النص بين النقد الثقافي وسيميائيات الثقافة المفهوم وآليات المقاربة

الملخص:

       النقد الثقافي وسيميائيات الثقافة ينطلقان من الثقافة ويهدفان إلى تحليل النص في ضوئها؛ ولذلك خلط بعض الدارسين العرب بينهما؛ فعلى مستوى التأطير الأبستمولوجي والتحليل الإجرائي ثَمَّةَ مشكلة تواجه القارئ العربي في التفريق الدقيق بينهما؛ لأنهما وإن اتفقا في الخلفيات فإنهما يختلفان في المفهوم والأدوات والمفاهيم وآليات المقاربة. ويسعى البحث إلى إبراز التمايزات بينهما اعتمادًا على المنهج الوصفي. فالنقد الثقافي مفهوم مستقل ومختلف تمامًا عن سيميائيات الثقافة. كما أن نظرتهما للنص مختلفة؛ فالنقد الثقافي يرى فيه وعاءً لأنساق الثقافة، وحيلة تمرر الثقافة من خلالها أنساقها المضمرة. وسيميائيات الثقافة تنظر إلى النص بوصفه نظامًا دالًا يتقاطع مع أنظمة الثقافة الأخرى داخل الفضاء السيميائي.

       والنقد الثقافي – في أحد اتجاهاته – يهدف إلى إظهار عيوب النسق (القبيحات)، ويرفض جمالياته التي يرى أنها حيلة لإخفاء عيوب الثقافة النسقية. ويرى اتجاهه الآخر أن النسق يشكل قيمة جمالية بالإضافة إلى قيمته الثقافية. وتسعى سيميائيات الثقافة إلى إظهار جمالية الإنتاج والتلقي التي تتم عن طريق التقاطعات التي تقوم بها علامات النص مع أنظمة النص الأخرى. لذلك فإنها تقارب النص وفقًا لذلك؛ لما يشكله ذلك من تعقيدٍ يسببه التشويش على النظام الأول (اللغوي)؛ بسبب التداخلات التي تعيد تشفير النص. والنقد الثقافي يقارب النص من خلال البحث عن النسق والجملة النوعية التي ينبثق منها؛ ومن ثَمَّ إعطاء النسق وظيفة/دلالة نسقية، وإعطاء النص قيمة ثقافية.

Abstract:

Cultural criticism and semiotics of culture spring from culture and aim to analyse the text under the realm of it, hence some Arab researchers have mixed the two fields up. In fact, these fields differ in respect of tools, concepts and approaching manners in spite of having common backgrounds. Consequently, this research is conducted to shed lights on the differences between these cardinal domains adopting the descriptive method of data analysis. The research finds that cultural criticism appears to be completely different from semiotics of culture in terms of treating texts. It also considers the text as a background of different cultural systems and a bridge through which culture transfers the embedded symbolic themes and messages. Semiotics of culture however views the text as an indicative system that concurs with different cultural systems in respect of semiotics.

         Keywords: culture, criticism, semiotics.

 

مقدمة:

اتجهت الدراسات النقدية في مرحلة ما بعد الحداثة (ما بعد البنيوية) إلى التخلي عن مفهوم النص المغلق، والتأويلات المحايثة، وموضة الشكلانية، واتجهت إلى ربط النص بمحيطه، تبحث عن النص في العالم، وعن العالم في النص، إنتاجًا وتأويلًا. وقد أنتجت هذه المرحلة كثيرًا من النظريات والمناهج التي سعت إلى مقاربة النص وتأويله. وقد اتفقت هذه المناهج في بعض مشاربها وأهدافها، وتلاقحت عبر مسيرتها، حتى إن بعض الدارسين ليجدَ صعوبةً في التفريق بينها. ومن مناهج ما بعد الحداثة النقد الثقافي وسيميائيات الثقافة، والذي يجمع بينهما هو (الثقافة)؛ لذلك خلط بعض الباحثين بينهما نظريًا وممارسةً، والحقيقة أنهما كيانان مستقلان عن بعضهما. فللنقد الثقافي أسسه ومفاهيمه وآلياته المختلفة عن أسس السيميائيات الحديثة (ومنها سيميائيات الثقافة) ومفاهيمها واشتغالاتها. والبحث يهدف إلى توضيح هذا اللبس، وتقديم تأطير إبستمولوجي أكثر دقةً ووضوحًا، وإبراز خصوصية كلٍ منهما، وخاصة فيما يتعلق بمفهوم النص وجمالياته ومقاربته.

تتمثل إشكالية البحث إذًا في الخلط الأبستمولوجي والإجرائي أحيانًا بين النقد الثقافي وسيميائيات الثقافة في الدرس العربي. ويمكن أن يعود هذا الخلط إلى أن الثقافة تجمعهما منطلقًا وغاية. وتجلت هذه الإشكالية عند بعض الدارسين في عدم التفريق بين نظرة كلٍ منهما للثقافة والنص، وعلاقة كلٍ من الثقافة والنص بالآخر، وفي الخلط بين المفاهيم والأدوات لكلٍ منهما؛ بوضع مفاهيم المنهجين وأدواتهما في سلة إجرائية واحدة، أو استخدام مفاهيم أحدهما وآلياته للآخر. ويمكن إجمال الأسئلة شكلتها مشكلة البحث في الآتي:

  • ما أسباب الخلط بين النقد الثقافي وسيميائيات الثقافة في الدرس العربي؟ وما أوجه الفرق بنهما؟ وما علاقة كلٍ منهما بالثقافة والنص؟ وما مفهوم النص بالنسبة لكلٍ منهما؟ وما هي المفاهيم والمصطلحات التي يرتكز عليها كل منهما؟ وما علاقة كل منهما بجمالية النص؟ وكيف يقارب كلٌ منهما النص؟

تمهيد: الثقافة: المفهوم وإشكالية المقاربة:

الثقافة culture من الإشكاليات الأكثر تعقيدًا في هذا الوجود؛ فهي مفهوم عصيٌّ على التحديد والتأطير. وأقل ما يمكن قوله إنها بالغة التعقيد، أثارت وما زالت كثيرًا من التساؤلات حول ماهيتها وحدودها، كما جلبت إليها كثيرًا من التخصصات لدراستها ومحاولة اكتشاف أسرارها واستجلاء غوامضها. وقد جاء هذا الاهتمام من طبيعة الثقافة نفسها؛ حيث فرضت نفسها فاعلًا أساسيًا في الكون في كل المجالات؛ فإذا كان الكون/الوجود يوصف بأنه ثقافي، والثقافة توصف بأنها كونية (مع عدم إهمال الفرق بين الثقافة الخاصة والعامة)؛ فإن هذا يعني أننا أمام كلٍّ معقد ومهيمن ويتسرب إلى كل الأشياء (الكل الموجود في الكل) من خلال تمظهرات مختلفة.

يصعب سرد كل ما قيل عن الثقافة في هذا المدخل البسيط؛ لذا سأقتصر على تعريف متداول وشامل يُعرِّف الثقافة بأنها: «ذلك الكلُّ المركب الذي يتألف من كل ما نفكر فيه، أو نقوم بعمله، أو نمتلكه كأعضاء في مجتمع».([1]) والتعريف يُعطي الثقافة صفات الكلية والتركيب والتأليفية؛ فهي تتكون من عناصر شتى، منها الفكري كالمعتقدات والأفكار والتصورات، ومنها السلوكي كالعادات والمشاعر والأخلاق والميول والرغبات، ومنها المادي كاللغة والمهارات والخبرات. فهي كلٌ مركب من كل ما اصطلح عليه المجتمع وميَّزه عن غيره. وهو ما يعني أن الثقافة واحدة ومتعددة في الآن نفسه، واحدة في عمومها، متعددة في أنماطها «فهناك ثقافة إنسانية تميز البشر جميعًا، وهناك في الوقت نفسه ثقافة محلية تميز أهل قرية ما عن أهل القرية المجاورة لهم».([2]) وكانت وما زالت الثقافة هدفًا لكثير من الدراسات من تخصصات مختلفة. كالأنثروبولوجيا وعلم الاجتماع وعلوم الفلسفة وغيرها من العلوم التي تسعى إلى مقاربة الظاهرة الثقافية ودراستها، وإن كان كل علم ينظر إليها من زاوية تخصصه.

أما في الدراسات النقدية والأدبية؛ فإن هناك مناهج نصية سعت لمقاربة الثقافة من خلال النص أو من خلال ربط النص – بوصفه نظامًا دلاليًا – بالأنظمة الدلالية الثقافة الأخرى. إنها مناهج تنطلق من النص إلى الثقافة متوسلةً بالثقافة للوصول إلى حقيقة النص. ومن أهم هذه المناهج: النقد الثقافي/التحليل الثقافي، وسيميائيات الثقافة. هذان المنهجان ثقافيان لكنّهما نصيين (يدرسان النص الأدبي)، وهما يقاربان الثقافة إما بوصفها نصًا، أو خلفيةً للنص وامتداد له في حالتي الإنتاج والتأويل، أو نسقًا فاعلًا في النص. ويتضح من أسميهما مدى صلتهما بالثقافة؛ بحيث نُسِب النقد والسيميائيات إلى الثقافة. وبسبب هذه التسمية وبسبب التقارب بين هذين المنهجين في بعض الخلفيات والأدوات، يخلط بعض الدارسين العرب بينهما في الجانب التنظيري وأكثر من منه في الجانب الإجرائي التطبيقي. ولهذا اللبس الذي صاحب تلقي منهجين من أهم مناهج ما بعد الحداثة؛ فقد أراد الباحث أن يسهم في رفع هذا اللبس وتوضيحه من خلال عرضه لمفهوم النص وخصائصه وكيفية مقاربته في المنهجين.

المبحث الأول: النقد الثقافي وسيميائيات الثقافة: الخلفيات والأدوات:

  1. النقد الثقافي:

النقد الثقافي([3]) والتحليل الثقافي وجماليات الثقافة والتاريخانية الجديدة([4])، كل هذه تسميات لهذا النوع من التحليل؛ فالمؤسس الأول (ستيفن غرينبلات Stephen Jay Greenblatt) يستخدم أحيانًا التاريخانية الجديدة، وأحيانًا أخرى التحليل الثقافي، واقترح في ثمانينيات القرن الماضي مصطلحًا ثالثًا هو “شعريات الثقافة/جماليات الثقافة”. وتدل هذه المصطلحات التي اقترحها (غرينبلات) على «الإجراءات القرائية التي طورها مع مجموعة من زملائه الذين ينتمون إلى هذه المدرسة مثل: (لوي مونتروز Louis Montrose) و(ريتشارد هيلغرسن Richard Helgerson)، لتأويل المظاهر التي كانت قد تشكلت من خلال البحث حول كتاب عصر النهضة».([5])

وقد أضاف عبد الله الغذامي ويوسف عليمات مصطلحًا آخر وهو “النقد النسقي”([6]) لأن النسق هو المفهوم الأساسي في هذا النوع من التحليل، وهو كذلك الموضوع الرئيسي له. ويعرفه الغذامي بأنه: «فرع من فروع النقد النصوصي العام، ومن ثم فهو أحد علوم اللغة وحقول الألسنية مَعْنِىٌ بنقد الأنساق المضمرة التي ينطوي عليها الخطاب الثقافي بكل تجلياته وأنماطه وصيغه، ما هو غير رسمي وغير مؤسساتي وما هو كذلك سواء بسواء. من حيث دور كل منهما في حساب المستهلك الثقافي الجمعي».([7]) ويمكن تعريفه – أيضًا – بشكلٍ أكثر تحديدًا وبسيطًا بأنه “نوع من التحليل يهدف إلى البحث عن الوظائف/الأنساق الثقافية للنصوص”.

والنقد الثقافي هو أحد اتجاهات نقد ما بعد الحداثة أو ما بعد البنيوية، ويشترك مع اتجاهات هذه الحقبة ونظرياتها في كثيرٍ من الخلفيات. فقد تأسس على أساس تأليفي يجمع بين كل أدوات التحليل من أجل الوصول إلى مقاربة الظاهرة الثقافية داخل النص. فإلى جانب الخلفية الفلسفية نجد التفكيكية ونظرية التلقي ونقد استجابة القارئ والسيميائيات وعلم النفس والسيسيولوجيا. كما ساهمت مدرسة بيرمنجهام ومدرسة فرانكفوت والدراسات الثقافية في نشأة هذا الاتجاه.([8]) ويرى (غرينبلات) أن “التاريخانية الجديدة” تشترك في سيرورتها التحليلية مع السيميائيات، وما بعد البنيوية، وعلم النفس بوصفها إدراكا للكيفية التي تكون فيها التجربة شيفرة (Code).([9])

وأول من أطلق مصطلح النقد الثقافي هو (فنسنت ليتش Vincent B. Leitch) في منتصف القرن الماضي، معتمدًا على مقولات (مثقفي نيويورك) الذين يرون أن العمل الأدبي «ظاهرة ثقافية مفتوحة للتحليل من وجهات نظر عديدة».([10]) وهو يرى أن النص يحتوي على نسق ثقافي مضمر يجعل منه عكسًا لتجربة اجتماعية أو لنمط ثقافي معين. ويُعدُّ (ستيفن غرينبلات Stephen Jay Greenblatt) أستاذ النقد الإنجليزي في جامعة كاليفورنيا بيركلي، أحد أهم رواد هذا الاتجاه النقدي الذي يعود له الفضل في طرح مصطلح جماليات الثقافة مطورًا به مصلح التاريخانية الجديدة.([11]) وكان هدف (غرينبلات) وزملائه وتلامذته مناقشة الممارسات القرائية لأدب عصر النهضة. فالتاريخانية الجديدة – على ذلك – ممارسة قرائية، وأدوات لتلقي النص وتأويله. «تأتي التاريخانية الجديدة كنظرية في القراءة والتأويل من حيث إنها سعي إلى أرخنة النصوص (hitoricity of texts) وتنصيص التاريخ (textuality of history)».([12]) وكل ذلك بحثًا عن المكون/النسق الثقافي الذي يتضمن النص، والذي حمله (أو حُمِلَ إليه) عبر التاريخ الطويل.

أما في النقد العربي فكان أول من تلقاه وحاول أن يؤسس نقدًا ثقافيًا مختلفًا نوعًا ما عن النقد الثقافي الغربي، وإن كان يتفق معه في الأصول النظرية، هو الناقد السعودي عبد الله الغذامي، الذي يرى أن النص الجمالي يخبئُ تحت أقنعة البلاغة والجمال أنساقًا ثقافية مضمرة. ويقدم نموذجًا تحليلًا لكشفها. والغذامي بعكس النقاد الثقافيين الآخرين يقدم النقد الثقافي بوصفه ضدًا للنقد الأدبي، بل بوصفه عدوًا للجمال؛ فهو يرى أن النقد الثقافي يجب أن يكشف عن (القبيحات)؛ بوصفها الأنساق المضمرة التي تخبئها النصوص تحت قناع الأدبية.([13]) وبالرغم من تأثير الغذامي وأسبقيته في النقد الثقافي فإن النقاد الثقافيين العرب لم يسيروا على منهجه في تركيزه على القبيحات، ومعاداته للجماليات، بل بالعكس ركز الباحثون على إظهار جماليات النقد الثقافي، معتمدين في ذلك على نظرية (غرنبيلات) “الشعريات الثقافية”. ومن هؤلاء مثلًا: يوسف عليمات، في كتابيه: (جماليات التحليل الثقافي الشعر الجاهلي نموذجا)، و(النسق الثقافي – قراءة ثقافية في أنساق الشعر العربي القديم). وعبد القادر الرباعي في كتابه: (تحولات النقد الثقافي)، ومحسن جاسم الموسوي في كتاب (النظرية والنقد الثقافي)، وحفناوي بعلي في كتاب (مدخل في نظرية النقد الثقافي المقارن)، وغيرهم.

ومن أهم مفاهيم النقد الثقافي ومصطلحاته:

  • النسق: تدل لفظة (نسق) في المعنى اللغوي على الاتساق والانتظام والترتيب. «النَّسَقُ من كل شيء: ما كان على طريقة نِظامِ واحد، عامٌّ في الأشياء».([14]) أي انتظام واتساق عناصر الموضوع بترتيب منتظم، وتوافق وانسجام، والتكامل البنيوي والوظيفي بين عناصر الموضوع. والنسق كما هو في موسوعة لالاند الفلسفية هو «جملة عناصر مادية أو غير مادية يتعلق بالتبادل بعضها ببعض؛ بحيث تشكل كلًا عضويًا».([15]) وعلى ذلك، فإننا ننظر «إلى النسق بوصفه “الكل المنظم” من حيث علاقة أجزائه ببعض وترتيبها وتكوينها».([16]) فالنسق هو الشيء الذي يتكون من وحدات منتظمة مع بعضها ومتسقة ومنسجمة ومرتبة؛ بحيث تصب في هدف واحد، وتشكل وحدة عضوية، ونظامًا واحدًا. و«نسمي شيًا ما نسقًا حينما نريد أن نعبر عن أن الشيء يدرك باعتباره مكونًا من مجموعة من العناصر أو مجموعة من الأجزاء يترابط بعضها ببعض حسب مبدأ مميز».([17]) ويرى الغذامي أن استخدام كلمة (نسق) كثيرًا في الخطاب العام والخاص قد شوَّه دلالتها.([18]) ويتحدد النسق عنده عبر وظيفته، عندما يمتلك الخطاب نسقين أحدهما ظاهر، والآخر مضمر، ويكون المضمر أو الخفي مخالف للظاهر، بشرط وجودهما في نصٍ واحدٍ، أو وحدة خطابية واحدة. والنسق بهذه الصفة يحتاج إلى قراءة خاصة، تكون هي الأصل في تأويل الخطاب؛ لأنه يرى أن النسق هو معنى مضمر ورمزي منغرس في الخطاب. وعلى ذلك فالدلالة النسقية هي الأصل في الكشف عن مغزى الخطاب وتأويله.([19]) ويعتمد النقد الثقافي على مصطلح النسق المضمر، وهو مفهوم مركزي فيه؛ فكل ثقافة تحمل في طياتها أنساقا مهيمنة.
  • الوظيفة النسقية: أضاف الغذامي إلى الوظائف الست التي حددها (رومان جاكبسون Roman Jakobson) وظيفة سابعة للغة، وهي الوظيفة النسقية التي تتحقق عندما يكون التركيز على العنصر النسقي.([20]) وهي وظيفة ثقافية يؤديها النص عبر نسق معين متغلل ومضمر فيه.
  • الدلالــــة النسقية: يرتكز هذا المفهوم على المفهوم السابق، فالنص يمتلك دلالة ثقافية ناتجة عن وظيفته النسقية. فالنسق الثقافي المضمر في النص يولد مستوى آخر من الدلالة، تكون فيه الدلالة متصلة بالنسق وناتجة عنه وتسكن في مضمره أو لاوعيه. فهي على ذلك مستوى دلالي يكون فيه النص خاضعًا للنسق الثقافي المضمر فيه.
  • الجملة الثقافية: يميز النقد الثقافي بين ثلاث جمل رئيسة، وهي: الجملة النحوية ذات المدلول التداولي، والجملة الأدبية ذات المدلول المجازي، والجملة الثقافية «المتولدة عن الفعل النسقي في المضمر الدلالي للوظيفة النسقية في اللغة».([21]) وهي جملة النسق التي يظهر من خلالها، وفيها يختبئ المضمر النسقي، ومنها ينطلق التحليل؛ بوصفها تعبيرًا مكثفًا يكتنز النسق الثقافي.
  • المجاز الكلي: يتحول المجاز في النقد الثقافي إلى قيمة ثقافية، ويتخلى عن قيمته البلاغية، ويخرجه من مجاز اللفظ إلى مجاز الكل؛ بحيث يكون المعنى المباشر للخطاب أحد بُعدي المجاز، «أما البعد الآخر فهو البعد الذي يمس (المضمر) الدلالي للخطاب».([22]) ويتصل بهذا المفهوم مفهومي التورية الثقافية، والمؤلف المزدوج.
  • القراءة الفاحصة: يقوم النقد الثقافي على قراءة فاحصة وتشريحية للنص؛ من أجل الوصول إلى النسق المضمر. وهي قراءة دقيقة وصارمة وموضوعية بعيدة عن الذاتية، تعتمد على ما يقوله النص نفسه.
  • سيميائيات الثقافة: مدرسة (تارتو – موسكو):

انطلقت سيميائيات الثقافة (Culture Semiotics) من السميوزيس (semios) إلى الفضاء السيميائي (semiosphere). وتعود جذورها «إلى فلسفة الأشكال الرمزية عند (كاسيرير)، وإلى الفلسفة الماركسية».([23]) فقد نشأت في البيئة الروسية الماركسية؛ إذ «لم تتبلور سيميوطيقا الثقافة أو الثقافات بشكل جلي إلا مع مدرسة تارتو – موسكو (Tartu) التي كان يمثلها كل من: (إيفانوف Ivanov)، و(أوسبنسكي Ouspenski)، و(لوكموتسيف lekomcev)، و(لوتمان Lotman)، وغيرهم».([24]) وإلى جانب المدرسة الروسية نشأتْ المدرسة الإيطالية، وقدمت كثيرًا من الأفكار في هذا الاتجاه من السيميائيات.

تُعَرَّف سيميائيات الثقافة بأنها «دراسة الأنظمة الثقافية باعتبارها دوالا وعلامات وأيقونات وإشارات رمزية لغوية وبصرية، بغية استكناه المعنى الثقافي الحقيقي داخل المجتمعي، ورصد الدلالات الرمزية والأنثروبولوجية والفلسفية والأخلاقية. ولا تقتصر هذه السيميوطيقا على ثقافة واحدة أو خاصة، بل تتعدى ذلك إلى ثقافات كونية تتسم بطابع عام».([25]) فهي دراسة الأنظمة الثقافية الكونية، التي تتمظهر بوصفها علامات. وأهم رواد هذا الاتجاه «من العلماء والباحثين السوفييت الذين تطلق عليهم تسمية (جماعة موسكو – تارتو)، وهم (يوري لوتمان)، و(فياتشلاف)، و(ف. إيفانوف)، و(بوريس أو سبنسكي)، و(فلاديمير تودوروف)، و(الكساندر. م. بياتيجورسكي)، وكذلك الإيطاليين (روسي)، و(لاندو)»([26])، ومن إيطاليا – أيضًا – (أمبرتو إيكو Umberto Eco).

وتنظر سيميائيات الثقافة إلى الظواهر الثقافية بوصفها أنظمة دلالية مختلفة ومتداخلة في الآن نفسه. فهي تهتم بالثقافات الكونية التي تتسم بطابع عام قائم على التعايش والتواصل والمثاقفة، كما أنها تهتم «بخصوصيات كل ثقافة مستقلة داخل نظام سيميائي كوني. وتعنى أيضا بالعوالم والأقطاب الثقافية الصغرى والكبرى ضمن ثنائية المركز والهامش».([27]) وبذلك يصبح الكون كله مجالًا تشتغل عليه سيمياء الثقافة. فهي تسعى إلى دراسة أنظمته الثقافية في كل مجالاته كالإبداع، والجغرافيا، والعمارة، والعادات والتقاليد، والآداب، واللغة، والفن، والفلكلور، والترجمة، والأدب المقارن، والتواصل، وعلاقة الأنا بالآخر، وأدب الصورة، وأدب الرحلة.

ومن أهم مفاهيم وأدوات هذه المدرسة:

  • السيميوزيس: ويقابله المصطلح العربي السيرورة الدلالية. فالسميوزيس هو «السيرورة التي يشتغل من خلالها شيء ما كعلامة».([28])، السميوزيس سيرورة دلالية تتحكم في إنتاج الدلالات وتأويلها. وكل الوقائع الكونية تدخل ضمن هذه السيرورة (السميوزيس) عند (بورس Peirce)، «إن كل ما يُتداول ضمن الممارسة الإنسانية ويستعمل باعتباره علامة يشتغل باعتباره سيرورة سميوزية. وعلى هذا الأساس فإن مفهوم العلامة في تصور (بورس) مثلا، لا يمكن أن ينفصل عن سيرورة السميوز، فخارج هذه السيرورة لن تحيل الوقائع إلا على تجربة صافية خالية من الفكر والقانون، وستنتفي بانتفاء الشروط التي أنتجتها».([29])
  • الفضاء السيميائي: تشتغل سيميائيات الثقافة ضمن ما سماه (لوتمان) الفضاء السيميائي، و«يرى لوتمان أن الفضاء السيميائي هو فضاء المعنى. وبشكل أكثر دقة، أن الفضاء السيميائي يُعدُّ المقياس الوحيد الذي من خلاله تصبح حياة المعنى ممكنة».([30]) وهو نظام عام وكبير تتفاعل فيه كل الأنظمة الثقافية، ومن بينها أنظمة اللغات، فكل لغة لها فضاؤها السيميائي (الفضاء الداخلي)، وهي محاطة بفضاء سيميائي أكبر منها (الفضاء الخارجي). «هكذا فإن كل لغة تجد نفسها غارقة داخل فضاء سيميوطيقي خاص، ولا يمكن أن تشتغل إلا بالتفاعل مع هذا الفضاء».([31]) وبين الداخل والخارج أو المركز والهامش توجد الحدود، تفصل بينهما، إلا أنها في الوقت نفسه تعدُّ حلقة الوصل بينهما؛ فعن طريق هذه الحدود يتم التفاعل والتهجين وبناء الأنظمة الدلالية الجديدة.
  • الذاكرة: ثقافة النص هي ذاكرته، وهي التي تعمل على إنتاجه وتكونه. «ويقارن أصحاب مدرسة (تارتو – موسكو) بين البنية السيميائية للثقافة والبنية السيميائية الذاكرة»([32]) والفرق بينهما دقيق جدًا يتمثل في أن الثقافة هي تجربة الماضي في حال كونها مثبتة جامدة، أي سمات البنية السيميائية للثقافة، والذاكرة هي تجربة الماضي في حال التطور والتراكم والتعديل، كما هو في النص الفلكلوري.
  • التشويش والتعقيد: التعقيد هو صعوبة إدراك النظام الثقافي نتيجة لوجود عوامل التشويش والفوضى. وهو ما يعني أن التعقيد ينشأ عن التشويش «وقد حدد (لوتمان) التشويش باعتباره فوضى وأنتروبيا وعاملا خارجيًا يقتحم بنية المعلومة وقد يؤدي إلى تعطيلها».([33]) وينقسم التعقيد إلى تعقيد خوارزمي مرتبط بالنظم الاصطناعية، وتعقيد طبيعي يرتبط بالأجسام الحية والنظم الطبيعية.
  • الداخل والخارج والحدود/ثنائية المركز والهامش: ترى السيميائيات الثقافية أن الفضاء السيميائي/الثقافي يتكون من فضاءٍ داخلي وفضاء خارجي (مركز وهامش) تفصل بينهما حدود كالتي تفصل الأحياء عن الأموات والمدن عن القرى. «والحد يمكن أن يحدد بصفته الحد الخارجي لشكل بصيغة ضمير المتكلم … كل ثقافة تبدأ بتقسيم العالم إلى الفضاء الداخلي الخاص (بي) وفضا(ئهم) الخارجي».([34]) وهذه الحدود بقدر ما تفصل الداخل (المركز) عن الخارج (الهامش) فإنها تعمل بوصفها أساس التفاعل، وإنتاج الأنظمة الجديدة أو تحويل الهامش إلى مركز. أي أن الحدود منطقة اتصال وانفصال في الوقت نفسه.
  • النظام المنمذج الثانوي: هو النظام الذي يبنى على أساس نظام آخر. وقد وضعت مدرسة (تارتو – موسكو) هذا المصطلح عند حديثها عن الأدب؛ فـ «الأدب نظام منمذج لأنه يقدّم نموذجًا للعالم، ولكنه نظام ثانوي؛ لأنه مبني على أساس نظام آخر هو النظام اللغوي: النظام المنمذج الأول».([35])
  • الاتفاق والاختلاف:

من خلال العرض السابق للنقد الثقافي وسيميائيات الثقافة نلاحظ الآتي:

  • لا وجود لأي تطابق أو تقارب في المفهومين؛ فكلٌ منهما يشكل كيانًا مستقلًا في مفهومه ومفاهيمه وأدواته.
  • هناك بعض التوافقات في الخلفيات والمنطلقات والأهداف؛ فكلاهما ولد من رحم ما بعد البنيوية، ومن خلفيات متعددة لسانية وفلسفية واجتماعية وثقافية. وكلاهما يدرسان الثقافة في ارتباطها بالنص. والشكل الآتي يمكن أن يعطي توضيحًا أكثر:
  • ما يجمهما – إذاً – هو ربطهما النص بالثقافة، أو دراستهما للثقافة. ومع ذلك فإن نظرتهما للثقافة مختلفة. فالنقد الثقافي ينظر إلى الثقافة بوصفها أنساقًا مضمرةً، وسلطةً مهيمنة. فالثقافة على ذلك “مجموعة من الأنساق المهيمنة والمضمرة والفاعلة والمتجذرة في ذاكرة الإنسان”. والسيميائيات الثقافية تنظر إلى الثقافة بوصفها أنظمة سيميائية متعددة ومتداخلة، أو تراتيبًا لأنظمة دالة. فهي «نظام من العلاقات بين العالم والإنسان»([36]) نظام يحدد الطريقة التي يخلق بها الإنسان علاماته التي يعبر بها عن العالم، أي طريقة هيكلته للعالم. فهي «تعتبر الثقافة نظامًا دالًا كبيرًا (macro-system) يتكون من نظم دالة مختلفة ومتميزة. لكن هذه النظم الدالة المتميزة – حتى إن كانت ذات بنى محايثة – لا تشتغل إلا باعتبارها تنتمي إلى وحدة، ويرتكز بعضها على بعض».([37]) فالنقد الثقافي يُعدُّ انتقائيًا بالنسبة لمفهوم الثقافة، فهو يركز على الأنساق الثقافية المضمرة الفاعلة. أما سيميائيات الثقافة فتتميز بتعريفها الموسوعي والشامل للثقافة.

المبحث الثاني: مفهوم النص:

  1. مفهوم النص وحدوده:
    1. في النقد الثقافي:

ينظر النقد الثقافي إلى النص بوصفه وعاءً تاريخيًا وثقافيًا تتسرَّبَ عبره أو منه الأنساق الثقافية. وعلى ذلك، يغدو النص «ظاهرة نسقية».([38]) فالنص يتم تصوره بوصفه نسقًا ثقافيًا مضمرًا ومخبأً تحت قناعٍ بلاغي. فالنسق الثقافي يتسلل إلى النص من الذاكرة الإنسانية، ومن ثَمَّ يتسرَّب هذا النسق من النص إلى السلوك الإنساني. ما نلحظه – هنا – أن النص يعمل بصفته حاملًا للأنساق (أنساق الثقافة المضمرة). لم يَعُد النصُ كيانًا لغويًا جميلًا بليغًا، أو أثرًا أخلاقيًا ساميًا؛ وإنما غدا قيمة ثقافية، تكمن قيمته، ويكتسب وجوده من الأنساق الثقافية التي يحملها. فالنقد الثقافي ينظر إلى «النص من حيث ما يتحقق فيه، وما يتكشف عنه من أنظمة ثقافية. فالنص هنا وسيلة وأداة».([39]) فالنص عبارة عن حامل نسقٍ أو وسيلة ينتقل بها النسق الثقافي عبر الأجيال.

والتاريخانية الجديدة – وهي أحد أعمدة النقد الثقافي – ترى في النص وعاءً تاريخيًا ولغويًا تمرر الثقافة من خلاله أيديولوجياتها. فهي تسعى «إلى قراءة النص الأدبي في إطاره التاريخي والثقافي حيث تؤثر الإيديولوجيا».([40]) وإذا ما صح وصف النص بأنه وعاءً للأنساق الثقافية المضمرة؛ فإنَّ ذلك يُعدُّ تحويلًا للنص إلى مُسْتَهْلَكٍ ثقافي. فالنقد الثقافي لا يهتم بالنص إلا في هذه المرحلة (مرحلة الاستهلاك الثقافي). «وحينما نقول ذلك فإننا نعني أن لحظة هذا الفعل هي في عملية الاستهلاك، أي الاستقبال الجماهيري والقبول القرائي لخطابٍ ما؛ مما يجعله مستهلَكًا عموميًا».([41]) ومن هنا، فإن النص لا يُعرف إلا بقيمته الثقافية، بما يحمله من أنساقٍ دالة تتوارى خلف أنساقٍ ظاهرة وخدَّاعة، كنسق الأدبية (البلاغة والجمال) مثلًا.

وعلى ذلك، فإن النص عبارة عن نسقين متعارضين، أحدهما ظاهر مُوَرَّى به، والآخر مضمر خفي مُوَرَّى عنه. وعليه، فإن النص في النقد الثقافي هو نص نسقي يتحدد وجوده بأن يحتوي على نسقين في آن واحد، أحدهما ظاهر والآخر مضمر، وأن «يكون المضمر منهما نقيضًا ومضادًا للعلني. فإن لم يكن هناك نسق مضمر من تحت العلني فحينئذٍ لا يدخل النص في مجال النقد الثقافي».([42]) وهذا يعني أن النص – من وجهة نظر نسقية – وعاء للأنساق الثقافية أو مجرد حامل لغوي يغطي هذه الأنساق بحِيَلِه البلاغية.

  1. في سيميائيات الثقافة:

النص في سيميائيات الثقافة أحد الأنظمة الثقافية الدالة؛ فالثقافة هي مجموعة من الأنظمة الدالة المختلفة والمتداخلة في الآن نفسه. إذ «يتخذ النص، عند (يوري لوتمان) بعداً سيميائياً وثقافياً قائماً على الحوارية وتداخل النصوص داخل كون سيميائي معين، أساسه التفاعل والانفتاح والتجاور والحوار».([43]) فالنص يكتسب وجوده من بعده الحواري، ومن التناصات التي يتشكل في ضوئها. إنه يتشكل بواسطة هذه التناصات والتقاطعات مع الأنظمة السيميائية الأخرى في هذا الكون الثقافي. فـ «انتقال النصوص يتم في الواقع في كل الاتجاهات، تيارات كبيرة وصغيرة تتقاطع وتترك آثارها الخاصة. بشكل متزامن، النصوص تجد نفسها موصولة ليس بواسطة واحد، ولكن بواسطة عدد كبير من مراكز سيمياء الكون، وسيمياء الكون الحقيقية تعد متحركة داخل حدودها الخاصة».([44]) فالنص – وإن كان نظامًا أو كيانًا لغويًا – فإنه يُعدُّ فسيفساء من نصوص وأنظمة ثقافية أخرى. إنه عبارة عن ذاكرة للثقافة وأنظمتها التي تتقاطع معه وتعمل على إنتاجه. إنَّ النص – على ذلك – نظام ثقافي دال غير منعزلٍ عن الأنظمة الأخرى، بل إنه يكتسب وجوده من تقاطعه وتداخله معها.

إن النص في سيميائيات الثقافة لا يقتصر على النص اللغوي الإبداعي، وإنما ينطبق على كل نظامٍ علاماتي يحمل دلالة. والثقافة عبارة عن نص مركبٍ معقد، أو هي مجموعة من النصوص التي تتداخل وتتفاعل فيما بينها. والنص الأدبي أحد هذه الأنظمة، وهو نظام دال يعمل ضمن سيرورة التداخلات بينه وبين أنظمة الثقافة الأخرى. فـ«لكي نصف حياة النص في إطار نظام الثقافة أو العمل الداخلي للبنى التي تكونه، فإن الاقتصار على وصف النظام المحايث لمختلف المستويات يصبح غير كاف».([45]) ولذلك، فإن سيميائيات الثقافة لا تنظر إلى النص بوصفه مجموعة من العلامات فقط، وإنما بوصفه علامة في نص الكون الثقافي. فالنص فيها كلٌّ متكامل؛ فهي تركز اهتمامها – مثلها مثل اتجاهات السيميائيات الحديثة الأخرى – على النص المتصل أو النص غير المنقطع.([46]) ومع ذلك فإنه لمقاربة نصٍ ما لا بدّ من النظر إليه بوصفه مجموعة من العلامات لمعرفة الآليات التي أنتج بها، والكيفية التي تشكل بها. أي لمعرفة تداخلات النص (العلامة الكبرى) مع نصوص الثقافة الأخرى. فالثقافة نظام تراتيبي ينطلق من أصغر بنية في النص بوصفها علامةً إلى علامة أكبر (النص) تشارك في تشكيل نص أكبر هو نص الثقافة.

وتتهم سيميائيات الثقافة (مدرسة تارتو – موسكو) بالنص الأدبي، وترى أنه نظامٌ منمذجٌ ثانوي. «الأدب نظام منمذج لأنه يقدّم نموذجًا للعالم، ولكنه ثانوي، لأنه مبني على أساس نظام آخر هو النظام اللغوي: النظام المنمذج الأول».([47]) فالنص الأدبي نظام سيميائي ولكنه قائم على نظام آخر. وهو مكون من نظامين، الأول: النظام اللغوي، والآخر: النظام الفني. وهذا الأخير مأخوذ من أنظمة سيميائية مختلفة، وهو نظام غير مستقل ولا يتحقق وجوده إلا باجتماعه مع النظام الأول.

  1. خلاصة:

نلاحظ – مما سبق – اختلافًا في نظرة كلٍ من النقد الثقافي وسيميائيات الثقافة بالنسبة لمفهوم النص. فمفهوم النص فيهما يتحدد من خلال علاقته بالثقافة، أي أنه من خلال نظرة كل منها للثقافة يتحدد مفهوم النص. وقد عرضتُ في المبحث السابق لاختلاف نظرتهما للثقافة. فالنقد الثقافي يرى في الثقافة أنساقًا مضمرةً ومتجذرةً؛ لذلك فالنص – بالنسبة له – وعاءٌ حاملٌ لتلك الأنساق. بينما تنظر سيميائيات الثقافة إلى الثقافة بوصفها أنظمة سيميائية متداخلة. والنص نظام مستقل من هذه الأنظمة، ولكنه يتداخل – من خلال علاقات مختلفة – مع الأنظمة الأخرى.

وإذا كان كلاهما يرى في النص كتلةً واحدةً أو كلًا متكاملًا غير قابل للتجزئة؛ فإن النص في النقد الثقافي يكتسب وجوده من نظامه المحايث؛ بحيث لا تتعلق قراءته بنظام سيميائي آخر. وفي المقابل فإن النص في سيميائيات الثقافة أحد الأنظمة الثقافية الدالة التي لا يمكن أن يكتسب وجوده إلا باتصاله وتقاطعه مع الأنظمة الأخرى.

وبالرغم من بعض التقاربات في مفهومهما للنص؛ فإن هناك اختلافات واضحة وكثيرة يمكن اختصارها في الجدول الآتي:

النقد الثقافي سيميائيات الثقافة
النص وعاء حامل للنسق الثقافي.الثقافة ساكنة ومتجذرة ومضمرة في النص.النص قيمته ثقافية نسقية، أي بما يحمله من أنساق.النص يشكله نسقان (ظاهر مخادع، ومضمر ثقافي).النص نظام محايث.عمل مغلق تشكله الأنساق المتناقضة.  النص نظام دلالي.النص جزء من الثقافة، فهو أحد الأنظمة التي تشكلها.قيمته في كونه جزءًا من نص الثقافة؛ بوصفها نظامًا سيميائيًا عامًا.النص يتشكل من نظامين: الأول لغوي، والآخر فني.النص نظام غير محايث.عمل مفتوح يتداخل ويتقاطع مع نصوص الثقافة الأخرى.

ويتفقان في نظرتهما للنص بوصفه كلًّا واحدًا لا يتجزأ، كما يتفقان في أن النص الأدبي مشفر تشفيرًا ثقافيًا، ولكنهما يختلفان في كيفية ذلك التشفير وآلياته.

2.            جماليات النص:

  • جماليات النص في النقد الثقافي:

عندما نتكلم عن النص – هنا – فإنما نعني به النص الأدبي؛ فالجمال فيه أظهر، وبه ألصق. والنقد الثقافي – بالنسبة لجمال النص وبلاغته وأدبيته – اتجاهان، الأول: يرى أنه لا صلة للنقد الثقافي بجمال النص وأدبيته. وهو يرى أن النقد الثقافي لا يبحث عن جماليات النص، بل إنه يبحث عن عكس ذلك تمامًا. إنه يسعى إلى كشف العيوب النسقية للنص، و«يتجه إلى كشف حيل الثقافة في تمرير أنساقها».([48]) فالأدب – بالنسبة لهذا الاتجاه – انتهى، والنقد الأدبي مات. فبعض النقاد الثقافيين يرون أن «الأدب بصفته الجمالية مخلوق (برجوازي)، لا معنى له خارج القرن التاسع عشر في أوربا».([49]) وقد أعلن الغذامي موت النقد الأدبي وإحلال النقد الثقافي مكانه.([50]) وبذلك، فإن الأدبية لا معنى لها في النقد الثقافي. وفي أحسن الأحوال ليست سوى حيلة للإنتاج (إخفاء الأنساق المضمرة)، وأداة محوَرَة للتأويل.

جاءت هذه النظرة بناءً على أن النقد الأدبي قد استنفد طاقته في كشف الجماليات وتبريرها، وأن ما لم يكشف – بالرغم من ضرورته – هو الأنساق المضمرة أو العيوب النسقية للنص. ولذلك فقد أسس الغذامي نظريته في النقد على ما سماه (القبيحات)، وهي العيوب النسقية التي زرعتها الثقافة في النصوص. «وكما أن لدينا نظريات في الجماليات، فإن المطلوب إيجاد نظريات في (القبيحات) لا بمعنى البحث عن جماليات القبح، مما هو إعادة صياغة وإعادة تكريس للمعهود البلاغي في تدشين الجمالي وتعزيزه، وإنما المقصود بنظرية القبيحات هو كشف حركة الأنساق وفعلها المضاد للوعي وللحس النقدي».([51]) وهذا النظرة (المتطرفة) جاءت ردة فعل على النقد الأدبي الشكلي، الذي يرى أن النص نتاجًا لغويًا، ويرى الجمال في شكله اللغوي، الذي يغفر كل عيوبه النسقية، بل ويبررها. والنقد الأدبي في العصر الحاضر عرف نظريات أخرى تركز على المعنى في حالتي الإنتاج والتلقي، وتهتم بالشفرات والأنظمة غير اللغوية في النص، ولكنها لا تلغي جماليته، كما يفعل هذا التيار في النقد الثقافي.

وعلى ذلك، فالنقد الثقافي لا يتعامل مع النص بصفته الجمالية، بل بصفته النسقية. فهو لا يتعامل معها بوصفها رموزًا لغوية جمالية، بل بوصفها أنساقًا ثقافية مضمرةً. فالنصوص حالة ثقافية، يسعى النقد الثقافي إلى مقاربتها في حالتها هذه، ويسعى إلى الكشف عن قيمتها النسقية الثقافية. «والنص هنا ليس فحسب نصًا أدبيًا وجماليًا، ولكنه أيضًا حادثة ثقافية. وبما أنه كذلك فإن الدلالة النسقية فيه سوف تكون هي الأصل النظري للكشف والتأويل».([52]) وعلى ذلك، فإنه لا مكان لجمال النص في النقد الثقافي من منظور هذا الاتجاه؛ فهو يتعامل مع نصٍ نسقيٍ مجردًا من الإغراءات.

والاتجاه الآخر يرى أن للنص في النقد الثقافي – أو بتعبير آخر للتحليل الثقافي – جماليته. فهو يرى في النص واقعة ثقافية جمالية، يمتزج فيها اللغوي بالثقافي في وعاءٍ جديد جميل تشكله الذات المبدعة. وعند ما نقول أن النص «هو حادثة ثقافية جمالية، فإن هذا يدل على أن الشاعر يستمد مادته الفنية وصوره الشعرية من خلال ثقافة التفاعل مع مجتمعه».([53]) وبالرغم من أن الهدف هو النسق، وأن النص هنا – أيضًا – نسقي، إلا أن هذا الاتجاه يرى أن للنسق بلاغته وجماله، وأن التحليل بكشفه عن أنساق النص إنما يكشف عن جمال النص. فجمال النص في الأنساق المضمرة التي شكلته، وبعثت في جسده اللغوي روحًا، وأعطته انزياحًا جماليًا. فـ«اللغة لا تخلق شاعريتها وإنما تستعيرها من العالم الذي تصفه».([54]) وكذلك يكتسب النسق بلاغته من لغته المراوغة. فبما أن الجمالي في النص هو حيلة يتخفى بها النسق، فإن الجمالي ضروري للنص؛ مما يعني أنَّ تحققَ النسق المضمر قائمٌ على ظاهره (اللغوي) الجمالي.

وعلى ذلك فإن دراسات التحليل لهذا الاتجاه «لا تنفي القيمة الجمالية وأهميتها في التحليل الثقافي بقدر ما تعززها وتؤكد ضرورتها».([55]) فالنسق يشكل داخل النص بعدًا بلاغيًا ينتمي إلى بلاغة المعنى؛ فالنسق إعادة تشفير للنص بشفرة ثقافية معينة. وفي التشفير تكمن بلاغة النص وجماله؛ لما يحدثه في ذهن القارئ من مفاجأة، ولما يصنعه في النص من فراغات. فجماليات النص تقوم على التشفير الذي تقوم به الأنساق الثقافية المضمرة؛ فهي التي تشكل النص من علامات لغوية مشفرة تشفيرًا ثقافيًا؛ وبذلك فإن الأنساق هي من تصنع انزياحات النص وفراغاته، ومن ثَمَّ جمالياته وبلاغته.

  • جماليات النص في سيميائيات الثقاقة:

سيميائيات الثقافة تهتم بكل الأنظمة الدالة داخل هذا الكون الثقافي، إلا أن الأدب – بوصفه نظامًا ثقافيًا دالًا – حظي باهتمام خاص، وخاصة من قبل مدرسة (تارتو – موسكو). فـ(يوري لوتمان) – أحد أهم مؤسسي هذه المدرسة – يخصص جزءًا من بحوثه ودروسه بجامعة (تارتو) لدراسة بنية النص الأدبي، وخاصة النص الشعري. ومن مؤلفاته التي ضمت هذه البحوث، (دروس في الشعرية البنيوية 1964)، و(بنية النص الفني 1970). وهذه الأبحاث تساهم مساهمة أساسية في بناء العلاقة بين السيميائية والشعرية.([56]) والنص في سيميائيات الثقافة له أكثر من وظيفة، تأتي الجمالية ضمن تلك الوظائف التي ينهض النص بالقيام بها. يقول (لوتمان): «وبشكلٍ أكثر تحديدًا فإن محور اهتمامنا هو القيمة الفنية الخاصة التي تجعل ذلك النص مؤهلًا لتحقيق وظيفة جمالية معينة».([57]) فالنص لا يتخلى عن أدبيته وجماليته، بل إن سيميائيات الثقافة تسعى إلى إبراز هذه الجمالية بوصفها بعدًا جماليًا لهذا النظام الدلالي (النص الأدبي)، وخاصيةً مميزة له عن بقية الأنظمة.

وهي جمالية لا تحققها العلامات مستقرة في أنظمتها ومعزولةً عن فضائها السيميائي، وإنما تتحقق عن طريق حركة السميوزيس/السيرورة الدلالية من الداخل/المركز إلى الخارج/الهامش أو العكس. وهو ما يعني أن جمالية النص تكمن في التوتر الدلالي في منطقة الحدود التي تفصل وتوصل بين الداخل والخارج. ومعرفة التوتر قائم على تتبع حركة السميوزيس داخل الفضاء السيميائي. بمعنى آخر، تتبع عمليتي الإنتاج والتأويل. «ولا تنتج دلالة النص الثقافية إلا حين التقاء الإنتاج مع التلقي والتأويل. وبالتالي، تعد النصوص المؤسسة الثقافية الأولى».([58]) فعملية الإنتاج لا تشكل وحدها معنى النص حتى تلتقي بعملية التأويل؛ فهذا الالتقاء هو ما يعطي النص معناه وجماله. ولذلك فإن سيميائيات الثقافة تنظر إلى النص بوصفه نظامًا منمذجًا ثانويًا؛ وهو ما يعطيه ميزةً سيميائية، وبعدًا جماليًا. فالنظام السيميائي للأدب يختلف عن النظام السيميائي للغة الطبيعية؛ لأن الأدب يتكون منها ويضيف إليها نظامًا آخر هو النظام الفني. ففي الأدب تلتقي وتتقاطع أنظمة ثقافية كثيرة.

ولذلك؛ فإن جماليته تتمثل في أنه المرآة السحرية التي نرى العالم من خلالها. «وهذا يشبه المرايا السحرية التي نلمح من خلالها صورة الكل».([59]) ووفقًا للنظرية الكلية عند (كروتشه) الذي يرى أن «كل شيء ينبض بحياة الكل والكل موجود في حياة أي شيء».([60]) فالكلمات تستدعي سلسلة من الدلالات التي تتعمق إلى أن تحتوي عالمها أو ما سماه الخليل الفراهيدي (البقية) يقول: «البلاغة كلمة تكشف عن البقية»([61]). فالنص هو جزء يكشف عن الكل/العالم. وهو ما يعني أن العلامات اللغوية لا تكتسب أدبيتها إلا باتصالها بالعالم الثقافي الذي تعيش فيه. وهذا الاتصال والتداخل بين النظام اللغوي والأنظمة الثقافية الأخرى هو ما يشكل كيان النص الأدبي، وهو ما يجعله – لبلاغته – نموذجًا مصغرًا للعالم.

المبحث الثالث: مقاربة النص:

كما يختلف النقد الثقافي وسيميائيات الثقافة في مفهوم النص وحدوده؛ فإنهما يختلفان في مقاربته؛ فكلٌّ منهما له هدفه وأدواته وجهازه المفاهيمي الخاص به. وسيقدم البحث مثالًا على ذلك بقراءةٍ لنص للمتنبي في ضوء النقد الثقافي، وأخرى في ضوء سيميائيات الثقافة؛ ليبين اختلافهما في قراءة النص. والنص هو:([62]) (الكامل)

عَذلُ العَواذِلِ حَولَ قَلبِ التائِهِ  وَهَوى الأَحِبَّةِ مِنهُ في سَودائِهِ
يَشكو المَلامُ إِلى اللَوائِمِ حَرَّهُ وَيَصُدُّ حينَ يَلُمنَ عَن بُرَحائِهِ  
وَبِمُهجَتي يا عاذِلي المَلِكُ الَّذي أَسخَطتُ كُلَّ الناسِ في إِرضائِهِ  
إِن كانَ قَد مَلَكَ القُلوبَ فَإِنَّهُ  مَلَكَ الزَمانَ بِأَرضِهِ وَسَمائِهِ
الشَمسُ مِن حُسّادِهِ وَالنَصرُ مِن قُرَنائِهِ وَالسَيفُ مِن أَسمائِهِ  
أَينَ الثَلاثَةُ مِن ثَلاثِ خِلالِهِ مِن حُسنِهِ وَإِبائِهِ وَمَضائِهِ
مَضَتِ الدُهورُ وَما أَتَينَ بِمِثلِهِ وَلَقَد أَتى فَعَجَزنَ عَن نُظَرائِهِ  
  1. في ضوء النقد الثقافي:

يقوم النقد الثقافي على تشريح النص وقراءته قراءة فاحصة بحثًا عن الأنساق المضمرة فيه، والمتمركزة في بنيته العميقة. وهي أنساق ثقافية مضمرة تغطيها أنساق أخرى معلنة. ويتبع في ذلك طريقة التفكيك والتشريح للوصول إلى الجملة الثقافية (مركز النسق)؛ ومن ثَمَّ الوصول إلى النسق المضمر. فقد «تأثر المنهج الثقافي بمنهجية (جاك دريدا) التفكيكية القائمة على التقويض والتشتيت والتشريح».([63]) ومع أن النقد الثقافي يسعى إلى «توظيف الأداة النقدية التي كانت أدبية ومعنية بالأدبي/الجمالي، وتوظيفها توظيفًا جديدًا لتكون أداة في (النقد الثقافي) لا الأدبي».([64]) ومع ذلك فإنه يعتمد على جهازٍ مفاهيمي خاصٍ به كالنسق المضمر، والوظيفة النسقية، والمجاز الكلي، والتورية الثقافية، والجملة النوعية/الثقافية.

  • من خلال النص السابق نجد ثلاثة أنساق مضمرة متحكمة في النص تقابلها ثلاثة أخرى معلنة تغطيها، على النحو الآتي:
  • الأبيات 1-2- 3:

يشكل كيان هذه الأبيات نسقان، الأول: الظاهر المورَّى به، وهو مزج الغزل العذري بغرض المديح؛ مما أظهر النص بمظهر بليغ جميل. إلا أن هذا النسق استخدم قناعًا لإخفاء نسق آخر: هو النسق المضمر الذي يتمثل ثقافيًا في النفاق والتزلف. إن نسق الأدبية الذي يتمثل في استدعاء قاموس الغزل العذري (عذل – عواذل – قلب التائه – المَلَام – اللوائم – يلمن – عاذلي) ما هو إلا تغطية وتعمية عن نسق المداهنة والنفاق. وهو ما كشف عنه عجز البيت الثالث “أسخطت كل الناس في إرضائه”. وهذه الجملة هي الجملة النوعية/الثقافية (بمصطلحات النقد الثقافي) فهي تكشف النسق المضمر في النص. إنها من أعطت للنص دلالةً أخرى غير الحب والغرام وأدبية الغزل العذري؛ فبها يكتسب النص دلالته النسقية، وقيمته الثقافية؛ فترتبط دلالته بالنفاق والتزلف.

  • الأبيات 4-5-6-7:

تحتوي هذه الأبيات على نسقين ثقافيين مضمرين، يغطيهما نسقان معلنان يعملان على إخفائهما. أولهما: الشحاتة، ويختبئ هذا النسق تحت نسق المديح. وقد كرست الثقافة العربية فكرة أن المدح (الشحاتة بالشعر) لا يُسمّى شحاتة، بل مديحًا. وفي الحقيقة أن هذا النسق (المختفي قسرًا) وهو الاستجداء بالشعر قد زرعته الثقافة في الذاكرة التاريخية بمُسمى مُضاد (المديح = غرض أدبي). فالممدوح في النص السابق واحد الدهر الذي ملك الزمان، وفاق الشمس حسنًا، والنصر إباءً، والسيف مضاءً؛ ليس إلا رجلًا يهب المال لمن يطلبه ويمجده ويستجديه. والمديح يتحول وفقًا للنسق المضمر هذا إلى استجداء.

والنسق المضمر الآخر: التمجيد والتعظيم (التطبيل)، ويستتر بقناع المبالغة التي تساوي البلاغة. فالمبالغات نسق مضمر يعطي النص دلالة نسقية وقيمةً ثقافية. فـ”الشمس من حساده …” و”مضت الدهور …” و”ملك الزمان بأرضه وسمائه” مبالغات تؤدي وظيفةً أخرى غير الوظيفة البلاغية؛ وهي الوظيفة الثقافية النسقية. فهي تحيل على نسق مضمر يمجد ويعظم ويصنع الرجل الأوحد (الممدوح/الملك). فالنسق المضمر في النص يصنع بطلًا مستبدًا لا على البشر وحدهم، بل على الزمان والمكان والصفات؛ إنه بطل خارقٌ مَلِكَ الزمانَ، والجمالَ، والنصرَ، والقوةَ، وعجز الدهرُ أن يأتي بمثله. وعلى ذلك، فإن النص في نسقه المعلن ليس إلا مبالغات تكسبه أدبيته وجماله، لكنه بنسقه المضمر يصنع من الشاعر شحَّاتًا منافقًا متزلفًا، ويصنع من الملك بطلًا خارقًا أوحدًا، ويؤسس لبيئة استبدادية. وهذه الأخيرة هي قيمته الثقافية النسقية.

  • ومن ناحية أخرى فإن التحليل الثقافي كما أظهر عيوب النص النسقية يظهر جمالياته النسقية. فالأنساق الثقافية المضمرة تتوزع بين أنساقٍ تكشف جوهر النص الحقيقي المتمثل في قيمته الثقافية (العيوب النسقية)، وأنساقٍ أخرى تكتنز جمال النص؛ فتتحول القيمة الثقافية إلى قيمة جمالية تظهر بلاغة إنتاجه وتأويله. وأضرب على ذلك بنسقين اثنين من النص موضع التحليل:
  • –   نسق العاذل: وهو النسق الذي يتحكم في الأبيات الثلاثة الأولى، ويوجه بقية الأبيات في النص. وهو نسق ثقافي يتمثل في (الناهي عن شيء يرى أنه غير محمود). وقيمة النسق الثقافية هي في وجود لائم/عاذل يلوم الشاعر على القول الذي يشرع فيه (المدح والتمجيد والمبالغة). وجمالية النسق العاذل في أنه يحيل على لائم ما، قد يكون ذات المجتمع الثقافي (الذات الجمعية) التي يستشعر الشاعر أنها تعذله وتلومه. وقد يكون ذات الشاعر نفسه وضميره. وتتمثل جماليته في أنه هو من شكل مقدمة النص باستدعاء قاموس الغزل العذري في غرض المدح.
  • نسق الشعر بوصفه قوة جبارة تستطيع صنع ما لا يستطيع الإنسان صنعه في الواقع. فهو الذي صنع البطل الخارق في النص. والثقافة العربية ترى في الشعر قوةً ترفع الدنيء إلى المراتب العالية، مثلما تضع العالي إلى أسفل المراتب. وقد تسربت هذه الثقافة إلى النص وكونته؛ فظهر الممدوح بطلًا خارقًا؛ فملَّكه ما لا يملك (ملك الزمان بأرضه وسمائه)، وأعطاه ما ليس له: جمالًا يفوق الشمس، وقوةً تجعل النصر قرينه. لقد صنع النص منه بسبب تَشَرُّبه بهذا النسق واحدَ الدهر. وهذه القيمة الثقافية للنسق تحيل على قيمة جمالية تتمثل في المبالغات والاستعارات التي صنعت النص. فلولا تسرب ذلك النسق (الشعر بوصفه قوة) لما بُنِي النص على الشكل البليغ الذي يبدو عليه. أي أن النسق الثقافي المضمر هو من صنع أدبية النص وجماله.
  • في ضوء سيميائيات الثقافة:

تقارب سيميائيات الثقافة النص بوصفه نظامًا منمذجًا ثانويًا. فالنص الأدبي يتكون من نظامين: النظام المنمذج الأول (اللغوي)، والنظام الفني. والأخير دخيل على الأول يشوش حركته ودلالته؛ مما يجعل النص الأدبي معقدًا في قراءته؛ «وهما نظامان يعملان على أساس قواعد مختلفة رغم أن المادة القاعدية واحدة. ومن الواضح أن هذا التداخل بين نظامين: النظام اللغوي والنظام الفني يؤدي إلى تعقيد كبير وإلى انبثاق خصائص مميزة لعناصر النظام اللغوي ما كان يمكن ملاحظتها لو لم يلتق بالنظام الفني في نظام هجين هو النظام الأدبي. وهو تعقيد سيكون له تأثير في طبيعة العلامة نفسها وكيفية اشتغالها لإنتاج المعنى في النص الأدبي».([65]) وذلك يعني أننا أمام نصٍ مشفر تشفيرًا داخليًا، بالإضافة إلى تشفير خارجي مضاعف. فالنظام اللغوي مشفر من داخله، ومشفر من خارجه؛ نتيجةً للخلفيات اللسانية والثقافية للعلامة اللغوية. والنظام الفني يعيد تشفير النظام اللغوي بشفراته الخاصة.

وسيميائيات الثقافة تنظر إلى النص بوصفه علامة (نظامًا دلاليًا) في نص الكون الثقافي، يتقاطع ويتداخل مع الأنظمة الأخرى. ومن هذا المنطلق يسعى إلى الكشف عن تلك التداخلات والتقاطعات التي تظهر في عملية الإنتاج والتأويل، وما أحدثته من تشويش وتعقيد وإزاحة. وللوصول إلى هذه الغاية فإنها تنظر إلى النص على أنه مكون من علامات، مع أنها لغوية (تنتمي إلى النظام اللغوي) إلا أنها – من خلال سيرورتها الدلالية – متصلة بالأنظمة الثقافية الأخرى. والنص الأدبي يعيد تشفيرها من خلاله امتصاصه لنصوص ثقافية مختلفة، وتقاطعه مع أنظمة دلالية متعددة في العالم الذي تعيش فيه.

في النص السابق تتقاطع أنظمة دلالية (عوالم ثقافية) مختلفة، فيتقاطع النظام الدلالي للمديح مع عالم الغزل العذري ونظامه الدلالي (عذل – العواذل – هوى – الملام – اللوائم …الخ)، بما تحمله هذه العلامات من سيرورة دلالية تتعلق بعالم الحب والعشق. كما يتقاطع مع عوالم الحرب (السيف – القوة – الإباء – المضاء)، بما لها من خلفية لسانية وثقافية اكتسبتها من سيرورتها الدلالية المتصلة بالحرب. كما أن المبدع (عبر النظام الفني) يصنع عوالم افتراضية/ممكنة يمزجها بالنظام اللغوي لتشكيل النص، كعالم (الشمس التي تحسد الممدوح. وعالم الدهر الذي أتى بهذا الملك الأوحد وعجز عن أن يأتي بمثله.

وهذه العوالم الثقافية أو الأنظمة الدلالية تشكل ما يسمى (النظام الفني)، وهو النظام الذي يعيد تفعيل النظام المنمذج الأول (النظام اللغوي)، وإعادة تشفيره ليصبح نصًا أدبيًا. أي أن النظام الفني يشكل النص بناءً على التقاطعات والتداخلات التي يقيمها بين عناصر النظام اللغوي وعناصر العالم الثقافي (الفضاء السيميائي) الأخرى. وهذا التداخل يؤدي إلى تشويش النظام اللغوي؛ فالنظام العلاماتي([66]) اللغوي لعالم الغزل العذري تشوشتْ دلالته عندما تمَّ ربطه بالنظام الدلالي للمديح. وهكذا بالنسبة للنظام العلاماتي للحرب والدهر والشمس. ومع التشويش فإن هذه التقاطعات تعيد تشفير العلامات بشفرات جديدة يتحكم بها التعاضد النصي وخلفيات العلامات وشفراتها الثقافية. وهو ما ينتج عنه تعقيدٌ في القراءة والتلقي. كما هو واضح في الشكل الآتي:

فعلامة (العاذل) – مثلًا – أُعيد تشفيرها وأصبحت أكثر تعقيدًا منها في نظامها الأول (الغزل العذري)؛ فالعاذل هنا ليس شخصًا يلوم محبًا على إهلاك نفسه من أجل امرأة. ولكنه ربما (و”ربما” هنا لأن التعقيد يجعل النص مفتوحًا أمام التأويلات أو حمّال أوجه) أحال على حسَّاد الممدوح أو ضمير المجتمع (الذات الجمعية) أو ضمير الشاعر نفسه. و”الشمس” تنتقل من العلامة اللغوية التي تشير إلى جماد بلا مشاعر إلى كائن حيّ يمتلك صفة الحسد والغيرة؛ أي أنه قد تمَّ تشويش نظام هذه العلامة وأعيد تشفيرها بتشفير فني يستند على ثقافة المجتمع (بلاغة المديح والمبالغات)، ومن ثمَّ أصبح أكثر تعقيدًا في إشارته إلى مدلوله.

الخاتمة:

توصل البحث إلى النتائج الآتية:

  1. النقد الثقافي وسيميائيات الثقافة ينطلقان من الثقافة، ويقاربان النص في ضوئها. إلا أن نظرة كلٍ منهما إلى الثقافة ومفهومها وحدودها تختلف عن الآخر.
  2. يتفقان في بعض الخلفيات، وينتميان إلى مناهج ما بعد الحداثة.
  3. يختلف كلٌ منهما عن الآخر في المفهوم والأدوات وآليات مقاربة النص.
  4. تختلف نظرة كلٍ منهما إلى النص؛ فالنقد الثقافي يرى فيه وعاءً للأنساق الثقافية. وسيميائيات الثقافة ترى فيه نظامًا دالًا يتداخل مع الأنظمة الأخرى داخل الفضاء السيميائي الكوني.
  5. ينقسم النقد الثقافي – بالنسبة لجمالية النص – إلى اتجاهين: الأول: يرى أن التحليل لا يبحث عن جماليات النص بل عن العكس (عيوب النص النسقية). والاتجاه الآخر: يرى أن النسق الثقافي المضمر يشكل جمالية للنص.
  6. تتمثل جمالية النص بحسب سيميائيات النص في عملتي الإنتاج والتأويل عن طريق البحث في تداخلات علامات النص مع أنظمة الثقافة الأخرى.
  7. يتفق النقد الثقافي وسيميائيات الثقافة في أن النص قد أُعيد تشفيره بشفرات الثقافة. ولكنهما يختلفان في كيفية حدوث ذلك التشفير وآلياته.
  8. يقارب النقد الثقافي النص من البحث عن الجملة النوعية والعنصر النسقي، وإعطائه دلالةً نسقية، وقيمة ثقافية.
  9. يسعى التحليل في سيميائيات الثقافة إلى البحث عن تقاطعات النص مع النصوص الأخرى داخل الفضاء السيميائي، ومدى تأثير النظام الفني على النظام اللغوي وما ينتج عن التقائهما من تشويش وتعقيد وإعادة تشفير.

المصادر والمراجع:

  1. إبراهيم (عبد الله) وآخرون، معرفة الآخر “مدخل إلى المناهج النقدية الحديثة”، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، ط 2، 1996م.
  2. ابن منظور (محمد بن مكرم)، لسان العرب، دار صادر، بيروت، ط3، 1414هـ.
  3. الأحمر (فيصل)، معجم السيميائيات، منشورات الاختلاف، الجزائر، ط1، 2010.
  4. إليوت (ت. س)، ملاحظات نحو تعريف الثقافة، ترجمة: شكري محمد عياد، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 2001م.
  5. آيزابرجر (آرثر)، النقد الثقافي: تمهيد مبدئي للمفاهيم الرئيسية، ترجمة: وفاء إبراهيم ورمضان بسطاويسي، المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة، ط 1، 2003م.
  6. بنكراد (سعيد)، السيميائيات مفاهيمها وتطبيقاتها، دار الحوار، اللاذقية، سوريا، ط 3، 2012.
  7. بوزيدة (عبد القادر)، يوري لوتمان: مدرسة “تارتو – موسكو”، وسيميائية الثقافة والنظم الدالة، مجلة عالم الفكر (دورية محكمة)، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب – الكويت، (مج35، العدد: 3، يناير/مارس 2007م).
  8. تودروف (تزفيتان) وآخرون، في أصول الخطاب النقدي المعاصر، تر: أحمد المديني، دار عيون للنشر، الدار البيضاء، ط 2، 1989م.
  9. حمداوي (جميل)، الاتجاهات السيميوطيقية المعاصرة، مكتبة المثقفة، ط 1، 2015م.
  10. حمداوي (جميل)، سيميوطيقا الثقافة (يوري لوتمان نموذجا)، شبكة الألوكة، 9/7/2014، http://www.alukah.net/literature_language/0/73254/#ixzz3SmCPFMSX
  11. حمداوي، النقــــد الثقافي بين المطرقة والسندان، موقع ديوان العرب، 7 يناير 2012، http://www.diwanalarab.com/spip.php?page=article&id_article=31174
  12. الرويلي (ميجان)، البازعي (سعد) دليل الناقد الأدبي، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، ط 2، 2002م.
  13. صالح (بشرى موسى)، بوطيقا الثقافة “نحو نظرية شعرية في النقد الثقافي”، وزارة الثقافة، بغداد، ط 1، 2012م.
  14. الضاهر (سليمان أحمد)، مفهوم النسق في الفلسفة، مجلة جامعة دمشق، المجلد 30 – العدد 3+4، دمشق، جامعة دمشق، 2014م..
  15. عليمات (يوسف)، جماليات التحليل الثقافي: الشعر الجاهلي نموذجًا، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، ط 1، 2004م.
  16. عليمات (يوسف)، النسق الثقافي – قراءة ثقافية في أنساق الشعر العربي القديم، عالم الكتب الحديث، أربد،  الأردن، 2009.
  17. عليمات (يوسف)، النقد النَّسقي.. ثقافة النّص ومرجعيات النَّسق، جريدة الرأي، تاريخ النشر: 30-03-2012. http://alrai.com/article/502234.html
  18. الغذامي (عبد الله محمد)، النقد الثقافي (قراءة في الأنساق الثقافية العربية)، المركز الثقافي العربي، بالدار البيضاء وبيروت، ط/2، 2001.
  19. القيرواني، (الحسن بن رشيق)، العمدة في محاسن الشعر وآدابه ونقده، تحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد، دار الجيل، بيروت، ط 5، 1981م.
  20. كوين (جون)، اللغة العليا “النظرية الشعرية”، ترجمة: أحمد درويش، المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة، 1995م.
  21. لالاند (أندريه)، موسوعة لالاند الفلسفية، ترجمة: خليل أحمد خليل، منشورات عويدات، بيروت، باريس، ط 2، 2001م.
  22. لوتمان (يوري)، تحليل النص الشعري، ترجمة: محمد فتوح أحمد، دار المعارف، القاهرة، 1995م.
  23. لوتمان (يوري)، سيمياء الكون، ترجمة: عبد المجيد نوسي، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، ط 1، 2011م.
  24. ليتش (فنسنت. ب)، النقد الأدبي الأمريكي من الثلاثينات إلى الثمانينات، ترجمة: محمد يحيى، المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة، 2000م.
  25. المتنبي (أحمد بن الحسين)، ديوان المتنبي، دار بيروت للطباعة والنشر، بيروت، 1983م.
  26. مجموعة من المؤلفين، نظرية الثقافة، ترجمة: علي سيد صاوي، سلسة عالم المعرفة (223)، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، 1997م.
  27. مفتاح (محمد)، التشابه والاختلاف، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، بيروت، ط 1، 1996م.
  28. الموسوي (محسن)، النظرية والنقد الثقافي، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، ط1، 2005.
  29. Peter Pericles Trifonas, International Handbook of Semiotics, Springer Dordrecht Heidelberg New York London, 2015.

* جامعة البيضاء – اليمن.

[1]) R. Biersted(, The Social Order, Mc Graw Hill, New York 1963     نقلًا عن: نظرية الثقافة، صـ9.

([2]) إليوت، ملاحظات نحو تعريف الثقافة، مقدمة المترجم، ص 11.

([3]) نشير هنا إلى أن مصطلح (النقد الثقافي) عند (آرثر آيزابرجر) و(فنسنت ليتش) لا يدخل فيما البحث بصدده؛ فهو ليس مطابقًا أو مقاربًا للنقد الثقافي بوصفه منهجًا معينًا في التحليل له مفاهيمه وأدواته. فهذا المصطلح يردُ عندهما مرادفًا لمصطلح ما بعد الحاثة. أي أن الكل الدراسات التي خرجت عن قيد البنيوية وانتفضت عليها، وربطتْ النص بخارجه بعد أن كان التحليل محايثًا. وقد يردُ المصطلح عندهما ليدل على النقد خارج أسوار الجامعة؛ فهو على ذلك يقابل النقد المؤسساتي أو ما كان يعرف بالنقد الأكاديمي. ينظر: آرثر آيزابرجر، النقد الثقافي. وفنسنت ليتش: النقد الأدبي الأمريكي من الثلاثينات إلى الثمانينات.

([4]) التاريخانيَّة الجديدة (New Historicism) من أهم نظريات ما بعد الحداثة التي ارتبطت بالأدب، وقد ظهرت ما بين 1970 و1990م. ومن أهم روادها: ستيفن غرينبلات Stephen Jay Greenblatt. وتسعى إلى دراسة النص الأدبي من خلال قراءة فاحصة في إطاره التاريخي والثقافي بما يحمله من أنساق ومؤثرات إيديولوجية.

ينظر: دليل الناقد الأدبي، ص 80-81.

([5]) عليمات، جماليات التحليل الثقافي، ص 27.

([6]) ينظر: الغذامي، النقد الثقافي (قراءة في الأنساق الثقافية العربية)، وعليمات، النسق الثقافي – قراءة ثقافية في أنساق الشعر العربي القديم.

([7]) الغذامي، النقد الثقافي، ص 84-83.

([8]) المرجع السابق، ص 21-22.

([9]) عليمات، النقد النَّسقي.. ثقافة النّص ومرجعيات النَّسق، موقع نت.

([10]) فنسنت ب. ليتش، النقد الأدبي الأمريكي.. من الثلاثينات إلى الثمانينات، ص 104.

([11]) الغذامي، النقد الثقافي، ص ـ42.

([12]) المرجع السابق، ص 45.

([13]) المرجع السابق ص 8.

([14]) ابن منظور، لسان العرب، 10/352.

([15]) لالاند، موسوعة لالاند الفلسفية، 3/1417.

([16]) الضاهر، مفهوم النسق، ص 373.

([17]) مفتاح، التشابه والاختلاف، ص 48.

([18]) الغذامي، النقد الثقافي، ص 76.

([19]) المرجع السابق، ص 77 وما بعدها بتصرف.

([20]) الغذامي، النقد الثقافي، ص 66.

([21]) السابق، ص 74.

([22]) السابق، ص 69.

([23]) الأحمر، معجم السيميائيات، مرجع سابق، ص 97.

([24]) حمداوي (جميل)، سيميوطيقا الثقافة (يوري لوتمان نموذجا)، موقع نت.

([25]) المرجع السابق.

([26]) إبراهيم وآخرون، معرفة الآخر “مدخل إلى المناهج النقدية الحديثة”، ص 106.

([27]) حمداوي، سيميوطيقا الثقافة (يوري لوتمان نموذجا)، مرجع نت سابق.

([28]) بنكراد، السيميائيات مفاهيمها وتطبيقاتها، مرجع سابق، ص 258.

([29]) المرجع السابق، ص 259.

[30]) Peter Pericles Trifonas(, International Handbook of Semiotics, p: 682.

([31]) لوتمان، سيماء الكون، ص 17.

([32]) بوزيدة، يوري لوتمان: مدرسة “تارتو – موسكو”، وسيميائية الثقافة والنظم الدالة، ص 191.

([33]) المرجع السابق، ص 195

([34]) لوتمان، سيمياء الكون، ص 35.

([35]) بوزيدة، يوري لوتمان: مدرسة “تارتو – موسكو”، وسيميائية الثقافة والنظم الدالة، ص 194.

([36]) المرجع السابق، ص 186.

([37]) المرجع السابق، ص 187.

([38]) عليمات، جماليات التحليل الثقافي، ص 16.

([39]) الغذامي، النقد الثقافي، ص 17.

([40]) صالح، بوطيقا الثقافة، ص 26

([41]) الغذامي، النقد الثقافي، ص 81.

([42]) المرجع السابق، ص 78.

([43]) حمداوي، الاتجاهات السيميوطيقية المعاصرة، ص 306.

([44]) لوتمان، سيمياء الكون، ص 80.

([45]) بوزيدة، يوري لوتمان: مدرسة “تارتو – موسكو”، وسيميائية الثقافة والنظم الدالة، ص 192.

([46]) المرجع السابق، ص 190.

([47]) المرجع السابق، ص 194.

([48]) الغذامي، النقد الثقافي، ص 77.

([49]) الموسوي، النظرية والنقد الثقافي، ص 26.

([50]) الغذامي، النقد الثقافي، ص 8.

([51]) المرجع السابق، ص 84.

([52]) المرجع السابق، ص 78.

([53]) عليمات، جماليات التحليل الثقافي، ص 41.

([54]) كوين، اللغة العليا، ص 37.

([55]) عليمات، جماليات التحليل الثقافي، ص 63.

([56]) ينظر: بوزيدة، يوري لوتمان: مدرسة “تارتو – موسكو”، وسيميائية الثقافة والنظم الدالة، ص 193.

([57]) لوتمان، تحليل النص الشعري، ص 21.

([58]) حمداوي، الاتجاهات السيميوطيقية المعاصرة، ص 300.

[59]) Peter Pericles Trifonas(, International Handbook of Semiotics. P: 682.

([60]) تودروف وآخرون، في أصول الخطاب النقدي المعاصر، ص 81.

([61]) ابن رشيق، العمدة، ص 242.

([62]) ديوان المتنبي، ص 352.

([63]) حمداوي، النقد الثقافي بين المطرقة والسندان، موقع نت.

([64]) الغذامي، النقد الثقافي، ص 63.

([65]) بوزيدة، يوري لوتمان: مدرسة “تارتو – موسكو”، وسيميائية الثقافة والنظم الدالة، ص 194.

([66]) نسبة إلى العلامة، أي النظام المكون من علامات.

Leave A Reply

Your email address will not be published.