دور الكتاتيب في تعليم مهارة القراءة للناطقين بغير العربية: مدينة كَنُو أنموذجا
ملخص:
يُعتبر الكُتَّاب في شمال نيجيريا أول مدرسة بعد المنزل يتعلم فيه الأطفال القرآن الكريم ومبادئ الدين الإسلامي، وهو المركز الأساسي لتعليم مهارة القراءة والكتابة العربية منذ فترة ما قبل الاستعمار البريطاني في المنطقة. وبعد مجيء التعليم الغربي صارت الإنجليزية لغة رسمية للدولة تُستعمل في المناهج التعليمية العامة، وهذا مما أنسى أو يكاد يُنسي المجتمع دور الكتاتيب في تثقيف أفراده مبادئ القراءة والكتابة العربية والتي تمثل دورا إيجابيا في تعليم الدين الإسلامي. وعليه، فإن هذا البحث يهدف إلى إبراز دور الكتاتيب النيجيرية في تعليم الناشئين مهارة القراءة على المستوى التقليدي بغية توضيح إسهامات هذه المدارس في نيجيريا عامة وفي مدينة كنو على وجه الخصوص. وسيتعرض البحث للتعبير عن المشاكل التي تواجه هذه المدارس، ثم أخيرا يقترح الحلول المتمثل في تجديد مناهج هذه المدارس وإعدادها إعدادا موضوعيا يجمع بين الماضي والحاضر، عبر الاستفادة من التقنيات الحديثة المتطورة. هذا، وتتمثل أهمية البحث في كونه يبرز إسهامات العلماء النيجيريين في تعليم مهارة القراءة العربية للناطقين بغيرها، كما أنه يكشف الغطاء عن النظام التربوي للكتاتيب في مدينة كَنُو مشيرا إلى مكانتها في المجتمع النيجيري. وسنعتمد المنهج الوصفي في تتناول قضايا البحث.
الكلمات المفتاحية: الكتاتيب، العربية، نيجريا، الاستعمار البريطاني، مناهج.
Abstract:
In northern Nigeria, the qur’anic school is the first school after the house where children learn the Holy Quran and the principles of the Islamic religion, which is the basic centre for the teaching of Arabic literacy since pre-British colonization in the region. After the arrival of Western education, English became the official language of the state used in general educational curricula, forgetting the role of the community in educating its members the principles of Arabic reading and writing, which plays a positive role in the teaching of the Islamic religion. Therefore, this research aims to highlight the role of the Nigerian qur’anic schools in teaching young people the skill of reading at the traditional level in order to clarify the contributions of these schools in Nigeria in general and in the city of Kano in particular. The research addresses the problems facing these schools. Finally, it proposes the solution which includes: renewing the curricula of these schools, preparing the system objectively, combining the past and the present by using modern advanced technologies. The importance of this research is that it highlights the contributions of Nigerian scholars in teaching Arabic reading skill to none native speakers. It also explains the educational system of the qur’anic schools in the city of Kano as well as pointing its capacity in the Nigerian society. The researcher uses the descriptive approach in clarifying the research content.
Keywords: qur’anic school; Arabic; Nigeria; British colonization; curricula.
مقدمة:
تجدر الإشارة إلى أن للكتاتيب دور إيجابي في تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها في نيجيريا، وخاصة ما يمت بصلة إلى تعليم مهارة القراءة والكتابة العربية، حيث تخرج من هذه المدارس جماعة أجادوا تلاوة القرآن الكريم حفظا واستظهارا، وخاصة من شعوب الْهَوْسَا واليُورْبَا والكَانُورِي، حتى أن بعضهم أجادوا اللسان العربي نطقا وكتابة، كما اتخذوه جسرا واصلا إلى معرفة الدين الإسلامي. وعليه، فإن هذه الورقة تهدف إلى كشف الغطاء عن دور الكتاتيب في تعليم مهارة القراءة العربية للناطقين بغيرها في مدينة كنو شمالي نيجيريا عبر توضيح مفهوم الكتاتيب ومناهجها التعليمية، مشيرا إلى إسهاماتها في تثقيف المجتمع. وقد أوضح البحث المشاكل التي تواجه المدارس القرآنية في هذه البلاد النيجيرية بغية الوصول إلى الحلول عن الأوضاع السلبية التي تعرقل هذه المدارس عن المضي قدما سعيا للوصول إلى أهدافها التربوية. وقد توصل البحث إلى نتائج، منها: أن الكتاتيب في مدينة كنو خاصة وفي نيجيريا عامة، قد أسهمت إسهاما كبيرا في تعليم أفراد المجتمع مهارة القراءة العربية وفقا لمتطلبات المنهج التعليمي المحلي السائد في نيجيريا الشمالية، وجدير بالذكر، أن مهارة القراءة هي الوسيلة الجوهرية لمعرفة اللغة العربية لغة الدين المرتبطة ارتباطا وثيقا بتعلم وتعليم القرآن الكريم الذي يضفي على هذه اللغة الهيبة والقداسة والاحترام، كما أنها وسيلة أساسية إلى معرفة التعاليم الإسلامية، مما جعل تعلم اللغة العربية لدى طلاب الكتاتيب في نيجيريا وسيلة إلى الغاية، وهي تعلم القرآن الكريم والدين الإسلامي. وهذا ما أدى إلى وجود المجهودات الفردية والجماعية والخارجية تهتم بتعلمها وتعليمها في المدارس القرآنية النيجيرية عامة وفي كتاتيب كنو على وجه الخصوص. وهذه المجهودات جعلت من أبناء مدينة كنو مهرة بالقرآن الكريم، وعلماء، وأدباء، وقضاة، وغير ذلك من الميادين المعرفية، والأعمال المهنية.
المبحث الأول: مفهوم الكتاتيب
الكتاتيب في اللغة، جمع كُتَّاب بضم الكاف وتشديد التاء، وهي من مادة (كتب). والكُتّاب: موضع تعليم الكُتَّاب (الكاتبين)، والجمع: الكتاتيب والمكاتب. وتأتي الكلمة أيضا، ويراد بها: جمع كاتب، نحو قولك: رجل كاتب، والجمع: كُتَّاب.[1]
وفي القاموس المحيط للفيروزآبادي: والكُتَّاب كرُمَّان، ومعناه: الكاتبون، والمكتب كمقعد، ويقصد به: موضع التعليم. أما قول الجوهري: الكُتَّاب والمكتب واحد، فغلط، والجمع كتاتيب، وهو: سهم صغير مدور الرأس يتعلم به الصغير الرمي.[2]
وفي القاموس المنجد، وردت كلمة (الكُتَّاب) ويراد بها: مكان صغير لتعليم الصبيان القراءة والكتابة، وتحفيظهم القرآن. وجمعه: كتاتيب. وهو جمع كاتب في الأصل.[3]
بالنظر إلى التعريفات الثلاثة يستنتج القارئ أن الدلالات اللغوية للكلمة: تدل على المكان المخصص للتعليم، إلا أن الفيروزآبادي يرى أن الكُتَّاب جمع مرادف للكاتبين، أما موضع التعليم فيسمى المكتب وليس الكُتَّاب. ولعل السياق في هذا الصدد يكون خير معبر عن المعنى المقصود بالكلمة.
ومهما يكن من أمر، فإن المدلول اللغوي للفظة، ينير الطريق نحو الوصول إلى معناها الاصطلاحي، حيث أوضح الشيخ آدم عبد الله الإلوري وهو في معرض الحديث عن الكُتَّاب بأنه: “مكان صغير يسع عددا من الصبيان تحت إشراف معلم أو معلمين، وقد يكون غرفة في بيت المعلم، أو حانوتا، أو دهليزا من دهاليز المنزل أو المسجد، يذهب إليه الصبي غالبا إذا بلغ ست سنوات من العمر، ليتلقى التعليم نظير أجر أو جُعل معين في كل أسبوع، أو كل شهر أو سنة”.[4]
ولعل الشيخ الإلوري يريد بقوله: نظير أجر او جُعل، ما يقوم به بعض الكتاتيب، وخاصة في مدن شمالي نيجيريا من وضع رسومات مدرسية بسيطة، وفي الغالب تُدفع يوم الأربعاء، يقدمها التلميذ إلى المدرس. وتسمى في العُرف المحلي (Kudin Laraba)، وغالبا ما تعود ثمراتها إلى منفعة التلاميذ، تُستعمل لشراء البسط يجلس عليها الدارسون، أو الأباريق للوضوء، أو البنزين للمصابيح أو غير ذلك مما يمت بصلة إلى الحوائج المدرسية.
أما الكتاتيب من حيث النشأة والتطور، فيرجع تاريخها إلى عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، حيث ذكر الشيخ محمد طاهر في كتابه “تاريخ القرآن وغرائب رسمه وحكمه”: أن أول من جمع الأولاد في المكتب هو عمر بن الخطاب رضي الله عنه، حيث أمر عامر بن عبد الله الخزاعي أن يلازمهم للتعليم، وجعل رزقه من بيت المال، وأمر أن يكتب للبليد في اللوح، ويلقن الفهيم من غير كتاب، وسألوه تخفيفا لزمن التعليم، فأمر المدرس بالجلوس بعد صلاة الصبح إلى الضحى العالي، ومن صلاة الظهر إلى العصر، ويستريحوا بقية النهار.[5]
المبحث الثاني: نظام التعليم في الكتاتيب النيجيرية
أما نظام التعليم في الكتاتيب النيجيرية، فإنه قريب من منهج أهل المغرب. وقد ذكر ابن خلدون في مقدمته بأن منهج أهل المغرب ومن تبعهم من قرى البربر في تعليم الصغار، يقتصر على تعليم القرآن فقط، وكانوا يأخذون أثناء المدارسة مبادئ الرسم، واختلاف حملة القرآن فيه. ولا يخلطون ذلك بشئ مما سواه في مجالس تعليمهم، لا من حديث ولا من فقه، ولا من شعر ولا من غيره مما يتصل بفن القول.[6]
ومن الجدير بالذكر، أن المدارس القرآنية في نيجيريا غالبا ما يهتمون بتلاوة القرآن واستظهاره حفظا، ولا يخلطون القرآن بشئ من العلوم، وقد يكتفون بحفظ بعض السور القصار لتأدية الصلوات المفروضة، وربما يوجد في القليل من يضيف إلى القرآن دروسا في التوحيد والفقه خصوصا في بيوت العلماء المشهورين.[7]
وغاية ما في الأمر، فإن الكتاتيب النيجيرية تمثل دور المدارس الابتدائية في تربية الناشئين، يفد إليها التلاميذ منذ الطفولة المبكرة (ما بين5 إلى10 سنوات)، والمتعلم فيها يسمى (Almajiri). وتعني الكلمة بالعربية (المهاجر)، فحذف منها الهاء، وألحق بآخرها ياء، فصارت (اَلْمَاجِرِي). ولعل سبب هذه التسمية يرجع إلى كثرة تنقلات هؤلاء التلاميذ من بلادهم إلى بلاد أخرى طلبا لمعرفة قراءة القرآن وحفظه. وفيما بعد، تطورت دلالات هذه الكلمة، فأصبحت تدل على المتسول، لكون هؤلاء التلاميذ يتسولون طلبا للمأكل، وكما يقصد بها أيضا: التلميذ بمعناه العام.[8] وقد أوضح الأستاذ علي أبوبكر دور هذه المدارس في تثقيف أبناء المسلمين، حيث قسمها إلى قسمين: قسم يتلقى فيه الصبيان دروس القرآن الكريم قراءة وترتيلا من غير حفظ، وقسم يدرب التلاميذ على التلاوة وحفظ القرآن.
والقسم الأول كمرحلة ابتدائية، يلتحق التلميذ بهذه المدرسة في الخامسة من عمره. ويطلق عليها في العرف المحلي تسمية (Makarantar Allo) أي مدرسة اللوح، لأن الدارسين يستخدمون الألواح لكتابة دروسهم فيها. وبعضهم يسمونها: (Makarantar Toka) بمعنى مدرسة الرماد، للدلالة على ما يفعله الدارسون فيها من جمع حزمة الحطب أو الحشيش أو القضبان لاشتعال النيران يستضيئون بها ليلا لمراجعة دروسهم.
وقد أصبح هذا النوع من المدارس جماهيريا في شمالي نيجيريا، إذ قلما تجد أسرة في المجتمع إلا وتلتحق أفرادها بالكُتَّاب، وذلك لأن الأب المسلم لا يجد راحة البال إلا بعد إلحاق ولده أو بنته بها طمعا للثواب، وتبركا بتلاوة آي الذكر الحكيم.
أما طريقة التدريس فيها، فلا تزال تراثية، يُلقى التديس باللغة الأم (لغة الهوسا)، ومؤهلات المدرس فيها: أن يتمكن من قراءة القرآن كله قراءة صحيحة، ويحفظ على الأقل حزبا واحدا، من سورة الأعلى إلى سورة الناس. فمتى ما تحصل على هذين الشرطين، فقد أحظى كفاءة التدريس في هذه المدرسة، وهو جدير بأن يؤسس كُتاَّبا في بيته.[9]
المبحث الثالث: أهمية الكتاتيب في مدينة كنو
1 – نبذة تاريخية عن مدينة كنو وموقعها الجغرافي:
تُعتبر مدينة كنو إحدى ولايات شمال نيجيريا، تحدها غربا ولاية كَتْشِنَة، وولاية جِغَاوَا من ناحيتي الشرق والشمال الغربي، وولاية كَدُونَا جنوبا. ويبلغ عدد سكانها حوالي عشرة ملايين نسمة وفقا للتعداد السكاني الوطني 2006م. وهي ثانية المدن من حيث عدد السكان بعد لاجُوسْ العاصمة القديمة.[10]
وقد عبر الشيخ آدم عبد الله الإلوري عن مدينة كنو بأنها “أشهر بلاد هوسا القديمة والحديثة وأوسعها وأرقاها، ويرجع تاريخها إلى عصر بعيد مُختلَف فيه”. كما يختلف المؤرخون في سكانه الأولين هل هم البرابرة الحدادون الذين نزلوا بها حول جبل دالا (Dutsen Dala)، يصنعون من الحديد الأسلحة وآلات الزراعة، أم هم النوبة الذين نزلوا بها للصيد ثم لحق بهم الآخرون مزارعون ممن هاجروا من شمال أفريقيا عبر الصحراء الكبرى، فتكونت بهم القرية متوسطة السكان.[11]
ومن أشهر ملوكها محمد رُنْفَا، وكان عهده أزهى العصور في كنو، حيث بنى القصور والحصون والأسوار، وجدد بناء الجامع، ووسع رحابه حتى صار يضم نحو خمسة آلاف مصل.
وفي عهده وصل الشيخ محمد المغيلي التلمساني إلى كنو ومكث بها مدة تولى فيها القضاء والإمامة، وتزوج بها وخلف ثلاثة أولاد، وهم: أحمد، وعيسى، والسيد الأبيض. وقد نمت ذريته وانتشرت في كنو، وأصبح لديهم حارة معروفة تسمى: (Sharifai).
وكذلك حضر إلى كنو في عهده الشيخ عبد الرحمن الزناتي، والشيخ عبد الرحمن السيوطي –أحد مؤلفي تفسير الجلالين-، وغيرهم من الأعلام.[12]
وبالجملة، فإن مدينة كنو من أهم مدن غربي أفريقيا من الناحية التجارية، والثقافية، والسياسية، وهي مركز الثقافات الإسلامية والعربية في العصر الراهن. وهي مدينة محاطة بسور ضخم طويل، يرجع تاريخه إلى عهد أمير كنو غِجِمَاسُ، وقد بناه لحماية المدينة من غارات الأعداء. وللسور أبواب للدخول، وكل باب له حارس يغلقه في منتصف الليل، ويفتحه بعد الفجر.[13]
2 – نشأة الكتاتيب في كنو ووظائفها العلمية المتعددة:
يرجع تاريخ الكتاتيب في بلاد الهوسا إلى مجهودات الأمراء الذين فتحوا أبوابهم للعلماء الوافدين من المغرب والسودان الغربي، وذلك منذ القرن التاسع الهجري، والخامس عشرة الميلادي، حيث أنشئ المعاهد القرآنية في يندوتو (Yandoto) بأرض غوبر (Gobir) بعد ما استضافوا العلماء من السودان سنة (835ه=1413م).[14]
وقد ذكرت المراجع التاريخية أن الملك ماي علي غنج أجزل العطاء للعلماء وأمر برفع الخراج عنهم، كما أهدى لأستذه أرضا واسعا لتأسيس المعهد القرآني بعد انتقال مملكة كانم برنو إلى انغزرغم في القرن الخامس عشرة الميلادي.[15]
وفيما يتعلق بنشأة الكتاتيب في مدينة كنو، فيرجع التاريخ إلى عهد الأمير محمد رُنْفَا، حيث استضاف العلما من مصر وتونس، واستعان بهم لتأسيس المعاهد الغرآنية بغية تعليم أبناء المسلمين. ومن بين هؤلاي العلماء الشيخ محمد المغيلي التلمساني، والشيخ عبد الرحمن السيوطي، والشيخ عبد الرحمن الزياتي، وعلى إثر هذه المجهودات تأست الكتاتيب في مدينة كنو وأسهمت إسهاما فعالا مثمرا في تعليم مهارة القراءة للناطقين بغير العربية، عل نحو ما يلي:
أ – معهد الشيخ مَنْذُو أَرْزَيْ:
هو معهد كبير يقع في حارة أَرْزَيْ تحت محافظة دالا (Dala Local Government Area)، ومؤسسها الشيخ محمود بن محمود الملقب بمَنْذُ.
ولد سنة 1865م، بدَمَغَرَمْ الواقعة في جمهورية النيجر حاليا، وتوفي سنة 1970م، وعمره أربع وثمانين سنة. وكان الشيخ متواضعا، محبا للعلم وأهله، خادما للقرآن الكريم، يرتله آناء الليل وأطراف النهار.[16]
أسس هذ المعهد في حارة قوق (Koki) بمدينة كنو في بيت الشيخ مَالَمْ أَدْهَمَ، ثم أهدى له أمير كنو الحاج عبد الله بايرو أرضا واسعة في حارة أرزي، فانتقل الشيخ إليها بعد بناء بيته هناك، إلى أن توفاه الله، سنة 1970م.
– منهجه في التدريس:
صار بيت الشيخ منتدى للتلاميذ ودارا للمعارف، يفد إليه الطلاب رجالا وركبانا، من كل فج عميق، فتقبل الشيخ هذه المهنة التي لا يريد بها من الناس جزاء ولا شكورا، بل كان بجانب التدريس يشتغل بالزراعة لإطعام تلاميذه وغيرهم من المحتاجين.
وأما منهجه في التدريس، فقد قسم الشيخ معهده إلى ثلاث أوقات للدوام، وهي على النحو التالي:
- دوام الصباح: كان يقوم فيه للتدريس بعد صلاة الصبح مباشرة إلى ارتفاع الشمس.
- دوام المساء: يجلس فيه الشيخ بعد صلاة العصر مباشرة إلى الاصفرار.
- دوام الليل: يجلس فيه الشيخ بعد العشاء إلى الساعة العاشرة ليلا، أو حسب ما تقتضيه الظروف والأحوال.
ولا يختلف منهجه التعليمي عن منهج الكتاتيب السالفة الذكر، وهو تعليم قراءة آي الذكر الحكيم مكتوبة على الألواح للقراءة والحفظ والاستظهار.
– تجديد المنهج التعليمي بهذا المعهد:
وبعد مضي الزمن تطور المعهد تطورا هائلا تم فيه تعديل اسم المعهد إلى “معهد الشيخ منذو لتجويد القرآن والمبادئ الإسلامية أرزي”. وقد تم تجديد منهجه التعليمي بإضافة دروسا في الفقه والحديث، وعلوم القرآن، واللغة العربية، وعلم التجويد. ويتكون المعهد من خمسة وخمسين فصلا، وأربعة آلاف تلميذ، تحت رعاية خمسة وخمسين مدرسا.[17]
وكانت الفصول موزعة وفقا للنظام التالي:
- فصول مختصة لتعليم الأطفال مهارة القراءة، ابتداء من الحروف الهجائية: تدرس جماعيا على السبورة، بدلا من النظام التراثي الذي يتعلم التلاميذ دروسهم فرادى، وكانت الحروف مكتوبة في الألواح الخشبية.
- فصول مختصة لتعليم القرآن جماعيا: يقرأ كل تلميذ عند أستاذه، ثم يؤمر بالمراجعة، ثم ينضمون إلى فصل للمراجعة الجماعية بغية الإتقان في الحفظ. ويرجى من التلاميذ أن يحفظوا أحزابا معينة في السنة الدراسية.
- فصول مختصة لتحفيظ القرآن الكريم: تتكون هذه الفصول من التلاميذ الأذكياء تم اختيارهم من فصول شتى بعد الدربة والمران بغية تدريبهم لحفظ القرآن وتجويده. وكانت الفصول مقسمة إلى قسمين: قسم للذكور وقسم للإناث. وكانت أعمارهم ما بين عشر سنوات إلى عشرين سنة، يُتوقع منهم أن يحفظوا القرآن في أربع سنوات.
ب. معهد غُونِي نَدًودُ:
يقع هذا المعهد في حارة قُوقِ بمدينة كنو، ومؤسسها الشيخ إبراهيم بن صالح الملقب ب “ندود”. ولد عام 1885م، بقرية أَوْجَرَ في محافظة جَاهُنْ، الواقعة حاليا في ولاية جِغَاوَا، وتوفي سنة 1945م، في حارة زنغون برى بري (Zangon Barebari).[18]
وكان الشيخ ورعا محبا للعلم وأهله، خادما للقرآن الكريم، كريما لا تبخل يداه على المحتاجين. ومن تلاميذه مَالَمْ حسن طَنْ بَسِرْكَا، ومَالَمْ معاذ مَغَمَا، ومَالَمْ غُونِي طَنْ زَرْغَا، وغيرهم كثيرون.
– منهجه في التدريس:
أما منهجه في التدريس، فهو كغيره من المهرة بالقرآن: يحيط به التلاميذ ودروسهم مكتوبة في الألواح، ثم يدرسهم فرادى، كل واحد يتابعه عند القراءة، وإذا رأى مكانا أخطأ فيه التلميذ، عندئذ يأمره الشيخ بالتصحيح حالا، وبجواره جماعة من القراء يساعدونه في تصحيح الأخطاء التي قد يتغافل عنها الشيخ. وهذه الطريقة هي السائدة في هذا المعهد، وهي طريقة تراثية كما هو سالف الذكر.[19]
ت. معهد الشيخ غُونِي طَنْ زَرْغَا:
يقع هذا المعهد في حارة قوق (Koki) بجوار يَنْ أَواكِ. ومؤسسها الشيخ صالح عبد الله بن عبد الله، ولد عام 1916م، في بلد كاتوغي (Katogi)، في ولاية كنو، وهو من أصل كانوري، هاجر والده من ميدغري (Maiduguri) إلى كنو، واستقر بها إلى أن توفاه الله. فقامت أمه برعايته، وربته تربية حسنة.
– منهجه في التدريس:
كان الشيخ يدرس القرآن الكريم في بيته بالطريقة المعتادة في الكتاتيب، وبعد التدريس يحضر حلقة أستاذه غوني ندود للاستمرار بالتدريس هناك مساء، وبعد وفاة أستاذه أذن له خليفته بأن يستقر في بيته للتدريس، وعندئذ تم تأسيس معهده، والذي يبلغ اليوم خمسين سنة تقريبا، تخرج منه ما يربو على ألف حافظ للقرآن الكريم.
وكان للحاج سنوسي طن تاتا (Dantata) فضل كبير في دعم وتنمية هذا المعهد، حيث ينفق أمواله خدمة لكتاب الله تعالى وحملته، وهو الذي أرسل نجل لشيخ الملقب ب “غُونِي يهوذا”، إلى ميدغري للتعلم، كما بعثه إلى مصر عام 1975م،-1977م، لتعلم علوم القرآن وما يحتويه من علم الجويد وعلم القراءات.[20]
وهذا المعهد كغيره من المعاهد في نيجيريا، تم تجديد منهجه بعد مضي الزمن، حيث انضم إلى ركب المدارس القرآنية الثانوية النظامية، لها مناهج تهدف إلى تعليم القرآن الكريم واللغة العربية والإنجليزية وغيرها من المواد المهنية، والدراسات الإسلامية.
وتجدر الإشارة إلى أن المعهد القرآنية في نيجيريا تتبنى في نظام تعليمها المنهج الوصفي، وخاصة فيما يمت بصلة إلى تدريس مهارة القراءة الت يتحدث عنها هذا البحث. وكان ها المنهج يعتني بكفاءة التلاميذ من حيث إمكانياتهم، وأعمارهم الجسمية والعقلية (Cognitive Development) بحيث يتمكن التلميذ من الوصول إلى الأهداف التربوية بصورة ناجحة.[21]
المبحث الرابع: دور الكتاتيب في تعليم مهارة القراءة للناطقين بغير العربية
إن لمهارة القراءة أهمية لا تُنكر في تثقيف المجتمع، لأنها باب للوصول إلى المعارف، وتُعتبر في المستوى الثالث بعد مهارتي الاستماع والكلام، فالقراءة ثم الكتابة.[22]
وفيما يتعلق بدور الكتاتيب في تعليم مهارة القراءة العربية، فيمكن تصنيف ذلك وفقا لنظام الكتاتيب، والتي تعتني بتنمية إمكانيات التلميذ واستعداداته على نحو ما يلي:
- المرحلة الأولى: (حفظ السور القصار): تبتدئ هذه المرحلة منذ الطفولة المبكرة، إذا أفصح الطفل واقتدر على الكلام، فيبدأ المدرس بتلقينه قراءة القرآن الكريم حفظا، من سورة الفاتحة إلى سورة الفيل.
- المرحلة الثانية (تعليم الحروف غير المشكولة=Babbaku): تبتدئ هذه المرحلة بتعليم التلميذ قراءة أحرف القرآن بدون شكل على نمط الخط المغربي، وتكون الحروف مكتوبة على اللوح الخشبي، ولكل حرف لقب هوساوي وفقا لهيئته نطقا وكتابة، ابتداء بالاستعاذة وانتهاء إلى سورة الفيل. يكتب المدرس الحروف الهجائية غير مشكولة وفقا لإمكانية التلميذ، نحو: (أ، ع، و، ذ)، يقرأ الأستاذ حرفا بعد حرف والتلميذ يستمع، ثم يعيد القراءة لمرة ثانية، ثم يأمر التلميذ بأن يتابع القراءة إثر قراءته مشيرا إلى الحرف المكرر قراءته بأصبعه. وفي الخطوة الأخيرة يقرأ التلميذ وحده بمحضر المدرس وهو يصحح له الأخطاء نطقا وقراءة، ثم يأمره أن يعتزل إلى مكان للمراجعة والتكرار.
وبعد الانتهاء من قراءة الاستعاذة والبسملة، يكتب له سورة الفاتحة غير مشكولة ليتعلم النطق بحروفها متصلة، ثم المعوذتين، ثم سورة الإخلاص، فسورة اللهب، تليها سورة النصر، وهكذا حتى يصل إلى سورة الهمزة. وكانت طريقة التدريس هنا تهدف إلى تعليم التلميذ كيفية النطق بالحروف غير مشكولة وفقا لورودها في السور القرآنية المدروسة ابتداء بالاستعاذة والبسملة. ولكل حرف من الحروف الهجائية تسمية مقابلة باللغة المحلية (لغة الهوسا) على النحو التالي:
الحروف | الألقاب الهوساوية | الألقاب العربية | الحروف بعد التركيب |
ا
ع و ذ با لله من الشيطن
الرجيم |
Alu
Ambaki
Wau
Zal Ba+Alu Baki Lallan+Hakuri
Minjaye+Nun’ara Alu+Lanjaye+Shin Mairuwa+Ya+Damula Hannu+Nun”Ara
Alu+Lam+Ra+Jin Karami+Ya+Mi”Ara |
الألف
العين الواو الذال الباء+الألف اللام+اللام+الهاء الميم+النون الألف+اللام+الشين+الياء+الطاء+النون
الألف+اللام+الجيم+الياء+الميم |
أعوذ بالله من الشيطن الرجيم |
مما سبق ذكره يستنتج القارئ مهارة قراءة الاستعاذة وفقا للمنهج التراثي الهوساوي. وكانت هذه الطريقة التدريسية سائدة في البلاد النيجيرية وخاصة المنطقة الشمالية، منذ نشأة الكتاتيب في البلاد. ويمثل هذا المنهج كيفية تعليم الحروف العربية باللغة الأم (لغة الهوسا)، فكانت طريقة مُيَسَّرة للتلاميذ، وخاصة فيما يمت بصلة إلى تلاوة آي الذكر الحكيم، قراءة وترتيلا، وحفظا واستظهارا.
وعى الرغم من المجهودات الجبارة التي بذلتها هذه المدارس لتعليم مهارة القراءة العربية في بلاد الهوسا، إلا أن هناك مشاكل تتعلق بالنطق لبعض الحروف غير الموجودة في لغة الهوسا، مثا \ح\ في (الحمد) فتنطق هاء \ه\ (الهمد)، والضاد \ض\ في (ولا الضالين)، فتنطق لاما \ل\ (ولا اللالين)..وهكذا. ولكن هذه المشاكل لم تكن موجودة أثناء الكتابة، بحيث يقتدر المدرس على كتابة جميع الأحرف والكلمات القرآنية بدقة متناهية.[23]
وفيما يلي نموذج آخر يمثل منهج تدريس قراءة البسملة على النمط التقليدي في بلاد الهوسا، وخاصة مدينة كنو-نيجيريا:
الحروف | الألقاب الهوساوية | الألقاب العربية | الحروف بعد التركيب |
بسم
الله الرحمن
الرحيم |
Ba+Sin+Mi”Ara
Alu+Lallan+Hakuri
Alu+Lanjaye+Hakarami+Minjaye+Nun”Ara
Alu+Lanjaye+Ha Karami+Ya+Mi’ara |
الباء+السين+الميم+الألف+اللام+اللام+الهاء+الألف+اللام+الحاء+الميم+النون+اللألف+اللام+الحاء+الياء+الميم | بسم الله الرحمن الرحيم |
مما سبق ذكره يُستنتج منهج تدريس القراءة العربية للناطقين بغيرها عبر توظيف الطريقة التراثية باستخدام لغة الهوسا بغية تيسيير تعلم قراءة أحرف البسملة للتلاميذ.
هذا فيما يتصل بتعليم الحروف غير المشكولة.
- المرحلة الثالثة (تعليم الحروف المشكولة=Farfaru): وهي عبارة عن مرحلة تعلم انطق بالحركات ابتداء من الاستعاذة والبسملة إلى سورة الفيل. والرجاء هنا، أن يميز التلميذ الحركات الثلاث (الفتح والكسر والضم)، ثم المد بهذه الحركات، ثم النطق بالحروف بالحروف الساكنة والمشددة.
وهذا الجدول يوضح كيفية تعليم الحروف مع الشكل:
الحروف المشكولة | ألقابها بالهوسا | ألقابها بالعربية | الحروف بعد التركيب |
اَلْحَمْدُ
للهِ رَبِّ الْعَلَمِينَ |
Alu Da Fatha Bisa Shine \A\ Al Ya Dauri Lanjaye+Hasabe Da Fatha Bisa Shine \Ha\ Ham Ya Dauri Minjaye+Dal Da Ruf’a Bisa Shine \Du\ =اَلْحَمْدُ.
Lanjaye Da Kisra Kasa Shine \Li\+Lanjaye Da Shadda Da Fatha Bisa Shine \La\ Laa Ya Ja Alu Ja+Hakuri Da Kisra Kasa Shine \Hi\ =لله. Ra Da Fatha Bisa Itace \Ra\+Baguje Da Shadda Da Kisra Kasa = Itace \Bbi\رَبِّ. Bil Ta Dauri Lanjaye+ Allikkafa Da Fatha Bisa Itace \A\ Aa Ta Ja Alu Ja+Lanjaye Da Fatha Bisa Shine \La\+Minjaye Da Kisra Kasa Shine \Mi\ Mii Ya Ja Ya+Nun’ara Da Fatha Bisa =Itace \Na\الْعَلَمِينَ. |
اَلْحَمْدٌ لله رَبِّ العَلَمِينَ |
يلاحظ القارئ مما سبق، أن منهج القراءة بالألقاب الهوساوية المشكولة تستغرق زمنا أطول، وذلك لأن طريقة النطق بها مزدوجة بين الصوائت والصوامت. وإذا تمكن التلميذ من ذلك ينتقل إلى:
- المرحلة الرابعة (قراءة الجمل والآيات=Hajjatu\Tattashiya): تبتدئ هذه المرحلة بعد ما يتمكن التلميذ من قراءة الحروف والكلمات، فيبدأ المدرس يقرؤه آية أو آيتين أو ثلاث آيات على قدر فهمه ثم يؤمر بتكرارها إلى أن يتقنها حفظا وقراءة. وبعد الإتقان يعود إلى المدرس للمزيد..وهكذا.
وبعض الشيوخ يدربون تلاميذهم في هذه المرحلة إلى أن يحفظوا خمسة أو عشرة أحزب.[24]
- المرحلة الخامسة (مرحلة ما قبل النضوج= Matakin Darasu): قبل إلحاق التلميذ بهذه المرحلة لا بد أن يتمكن من القراءة والكتابة العربية، بحيث يستعد استعدادا كاملا لتلقي الدروس من أستاذه. يبدأ التلميذ درسه بكتابة الثمن أو الربع من كل حزب، ثم ينضم إلى حلقة الدرس أمام المدرس، وبجواره جماعة من حفاظ القرآن الكريم يساعدون الأستاذ في تصحيح الأخطاء نطقا وكتابة. وهكذا تستمر حالته إلى أن يختم القرآن الكريم (Saukar Zuku)، ثم يستمر هكذا إلى أن يتمكن من حفظ القرآن بأكمله.[25]
المبحث الخامس: الصعوبات والعوائق والحلول المقترحة
أ – التحديات الكبرى:
بجانب التطوارت الملموسة في تعليم القراءة لغير الناطقين بالعربية، تواجه الكتاتيب في مدينة كنو خاصة وفي نيجيريا عامة، مشاكل في مجالاتها التربوية، وهذه المشاكل تحتاج إلى العلاج على الفور لحماية الجو التعلمي والتعليمي من الضياع والذوبان. ومن بين هذه المشاكل كما ذكر الدكتور علي أبو بكر: تسخير التلاميذ في الأراضي الزراعية للفلاحة، وهذا مما يذهب كثيرا من أوقات التعلم في الأعمال الزراعية، مما يعكس سلبا في نتائجهم الدراسية. ومن العوائق التعلمية في هذه المدارس، كثرة التنقلات من القرى إلى المدن بلا مؤنة كافية، وهذا مما يجعل التلاميذ متسولين في الأسواق وطرقات المدينة،[26] وبعضهم يستأجرون للقيام بالأعمال المنزلية لأفراد المدينة، وبعضهم يشتغلون بالصناعات اليدوية، مثل تقليم الأظافر، وتنظيف الأحذية والألبسة، بغية الحصول على ما يُسد به الرمق.
وبالجملة فإن المشاكل التي تواجه هذه المدارس كثيرة، يمكن حصرها في النقاط التالية:
- تسخير التلاميذ في الأعمال الزراعية (وهذا الأمر خاص بالمدارس الريفية)
- كثرة التنقلات من القرى إلى المدن
- مجاوزة الحد عند العقوبة
- قلة الاهتمام بالنظافة
- المشاكل الاقتصادية
- حاجة إلى تجديد المنهج التعليمي
ب – بعض الحلول المقترحة:
تقتضي المناهج التربوية العناية بتربية الأطفال من حيث نموهم الجسمي والعقلي والنفسي حتى يكونوا أسوة حسنة لغيرهم. وبما أن الكتاتيب النيجيرية تعاني من المشاكل التربوية والاقتصادية والصحية (مما يعرقلها عن المضي قدما نحو الوصول إلى أهدافها التربوية)، فمن المستحسن أن يقترح الباحث حلولا لهذه المشاكل. وفيما يلي مقترحات يُرجى أن تكون حلا لها:
- التركيز في العناية بالتعلم والتعليم:
يقصد الباحث بذلك: إدارة الأوقات التعليمية كما ينبغي. ولا يكون ذلك إلا بنبذ الأعمال الهامشية المُذهبة لأوقات التعليم، كلاشتغال في المزارع والأسواق، أو تسخيرهم في القيام بأداء الخدمات المنزلية غير الضرورية، وغير ذلك مما يمت بصلة إلى الحوائج الإنسانية التي تشغل التلميذ عن العناية بالأوقات الدراسية كما ينبغي.
- المسئولية التربوية للأسر:
على الآباء أن يعتنوا بتربية أبنائهم وفقا لمتطلبات التربية الإسلامية، لأن الله سبحانه وتعالى جعل هذه الأمانة على عواتقهم، قال الحق سبحانه وتعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ” [التحريم/ 6]
ذكر ابن عاشور التونسي أنه: ورد في الآية تنبيه المؤمنين بعدم الغفلة عن موعظة أنفسهم وأهليهم، وألا يصرفهم استبقاء الود والمحبة بينهم عن إسداء النصيحة لهم، وإن كان في ذلك بعض الأذى.[27]
فمن الاستخفاف بتربية الأطفال، إرسالهم من القرى إلى المدن في سنواتهم المبكرة بلا زاد ولا دعم اقتصادي كاف، وهذا من أهم العوائق التربوية في نظام الكتاتيب في كنو خاصة، وفي شمالي نيجيريا عامة، لما في ذلك من إيجاد نتائج عقيمة مؤدية إلى فشل الأهداف التربوية.
- إجراء الجزاء أو العقوبة بطريقة مناسبة:
إن إجراء الجزاء أو العقوبة بطريقة مناسبة مما يضفي النجاح إلى المجال التعليمي، وذلك لأن التلميذ إذا بذل جهدا محمودا، فأثنى عليه المدرس، أو قدم إليه جائزة، فإن ذلك مما يثير الشعور بالمنافسة بين التلاميذ، كما أن العقوبة بطريقة مناسبة تحذر التلميذ من ارتكاب المنهيات، والرجاء أن يجتنب المدرس تجاوز الحد في معاقبة التلميذ، لأن العقوبة القاسية تزرع البغضاء في نفوس التلاميذ، كما تعكس سلبا في حياتهم المدرسية.
- مراعاة النظافة:
مما لا يجادل فيه اثنان، أن البيئة المدرسية تحتاج إلى مراعاة النظافة جسميا ومكانيا، فالنظافة تؤدي إلى تكوين جوًّ تعلمي مناسب (Conducive Learning Atmosphere)، وعدم مراعاة النظافة يعكس سلبا في حياة التلميذ. لقد أثنى الحق سبحانه وتعالى على الصحابة (أهل قباء) المحافظين على النظافة بقوله: “فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ” [التوبة/ 108]
ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم بيَّن الرجال الذين يحبون أن يتطهروا بأنهم بنو عمرو بن عوف أصحاب مسجد قباء -رضي الله عنهم-. وذلك يدل على أن المسجد الذي أسس على التقوى هو مسجدهم.[28]
الدعم الاقتصادي:
إن العملية التربوية في حاجة ماسة إلى الدعم الاقتصادي، لكونها عملية بعيدة المدى، تهدف إلى إعداد الفرد وتوجيه سلوكه نحو تحقيق أغراض معينة، وعليه، فإن البيئة التعليمية لا تكون صالحة إلا بالزاد الكافي، وذلك مما يهيئ التلميذ للتركيز نحو أداء واجباته المدرسية. وبدون الزاد تتوفر فيه الحوائج الإنسانية الاقتصادية، مما يصرف اهتمامه عن التعلم سعيا إلى قضاء هذه الحوائج.
- تجديد المناهج التربوية:
أصبحت الحاجة إلى تجديد المناهج التربوية في الكتاتيب ملحة لكونها موضوعة على النمط التراثي القديم، وبتجديد المناهج تصبح العملية التعليمية يسيرة، وقد يكون التجديد عبر الاستعانة بالوسائل التدريسية الحديثة الناتجة عن التطور الحضاري التربوي والتكنولوجي، فتكون هذه المدارس قد استفادت من الجمع بين الماضي والحاضر.
خاتمة:
قدَّمت المدارس القرآنية في مدينة كنو دورا إيجابيا فعالا في تعليم الناشئين مهارة القراءة العربية على المستوى التراثي وفقا للنظام التربوي التقليدي السائد في بلاد الهوسا، ولا تنحصر مجهودات الكتاتيب في تعليم الناشئين القراءة فحسب، بل أصبحت هذه المدارس مراكز تربوية يتلقى فيها الدارسون العلوم الدينية وتقنية الخط المغربي على قاعدة الرسم العثماني، بالإضافة إلى التدرب على أماط من الصناعات اليدوية، كإصلاح الأحذية وتنظيفها، وخياطة القلانس، وتقليم الأظافر، والزراعة، وغير ذلك مما الأعمال المهنية. وقد تعرض البحث للحديث عن المشاكل التي تواجه هذه المدارس، ثم اقترح لذلك حلولا متمثلا في تجديد مناهج هذه المدارس وإعدادها إعدادا موضوعيا يجمع بين الماضي والحاضر، عبر الاستفادة من التقنيات الحديثة المتطورة، وهذا مما يؤدي إلى تيسير عملية التعلم والتعليم في المدارس القرآنية. وقد توصل البحث إلى نتائج، منها ما يلي:
- أسهمت الكتاتيب في مدينة كنو إسهاما إيجابيا ملموسا في تعليم القراءة العربية للناطقين بغيرها.
- كانت معظم الكتاتيب في كنو تجري مناهجها التعليمية وفقا لمتطلبات النظام التراثي القديم.
- بدأ النظام التعليمي يتطور في بعض الكتاتيب عبر تجديد مناهجها التعليمية كما يستنتج ذلك من معهد الشيخ منذو أرزي، ومعهد الشيخ غوني طن زرغا.
- أسهمت كتاتيب كنو في إعداد جيلا مثمرا من العلماء، والقضاة، والمحامين وغير ذلك من المواطنين الصالحين.
- تعاني هذه المدراس من المشاكل التربوية والاقتصادية والصحية.
وأخير يوصي الباحث إخوته الدارسين والمتعلمين، بأن يشمروا عن سواعد الجد للبحث والتنقيب عن إسهامات المدراس القرآنية في هذه البلاد من النواحي الأمنية والثقافية والدينية، مما يؤدي إلى إبراز دور علمائنا الأجلاء في الخدمة الإنسانية.
المراجع :
– الإلوري، آدم عبد الله (الشيخ)، موجز تاريخ نيجيريا، دار مكتبة الحياة، بيروت، 1965م،
– _______________، الإسلام في نيجيريا والشيخ عثمان بن فودي، ط1، مكتبة الإسكندرية، مصر، 2014م.
– التونسي، محمد الطاهر بن عاشور، التحرير والتنوير، الدار التونسية، تونس، (د.ت.).
– خالد، حسن عبد الله (الدكتور)، مهارة الكلام لدى الطالب النيجيري، مجلة الحكمة، العدد 4\1، قسم الدراسات الإسلامية، جامعة عمر موسى يرأدوا، كتشنة-نيجيريا، 2005م.
– ابن خلدون، عبد الرحمن، مقدمة ابن خلدون، ط1، دار الهيثم، القاهرة، 2005م.
– سكيرج، سليمان أرزي، الكتاتيب في كنو بين الماضي والحاضر، مؤسسة غورن دوتسي، كنو، 2008م.
– شهاب الدين، أبو عمرو، القاموس المنجد، ط1، دار الفكر، بيروت-لبنان،2003م.
– علي، أبوبكر (الدكتور)، الثقافة العربية في نيجيريا، ط2، دار الأمة، كنو-نيجيريا، 2014م.
– ابن منظور، لسان العرب، ط1، دار صادر، بيروت، (د.ت).
– الفيروزآبادي، القاموس المحيط، (د.ت).
– Adam, Sulaiman Usman, Tsangaya A Sabon Karni, Government Printing Press, Kano, 2011.
– Sunusi Iguda K\Nassarawa, Tsarin Tsangayun Alqur’ani A Arewacin Najeriya, K2 Graphics, Kano, 2006.
[1] ابن منظور، لسان العرب، ط1، دار صادر، بيروت، (د.ت)، : 1\698.
[2] الفيروزآبادي، القاموس المخيط، (د.ت)،: 1\165.
[3] شهاب الدين، أبو عمرو، القاموس المنجد، ط1، دار الفكر، بيروت-لبنان،2003م: 923.
[4] سكيرج، سليمان أرزي، الكتاتيب في كنو بين الماضي والحاضر، مؤسسة غورن دوتسي، كنو، 2008م: 6.
[5] المرجع السابق: 7.
[6] ابن خلدون، عبد الرحمن، مقدمة ابن خلدون، ط1، دار الهيثم، القاهرة، 2005م: 476.
[7] الإلوري، آدم عبد الله (الشيخ)، الإسلام في نيجيريا والشيخ عثمان بن فودي، ط1، مكتبة الإسكندرية، مصر، 2014م،: 76-77.
[8] Adam, Sulaiman Usman, Tsangaya A Sabon Karni, Government Printing Press, Kano, 2011, P: 43-44.
[9] علي، أبوبكر (الدكتور)، الثقافة العربية في نيجيريا، ط2، دار الأمة، كنو-نيجيريا، 2014م: 185.
[10] سكيرج، المرجع السابق: 51.
[11] الإلوري، آدم عبد الله (الشيخ)، موجز تاريخ نيجيريا، دار مكتبة الحياة، بيروت، 1965م: 81.
[12] المرجع نفسه: 82.
[13] سكيرج، المرجع السابق: 52.
[14] Sunusi Iguda K\Nassarawa, Tsarin Tsangayun Alqur’ani A Arewacin Najeriya, K2 Graphics, Kano, 2006, p: 32.
[15] Adam, Sulaiman, p: 22.
[16] المرجع السابق: 67.
[17] المرجع السابق: 72.
[18] المجع نفسه: 79.
[19] المرجع السابق: 81.
[20] المرجع السلبق: 87.
[21] Sunusi, Iguda, p: 101.
[22] خالد، حسن عبد الله (الدكتور)، مهارة الكلام لدى الطالب النيجيري، مجلة الحكمة، العدد 4\1، قسم الدراسات الإسلامية، جامعة عمر موسى يرأدوا، كتشنة-نيجيريا، 2005م: 288.
[23] Sunusi, Iguda, p: 94-95.
[24] المرجع السابق: 105.
[25] المرجع نفسه: 105.
[26] علي، أبو بكر (الدكتور)، المرجع السابق: 187.
[27]التونسي، محمد الطاهر بن عاشور، التحرير والتنوير، الدار التونسية، تونس، (د.ت.): 28\365.
[28] التونسي، محمد الطاهر بن عاشور، التحرير والتنوير، الدار التونسية، تونس، (د.ت.): 11\32.