط 1/ 1393هـ – 1973م.

– العصرانيون بين مزاعم التجديد وميادين التغريب لمحمد حامد الناصر، مكتبة الكوثر الرياض، ط 2/1422هـ 2001م.

– عون المعبود شرح سنن أبي داود، ومعه حاشية ابن القيم: تهذيب سنن أبي داود وإيضاح علله ومشكلاته لمحمد أشرف بن أمير بن علي بن حيدر، أبو عبد الرحمن، شرف الحق، الصديقي، العظيم آبادي (ت: 1329هـ)، دار الكتب العلمية – بيروت، ط 2/ 1415 هـ.

– فتح الباري شرح صحيح البخاري لأحمد بن علي بن حجر أبي الفضل العسقلاني الشافعي،رقم كتبه وأبوابه وأحاديثه: محمد فؤاد عبد الباقي، وقام بإخراجه وصححه وأشرف على طبعه: محب الدين الخطيب، عليه تعليقات العلامة: عبد العزيز بن عبد الله بن باز، دار المعرفة – بيروت، سنة 1379هـ.

– الفقه الإسلامي بين الأصالة والتجديد للدكتور يوسف القرضاوي، مكتبة وهبة ط 2/1419هـ 1999م.

– فيض القدير شرح الجامع الصغير لزين الدين محمد المدعو بعبد الرؤوف بن تاج العارفين بن علي بن زين العابدين الحدادي ثم المناوي القاهري (ت: 1031هـ)، المكتبة التجارية الكبرى – مصر، ط 1/ 1356هـ.

– القاموس المحيط لمجد الدين أبو طاهر محمد بن يعقوب الفيروزآبادى (ت: 817هـ)، تحقيق مكتب تحقيق التراث في مؤسسة الرسالة بإشراف: محمد نعيم العرقسُوسي، مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت – لبنان، ط 8/ 1426 هـ – 2005م.

– قضايا التجديد (نحو منهج أصولي) للدكتور حسن الترابي، معهد البحوث والدراسات الاجتماعية، السودان- الخرطوم، ط 1/1411هـ- 1990م.

– لسان العرب لمحمد بن مكرم بن على، أبي الفضل، جمال الدين ابن منظور الأنصاري الرويفعى الإفريقى (ت:711هـ)، دار صادر – بيروت، ط 3/ 1414هـ.

– المحاولات التجديدية المعاصرة في أصول الفقه، دراسة تحليلية لوصفي عاشور أبو زيد، صوت العلم العربي، ط 1/1430هـ-2009م.

– المحصول لأبي عبد الله محمد بن عمر بن الحسن بن الحسين التيمي الرازي الملقب بفخر الدين الرازي خطيب الري (ت: 606هـ)، دراسة وتحقيق: الدكتور طه جابر فياض العلواني، مؤسسة الرسالة، ط 3/ 1418هـ- 1997م.

–  مختار الصحاح زين الدين لأبي عبد الله محمد بن أبي بكر بن عبد القادر الحنفي الرازي (ت: 666هـ)، تحقيق يوسف الشيخ محمد، المكتبة العصرية – الدار النموذجية، بيروت – صيدا، ط 5/ 1420هـ – 1999م.

– مختصر كتاب الاجتهاد والتجديد في الفكر الإسلامي المعاصر للدكتور سعيد شبار، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، ط 1/1437هـ-2016م.

– مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح لأبي الحسن عبيد الله بن محمد عبد السلام بن خان محمد بن أمان الله بن حسام الدين الرحماني المباركفوري (ت: 1414هـ)، إدارة البحوث العلمية والدعوة والإفتاء – الجامعة السلفية – بنارس الهند، ط 3/ 1404 هـ، 1984م.

– مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح لعلي بن (سلطان) محمد، أبي الحسن نور الدين الملا الهروي القاري (ت: 1014هـ)، دار الفكر، بيروت – لبنان، ط 1/ 1422هـ – 2002م.

– مسند الإمام أحمد بن حنبل لأبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال بن أسد الشيباني (ت: 241هـ)، تحقيق شعيب الأرنؤوط – عادل مرشد، وآخرون، إشراف: د عبد الله بن عبد المحسن التركي، مؤسسة الرسالة، ط 1/ 1421هـ – 2001م.

– معالم المنهج الإسلامي للدكتور محمد عمارة، دار الشروق، ط 2/2009م.

– مفهوم تجديد الدين بسطامي محمد سعيد، مركز التأصيل للدراسات والبحوث، ط 3/1436هـ 2015م.

– مقدمة ابن خلدون لأبي زيد ولي الدين عبد الرحمن بن محمد الإشبيلي الشهير بابن خلدون (ت:808هـ)، ضبط نصوصه وخرج أحاديثه أبو عبد الرحمن وائل حافظ  محمد خلف، دار العقيدة-الاسكندرية، ط 1/1429هـ-2008م.

– من أجل صحوة راشدة تجدد الدين وتنهض بالدنيا للدكتور يوسف القرضاوي، دار الشروق، ط 1/1421هـ 2001م.

– الموافقات في أصول الشريعة لإبراهيم بن موسى بن محمد اللخمي الغرناطي الشهير بالشاطبي (ت: 790هـ)، تحقيق أبي عبيدة مشهور بن حسن آل سلمان، دار ابن عفان، ط 1/ 1417هـ/ 1997م.

– نظرية المقاصد عند الإمام الشاطبي، تقديم د. طه جابر العلواني، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، ط4/1416هـ-1995م.

– نظرية نقدية في الدراسات الأصولية المعاصرة للدكتور محمد الدسوقي، دار المدار الإسلامية، ط 1/2004م.


[1] –  ينظر لسان العرب لابن منظور فصل الجيم3/111. والقاموس المحيط للفيروز آبادى  فصل الجيم 1/271. ومختار الصحاح للرازي (مادة ج د د) ص 54.

[2] – تنظر تعريفات العلماء للتجديد في: الفقه الإسلامي بين الأصالة والتجديد للدكتور يوسف القرضاوي ص 26 وما بعدها. والتجديد في الفكر الإسلامي للدكتور عدنان محمد أمامة ص 16 وما بعدها. ومختصر كتاب الاجتهاد والتجديد في الفكر الإسلامي المعاصر للدكتور سعيد شبار ص 13 وما بعدها.

[3] – سنن أبي داود: كتاب الملاحم، باب ما يذكر في قرن المائة رقم 4291.

[4] –  عون المعبود شرح سنن أبي داود لشرف الحق، الصديقي، العظيم آبادي 11/263.

[5] – مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح لأبي الحسن المباركفوري 1/340.

[6] – ينظر فيض القدير شرح الجامع الصغير للمناوي 2/281.

[7] – نفسه 1/9.

[8] – نفسه.

[9] – ينظر مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح لأبي الحسن نور الدين الملا الهروي 1/321.

[10] –  الفقه الإسلامي بين الأصالة والتجديد ص 29-30. وينظر أيضا من أجل صحوة راشدة تجدد الدين وتنهض بالدنيا للدكتور يوسف القرضاوي ص 30.

[11] – عون المعبود شرح سنن أبي داود 11/263.

[12] – مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح 1/340.

[13]– مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح 1/321-322.

[14] – فيض القدير 1/9.

[15] – فتح الباري شرح صحيح البخاري لابن حجر العسقلاني 13/295.

[16] – ينظر المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج لمحيي الدين النووي 13/67.

[17] – فتح الباري 13/295..

[18] – جامع الأصول في أحاديث الرسول لابن الأثير 11/319.

[19] – ينظر من أجل صحوة راشدة تجدد الدين وتنهض بالدنيا للدكتور يوسف القرضاوي ص 18 وما بعدها.

[20]  – مختصر الاجتهاد والتجديد لسعيد شبار ص 54.

[21] – الفقه الإسلامي بين الأصالة والتجديد ص 42.

[22] – ينظر من أجل صحوة راشدة تجدد الدين وتنهض بالدنيا ص 51.

[23] – ينظر على سبيل المثال: العصرانيون بين مزاعم التجديد وميادين التغريب لمحمد حامد الناصر. ومفهوم تجديد الدين بسطامي محمد سعيد.

[24] – الفقه الإسلامي بين الأصالة والتجديد ص 47.

[25] – يقول الدكتور محمد الدسوقي: “وقد سجل التاريخ أن كل دعاة الإصلاح والتجديد لم يسلموا من افتراءات الجامدين والمتنطعين، ولكن الظهور في النهاية كان لهؤلاء الدعاة، وباء الجمود بالبوار والخسران، وتلك سنة الله في خلقه ولن تجد لسنة الله تبديلا”. نظرية نقدية في الدراسات الأصولية المعاصرة ص 131.

[26] – ينظر نظرية المقاصد عند الإمام الشاطبي للدكتور أحمد الريسوني ص 335-336. وتطور علم أصول الفقه وتجدده للدكتور عبد السلام بلاجي ص 132-133.

[27] – ينظر تطور علم أصول الفقه وتجدده للدكتور عبد السلام بلاجي ص 143-144.

[28] – ينظر من أجل صحوة راشدة تجدد الدين وتنهض بالدنيا ص 52.

[29]– في إشارة إلى ما سماه ابن خلدون “نحلة الغالب”، حيث “أن المغلوب مولع أبدا بالاقتداء بالغالب في شعاره وزيه ونحلته وسائر أحواله وعوائده”. مقدمة ابن خلدون ص 155.

[30] – ينظر نماذج من العصرانيين في: مفهوم تجديد الدين ص 119 وما بعدها. والعصرانيون بين مزاعم التجديد وميادين التغريب ص 157 وما بعدها.

[31] – نقلا عن العصرانيون بين مزاعم التجديد وميادين التغريب ص 331.

[32] – نفسه ص 309.

[33] – ينظر من أجل صحوة راشدة تجدد الدين وتنهض بالدنيا ص 52. والمحاولات التجديدية المعاصرة في أصول الفقه، دراسة تحليلية لوصفي عاشور أبو زيد ص 15 وما بعدها. والعصرانيون بين مزاعم التجديد وميادين التغريب ص 75 وما بعدها. ومفهوم تجديد الدين ص 121 وما بعدها.

[34] – ينظر من أجل صحوة راشدة تجدد الدين وتنهض بالدنيا ص 52. والتجديد في الفكر الإسلامي ص 373 وما بعدها.

[35] –  رأيه مبسوط في كتبه كلها، خاصة: من أجل صحوة راشدة تجدد الدين وتنهض بالدنيا.  والفقه الإسلامي بين الأصالة والتجديد. والاجتهاد في الشريعة الإسلامية، وغيرها.

[36] – ينظر رؤيته في كتابيه: التجديد الأصولي نحو صياغة تجديدية لعلم أصول الفقه. والاجتهاد: النص، الواقع، المصلحة، وغيرها

[37] – ينظر رؤيته في: مجلة المسلم المعاصر، خاصة العددين الأول والثاني. وكتاب تجديد الفقه الإسلامي بمعية د وهبة الزحيلي. وكتاب نحو تفعيل مقاصد الشريعة، وغيرها

[38] – ينظر رؤيته في: تجديد الفقه الإسلامي بمعية د جمال عطية. وكتاب أصول الفقه الإسلامي. وتاريخ المذاهب الإسلامية، وغيرها

[39] – ينظر رؤيته في كتبه: الإسلام والمستقبل. والتراث في ضوء العقل. وتيارات الفكر الإسلامي، وغيرها.

[40] – تجديد الفكر الإسلامي لحسن الترابي ص 50.

[41] – تجديد أصول الفقه الإسلامي للدكتور حسن الترابي ص 6. وتجديد الفكر الإسلامي ص 34. وقضايا التجديد (نحو منهج أصولي) للدكتور حسن الترابي ص 189.

[42] – تجديد أصول الفقه الإسلامي ص 12. وتجديد الفكر الإسلامي ص 36. وقضايا التجديد (نحو منهج أصولي) ص 195.

[43] – تجديد أصول الفقه الإسلامي للدكتور حسن الترابي ص 14. وتجديد الفكر الإسلامي ص 38. وقضايا التجديد (نحو منهج أصولي) ص 196-197.

[44] – نفس المصادر.

[45] – تجديد أصول الفقه الإسلامي للدكتور ص 14. وتجديد الفكر الإسلامي ص 38. وقضايا التجديد (نحو منهج أصولي) ص 197-198.

[46] – مصادر الحق في الفقه الإسلامي  لعبد الرزاق السنهوري، معهد البحوث والدراسات العربية، جامعة الدول العربية – القاهرة، 1967م، 1/47 ، هامش (2).

[47] – نفسه.

[48] – تجديد الفكر الإسلامي ص 40. وقضايا التجديد (نحو منهج أصولي) ص 202-203.

[49] – الموافقات في أصول الشريعة لأبي إسحاق الشاطبي 1/37.

[50] – نفسه.

[51] – تجديد أصول الفقه الإسلامي للدكتور ص 6. وتجديد الفكر الإسلامي ص 34. وقضايا التجديد (نحو منهج أصولي) ص 189.

[52] – تجديد الفكر الإسلامي ص 36. وقضايا التجديد (نحو منهج أصولي) ص 195.

[53] – نفسه.

[54] – نظرية نقدية في الدراسات الأصولية المعاصرة للدكتور محمد الدسوقي ص 133-134.

[55] – نفسه ص 129.

[56] – تجديد الفكر الإسلامي ص 74. وقضايا التجديد (نحو منهج أصولي) ص 62.

[57] – التجديد الأصولي نحو صياغة تجديدية لعلم أصول الفقه للدكتور أحمد بن عبد السلام الريسوني ص 14.

[58] – تجديد الفكر الإسلامي ص 18.

[59] – تجديد أصول الفقه الإسلامي ص 104.

[60] – تجديد الفقه الإسلامي ص 66. وقضايا التجديد (نحو منهج أصولي) ص 45-46.

[61] – تجديد الفقه الإسلامي ص 57. وقضايا التجديد (نحو منهج أصولي) ص 33.

[62] – ينظر الفقه الإسلامي بين الأصالة والتجديد ص 46.

[63] – سبق تخريجه.

[64] – ينظر معالم المنهج الإسلامي للدكتور محمد عمارة ص 92 وما بعدها.

[65] – تجديد الفقه الإسلامي ص 47-48.. وقضايا التجديد (نحو منهج أصولي) ص 215-216.

[66] – تجديد الفقه الإسلامي ص 41. وقضايا التجديد (نحو منهج أصولي) ص 204.

[67] – نفسه.

[68] – تجديد الفقه الإسلامي ص 41. وقضايا التجديد (نحو منهج أصولي) ص 205.

[69] – تجديد الفقه الإسلامي ص 42. وقضايا التجديد (نحو منهج أصولي) ص 207.

[70] – تجديد الفقه الإسلامي ص 41-42. وقضايا التجديد (نحو منهج أصولي) ص 206.

[71] – تجديد الفقه الإسلامي ص 25-26. وقضايا التجديد (نحو منهج أصولي) ص 171.

[72] – تجديد الفقه الإسلامي ص 42. وقضايا التجديد (نحو منهج أصولي) ص 206-207.

[73] – تجديد الفقه الإسلامي ص 42. وقضايا التجديد (نحو منهج أصولي) ص 207.

[74] – نظرية نقدية في الدراسات الأصولية المعاصرة ص 125.

[75] – ينظر العصرانيون بين مزاعم التجديد وميادين التغريب ص 241.

[76] – ينظر المحاولات التجديدية المعاصرة في أصول الفقه، دراسة تحليلية ص 37-38.

[77] – شرح تنقيح الفصول لأبي العباس شهاب الدين القرافي ص 406.

[78] – ينظر المحصول لفخر الدين الرازي 5/287.

[79] – تجديد الفقه الإسلامي ص 42. وقضايا التجديد (نحو منهج أصولي) ص 208.

[80] – نظرية نقدية في الدراسات الأصولية المعاصرة ص 127-128.

[81] – تجديد الفقه الإسلامي ص 42-43. وقضايا التجديد (نحو منهج أصولي) ص 208-209.

[82] – مسند الإمام أحمد بن حنبل ، مسند أبي هريرة رقم 8952، 14/513.

[83] – تجديد الفقه الإسلامي ص 43. وقضايا التجديد (نحو منهج أصولي) ص 209.

[84] – نفسه.

[85] – ينظر نظرية نقدية في الدراسات الأصولية المعاصرة ص 120.

[86] – تجديد الفقه الإسلامي ص 12-13.

[87] – نفسه ص 13.

[88] – نفسه.

[89] – تجديد الفقه الإسلامي ص 24. وقضايا التجديد (نحو منهج أصولي) ص 167.

[90] – تجديد الفقه الإسلامي ص 13-14.

[91] – نفسه ص 14.

[92] – نظرية التقريب والتغليب وتطبيقاتها في العلوم الإسلامية للدكتور أحمد الريسوني، مطبعة مصعب، مكناس، ط1، 1994، ص 497.

[93] – تجديد الفقه الإسلامي ص 15.

Leave A Reply

Your email address will not be published.