الهوية الشنقيطية في وجه الاستعمار الفرنسي (دراسة في التراث الاستشراقي)
ملخص:
ينصب هذا البحث على دراسة المسار الذي سلكته سلطات الاستعمار الفرنسي في ترسيخ ثقافتها بالأراضي الموريتانية، مدعومة بتفوقها العسكري والتقني، ومساندة الأقلام التي جندتها من بني جنسها، أو ممن انجر وراءها من النخبة المحلية، وذلك بالكشف عن أبرز المراحل التي مرت منها، والإجراءات التي اتخذتها إزاء الثقافة المحلية، والوسائل التشريعية والتعليمية التي اعتمدتها لتحقيق أهدافها، ودور الاستشراق في كل ذلك، ونصيب التراث الشنقيطي من اهتمامات الاستشراق الفرنسي خاصة.
Abstract:
This research focuses on a studying the path taken by the French colonial authorities to establish their culture in the Mauritanian territories, backed by their military and technical superiority, and supporting the pens that she recruited from among her nationality, Or those who were left behind by the local elite, by revealing the most prominent stages that passed through them, and actions taken against local culture, and the legislative and educational means it has adopted to achieve its objectives, and the role of Orientalism in all this, the share of the Changetian heritage is a particular concern of French Orientalism.
مقدمة:
كان الدافع وراء البعثات الاستكشافية استعماري في الأساس، بعد أن كان التعايش قائما بين أوروبا المسيحية والشرق الإسلامي قرونا طويلة، وكان التبادل التجاري قائما، دون أن تكون هناك حاجة إلى فرض ثقافة أحد الطرفين، لكن ومع بدأ التوسع الأوروبي كانت الكنيسة حاضرة لتبارك هذا التوسع، ولتؤسس لفكرة الاستعمار الثقافي أو الفكري، معتمدة في ذلك على مستشرقين ومبشرين يتقاطعون مع الإدارة الاستعمارية في الأهداف ويوفرون عليها الوسائل.
وقد تم تقسيم هذه الورقة إلى المحاور الآتية:
أولا: ترجمة التراث الإسلامي
ثانيا: الاهتمام بالثقافة الشنقيطية
ثالثا: محاولات ترسيم الثقافة الفرنسية
رابعا: فرض المناهج التربوية الفرنسية
وتهدف إلى إماطة اللثام عن بعض مراحل وأطوار فرض الثقافة الفرنسية في البلدان العربية والموريتانية بشكل خاص، ومحاولات التأثير على الهوية الدينية والثقافية فيها، والذي بدأ بترجمة كتب التراث الإسلامي والكتابة عن هذه المجتمعات، فتأسيس المدارس الفرنسية، ثم التدخل العسكري.
أولا: ترجمة التراث الإسلامي
اكتشف المستشرقون التراث الإسلامي على مرحلتين، فكانت المرحلة الأولى في فترة القرون الوسطى، حين كانت أوربا تريد اكتشافه وترجمته من أجل إثراء ثقافتها، وقد تمكنت من ذلك، واستفادت منه في حركة نهضتها أواخر القرن الخامس عشر. والمرحلة الثانية في فترة الاستعمار حين أعادوا استكشاف التراث الإسلامي لا من أجل تعديل ثقافي في حضارته بل من أجل وضع خططه السياسية مطابقة لما تقتضيه الأوضاع في هذه البلاد الإسلامية.
وقد نشطت حركة الترجمة في مجال التراث الإسلامي، ونظرا لكون اللغة العربية هي الوسيلة الأمثل لاكتشاف هذا التراث، فقد أولاها المستشرقون عناية بالغة، وعلى ذلك الأساس صدرت العديد من القرارات خلال القرن الثالث عشر والتي لم يكن آخرها مرسوم فيينا سنة 1312م. وعلى ذلك الأساس تم تأليف أول معجم عربي لاتيني في القرن الثاني عشر، والذي يرجع الفضل في تأليفه إلى الأوساط التي كانت تعقد المناظرات مع المسلمين[1].
وكان للمدرسة الفرنسية السبق والريادة في هذا المجال حيث ” كان من نصيب العلماء الفرنسيين، خلال مرحلة الترجمة من العربية إلى اللاتينية كبيرا في ميدان تعلم العربية وتعليمها في القرنيين الثاني عشر والثالث عشر (وكان) المحرض الأول على الترجمة هو الفرنسى ريمون مطران طليطلة، الذي أنشأ معهدا للترجمة فيها لنقل علوم العرب إلى لغة العلم والثقافة والآداب آنذلك: اللاتينية”[2].
وفي ألمانيا بدأ المستشرقون بالاتصال بالحضارة العربية والإسلامية منذ فترة الحروب الصليبية الثانية 1147م، وتمت أول ترجمة للقرآن الكريم سنة (1147م)، وتم أيضا تبادل السفراء بين الإمبراطورية الألمانية والدولة الإسلامية في الأندلس، لكن تدريس اللغة العربية لم يبدأ إلا مع العالم الألماني (يعقوب كريسمان) بين القرنين الخامس عشر والسادس عشر.
أما في إسبانيا فقد بدأ الاستشراق خلال القرن 7هـ 13م، مع اشتداد حملة الصليبيين الأسبان على المسلمين، فانتدب ألفونس ملك قشتالة المترجم (ميشيل سكوت Miguel Escoto) ليقوم بجمع وترجمة المعارف الإسلامية، فجمع سكوت طائفة من الرهبان بدير قرب طليطلة وشرعوا في تنفيذ طلب الملك، وبعد الانتهاء من ترجمة مجموعة كبيرة من المؤلفات العربية قدم سكوت نسجا منها لملك صقلية الذي أمر بدوره باستنساخها وتقديم نسخ منها كهدية لجامعة باريس، وقام أيضا رئيس أساقفة طليطلة (رامون لول Ramon Llull) [3]بنشاط مماثل لما قام به سكوت.
وتزايد الاهتمام باللغة العربية بعد سقوط القسطنطينية عاصمة الإمبراطورية البيزنطية وتهديد المسلمين لأوربا المسحية أواخر القرن الخامس عشر والنصف الأول من القرن السادس عشر للميلاد.
كما افتتح الملك (فرانسوا) الأول سنة 1530م مؤسسة سماها “القراء الملكيين” وبعد أن كانت القراءات تتم في المعارف العبرية واليونانية أضيفت إليها اللغات الشرقية الأخرى في فترة (1538ـ1543) على يد (غيوم بوستل) وهو مستشرق فرنسي أصبح فيما بعد سفير فرنسا لدى السلطان العثماني بتركيا، ولتتحول مؤسسة “القراء الملكيين” إلى معهد فرنسا للدراسات الشرقية، كما ظهرت مؤسسات أخرى تهتم بدراسة اللغات الشرقية، كمدرسة فتيان اللغات والمدرسة الوطنية للغات الشرقية الحديثة (1790)[4].
ويعتبر فيكتور شوفان (V. Chauvin) من أبرز من قام بفهرسة المراجع العربية، من خلال مؤلف سماه بـ: “مرجعية المؤلفات العربية أو المتعلقة بالعرب المنشورة في أوربا المسيحية من سنة 1810 إلى سنة 1885: “La bibliographie des Ouvrages arabes ou relatives aux arabes publies dans L’Europe chrétienne de1810 à 1885”. وقد جاء في اثني عشر مجلدا نشر بين سنتي (1810 و1885)، ويبرز “شوفان” الدافع المحفز له على إنجاز هذا العمل الذي أمضى فيه أزيد من عشرين سنة قائلا: “إن كثيرا من العلماء يكررون أعمالا سبقوا إليها فينشرون كتبا منشورة من قبل لعدم توفر معلومات مرجعية(ببليوغرافية) كافية”[5].
ومع ذلك فلا تخلوا هذه الترجمات من نواقص وضعف في الترجمة وذلك بشهادة بعض المستشرقين أنفسهم، فها هو جاك بيرك صاحب ترجمة معاني القرآن الكريم يرى أن بعض المستشرقين الذين مارسوا الترجمة لا يحسنون العربية[6] بالقدر الذي يسمح لهم بالترجمة خاصة إذا تعلق الأمر بمعاني القرآن. ينضاف إلى ذلك تعمد تشويه صورة الإسلام والمسلمين، خاصة أن الهدف الأول من الاستشراق هو هدف ديني بالأساس. ومن جهة أخرى يعتبر الدين من عناصر الهوية وقد أولاه المستشرقون عناية بالغة.
وفي الفضاء المغاربي الذي موريتانيا جزء منه عمل المستشرقون على ترجمة اغلب الكتب المعتمدة في المذهب المالكي، ترجمة عامة أو جزئية، لكنهم ركزوا بشكل لافت على فقه المعاملات، فترجموا فصوله من هذه الكتب، وعقدوا مقارنات بيه وبين القوانين. وكانت لهم دراسات ومؤلفات حول مصادر المذهب مستعينين بالترجمات السابقة. كما اكتشفوا مصدرا جديدا من مصادر التاريخ الديني والثقافي والسياسي والاقتصادي لهذه البلدان هو فقه النوازل.
ثانيا: الاهتمام بالثقافة الشنقيطية:
أعتنى المستشرقون بتراث المجتمع الشنقيطي، خدمة للمشروع الفكري الذي تسعى الإدارة الفرنسية أن تؤسس له في موريتانيا وفي مستعمراتها بشكل عام، تمثل ذلك في اهتمامهم بالمصادر الثقافية للبلد، دينية كانت أم اجتماعية وسياسية…الخ، وفي هذا المسعى عملوا على ترجمة مؤلفات شنقيطية كثيرة، حصلوا عليها أو ألفت بطلب منهم، مستغلين في ذلك علاقاتهم، ببعض مشايخ وشعراء وكتاب البلد.
حيث” قام قادة الاستعمار بترغيب بعض المؤلفين في العمل على بعض المواضيع الخاصة والتي تخدم في ظاهرها حركة البلاد ثقافيا فيما تخفي الهدف الرئيسي منها وهو التعرف على تاريخ وأحوال البلاد من لدن المستعمر”[7]. كما دفعت الإدارة الاستعمارية بشخصيات مهمة بغية تعلم الثقافة الشنقيطية عن قرب، حيث أصر البارون روجى[8] على ضرورة إرسال ريني كايي إلى بلاد البيظاَن لتعلم العربية والتقاليد المحلية معتبرا ذلك شرطا لا غنى عنه للقيام بالرحلة المتوقعة إلى تنبكتو”[9].
ورغم مقاطعة المجتمع الشديدة للوافد الأجنبي (النصارى) فقد وجدوا من يتجاوب معهم في طلباتهم المتعلقة بالتأليف عن الهوية والتراث الشنقيطي، مقابل بعض الهبات التي تقدمها لهم الإدارة الاستعمارية، أو تحت ضغط الخوف من مضايقتهم، في تحركاتهم، يقول أحد الباحثين:
“ذلك أنهم طلبوا من رجال العلم الموريتانيين الكتابة عن مواضيع تاريخية واجتماعية وهو ما لقي صدى طيبا عند هؤلاء العلماء، ومنهم: باب ابن الشيخ سيديا وابن حبت الغلاوي الذي ألف كتابا عن أنساب القبائل الموريتانيين وولد أحمد يوره، ومحمد فال بن بابا الذي أكمل كتاب ولد الشيخ سيديا “[10]
ومن ذلك أيضا رسالة كوماندو حاكم اترارزة إلى الشيخ سيدي محمد بن الشيخ أحمد بن سليمان[11]، يطلب منه نسخة من كتاب الأنساب لـ: محمد اليدالي أو لغيره ممن ألف في الأنساب: [12]فرد عليه أنه لم يؤلف في أنساب قبائل المنطقة، بل ألف كتابه المسمى بالحلة السيراء في أنساب العرب. وذكره بأنه سبق وأن أرسل إليه نسخة منه، [13]مع نسخة من كتاب والده الشيخ أحمد بن سليمان الذي ألف كتابا في أنساب بعض قبائل البلاد، ومن هذه القبائل: ادابلحسن والسماسيد… الخ. وأخبره كذلك أنه سيرسل إليه كتابا عن علماء تشمشة[14] ودورهم في المجتمع وهو بعنوان “كرامات أولياء تشمشة” لـ: محمد اليدالي المؤلف الذي سأل عنه الكومادو.[15]
ويقول الشيخ سيدي بابا في مقدمة مؤلفه، تاريخ إمارتي (إدوْعيش) و(مشْظوف)، “… وبعد احتلال الدولة الفرنساوية في أواخر العشر الثاني وأوائل العشر الثالث من القرن الرابع عشر، طلب مني بعض أكابرهم )الفرنسيين( الكتابة في ذلك، لمالهم بالمعارف، واستخراج الفوائد من أحوال السالف والخالف، فاعتذرت…”[16].
والواقع أن الحالة السائدة رفض أي نوع من أنواع التعاون مع المستعمر سواء كان هذا التعاون ثقافي أو سياسي عسكري أو استخباراتي. ومن أمثلة ذلك موقف العلامة البشير بن امباريكي:
“… فالشاعر والعلامة البشير بن امباريكي، الذي هادن المستعمر تلبية لرغبة، شيخه الشيخ سعد بوه بن الشيخ محمد فاضل رفض تولي أي منصب تحت الراية الفرنسية، ولذلك يقول ردا على أصدقائه الذين حاولوا إقناعه بتولي القضاء آنذاك”[17].
حتى قال: يارب من أراد لي إمارة … عند النصارى ثَقلن أوزاره
وأجعله في الدنيا فقيرا فاسقا … لا يلقي بعد الموت شيئا لائقا
من جهة أخرى توالت التقارير والكتب والترجمات عن هذا المجتمع ونذكر على سبيل المثال ترجمة (بول مارتي Paul Marty) لكتاب أخبار الأحبار بأخبار الآبار، فضلا عن كتبه عن الإسلام في موريتانيا وفي دول غرب إفريقيا.[18]
هذا فضلا عن كون الإدارة الفرنسية عملت على قطع الصلات بين هذا البلد ومحيطه العربي والإسلامي فعملت على فرض القيود على قوافل الحج وحظرت استيراد المصحف ….[19]
حتى صار الحاج الشنقيطي يستأذن من الإدارة الاستعمارية الفرنسية، ليحصل على ترخيص للخروج إلى الديار المقدسة، فها هو العلامة محمد الأمين الشنقيطي يتوجه إلى سينلوي بالسنغال ليحصل على إذن بمغادرة البلاد للحج، حيث لقي هناك المستشرق )لريش (Leriche الذي أولاه عناية كبيرة، وحاول اكتسابه لصالح الإدارة الفرنسية من خلال هدية قدمها له، تمثلت في عشرة آلاف فرنك فرنسي إفريقي، كما أرسل إلى الحاكم الفرنسي في ولاية لعصابة (بيرو Bereau ) يستأذنه في إمكانية تحمل الدولة الفرنسية تكاليف حجه، لكن الرد جاء بالرفض، نظرا لما أفاد به عُرَفاء الاستعمار في المنطقة، عن مواقف الرجل المعادية للفرنسيين[20].
كل هذا يؤكد أن الإدارة الاستعمارية، استعانت ببعض الكتاب، في تدخل خطير على الهوية الثقافية للمجتمع، حتى ألفت بعض الكتب تحت طلب من الإدارة الاستعمارية، وهو ما يدل على بالغ الاهتمام الذي أعطاه هؤلاء المستشرقون للبلاد الموريتانية. ولن يتوقف الأمر عند هذا الحد بل إننا سنجدهم يؤلفون في اللغات والآداب الخاصة بهذا المجتمع، ومن ذلك تأليف الحاكم الفرنسي فدرب، يقول الأستاذ محمد سعيد ولد همدي:
“ففي مجال اللغات سبق لفيدرب أن أصدر في أواسط القرن التاسع عشر كتابا حول اللغات في السنغال ومنها لغة البيظاَن، بعنوان “منهج العربية المنطوقة في السينغال” سنة 1893، لمؤلف ماري ـ بيرنا Marie Bernard. وفي 1909 أضاف له آلبير رينيي Albert Reynier، دراسة للهجة البيظاَن”[21].
وكذلك العمل الذي أعده الإداري الفرنسي (فرانسيس نيكولاس Francis Nicolas) لمنطقة ما وراء البحار، تحت عنوان اللهجة البربرية الموريتانية[22].
هذه الجهود بذلت للتعرف على هوية هذا المجتمع قصد التأثير على ثقافته وقيمه والتميز بين أعراقه، لكن محاولات طمس الهوية هذه ستبوء بالفشل، في بداياتها الأولى (على الأقل)، وذلك بشهادة بعض من شارك في هذه الحملات، يقول الوالي العام لغرب إفريقيا في رسالة بعث بها إلى وزير المستعمرات سنة 1902، ” لقد وجدنا أمامنا شعبا يملك ماضيا مليئا بالأمجاد والفتوح ما تزال عالقة بأذهانه كما وجدنا مؤسسات اجتماعية لا نستطيع تجاهلها نظرا لعلاقات التضامن الوثيق التي تسود بينها (….) ومن الخطأ أن نقارنهم بالشعوب السوداء ذات التقاليد الأضعف والشعور الوطني الخافت…”[23].
وسيظل التعليم باللغة الفرنسية أو مزدوج (فرنسي وعربي) في أحيان أخرى، حتى الثمانينيات من القرن الماضي، واستغناء البلاد عن المدرسيين الفرنسيين وتعريب مناهجها الدراسية وهو ما سيدفع الجهات الراعية لمشروع التنصير إلى البحث عن بديل كغطاء لنشر دعوتها، وسيكون هذا البديل هو بعض المنظمات غير الحكومية التي ستستغل العمل الإنساني لتبرير تحركاتها داخل البلاد.[24]
ثالثا: محاولات ترسيم الثقافة الفرنسية:
شرعت السلطات الاستعمارية ــ و بشكل كبير ــ في إرسال بعثات استكشافية مكونة على لغات وآداب هذه الشعوب، و مجهزة بجميع المستلزمات الضرورية وعملوا على تزويدها في حالة الضرورة بأشخاص لهم معرفة بهذه المجتمعات، كالمترجمين وبعض الدارسين لهذه المجتمعات، ففي موريتانيا تمت الاستعانة بمترجمين أمثال: كدودو سك، المترجم السنغالي الذي عاش ودرس في أرض البيظاَن، والمترجم العسكري الجزائري إسماعيل أحمد الذي كان على معرفة باللغتين الفرنسية و العربية وغيرهما من المترجمين، كما استعانوا بخبراء في شؤون مسلمي غرب إفريقيا أمثال بول ماتي الذي تربى في الجزائر، وكوبولاني الذي عمل هو الآخر في الجزائر وتخصص في الطرق الصوفية.[25]
وقد وصلت هذه البعثات الاستشراقية إلى بلاد شنقيط في بدايات القرن الثامن عشر ولكنها لم تتمكن من التوغل داخل البلاد إلا مع منتصف القرن التاسع عشر. وقد ظهرت الأهداف الاستشراقية جلية خاصة الثقافية والدينية منها فواصل المبشرون محاولاتهم لتنصير البلاد وكبح الرحلات الدعوية الشنقيطية إلى الغرب الإفريقي.
ومن الناحية العسكرية جندت القوة الاستعمارية عسكريين و إداريين لاختراق المجال بالقوة بعد أن توفرت على كل المعلومات اللازمة من خلال البعثات الاستطلاعية وأوكلت مهمة التوغل للقائد (كوبولاني Xavier coppolanie) الذي يمتلك خبرة في اختراق البلدان الإسلامية. [26]
هكذا ركز الجيل الأول من البعثات الاستكشافية في بلاد شنقيط، على معرفة إمارات البيظاَن، ووصف سكانها ونظام الحكم فيهم وطرق الانتجاع لديهم، وجيولوجية البلاد: فوصفوا الجبال، وتنوع الغشاء النباتي، والثروة الحيوانية والطرق والآبار…الخ.
وسنقف على الأهداف الاستشراقية في هذا البلد من محاولات طمس الهوية ودعم القوة العسكرية في إخضاع البلاد، ونتائج الحملات التنصيرية في هذه الميدان.
وصلت الهيئات التنصيرية إلى بلدان المغرب العربي وغرب إفريقيا في فترات متفاوتة زمنيا، وكانت للحالة الموريتانية، خصوصيتها، حيث عملت الهيئات التنصيرية بشكل خفي على إيقاف تسرب الإشعاع العلمي للشناقطة في غرب إفريقيا ووسطها، وقطع الطريق أمام القوافل الدعوية ومنعها من التحرك بحرية إلى هذه المناطق. فانزعجوا من سرعة انتشار الإسلام، حيث يقول الرحالة موليينMollien ، لن يصل المبشرون المسيحيون وهم يعبرون رأس الرجاء الصالح إلى وسط إفريقيا قبل أن يكون الإسلام قد عم تلك البلاد. [27]
كما تابعوا عبور المحاظر الشنقيطية للضفة السنغالية٬ ورأوا فيها خطرا على وجودهم في المنطقة ومزاحمة لبعثاتهم التنصرية في استقطاب السكان وتحصينهم ضد الأعمال التنصيرية، فها هو بول مارتي وهو يقف على الدور الذي تقوم به المحْظرة الموريتانية في الضفة السنغالية خلال القرن 19م، وما لقيته من إقبال كبير عكر صفو المبشرين في الوقت الذي كانوا متمركزين في المنطقة.[28]
ونظرا للتحدي الكبير الذي كان يواجه المبشرين كان لابد من تجنيد موجة ثانية من المستكشفين، التي سينصب اهتمامها على ثقافة المجتمع وهويته الإسلامية، حيث ظهر في كتاباتهم مدى اعتنائهم بتاريخ المنطقة الديني، والسياسي، وعن الدور الذي تلعبه المحْظرة القرآنية في حفظ الهوية الإسلامية للبلاد الشنقيطية، التي أثارت انزعاجهم، وراو فيها سبب تشاؤم الأفارقة من الوافد الأوربي، وأنها )المحْظرة( مصدر كل عذابات إفريقيا على حد تعبير ماج Mage[29]، وهو ما جعل الأعين الخفية للتنصير في القرن 19م، ترى المناعة الكبيرة، لهذا المجتمع ضد التنصير والأفكار المنحرفة ، وكذلك الموقف الصارم من النصارى باعتبارهم أعداء الدين، وعلى هذا الأساس خلص المبشرون بأن العمل التبشيري في هذا البلد يبدأ بمعرفة ثقافة وخصوصية هذا البلد الدينية…الخ، والتكيف مع هذه الخصوصيات. مع الإبقاء على أنشطتهم في الضفة الأخرى. [30] وهو ما يفسر تنكر بعض المستشرقين وادعاءهم الإسلام خلال رحلاتهم في شنقيط.
هذه الأسباب وغيرها[31]، ستجعل النشاط التبشيري يأخذ أشكالا متعددة ويتستر تحت عدة مسميات: الخدمات التعليمية و الإنسانية وغيرها حتى السيطرة الكاملة من طرف الإدارة الاستعمارية حيث ستفتح في وقت لاحق المدارس الفرنسية تحت الخيام والأعرشة وفي بيوت الطين… وستشيد كنائس في العاصمة وفي مدن الداخل الموريتاني )كازويرات روصو غيرهما(، وسيتم تصدير مجلة باسم : “مريم” التي كانت تنشر أفكارا تبشيرية كل هذا سيظهر بعد سنوات من العمل في ظل القبضة الاستعمارية، أي في وقت متأخر على دخول المستعمر البلاد. مستغلين الجانب الإنساني كتشييد المصحات وتقديم المساعدات الطبية والغذائية… الخ، وهو مدخل إنساني عرفت به الحركة التنصيرية عبر العالم. لكن هذا المجهود لن يعطي النتيجة التي كان المنصرون ينتظرونها، وسيفشل، في وجه المقاومة الدينية والثقافية، رغم أن المحاولات التنصيرية ستبقى متواصلة.
وعدم التصريح بالدعوة التنصيرية في القرن التاسع عشر، من قبل هؤلاء المستكشفين، مرده كما يرى الباحثون، إلى عدم ملائمة دعوتهم التنصيرية، مع ثقافة المجتمع الشنقيطي المسلم، يقول الدكتور محمدو ولد محمدن: ” ولعل عدم إرسال الفرنسيين لأي مستكشف “مبشر” أثناء القرن التاسع عشر إلى البلاد الموريتانية كان شكلا من أشكال التكيف مع خصوصيات السكان وتشبثهم بهويتهم”.[32]
فكان من الطبيعي أن تنتهج الهيئات التبشيرية، مستوى من التدرج لتبدأ الأولى بالعمل على إدخال الثقافة الفرنسية بالتعاون مع الإدارة الاستعمارية، التي توفر لها الغطاء الأمني بالدرجة الأولى، كما يرجع للهيئات انتداب أساتذة للمدارس الفرنسية التي تنوي الإدارة الفرنسية فتحها هناك.
رابعا: فرض المناهج التربوية الفرنسية:
استحدثت الإدارة الفرنسية مدرسة أبناء الشيوخ بـ”سينلوي” 1892، بغية تكوين أبناء الشيوخ في ضفة النهر وفي موريتانيا، فكانوا يتوسطون لدى الأمراء الموريتانيين والوجهاء، ويطلبون منهم السماح لأبنائهم بالذهاب إلى مدرسة سينلوي وتوفر الإدارة لهؤلاء الطلاب ظروف سكنية، ومنح دراسية مصروفة من الحاكم العام في سينلوي، كما تعطي منح للمتفوقين لإكمال دراستهم في فرنسا.[33] لتفتتح بعد ذلك مدارس على الأراضي الموريتانية. ومن أجل تكيف هذه المدارس مع الخصوصية الموريتانية طلبت الإدارة الفرنسية من وكلائها، إعداد تقارير بهذا الخصوص، وقد جاءت متباينة، بين من يرى ضرورة فرض الدرس الفرنسي وبين من يرى المزاوجة بين اللغة الفرنسية والعربية حتى يكسبوا ودي الأهالي ويظهروا لهم احترام لغتهم وتعاليم دينهم. بينما رأى آخرون أن فرض الثقافة والتعليم الفرنسيين لن يحسم إلا بالقوة العسكرية. وعلى كل فقد أجمعوا على أن موريتانيا استثناء من دول غرب إفريقيا، من حيث الآليات التي يجب أن يتخذونها لتحقق أهدافها.
وقد جاء في تقرير رئيس مصلحة التعليم الاستعماري بــ”أندر” 1934، أن من فوائد إنشاء هذه المدارس، أن الوجهاء لن يستطيعوا الخروج في صف المقاومة بسبب الإحراج الذي يسببه لهم تواجد أبنائهم في مدارسنا…[34].
هذه الإجراءات التحضيرية، ستشمل بالإضافة إلى فتح مدارس، ترجمة مؤلفات وكتب التراث والتاريخ الديني والسياسي لهذه البلاد، فضلا عن التركيز على المؤسسات الدينية: المحْظرة والمسجد والقضاء، وإعداد تقارير استخباراتية حول المشايخ )مواقفهم( وهو ما يعكس اهتمام المراقب الفرنسي للثقافة الدينية والانتشار الواسع للإسلام والمحاضن التي تنشر دعوته، ويعرب “روسو” J .Rosso، عن بعض العراقيل التي وجدها أثناء عملية جرد وتصنيف المحاضر، قائلا: بأن أحداثا وصراعات داخلية منعته من مواصلة عمله يقول: ” كما أن أحداث 1906، لم تسمح لنا بوضع إحصائية كاملة عن المحاضر القرآنية” [35]. فعملُ “روسو” مثال من أمثلة أخرى على عمل المستشرقين في البلاد خدمة للقوة الاستعمارية.
لقد كان مبرر فتح المدارس “التابعة للاستعمار” في البلاد الإسلامية نشر العلم والثقافة والحضارة العالمة “على حد زعم المستعمر”. وهو ما يدفع الطالب للشعور بعقدة الإحساس بقصور لغته لأم عن تدريس العلوم الحديثة. فـ “التعليم مثل أي كائن حي مستقل بذاته له جرم وجوهر وله شبح وروح. وما روح التعليم وجوهره إلا ظل لعقائد واضعيه وأخلاقهم فلابد أن ينتج الأهداف والغايات التي تعكس آثار هذا التعليم بكلية على العقائد والأخلاق والثقافة والسياسة والاجتماع” [36]
ويقول ابن تيمية: “واعلم أن اعتبار اللغة يؤثر في العقل واللغة والدين تأثيرا قويا بينا. ويؤثر أيضا في مشابهة صدر هذه الأمة من الصحابة والتابعين ومشابهتهم تزيد العقل واللغة والدين والخلق…”[37].
وقد اعترض الوجود الفرنسي عوائق كثيرة ليست أقلها صعوبة، مسألة اللغة والثقافة العربية والإسلامية، التي تأقلموا معها ولو نسبيا من خلال: معاهد اللغات والحضارات الشرقية في باريس وغيرها من العواصم الأوروبية، و الرحلات التي كانوا ينظمونها نحو الدول العربية حيث إن بعضهم حصل على دورات في اللغة والثقافة العربية والإسلامية في بلدان عربية كـ: في الجزائر والمغرب )كوبولاني، كامل (كامل دولز((C. Douls ، كما عوضوا ضعف معرفتهم باللهجات المحلية، بالمترجمين من الجزائر[38] والسينغال [39]، بالإضافة إلى معاونين من البيظاَن. فلم يتركوا مسلكا من مسالك الصحراء الوعرة إلا وعبروه، مبشرين بالمشروع الفكري الجديد، لإقناع الناس بأن الثقافة المحضرية انتهى عصرها، أن عليهم الالتحاق بالتعليم، الفرنسي الجديد الذي سيخرجهم إلى أنوار الحضارة.
ومع ذلك لم يحصدوا من محاولات طمس هوية هذا البلد سوى الإعياء والإجهاد والفشل الذريع، وهو ما دفع منظري المشروع الثقافي والفكري للإدارة الاستعمارية في غرب إفريقيا فتح مراجعات حول أنجع السبل لترسيخ الثقافة الفرنسية، في البلاد الموريتانية مستحضرين النموذج الفرنسي في الجزائر، وغيره من النماذج الاستعمارية في البلدان الإسلامية. خاصة بعد أن وصلت عدة رسائل من الداخل الموريتاني، إلى الحاكم العام لغرب إفريقيا الفرنسية، في هذا الشأن، ومن بينها رسالة كزافي كوبولاني، التي كانت سنة 1905 قبيل وفاته، التي يحذر فيها من العواقب السلبية للسياسة الفرنسية في تسكيت صوت المحْظرة والقضاء عليها، لأن ذلك من شأنه ــ كما يقول ــ “زيادة تعلق الأهالي بهذا الصرح، تحريضهم علينا”.[40]
ولم يخف المستشرقون استغرابهم من المستوى الثقافي لدى هؤلاء البداة، ومدى تشبثهم بهويتهم الإسلامية. يقول الإداري الفرنسي بييري Beryies ، :”لقد لاحظت أنه لا يوجد أي مجتمع بدوي يبلغ مبلغ البيظاَن في العلم والعقيدة والتاريخ والآداب والفقه وعلوم العربية …إنهم يتحدثون العربية الفصحى بطلاقة أحسن من بعض الدولة العربية”[41]، ويضيف رينى باسي Rene basset مقارنة بين شعراء البيضاء والشعراء الجاهليين حيث يقول “إنني أشك في أن للشنفري حضورا أكثر تميزا من بيضاننا التروزين”[42]، هذا الكلام وإن كان فيه شيء من المبالغة، فهو ينضاف إلى ما قيل من قبل و يدل على أن أصحابه كانوا في مهمة تتعلق بتقييم المعارف الثقافية للبلاد كما ونوعا في مختلف أصناف العلوم تجسيدا للأهداف الاستشراقية في أبهى تجلياتها. وهي أيضا استنتاجات سيترتب عليها الكثير من الإجراءات، حيث يقول لغريه (C.Laigret): “لقد عالجنا مشكلة التعليم فور دخولنا موريتانيا ولكنها مسألة شاقة، لقد وجدنا أنفسنا في مستعمرات أخرى، في ساحات فارغة، أما في موريتانيا) ونظرا لإدراك المقاومة الإسلامية( لنمو نفوذنا عن طريق التعليم الفرنسي وانتشار الثقافة الفرنسية بدأت مقاومة صلبة”[43]. كما يصرح وزير فرنسا لما وراء البحار وهو يطمئن مستشاريه ورجاله في إفريقيا أن عليهم العمل رغم الصعاب، ويذكره بالأهداف المتوخاة من إدخال ثقافتهم لهذه البلاد فيقول: إن تعليم السكان الثقافة الفرنسية، يخدم الإدارة الاستعمارية في شتى المجالات الاقتصادية والاجتماعية[44].
وقد بعث وكلاء الاستعمار إلى الحاكم العام لغرب إفريقيا، بدراسات ميدانية، أبرزوا من خلالها ضرورة التنازل وتخفيف القيود التي يفرضونها على السكان سبيلا لقبول المدارس الفرنسية وذلك من أجل كسب ود الأهالي أو حتى يخففوا من لهجتهم تجاه المدرسة الفرنسية. وبالفعل أخذ الحاكم العام قرارا يقضي بإدماج اللغة العربية إلى جانب اللغة الفرنسية.
هذا القرار جاء من اجل تفادي إفشال مشروع المدرسة الفرنسية التي أريد لها أن تكون دعامة المشروع الفكري في هذه البلاد، فالدور الذي اضطلعت به المدرسة وما أسند إليها من أدوار لم يكن ليقتصر على تكوين إداريين واكتتاب قضاة وغيرهم من مساعدي الإدارة الفرنسية، بل إلى جانب ذلك كله، كانت النواة الأولى لتأسيس مشروع استعماري تحت رعاية المشروع الفكري لإفريقيا الفرنسية والذي يرمي إلى تنصيب هذه البلدان وجعلها تابعة لهوى المستعمرين .[45]
كما يتوخى من هذه المدارس تخريج دفعات متلاحقة من الطلاب بثقافة غربية ولا تحمل العداء لفرنسا، ويدركون مزايا هذا التعليم وعند ذلك سيبدأ التفكير حول آلية للقضاء على الإسلام أو خلق قطيعة معه من خلال سحب الثقة من مشايخه وتشويه الصرح المحضري وتعويض هذا الأخير بالمدارس الفرنسية. وقد أوصى بول مارتي في رسالة محفوظة بالأرشيف السنغالي مفادها أن على الإدارة الفرنسية إيقاف الدعوة الإسلامية وإفراغها من محتواها وهو الهدف الذي اشتغلوا عليه إليه، بشكل غير مباشر، من خلال إدخال التعليم الفرنسي للمنطقة، يقول:” …لا يمكن في الوقت الحاضر إنجاز عمل فكري، ويجب الاكتفاء بترك الإسلام يسير على شكله البسيط، الخفيف الخطوة…”[46]
ويقدم لنا الضابط الفرنسين “روسو ” J.Rosso، معلومات عن مستوى إقبال السكان على هذه المدارس بقوله:” ففي 1905، تم فتح أولى مدرسة فرنسية على الأراضي الموريتانية في كيهيدي، وقد عملت هذه المدرسة على تعليم وتأهيل تلامذتها، وخلال هذا العام لم يتجاوز عدد المسجلين 7، تلاميذ، لكن إقبال أبناء الزنوج في الضفة اليمنى من النهر تزايد حتى صار 24 تلميذا في العام الموالي. وكانت تصرف منحهم الدراسية من طرف الحاكم الفرنسي في السنغال، وفي هذا العام أصبحت أكثر انتظاما مما كانت عليه”[47]. وافتتحت بعد ذلك مدرسة بوكى 1912، كما تم انتقاء مجموعة من أبناء البيظاَن وتوجيهها إلى مدرسة أبناء الشويخ في سان ـ لويس، أما أطفال الحوض وأزواد فتم إرسالهم إلى مدرسة تنبكتو حيث فتحت أبوابها 1910، وكانت أول مدرسة مزدوجة تأسست في أبيتلميت 1914، ثم تلتها مدرسة أطار 1930، وكيفة وتنبدغة سنة 1939م[48].
والحقيقة أنه ومنذ مطلع القرن 20 وحتى فترة الاستقلال، ظلت المدرسة الفرنسية تشهد اضطرابا في برامجها التربوية، فتارة يقصون العربية وتارة أخرى يدخلونها بتساوي في عدد الحصص مع اللغة الفرنسية إلا أنهم ما يلبثوا أن يبدؤوا تدريجيا في نقصان عدد حصصها(العربية) حتى تكاد تكون معدومة.
فمع افتتاح مدرسة أبيتلميت كانت ساعات المواد العربية )اللغة والفقه والتفسير(، تصل إلى 12 ساعة، مقابل 13 ساعة للفرنسية. لكن هذا لن يطول فبعد عشر سنوات قررت الإدارة تخفيض حصص العربية في محاولة للعودة إلى الدائرة الأولى وحظر العربية أو السعي إلى في ذلك، ليأتي عام 1922 ويخفضوا ساعات اللغة العربية إلى 9 ساعات مقابل 19 ساعة للفرنسية، وليعوضوا عن هذا النقص في سوائع العربية، تم تنويع مواد العربية فأدمج في البرنامج الدراسي: ديوان الستة الجاهليين ودروس في السيرة النبوية الشريفة، والعروض، لينخفض الساعات بعد ذلك إلى 7 ساعات مقابل 16 ساعة بعد سبع سنوات. وخوفا من تكرار نفس المسألة وتفاديا لاضطراب المناهج التربوية للمدرسة الفرنسية في السنوات السابقة، فقد أعلن حاكم إقليم موريتانيا اعتماد اللغة العربية لغة وحيدة في مدرسة أطار سنة 1936، حتى لا يفشل المشروع على حد وصفه، لكن الحاكم العام لغرب إفريقيا، اعترض على هذا الحكم. ليقبل بعد ذلك بصيغة تختلف وهي أن تكون للغة الفرنسية لغة اختيارية لمدة لا تتعدى الأربع سنوات، وهو إعلان ضمني لفشل كل المحاولات في ترسيم اللغة الفرنسية. ولن يطول صمتهم وسيعودن لفرضها من جديد بعد عامين من إعلان القرار الأخير. وبعد سنتين كذلك سينسخون هذا القرار الأخير ويعلنون أن الفرنسية لغة اختيارية، سنة 1940، باستثناء مدرسة بوتلميت[49].
لم تنكسر إرادة الأهالي في مقاطعة الدروس الفرنسية وستتواصل المحاولات، ففي عام 1947، وبعد ستة سنوات، ستتوهم الإدارة الفرنسية أن الفرصة حانت لفرض الفرنسية في إفريقيا الغربية بما فيها موريتانيا، لتتراجع ساعات اللغة العربية في مدارس هذه الأخيرة إلى 6 ساعات، يدخل فيها الأنشطة الحرة والأعمال اليدوية. لكن وأمام هذه المصاعب وتحفظ السكان من الإقبال على هذه المدرسة تم الإعلان عن معهد أبي تلميت الإسلامي كبديل محلي عن المحْظرة في صيغة مدرسة حرة يديرها الشيخ عبد االله بن الشيخ سيديا، سنة 1953، لكن ومن جهة أخرى فإن هذا المؤسسة لن تكون كغيرها من المؤسسات التربوية التقليدية لكون طلابها سيندمجون في نظام تربوي عليه رقابة تامة من الإدارة الاستعمارية وهي الجهة المشرفة والداعمة[50]. كما يذكر في هذا المقام أن إدماج اللغة العربية في المناهج التربوية للمدارس الفرنسية في موريتانيا شكل استثناء من المدارس الفرنسية في إفريقيا الفرنسية.
المصادر والمراجع:
- إخبار الأحبار بأخبار الآبار، أمحمد بن أحمد يورة، ترجمة (بول مارتي Paul Marty)، دراسة أحمد ولد الحسن، معهد الدراسات الإفريقية الرباط، 1992.
- الاستشراق والخلفية الفكرية للصراع الحضاري محمود حمدي زقزق دار المعارف.
- إشكالية ترجمة معاني القرآن الكريم، سعيد اللاوندي.
- إمارة ادوعيش ومشظوف، الشيخ سيديا بابا، تح: إزيد بيه بن محمد محمود ط2، نواكشوط، 1994.
- بلاد شنقيط المنارة والرباط، الخليل النحوي.
- تاريخ حركة الاستشراق، يوهان فوك، ترجمة عمر لطفي العالم.
- تاريخ الدراسات العربية في فرنسا، محمود المقداد، ع:167، عالم المعرفة، الكويت، سنة 1990.
- التأليف الموريتاني في ظل الاستعمار، الشيخ سيدي عبد الله، ورقة بحثية، مجلة الأديب، اتحاد الأدباء الموريتانيين، العدد 10، 2010.
- الطريق إلى تنبكتو عبر موريتانيا، محمدو ولد محمدن أمين.
- مجالس مع فضيلة العلامة محمد الأمين الجكني الشنقيطي، أحمد بن محمد الأمين بن أحمد الجكني الشنقيطي، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية دولة الكويت، 2007. ط1.
- المنظمات الإنسانية واجهة الاستعمار الجديد في موريتانيا، محمد المختار سيدي محمد، مجلة الحكمة، ع:12، 1999، بغداد.
- موريتانيا وأوربا عبر التاريخ، محمد سعيد ولد همدي، 2002.بدون دار النشر.
المراجع الأجنبية:
- A. N. M, Série E, dossier N°8, Mr. Le ministre des colonies en date du 01 décembre 1902.
- FRANCIS, Nicolas, La langue berbère de la Mauritanie, Mémoire de l’institut français d’Afrique noire n°: 33, IFANـDAKAR, 1953.
- HAMAT, Ismael, Chronique de la Mauritanie sénégalaise, Nacer Eddine, texte arabe traduction et Notice, Ernest Leroux Editeur, Paris, 1911.
- MARTY, Paul, L’émirat des Trarza.
- MOLLIEN, Voyage dans l’intérieur de l’Afrique.
- ROOS. J, L’adjoint au commissaire, livre: Territoire civil de la Mauritanie (Rapport d’ensemble), Saint-Luis, Imprimerie du gouvernement, 1908.
- SARRAUT, Albert, la mise en valeur des colonies françaises, annales de géographie, V : 32, N : 177, Payot, Paris, 1923.
- Voyage dans Le Soudan Occidental, Sénégambie –Niger, 1863 -1866, Librairie de L. Hachette, Paris, 1868.
[1] : تاريخ حركة الاستشراق، يوهان فوك، ترجمة عمر لطفي العالم، ص:16
[2] : تاريخ الدراسات العربية في فرنسا، محمود المقداد، ص:75، ع: 167، عالم المعرفة، الكويت سنة 1990.
[3] : عاش بين: 1232-1315م.
[4] : نفسه. ص:92.
[5] : تاريخ الدراسات العربية في فرنسا محمود المقداد، ص:177، عالم المعرفة، ع:167، الكويت 1992.
[6] : إشكالية ترجمة معاني القرآن الكريم، سعيد اللاوندي ص:71.
[7] : التأليف الموريتاني في ظل الاستعمار، د. الشيخ سيدي عبد الله، ورقة بحثية، مجلة الأديب، اتحاد الأدباء الموريتانيين، العدد 10، 2010.
[8] : الوالي الفرنسي على السنغال في تلك الفترة.
[9] : الطريق إلى تنبكتو عبر موريتانيا، محمدو ولد محمدن أمين، ص:193.
[10] : التأليف الموريتاني في ظل الاستعمار، ورقة بحثية.
[11] : الشيخ سيدي محمد بن الشيخ أحمد بن سليمان الديماني.
[12] :Ismael HAMAT, Chronique de la Mauritanie sénégalaise, Nacer Eddine, texte arabe traduction et Notice, Ernest Leroux Editeur, Paris, 1911, P :1.
[13] : Ismael HAMAT. P :1.
[14] : مجموعة قبلية.
[15] : Ismael HAMAT. P :2
[16] : إمارة ادوعيش ومشظوف، الشيخ سيديا بابا، تح: إزيد بيه بن محمد محمود ط2، نواكشوط، 1994، ص:95.
[17] : التأليف في موريتانيا في ظل الاستعمار. ورقة بحثية، الشيخ سيدي عبد الله، مجلة اتحاد الأدباء الموريتانيين، ع 10، 2010.
[18]: إخبار الأحبار بأخبار الآبار، أمحمد بن أحمد يورة، ترجمة (بول مارتي Paul Marty)، دراسة أحمد ولد الحسن، معهد الدراسات الإفريقية الرباط، 1992. تقع في 124 صفحة.
[19] : شنقيط المنارة والرباط، ص:53،56.
[20] : مجالس مع فضيلة العلامة محمد الأمين الجكني الشنقيطي، أحمد بن محمد الأمين بن أحمد الجكني الشنقيطي، ص: 30-31، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية دولة الكويت، 2007. ط1.
[21] : موريتانيا وأوربا عبر التاريخ، ص:62،61.
[22] :FRANCIS, Nicolas, La langue berbère de la Mauritanie, Mémoire de l’institut français d’Afrique noire n° : 33 , IFANـDAKAR, 1953.
[23] :A .N.M ; Série E, dossier N°8 Mr. Le ministre des colonies en date du 1decembre 1902.
نقلا عن المنظمات الإنسانية واجهة الاستعمار الجديد في موريتانيا، محمد المختار سيدي محمد، مجلة الحكمة، ع:12، 1999، بغداد، ص:68.
[24] : محمد المختار سيدي محمد، المنظمات الإنسانية واجهة الاستعمار الجديد في موريتانيا، مجلة الحكمة، ع:12، 1999، بغداد، ص:71.
[25] : الاستشراق والخلفية الفكرية للصراع الحضاري، محمود حمدي زقزق، دار المعارف، ص:78.
[26] : بعد الرحلات الاستطلاعية في الداخل الموريتاني التي قام بها ماج ودودوسك (ولد ابن المقداد)، وبلاشي وغيرهم، أوكلت مرحلة التوغل إلى Xavier coppolanie، الذي كان ملحقا إداريا فرنسيا في الجزائر وبها درس العربية والعلوم الشرعية فألف كتاب الطرق الصوفية الإسلامية: شنقيط المنارة والرباط، الخليل النحوي، ص:327-328.
[27] : Mollien, Voyage dans l’intérieur de l’Afrique (نقلا عن مجتمع البيظاَن في القرن التاسع عشر قراءة في الرحلات الاستكشافية الفرنسية، سابق، ص:300).
[28] : Paul MARTY, L’émirat des Trarza, p 286271:.
[29] : Voyage dans Le Soudan Occidental, Sénégambie –Niger, 1863 -1866. Librarie de L. Hachette, 1868, Paris.
[30] : L’émirat des Trarza p :286.
[31] : المخاطر التي تواجه المنصرين عند دخولهم أرض البيظاَن، من قتل وأسر، فضلا عن الطبيعة القاسية التي لم يألفها الإنسان الأوربي.
[32]: المعرفة الاستعمارية: الأدوات والعراقيل، موريتانيا نموذجا، محمدو لد محمدن أمين، مقال.
[33] : مدرسة أبناء الشيوخ وبدايات التعليم النظامي الموريتاني، سيدي أحمد ولد الأمير، مقال، على الموقع: http://tawary.com، بتاريخ: 2013-08-03.
[34] :شنقيط المنارة والرباط، ص:351.
[35] J. Roos, Territoire civil de la Mauritanie, P:54.
[36] : المدارس العالمية لأجنبية الاستعمارية، بكر ابن عبد الله أبو زيد. دار ابن حزم، القاهرة، ط1. 2006. ص: 32.
[37] : اقتضاء الصراط المستقيم، ص: 206ـ207.
[38] : من أمثلة مترجمي الجيش الفرنسي للثقافة الشنقيطية، إسماعيل أحمد الذي ترجم في كتابه (chronique de la Mauritanie sénégal, Naser Eddin ) ، والذي ترجم خلاله وثائق مهم عن التاريخ الديني والسياسي وأيضا تاريخ الأنساب بالمنطقة.
[39] : استعانت الإدارة الاستعمارية بمترجمين سينغاليين، منهم ولد ابن المقداد (Bou El Mougdad) الأب والابن، لمعرفتهم بالثقافية المشهودة بثقافية البيظاَن.
[40] : بلاد شنقيط المنارة والرباط، ص:345. سابق.
[41] : تقرير محفوظ في الأرشيف السنغالي، 78، G9، نقلا عن الخليل النحوي، ص:355.
[42] : مجتمع البيظاَن خلال القرن التاسع عشر، السابق، ص:314.
[43] : بلاد شنقيط المنارة والرباط، ص:354.
[44] :Albert SARRAUT, La mise en valeur des colonies francaises annales de géographie, V : 32, N : 177, Payot, Paris, 1923, PP (265271ـ).
[45] : موريتانيا وأوربا عبر التاريخ، محمد سعيد ولد همدي، ص:64، 2002. بدون دار النشر.
[46] : Paul Marty, Archives de dakar ).92(نقلا عن موريتانيا وأوربا عبر التاريخ، ص:65.
[47] :J. Roos, l’adjoint au commissaire, livre: Territoire civil de la Mauritanie (Rapport d’ensemble), Saint-Luis, Imprimerie du gouvernement, 1908, P :54.
[48] : موريتانيا وأوربا عبر التاريخ، ص:64.
[49] : بلاد شنقيط المنارة والرباط، ص:356.
[50] : بلاد شنقيط المنارة والرباط، ص:356.