البعد المذهبي في ثورة القبائل الغمارية في العهد الموحدي وخدمة الغماريين المتواصلة للمذهب المالكي

د. موسى المودن

البعد المذهبي في ثورة القبائل الغمارية في العهد الموحدي وخدمة الغماريين المتواصلة للمذهب المالكي

The doctrinal dimension in Ghmari tribal revolution in the era of Muwahids and Ghmaris’ continuous service of Maliki doctrine

د. موسى المودن

– كلية الآداب والعلوم الإنسانية –
جامعة عبد المالك السعدي – تطوان – المغرب

ملخص:

نعرض من خلال هذا البحث ملامح من ثورة القبائل الغمارية على الدعوة الموحدية في القرن السادس الهجري العاشر الميلادي، زمان أفول الدولة المرابطية واعتلاء الدولة الموحدية لسدة الحكم، وما اعترى المرحلة من صراع مستميت على السلطة، كانت القبيلة الغمارية فاعلا أساسيا فيها، إذ عبرت القبيلة الغمارية عن الرفض المطلق للدعوة الموحدية، التي رأتها ضربا في اللحمة الدينية للمغاربة. فانبرى لهذه الثورة مجموعة من الأعلام، كان على رأسهم الشيخ الجليل والفقيه العالم القاضي عياض السبتي الغماري، والذي عبر من خلال ثورته الأولى والثانية عن تمسك الغمارين سواء من أهل البادية، أو المدن عن الرفض المطلق للمساس بالأمن الروحي والعقائدي للمغاربة، فكان لهذا الرفض ثمن باهض دفعه الكثير ممن وقفوا ضد هذه الدعوة.
يهدف هذا البحث إجمالا إلى تسليط الضوء على مظاهر تمسك الأمة المغربية(الغماريين) بالمذهب المالكي، ورفضهم المطلق لدعوة الموحدين وما جاءت به من مستجدات في الفكر والعقيدة، وكذا دفاعهم المستميت عنها، ووقوفهم جنبا إلى جنب -علماء وقبائل وأفراد-في وجه المساس بسلامة المعتقد والأمن الروحي لما أجمع عليه المغاربة واعتبروه أساسا لوحدتهم وتوجههم العقدي والفكري والمذهبي.
الكلمات المفتاح: المذهب المالكي، قبيلة غمارة، الأمن الروحي، القاضي عياض، الدولة الموحدية.

Abstract:
Features of Ghamari tribe’s revolution on the call of Almohadism in the sixth Hijri century (10th Gregorian century) are highly discussed in this piece of research. The decline time of Almoravid state and the rise of Almohad state to power; a stage of the struggle for power in which Ghamari tribe was an essential actor. Ghamari tribe showed absolute rejection to Almohad call that was seen as a blow to the religious fabric of the Moroccans. This revolution was led by a group of scholars headed by the great Sheikh and jurisprudential scholar Ayyad al-Sveti al-Ghamari who expressed through his first and second revolution the adherence of both rural and urban areas to absolute rejection to wrongly misrepresent spiritual and ideological security of Moroccans. Many of those who were against this call, were harshly faced in the battle area. This research aims to shed light on the manifestations of Moroccan nation’s adherence to Maliki doctrine and their absolute rejection to Almohad’s call along with defending (as tribes, scientists and individuals) for spiritual security and clean belief. Moroccans unanimously considered that as a consensus for their unity, ideological, intellectual and doctrinal orientation.
Keywords: Maliki school, Ghmara tribe, spiritual security, judge Ayad, Almohad state.

تقديم:

عرف المشهد السياسي في بلاد المغرب خلال منتصف القرن السادس الهجري الحادي عشر الميلادي تطورات سياسية مهمة، أفرزت لنا كيانا جديدا، تمثل في صعود الدولة الموحدية سدة الحكم، وبسط سيطرتها على أجزاء مهمة من أراضي البلاد المغربية والأندلسية، وأمام هذا الزحف الذي بلغته الإمبراطورية الموحدية، سيكون الشمال المغربي (غمارة، وحاضرتها سبتة) مسرحا للمقاومة الشرسة ضد الدعوة الموحدية، والتي جاءت بمذهب يناقض توجه المغاربة المذهبي، فما كان من الغماريين إلا أن وقفوا ضد هذه الدعوة وأصحابها.
من خلال هذه البحث المتواضع، سأحاول رصد أهم مواقف الغماريين التي تلت قيام الدعوة الموحدية، والتي تجلت في قيام ثورات قام بها بعض علماء القبيلة أو حواضرها، كما سأحاول رصد أهم جهود علمائها في خدمة الأمن الروحي والعقدي والمذهبي، سواء بتوحيد كلمة القبيلة، أو خدمة الجانب العلمي التأليفي. كما سأحاول إبراز بعض من أثار علمائها المالكيين سواء داخل القبيلة أو خارجها، وخاصة في بلاد الشام ومصر، وذلك انطلاقا من ذكر بعض الأعلام وبعض مؤلفاتهم وسيرهم العلمية.
إن القيام بهذا المجهود العلمي المتواضع، يعد لبنة في صرح المشروع العلمي الحضاري، ووسلية لربط الماضي بالحاضر، وإسهاما في رصد المواقف المبهرة للمغاربة وعلمائهم فيما يخص الحفاظ على وحدة الأمة الدينية والفكرية والعقدية والمذهبية. كما أن الاهتمام بتراجم أعلام الأئمة المالكية (الغماريين) والتعريف بهم، يندرج في إطار الاهتمام بتراث الأمة وتاريخها الزاخر بالعطاء، وربط جسور التواصل بين أبنائها في مختلف الأقطار والأصقاع.

1: نبذة مختصرة عن القبيلة الغمارية:

لا شك أن للقبيلة الغمارية تاريخا من التألق الفكري والاجتماعي، زاد من ذلك حرص هذه القبيلة على تثمين تراثها والمحافظة عليه، فغمارة قبيلة عريقة قديمة جدا، تنتسب في جدرها الأصلي إلى القبيلة المصمودية، وتعتبر إحدى أهم فروعها، وأقدمها، وأشدها صمودا في قلب التغيرات الثقافية والتاريخية.
وغمارة هؤلاء هم بربر سكنوا هذه الجبال منذ مدة قديمة، ولا يعرف تاريخ استقرار هذه القبائل، ولا تاريخ تسمية قبيلتهم بهذا الاسم، وكل ما ورد في الأسفار القديمة مجرد ملء للفراغ التاريخي الذي وجد العلماء المسلمون نفسهم فيه، فنسبوها في هذا الإطار إلى مذهبين هما في الأصل مذهبان عاميان، جرت عادة العلماء العرب أن ينسبوا كل القبائل على النسق. ففي تصور ابن خلدون أنهم: «عرب غمروا تلك الجبال وسموا غمارة». وهذا «مذهب عامي». أما من حيث النسب، فينسب المؤرخون المسلمون وعلى رأسهم ابن خلدون القبيلة إلى «غمار بن مسطاف ابن مليل بن مصمود، وقيل غمار ابن أصاد بن مصمود».
وتاريخ قبيلة غمارة، تاريخ ضارب في القدم، وبرزت أطواره بعد الفتح الإسلامي، وما صاحبه من أحداث تاريخية بصمت غمارة على مجرياته ببصمات خالدة كتبت بمداد فخر وعزة في كثير من الأحيان، وبمداد من التعنة والثورة والخروج عن السلطة المركزية في أطوار أخرى.

2: الوضعية السياسية والاجتماعية في الشمال الإفريقي والأندلس خلال القرن 6هـ:

عرف العالم الإسلامي خلال هذه الفترة مرحلة ضعف خطيرة، ومع هذا الضعف المستشري، سيؤول وضع الخلافة العباسية في المشرق إلى التفكك والتدهور والتمزق، ومع هذا الضعف ستبدأ الهجمة الصليبية على البلاد الإسلامية، سواء في بلاد المشرق الإسلامي أو المغرب -المتمثل في بلاد الأندلس. وهذه نظرة عامة على الوضعية السياسية والاجتماعية للشمال الإفريقي والأندلس:

أ: الواقع السياسي والاجتماعي بالأندلس والشمال الإفريقي:

كان الشمال الإفريقي والأندلس ساحة للعديد من الأحداث، وهذه أهم الأحداث التي شهدتها كلا المنطقتين:

الشمال الإفريقي الواقع السياسي وخصوصية الموقع:

كان الشمال الإفريقي يعاني من ردود الفعل الصليبية، سواء عن طريق النورماندين حكام صقيلية… وحيث إن الشمال الإفريقي هو جزء من العالم الإسلامي فهو يتجاوب معه فكرا وعقيدة ويتأثر بسيره أو يؤثر فيه بحكم موقعه الحساس في غربي البحر الأبيض المتوسط وجواره لمناطق الضغط السياسي في أوربا، ثم لدوره الريادي في حماية البوابة الغربية للعالم الإسلامي، فحيث ضعف العطاء الحضاري في المشرق منذ القرن 11م، كان هنالك بديل رائع بالمغرب الإسلامي. وهذا البديل لابد أن يحسب له حسابه خلال هذه الحقبة الخطرة من تاريخ أمة الإسلام.
وكان الشمال الإفريقي في هذه المرحلة موزعا على ثلاث مناطق رئيسية:
1: المرابطون بالمغرب الأقصى وغرب الجزائر: 430-541هـ (1038-1156م)؛
2: بنو حماد شرقي الجزائر: 386-546هـ (996م- 1151م)؛
3: النورمنديون بسواحل إفريقية: 517- 555هـ (1122م- 1160م) والزيريون بداخلها مع وجود إمارات محلية مستقلة. وقد امتد الحكم الزيري من 362- 555 (973م- 1160م)، وأخيرا قبائل بني هلال بجنوبي إفريقيا التي زحفوا إليها بإغراء الفاطميين سنة 440 (1048م).
وفي هذا السياق المتسم بالتمزق ستبرز الدعوة الموحدية في قلب المغرب، كتعبير عن رفض القائم بها (المهدي ابن تومرت) لما وصل إليه المرابطون من فساد في الأخلاق، وتحجر في الفكر والاجتهاد، وستتطور هذه الدعوة إلى أن تقضي على الدولة المرابطية.

الأندلس وبداية حروب الاسترداد:

كانت الأندلس مسرحا لقيام حركة الاسترداد المسيحي ضد الممالك الأندلسية، والتي نشطت بشكل متزايد منذ القرن 11م، حيث كثف الإسبان تحركاتهم شيء فشيئا تحت تأثير الرهبان الذين شجعوا الشعوب المسيحية على التعاون مع إخوانهم الإسبان في حركة الاسترداد.
وقد تمكن المرابطون بعد صراع مستميت مع القوى المسيحية وملوك الطوائف إلى بسط سيطرتهم على باقي تراب الأندلس، وإرساء دعائم حكمهم إلى ما قبل قليل من سقوط دولتهم بمراكش، لكن مع امتداد الدعاية الموحدية إلى المنطقة حتى تحركت مجموعات من الطبقة البرجوازية بمدن الأندلس تستأثر بالسلطة، وتطرد الولاة المرابطية الذين ضاقت بهم ذراعا، ومن الثائرة:
1: غرب الأندلس (البرتغال) بزعامة أحمد قسي؛
2: قرطبة ثار فيها ابن حمدين بن محمد؛
3: بلنسية التي نادت بولاية مروان ابن عبد العزيز.
وقد حققت إمارة أراغون البسكية تقدما كبيرا في حركة الاسترداد خلال القرن 12م، وذلك باستيلائها على سرقسطة وعدد من المراكز الأخرى.

ب: الوضع الاجتماعي بالشمال الإفريقي والأندلس:

لحق التركيب الاجتماعي بالمغرب والأندلس خلال القرنين السادس والسابع الهجريين (12-13م) تغيرات أساسية، وبإجمال، فتح هذا التركيب المتنوع مجالات جديدة في تاريخ المنطقة وترتبت عنه انعكاسات اجتماعية وسياسية بعيدة المدى، وهذا تجريد لأهم العناصر المعروفة في هذه الفترة:
1: العنصر الأمازيغي: الذي يتكون من مجموعة كبيرة رئيسية، ومن أهمها: صنهاجة، زناتة، مصمودة، وأطلق الرومان على هذا المكون اسم البربر.
2: العنصر العربي: القادم من الشرق، كالذي استقر بالقرويين أو بالأندلس، وفاس ومراكش وسلا، وهو في مجموعة قليلة العدد، لأن التأثير العديد للمجموعات الأمازيغية ظل أقوى وأشمل من غيره إلى حلول العنصر الموريسكي.
3:المجموعات اليهودية: على الرغم من انتمائها إلى المشرق أو الأندلس، إلا أنها ظلت وفية للمنطقة وتقاليدها، وساكنت المغاربة في البوادي والمدن.
4: العنصر الزنجي والعربي الحراطين: وهو مزيج من عناصر زنجية وأخرى عربية وأمازيغية، انصهرت فيما بينها لتكون هذا العنصر.
5: العنصر القوطي: ذاب العنصر القوطي في المكون الأندلسي، ولم ير لهذه المكون حضور على الساحة الأندلسية، والسبب أنه اندمج اندماجا كليا مع المكونات البربرية والعربية الوافدة، فتطبع بطباعها، وتعلم لغتها، وتعايش في ظل تغيراتها.

3: مظاهر رفض القبائل الغمارية للمذهب الموحدي:

رفض الغماريون الدعوة الموحدية منذ انطلاقها، فبعد أن اقترب الموحدون من جبال غمارة، تجند الغماريون بقيادة علمائهم لدفع الموحدين عن أراضيهم، فكان جزاء هذه المقاومة الكثير من التضحيات، فقد حوصرت سبتة، وقتل عشرات الغماريين في تطوان وغيرها، إلا أن هذا لم يمنع من قيام حركات أخرى فيما بعد ترفض الدعوة الموحدية وتتشبث بالمذهب المالكي.

أ: وقوف الغماريين ضد الدعوة الموحدية التي قادها عبد المومن:

كانت فترة الدولة الموحدية فترة غنية بالأحداث عن القبيلة الغمارية، وكأي كيان يسعى إلى الاستقلال عن المركز، كانت قبيلة غمارة في طموح مستمر نحو الاستقلالية والتفرد، أظهرته الثورات المتعاقبة لهذه القبيلة على الموحدين كرفض مستمر وطبيعي لظلم وجور الولاة من جهة، ورفض لمذهب الدولة الجديدة وتمسك بالمذهب المالكي وبيعة المرابطين من جهة أخرى، وهذه أهم الأحداث التي أظهرت رغبة الغماريين في التخلي عن سلطة الموحدين، والحنين إلى حكم المرابطين، الذين تربطهم بهم رابطة المذهب والعقيدة:
– في سنة 543هـ خرج عبد المومن بجيش من تينمل زاحفا نحو الشمال حتى وصل إلى جبال غمارة، وتعرض لمقاومة سبتة على يد القاضي عياض… ثم اضطرت إلى الاستسلام بعد أن كانت قد رفضت دعوة الموحدين على يد القاضي عياض السبتي. وقد عفا عبد المومن عن القاضي عياض نظرا لما كان يتمتع به لدى أهل المغرب، كما عفا عن أهل سبتة الذين ثاروا عليه.
– في سنة 540هـ: «سيثور القاضي عياض السبتي انطلاقا من قاعدة قبيلة غمارة «سبتة»، وذلك رفضا للمذهب الموحدي وتمسكا بالمذهب المالكي، إلا أنه سيعفي عنه بعد ذلك».
– في أوائل القرن السابع: لما عاد الخليفة عبد المومن ظافرا على مراكش، أرسل جيوشه للقضاء على كل من شك في ولائهم، فكان أن قتل من غمارة في تطاوين ثمانمائة.

ب: ثورة الغماريين بعد وفاة عبد المومن الكومي:

استمرت قبيلة غمارة في رفض المذهب الموحدي بعد وفاة عبد المومن الكومي، والذي بسط سيطرته على القبيلة الغمارية بالقوة، إلا أن هذه السيطرة لم تعن انقياد الغماريين إلى الدعوة الموحدية، بل ثار الغماريون في مواطن عديدة، ففي:
– سنة 559هـ: «ستعرف جبال غمارة ثورة على يد الثائر»مرزدغ الغماري» انطلاقا من منطقة صنهاجة مفتاح، فضرب السكة على نفسه وسار إلى أن صار نحو مدينة فاس. إلا أنه سرعان ما سيقتل على يد الجيوش الموحدية».
– سنة 562هـ: «ستقوم ثورة أخرى بقيادة سبع ابن مغنادف، في قبيلة بني خالد من غمارة، ثم قتل على إثرها هذا الثائر بجبل تيزيران في قبيلة بني خالد».
– سنة 1228م: «تمرد المتنبي محمد أب الطواجن الكتامي بجبالة، وقد انهزم وقتل على ضفاف واودلاو».
– سنة 1228م: «قتل المولى عبد السلام ابن مشيش أمير أولياء غمارة على يد المتنبي أبي الطواجن الكتامي، الذي قتل بدوره في نفس السنة».
– ظهر في غمارة في «آخر المائة السّابعة وعشر التّسعين منها رجل يعرف بالعبّاس، وادّعى أنّه الفاطميّ واتّبعه الدّهماء من غمارة، ودخل مدينة فاس عنوة وحرق أسواقها وارتحل إلى بلد المزمة فقتل بها غيلة ولم يتمّ أمره».
والمتأمل في هذه الحداث يرى أن حركة الثورة على الدولة الموحدية لم تهدأ، بل استمرت إلى أن وصلت إلى درجة الطموح في أخذ زمام الحكم، وهذا ما حدث مع المتنبي الغماري، أبي الطواجن الكتامي، الذي ادعى النبوة وشرع الشرائع، وأعلن دينا جديدا يناقد ما جاء به الدين الإسلامي.

4: ثورة العلماء على الدعوة الموحدية وتشبثهم بالمذهب المالكي:

عرفت الدعوة الموحدية قيام العديد من الثورات في بداية نشوئها وتمددها، سواء نحو شمال المغرب وبلاد الأندلس، أو باتجاه المغرب الأوسط وإفريقيا. وكانت هذه الثورة التي قادتها القبائل الغمارية المتمثلة في كثير من أعلامها، وخاصة شخصية القاضي عياض السبتي، رفضا متجددا لهذا المذهب، ودعوة مستمرة للتمسك بخصوصية المذهب المالكي، والحكم المرابطي.

أ: شخصية القاضي عياض ونبذة عن حياته:

هو عياض بن موسى بن عياض بن عمرون اليحصبي السبتي، أبو الفضل: عالم المغرب وإمام أهل الحديث في وقته. ولد سنة (476هـ – 1083م)، بسبتة، كان من أعلم الناس بكلام العرب وأنسابهم وأيامهم. ولي قضاء سبتة، ثم قضاء غرناطة. وتوفي بمراكش مسموما، قيل: سمه يهودي.
توفي سنة (544هـ- 1149 م)بمراكش.

ب: موقفه من الدعوة الموحدية:

كان موقف القاضي عياض من تمدد الموحدين على بلاد المغرب الإسلامي موقف رفض وامتناع، «فما صدر من القاضي عياض -رحمه الله- في جانب الموحدين دليل على أنه كان يرى أن لا حق لهم في الأمر والإمامة وإنما هم متغلبون، وهذا أمر لا خفاء به كما هو واضح، ولما كانت شوكة عبد المؤمن لا زالت ضعيفة وتاشفين بن علي أمير الوقت لا زال قائم العين امتنع القاضي عياض رحمه الله من مبايعة عبد المؤمن ودافعه عن سبتة إذ لا موجب لذلك لأن بيعة تاشفين في أعناقهم وهو لا زال حيا فلا يعدل عن بيعته إلى غيره بلا موجب»… «وأما ما غالط به المهدي رحمه الله من أن المرابطين مجسمة وأن جهادهم أوجب من جهاد الكفار فضلا عن أن تكون طاعتهم واجبة فسفسطة منه عفا الله عنا وعنه».
وبعد هزيمة المرابطين، وانكسار جيوشهم وقتل تاشفين، «فتحت تلمسان وفاس وقويت شوكة عبد المؤمن بايعه القاضي عياض حينئذ وقبل صلته، لأن من قويت شوكته وجبت طاعته».

تحميل العدد السادس من مجلة ذخائر

ت: وقوفه ضد الدعوة الموحدية في بدايتها:

استمر عبد المؤمن الكومي الموحدي على حاله في فتح الحصون وتدليل القبائل، فنازل سبتة فامتنعت عليه وتولى كبر دفاعه عنها القاضي أبو الفضل عياض بن موسى الشهير الذكر وكان رئيسها يومئذ بأبوته ومنصبه وعلمه ودينه.
ولما قتل تاشفين بن علي وفتحت تلمسان وفاس واستفحل أمر عبد المؤمن بايع أهل سبتة في جملة من بايع من أمصار المغرب. ورجعوا عن ثورتهم، ورجع القاضي عياض عما قام به سابقا.

ث: انتفاضته الثانية ضد الدعوة الموحدية:

انتقض المغرب على عبد المؤمن بسبب قيام محمد بن هود، وما نشأ عن ذلك من الفتن، فانتقض بعد ذلك أهل سبتة أيضا وكان انتقاضهم كما في القرطاس برأي القاضي عياض -رحمه الله- فقتلوا عامل الموحدين ومن كان معه من أصحابه وحاميته وحرقوهم بالنار. وركب القاضي عياض البحر إلى يحيى بن علي المسوفي المعروف بابن غانية وكان معتصما بقرطبة متمسكا بدعوة المرابطين فلقيه وأدى إليه البيعة وطلب منه واليا على سبتة فبعث معه يحيى بن أبي بكر الصحراوي الذي كان معتصما بفاس أيام حصار عبد المؤمن لها ففر ولحق بابن غانية كما قلنا وبقي في جملته إلى أن بعثه مع القاضي عياض في هذه المرة فدخل يحيى سبتة وقام بأمرها».
ولما علم «عبد المؤمن بهذه الأخبار مع ما تقدم من هزيمة برغواطة للشيخ أبي حفص، خرج من مراكش قاصدا بلاد برغواطة أولا ثم من بعدهم ثانيا، فتسامعت برغواطة بخروج عبد المؤمن إليهم فكتبوا إلى يحيى بن أبي بكر بمكانه من سبتة يستنصرونه عليهم، فأتاهم وبايعوه واجتمعوا عليه وقاتلوا عبد المؤمن فهزموه ثم كانت له الكرة عليهم فهزمهم وحكم السيف فيهم، واستأصل شأفتهم حتى انقادوا للطاعة وتبرؤوا من يحيى الصحراوي ولمتونة وفر الصحراوي إلى منجاته ثم طلب الأمان من عبد المؤمن وتشفع إليه بأشياخ القبائل فأمنه ووفد عليه فبايعه وحسنت طاعته لديه وكان ذلك سنة اثنتين وأربعين وخمسمائة».
بعد هذه السلسلة من الانتصارات المدوية للقادة الموحدين، «رأى أهل سبتة ذلك كله سقط في أيديهم وندموا على صنيعهم وكتبوا بيعتهم إلى عبد المؤمن وقدم بها أشياخ سبتة وطلبتها تائبين فعفا عنهم وعن القاضي عياض وأمره بسكنى مراكش والصحيح أنه ولاه القضاء بتادلا ثم دخل مراكش قيل دخلها مريضا مرض موته وقيل مات بالطريق».

5: مظاهر عناية العلماء المغاربة (الغماريين) بالمذهب المالكي:

اهتم المغاربة بالعموم، والغماريون بالخصوص بالمذهب المالكي عناية شديدة، فنبغ منهم الكثير من الأعلام، حتى أن أرض القبيلة ضاقت بكثرتهم، فتوزعوا على الدول الأخرى كأرض الكنانة والشام والحجاز. ومن أكثر الأدلة دلالة على ذلك ما يلي:

أ: عناية العلماء المغاربة (الغماريين) بالمذهب المالكي:

عرف عن الغماريين شغفهم الشديد بالعلم، وتعلقهم المتين به، وعنايتهم البالغة بأهله، حيث أنهم خصصوا للعلم الشرعي حيزا واسعا من اهتمامهم يليق بمكانته، باعتباره علما راقيا، تشهد بذلك وفرة من المصنفات التي خلفوها في هذا المجال. ومن أبرز المصنفات والأعمال التي صنفها أو قام العلماء المغاربة (الغماريون) خدمة للمذهب المالكي:

– جهود القاضي عياض السبتي المالكي:

ترجمته (سبقت ترجمته): هو عياض بن موسى بن عياض بن عمرون اليحصبي السبتي، أبو الفضل: عالم المغرب وإمام أهل الحديث في وقته.
مجهوداته أعماله: «الشفا بتعريف حقوق المصطفى – ط» و« الغنية – خ» في ذكر مشيخته، و«ترتيب المدارك وتقريب المسالك في معرفة أعلام مذهب الإمام مالك – ط» أربعة أجزاء وخامس للفهارس، و«شرح صحيح مسلم – خ» و«مشارق الأنوار – ط» مجلدان، في الحديث، و«الإلماع إلى معرفة أصول الرواية وتقييد السماع – ط» في مصطلح الحديث وكتاب في «التاريخ». وجمع المقري سيرته وأخباره في كتاب «أزهار الرياض في أخبار القاضي عياض – ط» ثلاثة مجلدات من أربعة و«الإعلام بحدود قواعد الإسلام – ط» و«شرح حديث أم زرع – خ» جزء لطيف، في خزانة الرباط (1857 كتاني) والظاهرية بدمشق.

– جهود الحسن بن عبد الكريم الغماري المالكي:

ترجمته: الحسن بن عبد الكريم هو بن عبد السلام ابن فتح الغماري المغربي ثم المصري الشيخ الإمام العالم المقرئ المجود الصالح المعمر، بقية المسندين أبو محمد المالكي الملقن المؤدب سبط زيادة بن عمران.
سيرته العلمية وجهوده: سمع الشيخ من أبي القاسم بن عيسى جملةً صالحة، وكان آخر من حدث عنه. قال الشيخ شمس الدين الذهبي: بل ما روى لنا عنه سواه. وكان عنده التيسير والتذكرة والعنوان في القراءات وكتاب المحدث الفاصل للرامهرمزي، وكتاب الناسخ والمنسوخ لأبي داود، وعده أجزاء وسمع الشاطبيتين من أبي عبد الله القرطبي تلميذ الشاطبي، وتفرد بمروياته. وروى عنه العلامة قاضي القضاة تقي الدين السبكي، والعلامة أبو حيان، والحافظ فتح الدين بن سيد الناس والوافي وابن الفخر. وكان شيخاً متواضعا، مزجياً لأوقاته مدافعا، طيب الأخلاق، يمرح فيما ارتداه من الجديد والأخلاق. ولم يزل على حاله إلى أن نقص سبط زياده، وعدم الناس من الرواية والإفادة.
وتوفي رحمه الله تعالى بمصر سنة اثنتي عشرة وسبع مئة. ومولده سنة سبع عشرة وست مئة.

– جهود القاضي أبي العباس الغماري المالكي:

ترجمته: الشيخ الإمام الفاضل العدل نجم الدين، القاضي أبي العباس الغماري المالكي.
جهوده وأعماله: كان معيداً بالمدرسة الناصرية والمنكوتمرية. كان فيه مخالطه، وإبهام للناس بالناس ومغالطه، مع كيس ولطف ذوق، وتقلبات لا يجيء فيها إلا من فوق، وعنده فقه، وله نظم ما به من باس، ومحاضرة مخرق بها فستر ذلك الإلباس، وحصل من الدنيا جملة وافرة، ولم يكن له من يرثها بعده، ولم يتزود منها غير الكفن لما نزل لحده.
توفي رحمه الله تعالى في ثاني جمادى الآخرة سنة خمس وعشرين وسبع مئة، ودفن في مقابر باب النصر بالقاهرة.

– جهود أحمد بن محمد بن الصديق الغماري المالكي:

ترجمته: هو أحمد بن محمد بن الصديق بن أحمد، أبو الفيض الغماري الحسني الأزهري، متفقه شافعي مغربي. من نزلاء طنجة. تعلم في الأزهر، واستقر وتوفي بالقاهرة. عرف بابن الصديق كأبيه.
جهوده وأعماله: له كتب، منها (رياض التنزيه في فضل القرآن وحامليه – خ) بخطه، في دار الكتب، و(مطالع البدور في جوامع أخبار البرور – ط) بطنجة، و(إقامة الدليل – ط) في تحريم تمثيل الأنبياء والأولياء على المسارح، و(توجيه الأنظار، لتوحيد المسلمين في الصوم والإفطار – ط) رسالة، و(التصور والتصديق – ط) في سيرة والده (ابن الصديق و(المعجم الوجيز للمستجيز – ط) رسالة في شيوخه ولمحة من تراجمهم و(إبراز الوهم المكنون – ط) في الأحاديث الواردة في المهدي.
انطلاقا من سير هؤلاء الشيوخ البربرة الكرام، يتبين لنا أن مجهودات المغاربة من قبيلة غمارة كانت كبيرة في هذا الصدد، إذ اشتهر الكثير منهم في بلاد المشرق الإسلامي أكثر منه في بلاد المغرب، فأثمر علمهم مصنفات وحلقات أغنت الساحة العلمية وعززتها إلى درجة التألق، فرحم الله هؤلاء الأعلام، وبارك في الخلف والأحفاد.

ب: بعض علماء القبيلة الغمارية الذين اشتهروا بخدمتهم للمذهب المالكي:

لابد أن يكون أثر الحركة العلمية والأدبية والدينية على القبيلة الغمارية كبيرا، إذ عرف عن الغماريين اشتغالهم الشديد بالعلم، وخاصة ما يتعلق بعلوم الشريعة، وتشهد المدارس العلمية المنتشرة بين أرجائها على حركة علمية قديمة بين قبائلها المترامية، والتي احتضنت الكثير من الأعلام، بل حتى أن الأرض ضاقت بهؤلاء العلماء وانتشروا في بقاع الأرض المختلفة، فكانت ظاهرة القضاة الغماريين المالكيين في الشام وبلاد الكنانة من أكبر ما أثار الانتباه، وهذه عينة من بعض العلماء الغماريين الذين اشتهروا في هذه الأرجاء:

القاضي عبد الرَّحْمَن ضياء الدّين المالكيّ الغماريّ:

اسمه ونسبه: هو الشيخ العالم الجليل عَبْد الرَّحْمَن، ضياء الدّين المالكيّ الغماريّ أصلا، الشامي الدمشي مستقرا ووفاة.
ولادته وسيرته: جلس مكان الشيخ أبي عمرو ابن الحاجب لمّا انفصل عَن دمشق، وجلس فِي حلقته بالجامع فِي زاوية المالكيّة ومدرستهم.وكان فقيهاً كريماً، شاعراً، فاضلًا.
وفاته: تُوُفّي فِي شعبان سنة (644ه).

القاضي أَحْمد بن يَعْقُوب الغماري الْمَالِكِي:

اسمه ونسبه: هو العالم الجليل والقاضي الشهير أَحْمد بن يَعْقُوب الغماري الْمَالِكِي.
ولادته وسيرته: كَانَ العالم الجليل فَاضلا، درّس وَأفْتى وَولي قَضَاء حماة.
وفاته: مَاتَ فِي ذِي الْقعدَة سنة: (796هـ) وَله نَحْو السِّتين.

القاضي مُحَمَّد بن يُوسُف الغماري المالكي:

اسمه ونسبه: مُحَمَّد بن يُوسُف بن يَعْقُوب بن مهْدي الغماري الْمَالِكِي.
ولادته ومسيرته: سمع من الْفَخر وَزَيْنَب بنت مكي وتفقه في علوم الدين، وصار من كبار علماء عصره.
وفاته: مَات بِدِمَشْق فِي ذِي الْقعدَة سنة: (725ه.).

القاضي ابن ميمون الغماري البزراتي المالكي:

اسمه ونسبه: هو علي بن مَيمُون بن أبي بكر بن علي بن ميمون بن يوسف بن إسماعيل بن أبي بكر بن عطاء الله بن حيوان بن سليمان بن يَحْيَى بن نصر بن يوسف بن عبد الحميد بن يَلَتن بن وازروق بن وسكور بن عرب بن هلال بن محمد بن إدريس.
ولادته وسيرته: ولد رحمه الله سنة: (854هـ/ 1450م) في غمارة -من أعمال فاس، ونشأ بها فأخذ عن علمائها، وعلماء شفشاون القرآن الكريم والفقه والتصوف ثم نزل فاس طالبا للعلم فحضر مجالس مشيختها عند أبي العباس الونشريشي وأبي الحسن الزقاق وغيرهما.
بعد أن أقام في فاس وتعلم على شيوخها الكبار في جامع القرويين، تولى القضاء بمدينة شفشاون لبني راشد، غير أنه لم تطب له الإقامة في الخطة المذكورة. ثم عكف على غزو الإفرنج في السواحل، فاجتمع له عدد كبير من الغزاة وولوه قيادتهم.
كان الشيخ المرشد المربي القدوة الحجة ولي الله تعالى العارف به على رأس العسكر، ثم ترك ذلك، وصحب مشايخ الصوفية، ومنهم الشيخ عرفة القيرواني، فأرسل الشيخ عرفة إلى أبي العباس أحمد التوزي الدباسي، ويقال: التباسي – بالتاء – ومن عنده توجه إلى المشرق. وقد دخل القاهرة وحَجَّ، ثم دخل دمشق سنة (904ه) وربَّى كثيرًا من الناس، ثم أتى الرُّوم وتوطّن ببلدة بروسا، ثم عاد إلى الشام ومات. وله مقامات عالية وكان من التقوى على جانب عظيم، وكان لا يقوم لأحد ولا يقومون له. ونقل عنه أنه قال: لو أتاني بايزيد بن عثمان لا أعامله إلا بالسُّنَّة، وكان غضوباً إذا رأى من المريدين منكرًا يضربهم بالعصا، وكان لا يقبل وظيفة ولا هدية ويطعم مع ذلك عشرين نفساً من المريدين. وله رسالة سماها «تنبيه الغبي في تنزيه ابن العربي» و «شرح الحديث الأربعين» بسط فيه القول على أبواب وفصول، وله مناقب كثيرة، روَّح الله روحه. كان شديد الإنكار على علماء عصره ولا سيما المتصوفة، على أنه من كبارهم، وإنما كان يدعوهم إلى التزام السنة والتقيد بروح الدين.
وفاته: توفي رحمه الله في مجدل معوش (من قرى لبنان) سنة: (917 هـ / 1511 م).
تقلد هؤلاء القضاة أدوارا مهمة في بلاد الشام، حتى أن بعضهم ارتقى إلى مراتب كبيرة، وهذا جزء يسير من ظاهرة لم يؤرخ لأصحابها كثيرا، وظاهرة انتشار العلماء والقضاة الغماريين المالكيين المغاربة في البلاد الشامية الفلسطينية ظاهرة غريبة، وخاصة أنها جاءت في فترة تكاد أن تكون متقاربة، وهنا يجدر الإشارة إلى المغرب عرف طفرة فيما يخص تصدير العلماء وكبار الفقهاء، وأن الحج والدفاع عن المقدسات كان من بين أبرز الأسباب التي جعلت المغاربة يسافرون إلى هذه المناطق.

ت: أثر عناية العلماء بالمذهب المالكي على لحمة المغرب وأهله:

بعد بسط الموحدين لسيطرتهم على المغرب الكبير، «أحرق المنصور عدة كتب في الفقه، كمدونة سحنون وكتاب ابن يونس وكتاب التهذيب للبرذعي وواضحة ابن حبيب، وأنه أمر بعدم الخوض في علم الرأي وتوعد على ذلك بالعقوبة الشديدة… وكان قصده في الجملة محو مذهب مالك وإزالته من المغرب مرة واحدة وحمل الناس على الظاهر من القرآن والحديث».
إلا أن تمسك المغاربة بالمذهب المالكي سيكون له أثر كبير على لحمة دولتهم، فقد استشعر المغاربة منذ القدم ضرورة الوفاء للمذهب المالكي، فكانوا هم وعلماؤهم من أشد المعارضين لدخول أي مذهب يضرب في عمق التعاليم التي عاشوا هم وأجدادهم عليها، لهذا حينما أراد الموحدون غزو أراضيهم بدعوتهم الجديدة رفض المغاربة بالعموم والغماريون بالخصوص الدعوة الموحدية، ووقفوا ضدها، فكان رفضهم هذا تعبيرا متجددا عن التمسك بالمذهب المالكي ورفض واضح لأي تغيير، فانعكس هذا التلاحم حول المذهب المالكي على لحمة الدولة وأهلها.

خاتمة:

بعد أن انتهينا من هذا البحث المتواضع، يحق لنا أن نقوم بسرد لأهم النتائج التي توصلنا إليها، والتي جاءت كالتالي:
– أن بلاد المغرب يزخر برصيد تاريخي وديني وثقافي وحضاري مهم يثري تراثه المستقبلي بل ويزكيه، وأن هذا التراث ما يزال يحتاج إلى الكثير من الاهتمام والتنقيب؛
– أن تاريخ القبائل بالعموم والغمارية بالخصوص تاريخ يزخر بالكثير من المواقف المبهرة التي تشهد لأهل المغرب على تشبثهم الكبير بالمبادئ والأصول والتعاليم الإسلامية التي جاء بها الإسلام، والتي أجمع عليها علماء البلد وكبار أهله؛
– أن وحدة المغرب وأهله العضوية والروحية استمرت بالرغم من ظهور الكثير من الدعوات التي رغبت في الخروج عن مذهبه وتعاليمه، وأن هذه الدعوات قوبلت دوما بالرفض ولما لا، الثورة؛
– أن علماء القبيلة الغمارية كان لهم موقف مشرف من الدعوة الموحدية التي جاءت بالكثير من الأمور المستحدثةإذ قام أهل المنطقة بالوقوف بالمرصاد أمام الدعوة الموحدية، بل وانتفضوا مرات ومرات رفضا للدعوة الموحدية وتشبثا بالمذهب المالكي؛
– أن النكسات التي حلت بالقبيلة وأهلها لم تمنع من قيام دعوات مستمرة من طرف أهل القبيلة للخروج من عباءة الدعوة الموحدية، وهذا واضح من كثرة الثورات التي قامت بها القبيلة في الفترة الموحدية، إذ ارتفعت إلى أكثر من خمس ثورات عارمة مؤثرة؛
– أن عناية علماء القبيلة الغمارية بالمذهب المالكي كان شديدا، وهذا ما يزكيه كثرة التصانيف التي ألفوها، ضمنه، أو حرصهم على تسويقه خارج بلاد المغرب، كبلاد مصر والشام، وما يزكي هذا الطرح أن أغلب علماء القبيلة كانوا يلقبون ب «الغماري المالكي»، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على تمسك المغاربة بجذورهم وبمذهبهم بالرغم من تغربهم؛
– أن عناية الغماريين وعلمائهم بالمذهب المالكي يجسد الحرص الكبير على الوحدة المذهبية من جهة، ويجسد من جهة أخرى الحرص على ضمان الأمن الروحي لأفراد القبيلة، فكثرة الاختلافات المذهبية تفسد العقائد وتعجل بالفرقة وتؤدي إلى التمزق، لهذا استشعر العلماء خطورة التمذهب بغير ما درج عليه سلفهم، فكانوا شديدي الحرص على التمسك بالمذهب المالكي، بل وشديدي التعريف به وبأهله داخل البلاد وخارجه؛
– أن إجماع المغاربة على المذهب المالكي يجسد حرصهم على بناء الجسد الواحد، وتمسكهم طيلة 10 قرون به يؤكد مدى الاهتمام الذي خصصوه له، بالرغم من الدعوات التي كادت تقضي عليه؛
– أن إحراق كتب الفروع والفقه والمدونة لم يكلل بالنتائج التي كان يرجوها الملوك الموحدون، إذ سرعان ما تأكد أن علماء المغرب كانوا أكثر ذكاء وفطنة، فقد كانوا يحفظون هذه المصنفات عن ظهر قلب، وهذا ما جعل من استمرار المذهب المالكي في بلاد المغرب أمرا ممكنا؛
– أن بلاد المغرب نبغ فيها الكثير من العلماء الذين خدموا المذهب المالكي وحرصوا على نشره وتثبيته بين ربوع المغرب، بل وخدموا قضاياه الفقهية، وأن هذا العطاء لابد أن يستمر إلى ما شاء الله.
– أنه يجب الاهتمام بالعلماء ممن ساهموا في خدمة الأمن الروحي والعقدي والمذهبي للأمة المغربية، سواء القدماء أو المحدثين، وذلك بتكريمهم أو إقامة ندوات علمية باسمهم، أو كتابة تراجم تناسب وزنهم العلمي ودورهم الريادي.
وبعد سرد لهذه النتائج البسيطة التي وصلنا إليها في خاتمة البحث، يحق لنا أن نقول بأننا وصلنا إلى ما كنا نريد الإجابة عنه من تساؤلات في المقدمة، ونتمنى من الله يبسط علينا رحماته إنه ولي ذلك والقادر عليه.
المصادر والمراجع:
– ابن حجر العسقلاني، أحمد بن علي بن محمد الكناني، الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة، تحقيق محمد ضان، الهند، منشورات مجلس دائرة المعارف العثمانية، (ط/1972)، (ج/1).
– ابن خلدون، عبد الرحمن، كتاب العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر، بيروت، منشورات دار الكتاب العلمية. 1992م، (ج/6).
– الترغي، عبد الله المرابط، فهرس فهارس علماء المغرب، تطوان، منشورات كلية الآداب تطوان، سلسلة الأطروحات، (ط/1999م).
– حركات، إبراهيم، المغرب عبر التاريخ، الدار البيضاء، منشورات دار الرشاد الحديثية، (ط1993م)، (ج/1).
– الذهبي، محمد بن أحمد بن عثمان بن قايماز، تاريخ الإسلام وَوَفيات المشاهير وَالأعلام، تحقيق: بشار عوّاد معروف، بيروت، منشورات، دار الغرب الإسلامي، (ط/ 2003 م)، (ج/15).
– الزركلي، خير الدين، الأعلام، منشورات دار العلم للملايين، (ط/2002م)، (ج/5).
– الصفدي، صلاح الدين خليل بن أيبك، أعيان العصر وأعوان النصر، تحقيق نبيل أبو عشمة، تقديم مازن المبارك، منشورات دار الفكر، بيروت، لبنان، (ط1998م)، (ج/2).
– عنان، محمد، دولة الإسلام في الأندلس، القاهرة، مكتبة الخانجي، )ط/ 1997 م)، (ج/5).
– الغزي، محمد بن محمد نجم الدين، الكواكب السائرة بأعيان المئة العاشرة، تحقيق خليل المنصور، بيروت، منشورات دار الكتب العلمية، (ط/1997م)، (ج/1).
– القسنطيني، مصطفى بن عبد الله، المعروف بحاجي خليفة، سلم الوصول إلى طبقات الفحول، تحقيق أكمل الدين إحسان أوغلو ومحمد عبد القادر الأرناؤوط وصالح سعداوي صالح، (ط/2010م)، (ج/2).
– مؤلف مجهول، مفاخر البربر، تحقيق عبد القادر بوباية، الرباط، منشورات دار أبي رقراق للطباعة والنشر، الطبعة الأولى سنة 2003م.
– الناصري، أبو العباس أحمد بن خالد بن محمد، الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى، (ط/دار الكتاب، البيضاء)، (ج/2).
– http://travel.d1g.com/gallery/show/4493138

Comments are closed, but trackbacks and pingbacks are open.