في التأصيل القرآني للعقيدة (2): – دراسة في المقاصد والغايات – (رؤية في تجديد الدرس الكلامي المعاصر وتطويره)

د. عبد العظيم صغيري

في التأصيل القرآني للعقيدة (2):- دراسة في المقاصد والغايات -(رؤية في تجديد الدرس الكلامي المعاصر وتطويره)

Qur’anic Rooting of the Doctrine (2):- A Study of Purposes and Objectives -(A Vision in Renewing and Developing Contemporary Lesson)

د. عبد العظيم صغيري
كلية الشريعة والدراسات الإسلامية – جامعة قطر

ملخص:

هذا البحث هو الثاني في سلسلة دراسات علمية جادة، تسعى للتعريف بمشروع علمي موسوم بـ: «التأصيل القرآني لعقيدة»، وهو مشروع يهدف لتجديد الممارسة الكلامية، عبر دعوة المشتغلين بأصول الدين والمهتمين به، لتأصيل مفردات العقيدة الإسلامية من كتاب الله تعالى، واستخلاص الدروس العقدية مباشرة من مصدرها المؤسس: كتاب الله تعالى، خاصة تلك المتعلقة بمحكمات العقيدة وكلياتها، إذ إن هاته المحكمات والكليات هي الكفيلة بإعادة الجذوة لأصول الدين والتمكين له عمليا في واقع الأفراد والجماعات.
في هذا البحث، سأبسط القول في بيان مقاصد «التأصيل القرآني وغاياته»، لاقتناعي بأن نبل المقاصد، وشرف الغايات التي يروم هذا المشروع تحقيقها، كفيلة بدعوة المهتمين والمتخصصين بالدرس الكلامي المعاصر للاهتمام بهذا الطرح المعرفي، الذي يشرف بخدمة عقيدة القرآن، والمنافحة عنها ضد كل ما يحرفها عن أصلها ومحتدها الأصيل: القرآن الكريم.
وقد قسمت المقاصد المراد توضيحها من هذا البحث إلى ثلاثة أنواع: مقاصد تعبدية ومعرفية ثم منهجية.
الكلمات المفتاحية: التأصيل القرآني، التجديد، العقيدة، علم الكلام، مقاصد تعبدية، مقاصد معرفية، مقاصد منهجية.

Abstract:
This study, the second one of a series of studies, seeks to introduce and clarify the project of the Quranic rooting of the Islamic doctrine. The main purpose of this project is to preserve our Islamic doctrine from any distortion. Besides, it aims to present a new perspective on theology through -inviting specialists and interested researchers- basically originating and rooting vocabulary and lessons linked to Islamic doctrine from the Quran, especially those related to the beliefs and wholeness of doctrine. It is believed that doctrine wholeness and rules guarantee the restoration of religion assets and its empowerment. On this basis, this research tackles the Quranic rooting and focuses on its objectives which will be an incentive to push interested people and specialists to dive deeper into this project. This research is divided into three perspectives: devotional, epistemological and methodological.
Keywords: Quranic rooting, renewal, doctrine, theology, devotional intentions, epistemological intentions, methodological intentions.

استهلال:

يندرج هذا البحث في سياق التعريف بالأسس النظرية التي بنيتُ عليها مشروعي العلمي الموسوم بـ: «التأصيل القرآني للعقيدة»، وكنت قد قدمته في دراسة سابقة على أنه: «محاولة هادئة ومتواضعة لعرض وجهة نظر جديدة في تجديد علم الكلام، تتوسل بعدة معرفية ومنهجية متكاملة، نعرضها على كل الغيورين على أصول الدين والذائذين عن حياضه، بهدف إقناعهم بجدوى الاشتغال المباشر على استخلاص الدروس العقدية واستنطاقها من النص المؤسس لها، وهو القرآن الكريم، كما أنها تروم تقاسم هموم هاته التجربة البكر معهم، بهدف تقويمها وتصويـب ما اعوج فيها من أفهام، ونقد ما اعتراها من أسقام، وتسديد ما تضمنته من سليم الأنظار والأفكار».
كما بينت في الدراسة نفسها، أن هذا المشروع العلمي مر بعدة أطوار بهدف استنبات الملامح المعرفية والمنهجية المؤطرة له، واقتراح سبل تنزيله وتطبيقه على النص القرآني المعجز، خاصة ما يتعلق بالتالي:
تحديد الدواعي والمسوغات الباعثة على «التأصيل القرآني للعقيدة» والجواب عن راهنيته وجدواه اليوم؛
توضيح المقاصد التعبدية والمعرفية والمنهجية من هذا المشروع العلي المبارك؛
التفكير عميقا في المنطلقات المعرفية المؤطرة لكل سعي في هذا السبيل اللاحب، الراغب بصدق في الالتصاق بعقيدة القرآن، والكشف عن منهج القرآن الكريم في إثباتها وتثبيتها؛
اقتراح عدة منهجية واضحة وعملية لخوض غمار تجربة «التأصيل القرآني للعقيدة»، وتقاسمها مع المهتمين من الطلبة والأساتيذ؛
تجريب هاته العدة المنهجية، واختبار مدى إجرائيتها وسبر فعاليتها عند تنزيلها على النص القرآني المعجز؛
وضع تصور واضح لسبل تنفيذ مشروع «التأصيل القرآني للعقيدة»، بدءا بالبحث عن شركاء فاعلين فيه، متبنين له، ومساهمين في تطويره، مرورا بالتماس مخارج وسبل متنوعة لتصريفه علميا وأكاديميا في الجامعات والمؤسسات ومرابع البحث العلمي المتخصص، وانتهاء بنشره والتعريف به على نطاق واسع.
وبالنظر لكثرة التفاصيل المتعلقة بمشروع «التأصيل القرآني للعقيدة» وتنوعها، فقد خصصت الدراسة الأولى لبيان الشق المتعلق بالنقطة الأولى المذكورة أعلاه فقط، وهي المتعلقة بتحديد الدواعي والمسوغات الباعثة على «التأصيل القرآني للعقيدة» والجواب عن راهنيته وجدواه اليوم؛ ووعدت القراء والباحثين المهتمين بالموضوع بنشر ما تبقى من الخلفيات المعرفية والتطبيقية لهذا المشروع لاحقا بحول الله وقوته.
تحقيقا لذلك، سأفرد هذا البحث لبيان النقطة الثانية المتعلقة بتوضيح المقاصد التعبدية والمعرفية والمنهجية التي يروم هذا المشروع العلمي تحقيقها بإذن الله تعالى؛ وذلك عبر ثلاثة مباحث أساسية:

تحميل العدد السادس من مجلة ذخائر

المبحث الأول: المقاصد التعبدية

المقصد الأول: الاستجابة للأمر القرآني باتخاذه مصدرا رئيسا للتعرف على الله ورسالاته

ففي كتاب الله إشارات واضحة تدل على كفايته وكونه الـمصدر الرئيس لمعرفة الله والإيمان به، قال تعالى: ﴿أولم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم إن في ذلك لرحمة وذكرى لقومٍ يؤمنون﴾ ()، وقال عز سلطانه: ﴿أولم ينظروا في ملكوت السماوات والأرض وما خلق الله من شيءٍ وأن عسى أن يكون قد اقترب أجلهم فبأي حديثٍ بعده يؤمنون﴾ ()، وقال عز وجل: ﴿أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوبٍ أقفالها﴾().
تتوارد الآيات الشريفة وتتعاضد على المعنى نفسه، بدلالة أسلوب الاستفهام الاستنكاري الدال على وجوب الإيمان بكفاية القرآن والاطمئنان إلى صحة ما فيه بعد تدبره وتأمله، خاصة وقد فصله منزله على علم، قال تعالى: ﴿ولقد جئناهم بكتابٍ فصلناه على علمٍ هدى ورحمة لقومٍ يؤمنون﴾ ()، إذ: «التفصيل: التبيين والتوضيح، مشتق من الفصل، وهو تفرق الشيء عن الشيء. ولما كانت الأشياء المختلطة إذا فصلت يتبين بعضها من بعض، أطلق التفصيل على التبيين بعلاقة اللزوم، وشاع ذلك حتى صار حقيقة، والمراد بالتفصيل الإيضاح، أي الإتيان بالآيات الواضحة الدلالة على المقصود منها، فنبينها تفصيلا مثل هذا التفصيل الذي لا فوقه تفصيل، وهو تفصيل يحصل به علم المراد منها بينا»()، لذلك قال ابن عجيبة رحمه الله في تدبره لهاته الآية: «أي بينا معانيه من العقائد والأحكام والمواعظ، مفصلة «على علم»، أي: عالـمين بوجه تفصيله حتى جاء في غاية الإتقان، «وهدى ورحمة لقوم يؤمنون» فإنهم الـمنتفعون بهدايته ورحمته دون غيرهم»().
ومن التفصيل الذي يحصل به العلم المراد من إنزال كتاب الله تعالى، ما يتعلق بالله وصفاته، والرسالة وحقيقتها، والغيب ومتعلقاته، وجماع ذلك في علم العقيدة، لذلك نقرر مع القاضي عياض رحمه الله أن من معجزات القرآن الكريم: «جمعه لعلوم ومعارف لم تعهد العرب عامة ولا محمد صلى الله عليه وسلم قبل نبوته خاصة بمعرفتها ولا القيام بها، ولا يحيط بها أحد من علماء الأمم ولا يشتمل عليها كتاب من كتبهم، فجمع فيه من بيان علم الشرائع والتنبيه على طرق الحجج العقليات والرد على فرق الأمم ببراهين قوية وأدلة بينة سهلة الألفاظ موجزة المقاصد، رام المتحذلقون بعد أن ينصبوا أدلة مثلها فلم يقدروا عليها، كقوله تعالى: ﴿أو ليس الذى خلق السموات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم بلى﴾، و﴿قل يحييها الذى أنشأها أول مرة﴾ و﴿لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا﴾، إلى ما حواه من علوم السير وأنباء الأمم والمواعظ والحكم وأخبار الدار الآخرة ومحاسن الآداب والشيم، قال الله جل اسمه ﴿ما فرطنا في الكتاب من شيء﴾، ﴿ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء﴾().
إذا تقرر هذا، وجب أن نتوجه إلى القرآن الكريم، فنعكف على استنباط الدروس العقدية منه، لأنه: «مفجر العلوم ومنبعها، ودائرة شمسها ومطلعها» ()، لكننا رأينا في تتبعنا لمسارات الدرس الكلامي عبر التاريخ تنكبا عن هذا السبيل، وابتعادا غير مسوغ عن هذا النبع.
في مشروعنا للتأصيل القرآني للعقيدة، نسعى بصدق لتحقيق أوبة حميدة إلى مفجر العلوم ومنبعها، ونلتصق بدائرة شمس العلوم ومطلعها، خاصة والإجماع منعقد على أنه: «لا يمكن أن يزاد في تقرير الدلائل على ما ورد في القرآن الكريم»()، كما قرر ذلك محمد بن الوزير اليماني وجم كثير من العلماء.

المقصد الثاني: البحث عن المعنى في حضارة غياب المعنى

لم يعد غريبا أن نسمع كثيرا من المفكرين والفلاسفة يصفون حضارة القرن العشرين والحادي عشرين بأنها «حضارة غياب المعنى»، كما لم يعد غريبا تفسير جري الناس اللاهث وراء المادة بكونه تحضرا وضرورة عصرية، فقد دخل الإنسان المعاصر طورا جديدا من التفكير، في ظل التحكم المتزايد لسلطان المال والشهوة في النفوس، وفي ظل الابتعاد عن التدين والتعويل المتزايد على منتجات الحضارة وآلتها التي لا ترحم، فتراكمت بذلك المشكلات أمام الإنسان وتنوعت ضروبها وتعددت مواردها وتجلياتها، فصار هم هذا الإنسان البحث المحموم عن ما به يحل مشكلاته: «في الفضاء الفكري الجديد، انهار الجزم الفلسفي والعلمي، وصار من غير المجدي اللهاث وراء اليقين على نحو ما كان يصنعه الماضون، فقد ساد عدم الجزم على التفكير البشري. وفي مثل هذا الفضاء الفكري، لم يعد أسلوب الإثبات ذا بالٍ، ولا مفيدا، فالإنسان لا يريد إثبات شيء، وإنما يريد حل مشكلة»().
يريد الإنسان أن يخفف عن نفسه غائلة الضغوط النفسية والمادية التي أفرزتها حضارة لا تعترف بـ «المعنى»، لذلك كان من الطبيعي أن نحكم بأن علم الكلام: «لا يستطيع وسط هذه الظروف، الاحتفاظ ببنيته وخصائصه السابقة، كما لا يمكنه ملاحقة الأهداف القديمة، ففي الفضاء الجديد، ما يبدو مهما بالنسبة للإنسان بخصوص الدين والتدين، هي أسئلة معينة تتمحور حول السؤال الرئيس القائل: ماذا يفعل لي الدين أنا المفتقر الى صورة «هوية»؟» ().
هاته الهوية المفقودة، هي التي نجدها في الدين، الذي يضفي على حياة الإنسان طابعا خاصا، ويعطيها المعنى الحقيقي الذي لن يتحقق إلا بعبادة الله تعالى، لذلك على متكلمي اليوم أن يجترحوا خطابا يعرف بالله والنبوة والوحي والمعاد: «بأسلوب مختلف يشد إليه الناس، بحيث يكتسب في خضمه الإنسان والعالم معناهما، وليس هذا وحسب، وإنما تتيسر للإنسان به حياة جديدة»().
إن عودة المعنى لإنسان القرن الحادي والعشرين، بمن في جنس الإنسان من العرب والمسلمين، يحتاج إلى مدخل رئيس ومحوري، نرى أن عملية التأصيل القرآني للعقيدة كفيلة بتحقيقه وبيانه، وهذا المدخل هو العمل على إبراز حاجة الإنسان، جنس الإنسان، للتدين والإيمان.
تأسيسا على ذلك، وبعد اقتناع الإنسان بقيمة الدين والتدين، فإنه سيفضي به إلى التماس طرق تحصيل الإيمان باعتباره الترجمة الحقيقية لهذا التدين، ولأن الإيمان هو البوصلة التي يهتدي بها في مسيرته وهو ينشد الصلاح، فـ: «أحكام القرآن الاعتقادية والعملية تهدف إلى تحقيق مصلحة الإنسان بأبعاده الثلاثة: الفردية والجماعية والعمرانية، وذلك من خلال ضبط نظام الأمة واستدامة صلاحه بصلاح الإنسان في دوائر وجوده الثلاث السالفة الذكر». ()
في خاتمة هذا المبحث، وجب التنويه إلى مسألة غاية في الأهمية، وهي شديدة الصلة بما نحن بصدده من حومانٍ حول مقاصد التأصيل القرآني للعقيدة، وهي تلك المرتبطة بإعادة الاعتبار لعامل الغيب ومركزيته في النظر والتحليل والاستدلال على كثير من مسائل العقيدة وقضاياها، مع الإيمان بحدود العقل()والاعتراف بعجزه عن ارتياد آفاق لا قبل له بها، فالعقل: «شرط في معرفة العلوم وكمال الأعمال وصلاحها، وبه يكمل العلم والعمل، لكنه ليس مستقلا بذلك، لكنه غريزة في النفس وقوة فيها، بمنزلة قوة البصر التي في العين فإن اتصل به نور الإيمان والقرآن كان كنور العين إذا اتصل به نور الشمس»().
إن الهدف من هذا المسعى، هو وصف الحدود الطبيعية للعقل، ورسم دوائر اشتغاله الحقيقية، ضدا على التوجهات الحداثية، التي صارت تبيح لنفسها التشكيك في العقائد، بحجة عدم موافقتها لبدهيات العقل ومنطقه، في جرأة تجاوزت كل الخطوط الحمر، وحادت بالدرس الكلامي المعاصر عن قصوده وأبعاده ()، فانسحب عن المهمة الأساس التي يجب أن يتصدى لها، وهي العمل على صلاح الإنسان وسعادته في الدنيا والآخرة: «فليت شعري كيف يفزع إلى العقل من حيث يعتريه العي والحصر؟ أو لا يعلم أن العقل قاصر وأن مجاله ضيق منحصر؟ هيهات قد خاب على القطع والبتات وتعثر بأذيال الضلالات من لم يجمع بتأليف الشرع والعقل هذا الشتات»().

المقصد الثالث: إصلاح الاعتقاد

من أهم المقاصد الأصلية التي عني القرآن الكريم ببيانها، ما يتحقق به «إصلاح اعتقاد» المكلف، وقد جعل الطاهر بن عاشور هذا المقصد فاتحة المقاصد التي بلغ إليها استقراؤه للنص القرآني، وفي بيان مراده من هذا المقصد يقول رحمه الله: «الأول: إصلاح الاعتقاد وتعليم العقد الصحيح، وهذا أعظم سبب لإصلاح الخلق، لأنه يزيل عن النفس عادة الإذعان لغير ما قام عليه الدليل، ويطهر القلب من الأوهام الناشئة عن الإشراك والدهرية وما بينهما، وقد أشار إلى هذا المعنى قوله تعالى: فما أغنت عنهم آلهتهم التي يدعون من دون الله من شيء لما جاء أمر ربك وما زادوهم غير تتبيب()، فأسند لآلهتهم زيادة تتبيبهم، وليس هو من فعل الآلهة ولكنه من آثار الاعتقاد بالآلهة»().
لذلك فإن التأصيل القرآني للعقيدة، يتوجه للاشتغال الهادف إلى بيان ما يصلح به اعتقاد الإنسان، ويجعله متصالحا مع نفسه والمحيط الذي يعيش فيه، والقرآن الكريم ملآن من كل ذلك وقاض بتحققه، متى سلم الاعتقاد وصلح.

المبحث الثاني: المقاصد المعرفية

المقصد الأول: الرجوع بالعقيدة إلى أصلها القرآني وإبعاد النص القرآني عن التوظيف المذهبي.

فقد ثبت أن العلوم الإسلامية نشأت: «في ظلال القرآن، وإنما تصاعدت حول عموده الشاهق، فهو موطن الاستنباط، وهو مظنة القاعدة، وهو في الوقت ذاته هدف تلك النهضة العلمية كلها: تشرحه، وتكتشفه، وتستكنهه، وتؤكد إعجازه، وليس هناك مقدمة لكتاب من كتب القدماء، في اللغة أو البلاغة، فضلا عن علوم القرآن أو الثقافة الشرعية عموما، إلا وهي تشير إلى أمر كهذا بكل الصراحة والوضوح»()، لكن هل حافظت العلوم الإسلامية- ومن ضمنها علم الكلام- على ارتباطها بالنص الذي تأسست خدمة له ونصرة لقضاياه؟
لقد حافظت العلوم الإسلامية في بداية تأسيسها على صلتها الوثيقة بالقرآن الكريم، لدرجة يمكن معها القول أن هاته: «العلوم في فترة تأسيسها كانت عبارة عن حوار مع الكتاب والسنة للاتصال الوثيق والمبدئي معهما، وهذا الحوار كان يعطي بالفعل القابلية لاكتشاف مجموعة من الآفاق، استنادا إلى استثمار المعطيات الموجودة فيهما، واستنادا إلى المقاربة الآياتية للوحي وللكون، مما جعل هذا الحوار في الفترة الأولى يولد مجموعة من المعارف المتعلقة بالإنسان والعمران والطبيعة والكون المحيط، ولكن حين فك الارتباط مع النص بقيت العلوم الإسلامية منحصرة فيما أنجز خلال الفترة المزدهرة»().
بل إن الأمر لم ينحصر فقط في فك الارتباط بين العلوم الإسلامية-ومنها علم الكلام- والقرآن الكريم، بل إن «هذه العلوم قد توزعتها نزاعات مذهبية خلال بعض الفترات، نزاعات قد أدت إلى سجالات لم تكن دائما إيجابية، حيث تحول النص المؤسس إلى حلبة لاقتناص الشواهد والمبررات السجالية والحجاجية التي يستقوي بها طرف على آخر، أو تعزز بها أطروحة على أخرى، ولو على حساب وحدة النص البنائية والسياقية، أو على حساب وظيفة العلم البيانية»().
ومهمة التأصيل القرآني للعقيدة، إعادة تشييد المادة الكلامية على المعتقدات الصحيحة التي أسسها القرآن الكريم، وتجاوز كل التوظيفات المذهبية، التي جعلت النص القرآني خادما لاختياراتها، ووثيقة للاحتجاج على الخصم وتفنيد حججه وإبطالها.

المقصد الثاني: تقليص الخلاف والتقريب بين المذاهب

رأينا في المباحث السابقة مع ابن حزم أنه لا خلاف بين أحد من «الفرق المنتمية إلى المسلمين من أهل السنة والمعتزلة والخوارج والمرجئة والزيدية في وجوب الأخذ بما في القرآن»()، ورأينا مع محمد جواد مغنية، أنه: «ليس عند الشيعة كتاب يؤمنون بأن كل ما فيه حق وصواب من أوله إلى آخره غير القرآن الكريم»()، لذلك فإن وجوب الأخذ من القرآن الكريم المتأسس على الإيمان بأن كل ما فيه حق، يستلزم التحاكم إلى ما فيه من حق يتعلق بالعقائد.
وقد بينت التجربة العملية التي خضناها في السنوات الأولى لهذا المشروع المبارك، أن استخلاص الدروس العقدية مباشرة من القرآن الكريم، يسهم في تقليص مساحات الاختلاف بين الفرق الإسلامية، ذلك أن الخطاب القرآني جاء عاما لكل الناس، ومن شأن اعتماده مرجعا أساسيا في العقائد أن يوحد أنظار المشتغلين بالدرس الكلامي، ويبعدهم عن الارتهان لأقوال المتكلمين التي أدت إلى تشظية المسلمين وتشتيت جهودهم.
ومن أهم ما يقلص الخلاف بين المسلمين، إذا ما اعتمدوا على كتاب الله تعالى في تقرير عقائدهم وتثبيتها، ما نلفيه من محكمات وكليات عقدية، من شأن التحاكم إليها والاعتماد عليها، أن يوحد أفهام الفرق ويقرب بين توجهاتها، لتبقى مساحة الاختلاف محصورة في الفروع التي لا تخرم تلك الكليات، ولا تنقض هاتيك المحكمات.

المقصد الثالث: محاربة التقليد

درج أغلب المتكلمين في مقدمات كتبهم على اعتبار النظر من أولى ما يجب على المكلف الاشتغال به، وذهب بعضهم إلى أن الإيمان لا يتحقق إلا به، لذلك ذهبوا طرائق قددا في تحديد مواقفهم من إيمان المقلد، وهل يجزيه التقليد في الإيمان أم لا، وقال بعضهم بوجوب تعلم النظر بأدواته وأقيسته وشروطه، باعتباره المدخل المضمون لمعرفة الله وتوحيده.
في تأملنا في رياض القرآن الكريم، نقف على بسطٍ منوع لأدلة التوحيد، يفهمها بالفطرة كل من تأملها، ويعرفها بالبديهة كل من نظر فيها، لارتباطها بما ركزه الله تعالى من جبلة في الإنسان، أساسها التعلق بالخالق والتسليم له وتنزيهه عن كل ما يشينه، لذلك نقل ابن الوزير اليماني: «إجماع علماء الإسلام من جميع الطوائف على أن القرآن يفيد ما ادعيت من معرفة أدلة التوحيد من غير ظن ولا تقليد. وكما أن المتكلم ينظر في كتب شيوخه ليتعلم منها الأدلة من غير تقليد غيره، فكذلك من نظر في القرآن يتعلم منه الأدلة من غير تقليد»().
من هنا، فقيمة التأصيل القرآني للعقيدة، تتجلى في بيانه لأدلة التوحيد، وتبسيطها والعمل على ترتيبها وتعليمها لعامة الناس، دون الوقوع في الاستدلالات العقلية والأقيسة المنطقية التي لا يفهمها إلا المتخصصون، والتي نرى أن التعويل عليها عند متكلمي الأمس، كان من أهم الأسباب التي أسهمت في تحييد الدرس الكلامي عن التوجيه العقدي للناس، وتأطير حياتهم على وفق توجيهات القرآن الكريم وهديه.
لا يجب أن يفهم من هذا الكلام أي تحجير على العقل، ولا يجب أن يظن بأنه إلغاء لقيمة النظر والدليل في تقرير العقائد وتثبيتها، بل هو سعي لتأطير هذا النظر وترشيده، حتى لا يخرج عن جادة القرآن الكريم، فالرشاد كله في الشرع المتماهي مع بدهيات العقل، والهدي كله في العقل المستنير بهدي القرآن والمستهدي بما فيه من حقائق ومسلمات، فـ«أنى يستتب الرشاد لمن يقنع بتقليد الأثر والخبر، وينكر مناهج البحث والنظر، أو لا يعلم أنه لا مستند للشرع إلا قول سيد البشر صلى الله عليه وسلم، وبرهان العقل هو الذي عرف به صدقه فيما أخبر، وكيف يهتدي للصواب من اقتفى محض العقل واقتصر، وما استضاء بنور الشرع ولا استبصر؟
فمثال العقل البصر السليم عن الآفات والآذاء، ومثال القرآن الشمس المنتشرة الضياء، فأخلق بأن يكون طالب الاهتداء، المستغني إذا استغني بأحدهما عن الآخر في غمار الأغبياء، فالـمعرض عن العقل مكتفيا بنور القرآن، مثاله المتعرض لنور الشمس مغمضا للأجفان، فلا فرق بينه وبين العميان. فالعقل مع الشرع نور على نور، والملاحظ بالعين العور لأحدهما على الخصوص متدل بحبل غرور»().

المقصد الرابع: التوجيه السلوكي للعقيدة

والعنوان الناظم لفروع الاشتغال في هذا المقصد هو قوله تعالى: ﴿إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون أولئك أصحاب الجنة خالدين فيها جزاء بما كانوا يعملون﴾ ()، وقوله عز وجل: ﴿إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدعون نزلا من غفورٍ رحيم﴾().
قال ابن عباس في تفسير قوله عز وجل: ﴿إن الذين قالوا ربنا الله﴾: ﴿وحدوا الله تعالى﴾، واستدل الماوردي على تفسير قوله عز وجل: ﴿ثم استقاموا﴾، بخمسة أوجه:
« أحدها: ثم استقاموا على أن الله ربهم وحده، وهو قول أبي بكر رضي الله عنه ومجاهد، الثاني: استقاموا على طاعته وأداء فرائضه، قاله ابن عباس والحسن وقتادة، والثالث: على إخلاص الدين والعلم إلى الموت، والرابع: ثم استقاموا في أفعالهم كما استقاموا في أقواله، والخامس: ثم استقاموا سرا كما استقاموا جهرا، ويحتمل سادسا: أن الاستقامة أن يجمع بين فعل الطاعات واجتناب المعاصي لأن التكليف يشتمل على أمر بطاعة تبعث على الرغبة، ونهي عن معصية يدعو إلى الرهبة»().
يظهر جليا أن الخطاب العقدي في القرآن الكريم، يتوجه رأسا لما ينتج عنه من أثر عملي في سلوك المكلف وسعيه بين تبتل الليل وكدح النهار، لذلك نعتقد أن من الإضافات المهمة لعملية التأصيل القرآني للعقيدة، بيان هذا التأطير العقدي لسلوك الإنسان وتأطيره بأطر تعصمه من الارتكاس في ما يشينه أو يبعده عن المنهج القرآني القويم، وهو منهج يختصره على نحو عميق مفهوم «الاستقامة»، لذلك قال الرازي في تفسيره: «نقول في الاستقامة قولان أحدهما: أن المراد منه الاستقامة في الدين والتوحيد والمعرفة، الثاني: أن المراد منه الاستقامة في الأعمال الصالحة»()، ومعلوم أن الاستقامة إذا تحققت على هذا الوزان، أثمرت الفلاح وأثلت السعادة في حياة الأفراد والمجتمعات.

المقصد الخامس: ربط العقيدة بالواقع

نزل القرآن الكريم ليؤطر حياة الناس ويوجهها، وليهديهم إلى طريق الصواب في الأمر كله، والدرس العقدي الذي تسعى عملية التأصيل القرآني لبيانه لا تخرج عن هاته القاعدة، لأن العقيدة القرآنية تصاحب الإنسان في مسيرته، وتجيبه عن تساؤلاته الوجودية، وتتوجه لحفزه على الفعل الإيجابي البناء، وتربط بشكل لصيق بين الاعتقاد والعمل، لذلك فأثرها الواقعي متجل لكل من تبناها في واقع الأفراد والمجتمعات، ويكفي استنطاق مشاهد من سيرة الصحابة الكرام في لحظات التأسيس الأولى لدولة الإسلام، أو في مسيرتهم الجهادية لنشر الإسلام، أو في حياتهم الخاصة، للدلالة على البعد الواقعي المتجذر في العقيدة الإسلامية، التي ما جاءت إلا للفعل في هذا الواقع وترشيده.
ومهمة التأصيل القرآني في هذا الصدد، تتلخص في الرجوع بالدرس العقدي إلى هذا المستوى الذي تتنزل فيه العقيدة على الواقع فتوجهه، وتتصدى للانحراف فيه فتعالجه، حتى لا نعيد الخطأ الذي وقع فيه متكلمة الأمس، ذلك أن: «علم العقيدة الذي كان سائدا في القرون السابقة كان مبنيا على المنهج الصوري، فكانت الاستدلالات والشروح فيه تنزع منزعا تجريديا نظريا، وهذا المنهج الصوري لم يعد اليوم يقنع الناس، لأن العقلية التي أصبحت سائدة اليوم هي العقلية العلمية العملية، فينبغي إذا أن يكون من بين عناصر المنهج في علم العقيدة اليوم عنصر المنطق العلمي والعملي الذي يسعى إلى استثمار حقائق العلم لاستخدامها في الاستدلال، وإلى إبراز الفوائد العملية للعقيدة الإسلامية التي من شأنها أن تحل المشاكل الحياتية للأفراد ومجتمعات اليوم التي يعاني منها الإنسان المعاصر، وحينئذ فإن هذا الإنسان الذي خضع عقله لسلطان العلوم من جهة، وأرقت حياته مشاكل الواقع اليومي المزحوم بمطالب المادة، الفقير من مطالب الروح من جهة أخرى، سيجد في الخطاب العقدي ما يجلب اهتمامه ويحقق اقتناعه بالعقيدة الإسلامية»().

المقصد السادس: التأكيد على كونية العقيدة وصلاحها لكل الناس

فبالمادة العقدية المستخلصة من القرآن الكريم، نستطيع أن نخاطب الناس لا بناء على اختيار عقدي معين، ولا وفقا لاختيار عالم معين، ولا انتصارا لجهة معينة على أخرى، بل نخاطبهم بما في آخر كتاب منزل للناس جميعا، بعيدا عن الاصطفافات المذهبية التي شوهت أمر التدين وجعلته مزعا وأشتاتا.
تأسيسا على ذلك، نرى أن المنهج الذي سلكه القرآن الكريم في عرض القضايا العقدية والتأسيس لها، سواء في سياقات النفي أو الإثبات، تصلح للمسلم وغير المسلم، اعتبارا لكون القرآن الكريم الكتاب الخاتم للرسالات والموجه للناس، كل الناس، قال تعالى: ﴿قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا الذي له ملك السماوات والأرض لا إله إلا هو يحيي ويميت فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي الذي يؤمن بالله وكلماته واتبعوه لعلكم تهتدون﴾()، وتمكينا لهذا التنزيل بالقيام بوظيفتي البشارة والنذارة المنصوص عليها في البيان القرآني لوظائف النبوة في قوله تعالى: ﴿وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا ولكن أكثر الناس لا يعلمون﴾ ().
إن مهمة التأصيل القرآني بناء على ذلك، مهمة صعبة ومعقدة للغاية، لأنها تتغيى تقديم خطاب عقدي قرآني شامل، لذلك فالتحدي أمام المشتغل بهاته المهمة مركب ومعقد: «ويعود التعقيد في مهمة عالم الكلام الى أنه يعتبر الوحي خطابا عاما يستوعب جميع البشر بكل تنوعاتهم الجغرافية والتاريخية، ويجد نفسه مكلفا بالحفاظ على التخاطب وتقديم الوحي لكافة الناس بشكل يجعلهم يفهمون تعاليم الوحي ويتقبلونها، ولا يعثرون على منافس لها أو معارض، وبهذا فالمتكلم يرسم نظامه الكلامي بما يتناسب وأذهان ولغات مخاطبيه، وبتحول أذهان المخاطبين يتحول النظام الكلامي»()، لكن بوصلة هذا النظام يجب أن تبقى دائما وثيقة الصلة بالقرآن، تدور معه حيث دار، لا تلتفت عنه ولا تبغي عنه بديلا.

المبحث الثالث: المقاصد المنهجية

تحبل عملية التأصيل القرآني للعقيدة بمقاصد منهجية كثيرة، من شأن استحضارها أثناء الممارسة والتنزيل، أن يسهم بشكل كبير في تطوير المنظومة الكلامية بما يتوافق واشتغالها على أصول الدين وأساسه، ويمكن بيان ذلك بمقصدين اثنين نشدانا للاختصار كالآتي:

المقصد الأول: الدلالة على كليات العقيدة ومحكماتها

قال تعالى: ﴿ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيءٍ وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين﴾)، قال الزمخشري في تفسيرها: «فإن قلت: كيف كان القرآن تبيانا « لكل شيء»؟ قلت: المعنى أنه بين كل شيء من أمور الدين، حيث كان نصا على بعضها وإحالة على السنة، حيث أمر فيه باتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم وطاعته»().
لا يفهم من البيان الكلي المنصوص عليه في الآية الكريمة، اشتمال النص القرآني على تفاصيل كل شيء وتفريعاته، لاستحالة ذلك ومناقضته لخاصية صلاحه لكل زمان ومكان، ولأنه منفتح على إمكانات لامحدودة من الاستنباط، قال السمرقندي: ﴿تبيانا لكل شيء﴾، من الأمر والنهي، إلا أن بعضه مفسر وبعضه مجمل، يحتاج إلى الاستخراج والاستنباط، وقال مجاهد: ما يسأل الناس عن شيء إلا في كتاب الله تبيانه، ثم قرأ: ﴿تبيانا لكل شيء﴾ ()، ولعل هذا ما عناه علي بن أبي طالب بقوله:»كل شيء علمه في الكتاب إلا أن آراء الرجال تعجز عنه»()
فتحصل من ذلك أن بيان القرآن الكريم لكل ما يرتبط بأصول الدين، داخل في نطاق كلياتٍ تنتظم تحتها كل فروع العقائد، ودال على شموله لكليات الحقائق والمحكمات العقدية، التي بدون بيانها لا يسلم للعباد انقياد ولا طاعة، فهو الكتاب: «الجامع لمصالح الدنيا والدين، وموثق شديد العرى من الحق المتين، والحاوي لكليات العلوم ومعاقد استنباطها، والآخذ قوس البلاغة من محل نياطها ; طمعا في بيان نكت من العلم وكليات من التشريع، وتفاصيل من مكارم الأخلاق»().
ومن الكليات العقدية التي يمكن التمثيل بها في هذا الباب، قوله تعالى: ﴿لا إكراه في الدين﴾ ()، ففيها تقرير لقاعدة عقدية كلية هي عدم جواز الإكراه على الدين: «فالدين والإكراه لا يمكن اجتماعها، فمتى ثبت الإكراه بطل الدين، فالإكراه لا ينتج دينا، وإن كان قد ينتج نفاقا وكذبا وخداعا، وهي كلها صفات باطلة وممقوتة في الشرع، ولا يترتب عليها إلا الخزي في الدنيا والآخرة»().
في ضوء ذلك، أمكننا توسيع دائرة النظر وتعميق الرؤية في كل الأحكام الفقهية المناقضة لمقتضى (لا إكراه في الدين)، وكذلك كثيرا من الأحكام المتعلقة بالموقف من المرتد، خاصة وأن كون هاته الآية من الكليات الشرعية، يقتضي عدم قبولها للنسخ ولا للتخصيص كما تقرر في التفسير والفقه وأصوله.
وبهذا، صار بإمكاننا تجاوز كثير من النقاشات الكلامية التي خاض فيها المتكلمون والفقهاء، في تحديد العلاقة بين الدين والحرية والإكراه، وتحديد الموقف من المرتد والكافر، وهو ما سيتيح فرصا كبرى لبيان سماحة الإسلام ورحمته واستيعابه للمخالف، في وقت يجتهد فيه البعض في تقديم قراءات التقاطية للتراث، لا تظهر منه إلا الوجه الرافع للواء القتل والتكفير، الممجد لفقه التفسيق والتبديع، والمتترس بلغة تقطر منها الدماء، في نقض فاضح لمحكمات القرآن وكلياته، لا ينبغي السكوت عليه.
والغريب في الأمر، أن علما كالطاهر بن عاشور رحمه الله، لم يسلم من غائلة الوقوع في ما يناقض المدلولات الكلية لـ ﴿لا إكراه في الدين﴾، فقد بين رحمه الله أن: «نفي الإكراه خبر في معنى النهي، والمراد نفي أسباب الإكراه في حكم الإسلام، أي لا تكرهوا أحدا على اتباع الإسلام قسرا، وجيء بنفي الجنس لقصد العموم نصا»()، ليقرر بناء على ذلك أن الآية الكريمة: «دليل واضح على إبطال الإكراه على الدين بسائر أنواعه، لأن أمر الإيمان يجري على الاستدلال، والتمكين من النظر وبالاختيار»()، لكنه في معرض تفسيره لقوله تعالى: ﴿ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون﴾ ()، يقرر أن الآية: «بها دليل على وجوب قتل المرتد»()، لينتقل بعد ذلك إلى بيان الحكمة من هذا القتل: «وحكمة تشريع قتل المرتد- مع أن الكافر بالأصالة لا يقتل- أن الارتداد خروج فرد أو جماعة من الجامعة الإسلامية فهو بخروجه من الإسلام بعد الدخول فيه ينادي على أنه لـما خالط هذا الدين وجده غير صالح ووجد ما كان عليه قبل ذلك أصلح فهذا تعريض بالدين واستخفاف به، وفيه أيضا تمهيد طريق لمن يريد أن ينسل من هذا الدين، وذلك يفضي إلى انحلال الجامعة، فلو لم يجعل لذلك زاجرا ما انزجر الناس، ولا نجد شيئا زاجرا مثل توقع الموت، فلذلك جعل الموت هو العقوبة للمرتد حتى لا يدخل أحد في الدين إلا على بصيرة، وحتى لا يخرج منه أحد بعد الدخول فيه».()
لا ندري كيف أغفل العلامة ابن عاشور ما قرره سابقا من أن «لا إكراه في الدين» دليل واضح على إبطال الإكراه على الدين بسائر أنواعه، أليست عقوبة المرتد مشمولة بالإكراه ونوع من أنواعه؟ ثم إن الآية الكريمة تحدثت عن موت المرتد ولم تتحدث عن قتله، وبينت أن موته على حالة الارتداد مظنته خلوده في النار، لكننا لا نظفر في الآية بما يدل على أن موته كان بسب تنفيذ عقوبة القتل الناشئة عن الارتداد أم لا.
إضافة إلى ذلك، فالغرابة تشتد لما نقرأ التسويغ العجيب الذي ساقه ابن عاشور رحمه الله لقتل المرتد: «فهو أي المرتد بخروجه من الإسلام بعد الدخول فيه ينادي على أنه لـما خالط هذا الدين وجده غير صالح ووجد ما كان عليه قبل ذلك أصلح، فهذا تعريض بالدين واستخفاف به»، فهل يعقل هذا الكلام الذي يصور الإسلام على أنه غير قادر على المحافظة على المنتسبين له، بما يقدمه من براهين وأدلة وحجج، وبالتالي فالخيار الوحيد عند خروجهم منه، هو الحكم بقتلهم وإهدار دمهم، أليس في هذا تشريعا للنفاق ودفعا لكل من خشي الموت ولم يرتض الإسلام دينا، أن ينخرط في سلك المنافقين، مع ما في ذلك من رمي للدين بالجبر والإكراه السالب للحرية، وهذا في تقديري، هو التعريض بالدين والاستخفاف به، أما خروج المرتد عن الإسلام فتهمة له لا للدين، إذ الإسلام في كامل الغنية عن أن يشهد له أحد بالصلاح.
ثم إن ابن عبد البر رحمه الله، نقل اتفاق الصحابة على وجوب استتابة المرتد، قال في الاستذكار: «ولا أعلم بين الصحابة خلافا في استتابة المرتد، فكأنهم فهموا من قول النبي صلى الله عليه وسلم «من بدل دينه فاقتلوه» ()، أي بعد أن يستتاب()، والله أعلم». ()
ويبدو أن ابن عاشور رحمه الله، أدرك وقوعه في تناقض بين ما قاله في تفسير «لا إكراه في الدين» وتفسيره لآية الردة، فاستدرك مبينا، ويا ليته لم يستدرك: «وليس هذا من الإكراه في الدين المنفي بقوله تعالى: ﴿لا إكراه في الدين﴾، على القول بأنها غير منسوخة، لأن الإكراه في الدين هو إكراه الناس على الخروج من أديانهم والدخول في الإسلام، وأما هذا فهو من الإكراه على البقاء في الإسلام»()، لا ندري ما المعيار المعتمد في مراوحة ماهية «الإكراه في الدين» بين كونها مرفوضة عند إخراج الناس من دينهم وإدخالهم في الإسلام، وكونها مقبولة لجبرهم على البقاء فيه؟ مع العلم أن تعلة الإكراه واحدة في الحالتين معا، كما أن السبب في رفض الإسلام للإكراه قائم في الحالتين معا، والسبب هو إلزام الناس بما لم يقتنعوا به، وهو أمر لا يقره البيان القرآني الواضح: ﴿ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين﴾»().
لذلك نقرر مع فضيلة الدكتور أحمد الريسوني أن: «قضية «لا إكراه في الدين» هي قضية كلية محكمة، عامة تامة، سارية على أول الزمان وآخره، سارية على المشرك والكتابي، سارية على الرجال والنساء، سارية قبل الدخول الإسلام، وبعده، أي سارية في الابتداء وفي الإبقاء، فالدين لا يكون بالإكراه ابتداء، كما لا يكون بالإكراه إبقاء»()، كما أن مناط العقاب في حديث ابن مسعود رضي الله عنه() ليس هو الردة: «إنما مناطه أقوال وأفعال يظهرها المرتد بقصد مفارقة جماعة المسلمين، والعمل على هدم مقومات حياتهم؛ فهي أشبه ما تكون بجريمة الخيانة العظمى في التشريعات الوضعية، أما مجرد أن يعتقد الإنسان بما يكفره شرعا دون قول أو فعل منه يهدم مقومات المجتمع المسلم فليس مناط التجريم()، فيما يبدو لي؛ لأن الاعتقاد أمر باطني لا يعلمه إلا الله تعالى، وهو مناط الحساب في الآخرة»().
وقد نحى المجلس الأوربي للإفتاء والبحوث المنحى نفسه، في إحدى قراراته حول قضية الردة، وفيه يقول: «ذهب جماعة من السلف والأئمة إلي أنه ليس كل مرتد يقتل، وإنما يقتل من كان مجاهرا بردته أو داعيا إلى فتنة أو معلنا بأذى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين، وقتله من أجل حماية الدين والمجتمع من فساده، وليس ذلك من مصادرة الحريات، بل لـمـا في فعله من التعدي على حق غيره()، ومصلحة الدولة والمجتمع مقدمتان على المصلحة الفردية الذاتية، وهذه القضية في الحقيقة شبيهة بما يصطلح عليه في القوانين المعاصرة بـ «الخيانة العظمى»، بسبب ما يترتب على ذلك من الضرر العام»().
وبعد، كان هذا مثالا واحدا من الكليات العقدية في القرآن الكريم، وبيانه لا يكتمل إلا بتوضيح آثاره وفوائده على الأمن العقدي للأمة الإسلامية والعالم ()، وهو ما لا تسعه صفحات هاته الدراسة التي تستهدف التعريف بمشروع التأصيل القرآني لا الخوض في تفاصيله وتطبيقاته ().

المقصد الثاني: تبسيط المصطلح الكلامي وتجديده

نقصد بالبساطة السهولة، وبالتجديد العودة بالمفاهيم الكلامية إلى السياق القرآني، المشبع بحمولة دلالية تستمد قوتها التعبيرية من معين الوحي وتنهل من حياضه.
إن أول خطوة في التجديد المصطلحي الذي نرومه في هاته الدراسة، يبدأ بالحيدة التدريجية عن اللغة المقعرة للمتكلمين، والعمل بموازاة لذلك على اجتراح لغة عقدية تمتح من القرآن، وتحدث الزيال تدريجيا مع اللغة المتخشبة لمتكلمي الأمس، لكونها متخمة بمفاهيم منطقية وفلسفية ضاربة في الإلغاز والغرابة، كما تحدث القطيعة مع لغة متكلمي اليوم، من المنبهرين برطانة ما صار يعرف بـ «العرنسية»،حتى يصير هذا العلم مشاعا وعاما غير محصور في دوائر خاصة ومغلقة من المتخصصين، وبالكف عن استيراد اللغة واستنساخها يبدأ التغيير والتحرر، ذلك أنه: «لا يمكن للأمة الإسلامية أن تتحرر في فكرها إلا إذا أقلعت عن عادتها في نقل المفاهيم الفكرية عن غيرها()، لا لأن هذا النقل مذموم في حد ذاته، وإنما لأن طول أمده ورثها الكسل الذي لا يكون معه فكر، ناهيك عن الإبداع»().
لا نحتاج للتأكيد من جهتنا على حقيقة ثابتة، تتعلق بالشأن الذي بلغته اللغة العربية بعد نزول القرآن الكريم، فقد بلغت «أوج مجدها، وارتفعت لأعلى الذرى في عهد الإسلام الأول، لأنها أصبحت جزء من الدين»()، إذ هي حاملة مضمون الدين الجديد، والناقلة بحمولاتها الدلالية لمضامينه وتعاليمه، فحازت بذلك الشرف كله، لأنها الوعاء الذي يتنزل فيه الوحي المقدس: «وهي خاصية لا تتوفر لأي لسان في الأرض، للتعبير عن مراد الله سبحانه في كتابه إلى الناس، وكما أراد لكلامه أن يكون مبينا، فالبيان هنا مستخدم بالمعنى الأخص الذي يعبر عن القمة التي بلغتها اللغة في أداء مراد الله سبحانه، وهي قمة لم تبلغها أية لغة، في أي كلام أو فن من الفنون الإنسانية: نثرا وشعرا» ().
وعليه، لا نتصور وجود لغة يمكن أن تنوب عن لغة القرآن في الكشف عن المراد العقدي لمنطوق الآيات الكريمة ومرموزها: «فقد فتح القرآن الكريم وأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم للغة العربية أبوابا كثيرة من فنون القول، فعولجت بها أمور لم تكن العربية لتعنى بعلاجها من قبل، وذلك كمسائل القوانين والتشريع، والقصص والتاريخ، والعقائد الدينية، والجدل فيما وراء الطبيعة والإصلاح الاجتماعي، والنظم السياسية، وشؤون الأسرة، وأصول القضاء والمعاملات… وهلم جرا»().
أمام هذا التوسع والشمول الذي صارت تبلغه مدارك اللغة، صار ممكنا القول أن العربية هي اللسان الناطق باسم المشروع الحضاري في الإسلام، وهو مشروع مرتبط في كلياته بالقرآن الكريم، وبناء عليه: «فلا بد أن تكون اللغة هي «أداة» ذلك المشروع الشرعية، كما كانت قبل ذلك هي أداة الكتاب الأصلية»().
لذلك، من الطبيعي أن نقول بأن هاته اللغة لن تكون أداة معبرة عن المشروع الإسلامي الناهض، إلا إذا عبرت عن أهم خصيصة فيه، وهي العقيدة، فشيدت معانيها على وزان الوضوح والبساطة وتجلية المعنى وتبيينه: «لقد فهم العرب أن إعجاز القرآن إنما يتمثل كليا في اللغة، فبادروا إلى استنزافها تفسيرا وتمحيصا وتفلسفا، طبع علومهم كلها بهذا الطابع، فاللغة ليست مجرد وسيلة، إنما منتجة للمعنى، وفعلا كانت اللغة، في التراث العلمي للإسلام، هي مفتاح الدخول إلى المعنى، أو هي المعنى بعينه، وهكذا كانت علوم الحديث والتفسير وأصول الدين وأصول الفقه والبلاغة والنقد والمنطق والفلسفة وعلم الكلام، لا تستغني مطلقا عن التفسير باللغة» ().
إن الأمر في نظرنا يتجاوز عدم قدرة علم الكلام عن الاستغناء عن اللغة القرآنية إلى تماهيه معها، تماما كما يتماهى الشيء مع المحل الذي يتشكل فيه، فالفلسفة مثلا باعتبارها: «أعلى أشكال العقل وأكثرها تجريدا في التعبير عن نفسه، لا يمكن فهمها واستيعاب مفاهيمها بمعزل عن بنية اللغة المكتوبة بها»()، ذلك أن اللغة: «هي المحل الذي يتشكل فيه القول الفلسفي، ولا تشكل لهذا القول بغير تأثر بمحله اللغوي»()، ونقول نسجا على هذا السنن البديع في النظر، أن القول العقدي المنشود، يجب أن يشيد وفق قوالب لغوية تعكس محتدها القرآني الأثيل، وتؤدي دورها في تثوير الدرس العقدي وتأصيله.
مقدمة مستأنفة:
تلك كانت أهم المقاصد والغايات التي يروم مشروع «التأصيل القرآني للعقيدة» تحقيقها، وإن التأمل الهادئ فيها، يكشف حجم التحديات التي تنتظر أي مشتغل في هذا المشروع، اشتغال يتطلب عدة وصبرا، وقبل هذا وأثناءه وبعده، يتطلب تضافر جهود الغيورين من أهل العلم وطلبته، للإسهام في إعادة صياغة الدرس الكلامي على أسس أصيلة تعصمه من أن يصير أداة لتعميق الخلاف بين المسلمين، وتجعله عوضا عن ذلك أداة للتقريب ولم الشمل وتوحيد إرادات المسلمين على الكلمة السواء التي قررها القرآن الكريم في قولع تعالى: «إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون»، فالكلمة السواء التي يدعونا «التأصيل القرآني للعقيدة» لاعتمادها منهجا في العقيدة ثم السلوك، هو أن الإيمان بالله تعالى المؤسس على التوحيد الخالص لله تعالى، يستتبعه لزوما تقويم السلوك وضبطه على إيقاع دلالات وقصود مفهوم «الاستقامة»، استقامةٌ تعني الفرد كما تعني جماعة المسلمين ونظمهم ومؤسساتهم، وكل ما يقوي اللحمة والرابطة العقدية والإيمانية بين أفراد المجتمع.
لائحة المراجع:
القرآن الكريم برواية حفص عن عاصم.
البخاري، محمد بن إسماعيل أبو عبد الله الجعفي: «الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول الله صلى الله عليه وسلم وسننه وأيامه»، تحقيق محمد زهير بن ناصر الناصر، دار طوق النجاة، ط 1، 1422هـ.
بلتاجي، محمد: «الجنايات وعقوباتها في الإسلام وحقوق الإنسان»، دار السلام – القاهرة، ط1، 1433 ه – 2003م.
ابن حزم، أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد الأندلسي القرطبي الظاهري: «الإحكام في أصول الأحكام»، تحقيق الشيخ أحمد محمد شاكر، دار الآفاق الجديدة، بيروت، (د.ت).
ابن عاشور، محمد الطاهر بن محمد بن محمد الطاهر التونسي: «تحرير المعنى السديد وتنوير العقل الجديد من تفسير الكتاب المجيد»، الدار التونسية للنشر – تونس، 1984.
ابن عجيبة، أبو العباس أحمد بن محمد بن المهدي الحسني الأنجري: «البحر المديد في تفسير القرآن المجيد «، دار الكتب العلمية – بيروت، ط2، 2002 م.
ابن تيمية، تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن عبد الله بن أبي القاسم بن محمد الحراني الحنبلي الدمشقي: «مجموع الفتاوى»، تحقيق عبد الرحمن بن محمد بن قاسم، مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، المدينة النبوية، المملكة العربية السعودية، 1995م.
ابن الجوزي، جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد: «صيد الخاطر»، بعناية حسن المساحي سويدان، دار القلم – دمشق، ط1، 2004م.
الحسني، إسماعيل: «نظرية المقاصد عند الإمام محمد الطاهر بن عاشور»، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، الولايات المتحدة الأمريكية، 1995م.
الريسوني، أحمد: «الكليات الأساسية للشريعة الإسلامية»، دار الأمان، الرباط، ودار السلام، مصر، ط1، 2010م.
الزمخشري، أبو القاسم جار الله محمود بن عمر «الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل « ومعه الانتصاف لابن المنير وحاشية المرزوقي، تحقيق عادل أحمد- علي معوض – فتحي حجازي، مكتبة العبيكان، ط1، 1998م.
السمرقندي، أبو الليث نصر بن محمد بن إبراهيم: «بحر العلوم»، تحقيق محمود مطرجي، دار الفكر، بيروت، د.ت.
السيوطي، جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر أبو الفضل: «الإتقان في علوم القرآن»، تحقيق: مركز الدراسات القرآنية، وزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد السعودية – مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، سنة 1426 هـ.
شاهين، عبد الصبور: «عربية القرآن»، مكتبة الشباب، المنيرة بمصر، د.ت.
شبستري، محمد مجتهد: «مراجعة نقدية للفكر الكلامي»، دار الهادي للطباعة والنشر والتوزيع، الطبعة الأولى 1992م.
صغيري، عبد العظيم: «في التأصيل القرآني للعقيدة، دراسة في دواعي الاشتغال ومسوغاته: رؤية في تجديد الدرس الكلامي المعاصر وتطويره/ مجلة «ذخائر للعلوم الإنسانية»، العدد الخامس، يونيو 2019م.
طرابيشي، جورج: «إشكاليات العقل العربي»، دار الساقي، ط1، 1998م.
طويل، عبد السلام (تحرير): «العلوم الإسلامية، أزمة منهج أم أزمة تنزيل؟»، الأعمال الكاملة للندوة العلمية الدولية التي نظمتها الرابطة المحمدية للعلماء بمدينة أكادير، يومي 13-14 ربيع الثاني 1431ﻫ، الموافق 30-31 مارس 2010م، دار أبي رقراق للطباعة والنشر، الرباط، الطبعة الأولى، 2011م.
عبد الرحمن، طه:
«الحق الإسلامي في الاختلاف الفكري»، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، ط1، سنة 2005م.
«الحق العربي في الاختلاف الفلسفي»، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، ط2، سنة 2006م.
«روح الحداثة: المدخل إلى تأسيس الحداثة الإسلامية»، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، ط1، 2006م.
العسقلاني، ابن حجر أحمد بن علي بن حجر أبو الفضل الشافعي: فتح الباري بشرح صحيح البخاري، دار المعرفة – بيروت، 1379ه.
عطار، أحمد عبد الغفور: «الصحاح»، دار العلم للملايين ببيروت، الطبعة 3، سنة 1404-1984م.
عودة، ناظم: « تكوين النظرية في الفكر الإسلامي والفكر العربي المعاصر»، دار الكتاب الجديد المتحدة، 2009م.
العوني، الشريف حاتم بن عارف: «المحكمات صمام أمن الأمة وأساس الثبات»، الإدارة العامة للإعلام والثقافة، إدارة الثقافة والنشر، سلسلة دعوة الحق، 1432 هـ.
عياض، أبو الفضل القاضي بن موسى اليحصبي: «الشفا بتعريف حقوق المصطفى مذيلا بالحاشية المسماة «مزيل الخفاء عن ألفاظ الشفاء»، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، سنة 1409 هـ – 1988 م.
الغزالي، أبو حامد: «الاقتصاد في الاعتقاد»، دار البصائر، القاهرة، ط1، 2009م.
فخر الدين الرازي، أبو عبد الله محمد بن عمر بن الحسن بن الحسين التيمي الرازي: «مفاتيح الغيب»، دار إحياء التراث العربي – بيروت، ط3، سنة 1420 هـ.
قراملكي، أحمد: الهندسة المعرفية للكلام الجديد، سلسلة «قضايا إسلامية معاصرة»، ترجمة: حيدر نجف، دار الهادي للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، 2002م.
القرطبي، أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر: «الاستذكار»، تحقيق: سالم محمد عطا، ومحمد علي معوض، دار الكتب العلمية – بيروت، ط1، 2000م.
الماوردي، أبو الحسن علي بن محمد بن محمد بن حبيب البصري البغدادي: «النكت والعيون»، تحقيق السيد ابن عبد المقصود بن عبد الرحيم، دار الكتب العلمية بلبنان، د.ت.
المجلس الأوربي للإفتاء والبحوث: «قرارات وفتاوى المجلس الأوربي للإفتاء والبحوث». رقم الفتوي: 3898 الموقع الرسمي للمجلس الأوربي للإفتاء والبحوث، على الرابط التالي:
https://www.e-cfr.org/%d8%b9%d9%82%d9%88%d8%a8%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%b1%d8%aa%d8%af/
مجمع الفقه الإسلامي الدولي: «قرار بشأن الحرية الدينية في الشريعة الإسلامية: أبعادها، وضوابطها» في الموقع الرسمي لمجمع الفقه الإسلامي الدولي، على الرابط التالي: http://www.iifa-aifi.org/2292.html
مغنية، محمد جواد: «ضرورات الدين والمذهب عند الشيعة الإمامية»، مجلة رسالة الإسلام المصرية، العدد الرابع، المجلد الثاني، سنة 1950م.
النجار، عبد المجيد: «الإيمان بالله وأثره في الحياة»، دار الغرب الإسلامي، بيروت، ط1.
وافي، عبد الواحد: «فقه اللغة»، نهضة مصر، ط3، سنة 2004م.
اليماني، محمد بن إبراهيم الوزير: «ترجيح أساليب القرآن على أساليب اليونان»، الصنعاني، مطبعة المعاهد بمصر، ط 1349هـ.

Comments are closed, but trackbacks and pingbacks are open.