الإسهامات العلمية للعلماء المغاربة في الحياة الثقافية المشرقية في القرنين 19م والنصف الأول من القرن 20م
الإسهامات العلمية للعلماء المغاربة في الحياة الثقافية المشرقية في القرنين 19م والنصف الأول من القرن 20م
The scientific contributions of Moroccan scientists in cultural life of the Orient in the 19th century and the first half of the 20th century
ذ. وليد موحن
باحث في سلك الدكتواره – جامعة الحسن الثاني –
كلية الآداب والعلوم الإنسانية – المحمدية – المغرب
ملخص:
لقد لعب المغاربة أدوار طلائعية ومحورية في عدة قضايا أساسية ليس في المغرب الاقصى فحسب، بل في سائر العالم والمعمور، وان كانت الدراسات والأبحاث ركزت في صلب اهتمامها على المجال الأوربي في تواصله مع المجال المغربي، فان أرض المشرق ظلت بعيدة عن البحث التاريخي المغربي،فجل ما كتب اهتم بشكل أساسي على الرحلات الحجازية، وأغفلت الإسهامات المغربية في الجانب العلمي، وسنحاول ضمن هذه الورقة أن نتطرق إلى عينات من المغاربة الذي استقروا في المشرق وكانت لهم ريادة في المجال العلمي سواء في مصر أو الحجاز
الكلمات المفتاحية: المغرب، المشرق، العلماء.
Abstract:
Moroccans played pioneering and pivotal roles in many basic issues not only in Morocco, but also in the rest of the world as well. In fact, although many pieces of research and studies focused on the European level and its relationship with the Moroccan level, the oriental side remained far from the Moroccan historical research. In this respect, all what was written concerned mainly “Al-Hijaziya travel”. However, the Moroccan contribution on the scientific side was overlooked. In this paper, we shed light on the Moroccans who settled in the orient, and had a leadership in the scientific field whether in Egypt or “Al- hijaz».
Keywords: Morocco, Oriental, Scientists.
تقديم:
لقد ساهم المغاربة في كل الحقول والميادين في إنعاش الحياة الثقافية والعلمية والتجارية والاقتصادية وحتى السياسية منها في أرض المشرق، من خلال تصديهم للعلم والثقافة، وإعلائهم راية العلم والفكر كما عهد عليهم منذ أقدم العصور، وكذا علو كعبهم في روافد التجارة حتى بلغوا فيها عتيا، وأضحوا ذا مكانة معتبرة في رحابها، بل إنهم أثروا وتأثروا في ثنايا السياسة وخضمها.
إن المغرب بتاريخه الضارب في القدم، كان حاضرا في كل مناطق العالم، وبصم الإنسان المغربي هذه المناطق ببصمته التي ما زالت رسوم عائلات وآثارها شاهدة عليها، كما هو الشأن في المشرق العربي، بالشام على سبيل المثال لا الحصر.
١- أسباب الهجرات المغربية إلى المشرق العربي في الفترة المعاصرة
تحميل العدد السادس من مجلة ذخائر
لقد هاجرت مجموعة من الأسر المغربية إلى بلاد المشرق وخصوصا إلى مصر لعدة أسباب، وقد ساهمت جنبا إلى جنب مع باقي الشرائح المجتمعية المشرقية في تأسيس البناء الاقتصادي والسياسي والاجتماعي والديني والحضاري والعلمي، كما لعب السلاطين المغاربة دورا هاما في إعطاء الأهمية للعنصر المغربي عن طريق المراسلات مع حكام الأقطار المشرقية، ملحين فيها على تسهيل إقامة المغاربة وتسيير شؤونهم والعناية بهم سواء كانوا مقيمين أو عابرين.
وقد ساهمت عدة أسباب في الهجرة المغربية إلى الأقطار المشرقية منها العامل التجاري الذي يتجلى بشكل أساسي في البحث عن الرواج والغنى وبيع البضائع، وقد برزت عدة عائلات في هذا الميدان خاصة في مصر (عائلات الشرايبى) في القرن السابع عشر. وكذا العامل الثقافي والعلمي والديني الذي يتضح من خلال سيادة الدين الإسلامي ونفس العادات والتقاليد المغربية في الأمصار المشرقية. وقد حوت مصر على أرضها جامع الأزهر، الذي حظي بمكانة دينية وعلمية مرموقة، واستقطب عدد من الجاليات المسلمة، وكان المغاربة على رأس هذه الجاليات. يظهر ذلك من خلال رواق المغاربة الذي كان أكبر أروقة الأزهر، كما كان مرجعية مالكية في الأزهر الشريف. وهو ما يعطينا فكرة عن نسبة وطبيعة المغاربة الذين استقروا بمصر.إلى جانب ذلك كان المغاربة يقصدون الشام ودمشق على وجه الخصوص، لطلب العلم أو تدريس بعض العلوم التي برعوا فيها، مثل القراءات السبع وعلوم الآلة وفي مقدمتها النحو وعلوم اللغة العربية.
2- الإسهامات العلمية للمغاربة في المشرق:
لقد حمل المغاربة على مر الحقب لوا ء العلم وحذقوا في رحابه، وبرعوا في صقل فنونه، وكشف مكنونه، ولعلهم أثروا في المشرق ضمن رحابه بشكل جلي وسنحاول ضمن هذا الباب ذكر بعض من رفعوا راية العلم في الأقطار المشرقية، في مختلف المراقي العلمية، الفكرية والثقافية، الأدبية والشعرية، النقلية والعقلية.
لقد ذهبت أفواج المغاربة على المشرق، يشافهون العلماء ويأخذون العلم، ويستنسخون الكتب، وقد استفاضت كتب التراجم والرجال بأخبار هذه الرحلات، وقد بدأت هذه الهجرات إلى المشرق مبكرا منذ القرن الثاني هجري، مواكبة لحركة الجمع والتدوين، مصاحبة لنشأتها ، لتزدهر وتخبو مع مرور الوقت، وبدأت بالانكماش في القترة قيد الدرس، لثلة من الأسباب، منها الغزو الاستعمار للأقطار المشرقية والمغربية، وانسحاب البساط عن الجانب العلمي إلى الشق الكفاحي والنضالي بالموازاة مع الاستعمار الأجنبي.
ففي ميدان الطب برع اسم مغربي في القطر المصري عده الكثير من الباحثين بأنه علامة فارقة بين الطب التقليدي والعصري هو عبد السلام بن محمد العلمي وهو طبيب مغربي، عالم بالميقات، من اهل فاس مولدا ووفاة، تخرج من مدرسة الطب في القاهرة، وعاش في زمن السلطان المصلح المولى الحسن، ووافته المنية عام 1905 م، وبرع في العلوم الطبية ونال شهرة طافت الأفاق في مصر، وقد خصه العلامة محمد المنوني بالإشادة والبيان بكونه شكل لبنة أساسية من طائفة المغاربة الذين يشكلون احد مظاهر اليقظة المغربية.
وقد التحق بمستشفى القصر العيني بمصر وصار يدرس الطب على علماء من مصر وإسبانيا وفرنسا وحضر تشريح نحو 1600 جثة من مخلفات ثورة عرابي الشهيرة. ولما عاد إلى بلاده، فتح عيادة صغيرة قرب حرم مولاي إدريس بفاس؛ وألف في علم الطب تأليف هي: «ضياء النبراس في حل مفردات الأنطاكي» بلغة فاس: وهذا الكتاب -كما هو ظاهر من عنوانه – يهتم بذكر الأسماء المغربية لما ورد في «تذكرة» داود الأنطاكي المتوفى عام 1008ه / 1599م.
إن العمل الذي قام به الطبيب عبد السلام العلمي هو عمل علمي كبير، حيث قرب النفع بما ورد في كتاب «التذكرة» لعموم المهتمين بخواص الأعشاب في المغرب بأن جعل أمام الأسماء المشرقية للنباتات أسماءها المغربية مرتبة حسب الحروف الهجائية، ولم يكتف الطبيب العلمي بذلك فقط؛ بل إنه حاول في كتابه هذا توضيح كيفية تقطير بعض الأعشاب الطبية مصوراً بالأشكال الهندسية الجهاز المستعمل لهذه الغاية، وقد أهدى المؤلف كتابه هذا للسلطان مولاي الحسن اعترافاً منه بالجميل الذي أسداه إليه بإرساله في بعثة دراسية إلى مصر.
وقد نال سمعة طيبة ونال الإجازة العلمية من «المدرسة الطبية المصرية» بقصر العيني بالقاهرة وهي صادرة عن حسين بن مصطفى عودة الدمشقي، أحد أساتذة هذه المدرسة ومكتوبة بخط شرقي نسخي سنة 1291ه 1873م، وفيها يشهد بحضور الطالب المغربي على أساتذة المدرسة الطبية المصرية، ويذكر مواظبته واجتهاده، ويعترف بتفوقه بالنسبة لأقرانه.
نص الإجازة:
أما بعد: فلما كان في أيام خديوية من غمرني بالإكرام، وعمني بالجود والإنعام، صاحب العزم الذي عز من يحاوله والكرم الذي علا ان يكون في الكرام من يطاوله، وأضحت في زمنه حدائق العلم يانعة الأزهار، كأنها جناب تجري من تحتها الأنهار، وعذبت بالديار المصرية موارد فضله، وأمطر على الصغير والكبير وافر كرمه وعدله، فأضحى وه وقبلة المجد التي لما تزال حولها الآمال طائفة، ولا تبرح تسعى طائفة بعد طائفة، أفندينا المعظم المحروس بعناية ربه العلي، خديوي مصر وعزيزها إسماعيل بن ابراهيم بن محمد علي، ولا زال سعده بأقماره منشورا، وجيش عزه بأنصاره منصورا.
إنه قد وفد من مدينة فاس المحروسة بالديار المغربية، الى الديار المصرية، بأمر سيدنا ومولانا العالم العادل المؤيد المظفر سيف الدنيا والدين، ناصر الإسلام والمسلمين، السلطان مولانا الحسن ابن السلطان سيدي محمد بن السلطان مولانا عبد لرحمن، أدام الله ايامه، وقرن بالنصر أعلامه وإجلاله حضرة الخليل الذي تحلى بالمجد، وحصل المعالي بالاجتهاد والجد، الذكي الألمعي والطبيب اللوذعي، السيد الشريف عبد السلام أفندي نجل المرحوم السيد محمد العلمي بل الله ثراه، وجعل الجنة مثواه، لأجل التمرين على نفائس العلوم المستجدة الطبية، بالمدرسة الطبية الخديوية المصرية المتداولة الآن، في جميع البلدان.
وكان دخوله في سنة إحدى وتسعين ومائتين بعد الألف، فحض على حضرات أساتذتنا الكرام، الذين اشتهر فضلهم لدى الخاص والعام، جملة على علوم نذكر طرفا منها، وهي جراحة الصفري على حضرة رئيس الاسبتالية والمدرسة الطبية…
وقد ساهم المغاربة في تنشيط الحركة الثقافية في الشام، بإلقائهم لدروس ومحاضرات كان يحضرها جهابذة العلماء الشاميين، حيث نسجل أن أحمد بن مأمون البلغيتي توارد عليه وفود العلماء والأدباء للتعرف عليه والأخذ عنه مساجلات أدبية ومباحثات علمية، كان يقوم بإلقاء الدروس في الجامع الأموي وفق طلب الهيئة العلمية التي كان يحضر جلها هذه الدروس الحديثية الفقهية والفلسفية، ولولا ظروف عائلية طرأت له لاستمر البلغيتي في نشر علمه في الشام يقول في مطلع قصيدة وداعه لدمشق:
ترحلت عنكم يا ذوي الشام لا قلى
وحاشا ولكن شوق أهلي براني
فأجابه الدمشقيون على لسان أبي السعود مراد:
ترحلت عنا يا بن مامون غرة
فبتنا نقاسي فرط غم وأشجان.
فغادر البلغيتي دمشق متجها إلى القدس ليقضي بها سبعة أيام، تناظر فيها مع علمائها وشعرائها، وعرج على مدينة الخليل لنفس الغرض، وفي هذا يقول:
لله ما أفدت واستفدت
في السبعة الأيام إذا أقمت
قد زرت خلالها الخليلا
كللت من رواته إكليلا
به أتانا علماء فصلا
وشعراء نبهاء نبلا
جرت لنا معهم مذاكرة
وأخذوا عنا الطريق الباهرة.
وحسب معجم الشيوخ لعبد الحفيظ الفاسي، فقد كان البلغيتي فقيها، إماما، مشاركا، علامة، أديبا، لَوذعيا، لطيف الأخلاق، خفيف الرُّوح، متضلّعا في الفقه، والأصول، والحديث، والتفسير، والعربية، واللغة، والصّرف، والأدب، والبيان، والبديع، رحالة، جوالا، مكثرا من لقاء أهل العلم والأدب.
ومن الفطاحل الذين بلغوا شأوا في مراقي العلمي ورحابه الزاهرة إبان مكوثه في المشرق العربي نذكر عبد الحي الكتاني الذي عقد دروسا في الجامع الأموي، وعند وصوله إلى بيروت هرول عدد لا يستهان به من الوجهاء والأدباء والعلماء لتحيته وسماع أحاديثه الفقهية والعلمية والأدبية، حيث ألقى محاضرة في الجامع العمري أدهش الحضور بحديثه العلمي فتلقى دعوة من مفتي الجمهورية اللبنانية وكذا رئيس محكمة التمييز الشرعية.
وقد بلغت مكانة عبد الحي الكتاني أن انتخب عضوا في المجمع العلمي بدمشق في مارس 1929. وألقى بالمناسبة خطابا علميا أكاديميا أمام أعضاء المجمع تحت عنوان: «تاريخ المكتبات الإسلامية ومن ألف في الكتب»، وهو أهم عمل شامل لتاريخ خزائن الكتب في العالم الإسلامي. حاز به صاحبه قصب السبق في هذا المجال.
كما طبعت عدة مؤلفات للكتاني في الشام على اعتبر الطفرة العلمية في هذا الميدان بالمشرق على عكس المغرب الذي كان لا زال يخطو خطواته الأولى في هذا المضمار، ومن كتب الكتاني التي طبعت هناك نذكر: «الدعامة للعامل بسنة العامة» وكتاب «الرسالة المستطرفة لبيان مشهور كتب السنة المستطرفة».
ومن العلماء الفطاحل الذين بلغوا طوقا في مراقي العلم والشهرة والذيوع في الأراضي المشرقية، وأرض الشام على وجه البيان والخصوص، نذكر الشيخ بدر الدين بن يوسف بن بدر الدين بن عبد الرحمن بن عبد الوهاب بن عبد الله بن عبد الملك بن عبد الغني الحسني، المغربي، المراكشي، وينتهي نسبه إلى الشيخ الجزولي صاحب كتاب دلائل الخيرات الذي هو ذا أصول مغربية نسبة ألى أبيه الذي هاجر من الديار المراكشية إلى المناطق المشرقية لتلقي العلم وضروبه، وقد ولد العلامة قيد التعريف سنة 1850م بدمشق مهوى أفئدة العلماء، وموطن نهمم المعرفي، وحلقات الدرس والمعرفة.
وكدليل على المكانة البارزة لهذا المحدث العالم أن أسمه لا زال يطلق على إحدى اكبر المدارس الدينية بدمشق، وقد تخرج على يديه كبار علماء الشام في القرن الماضي، وبرعا جما في العلوم الشرعية، حتى أصبح محدث الشام الذي يعدم له نظير، الشيء الذي أعطى للعنصر المغربي الريادة في هذا الحقل والمضمار، بعد أن كان حكرا على أهل المشرق والشام.
حفظ الصحيحين غيبا بأسانيدهما، ونحو عشرين ألف بيت من متون العلوم المختلفة، وانقطع للعبادة والتدريس، وكان ورعا وبعيدا عن الدنيا، وارتفعت مكانته عند الحكام وأهل الشام كن محدث الشام في عصره، وكان يأبى الإفتاء ولا يرغب في التصنيف، ولا نعرف له غير رسالتين مطبوعتين، إحداهما في سنده لصحيح البخاري.
ومن مؤلفاته الشهيرة التي تعد مرجعا ضافيا في العلوم الشرعية عامة وعلم الحديث خاصة نذكر:
-حاشية على شرح السنوسية
حاشية على شرح السنوسية الكبرى
-شرح على الشيبانية
حاشية على عقائد العضد.
شرح الطوالع.
-شرح الهياكل.
-حاشية على الشنشوري.
-شرح على السراجية.
وقد توفي عام 1935، ومما يتعجب له أنه ذائع الصيت في أرض المشرق التي ترعرع في رحابها العلم، خفيا قليل الذكر في موطنه وأصله بلاد المغرب الأقصى.
ومن المغاربة أيضا الذين برعوا في رحاب الثقافة بالأراضي المشرقية وتحديدا في ينبوعها المعرفي الشام نذكر الشيخ يوسف المغربي الذي ولد في مراكش، وترعرع في مصر، المالكي المذهب، عرفه الشطي بكونه «شيخا عالما، محدثا فقيها، شاعرا بليغا، متضلعا متفننا…».
ولد في المغرب ونشأ في مصر، وأخذ عن مشاهير العلماء، وشارك في العلوم، وكان غيورا جسورا، لا تأخذه في الله لومة لائم، ثم انه قدم دمشق وتوطنها، واخذ عن بعض علمائها، كالعلامة الشيخ عبد الرحمن الكزبري، والعلامة الشيخ سعيد الحلبي وغيرهما. ثم ألقى دروسا في الجامع الأموي وغيره، وحضر دروسه العلماء والطلاب، وكان صاحب الترجمة كثير التجول والسياحةـ وبالجملة فان من أدركه شهد بأنه عالم فاضل تقي صالح جسورا.
وكانت وفاته يوم الخميس التاسع عشر من جمادى الآخرة سنة تسعة وسبعين ومئتين وألف، الموافق لعام 1920م.
ومن المغاربة أيضا الذين استوطنوا الشام دهرا وبرعوا في الفكر جما نذكر محمد العربي العزوزي أمين الفتوى في لبنان، ولد بفاس، وانتقل إلى المشرق لمدة من الزمان واستقر به، وانتفع من علمه، وأفاد بما جادت به قريحته، حيث جال في مكة المكرمة والمدينة، قبل ان يستقر به المقام في لبنان حيث عين في عدة وظائف منها التدريس، حيث درس «الجامع الصحيح للبخاري» ثم عين مدرسا للحديث ومصطلحاته والتفسير والتوحيد والفقه في الكلية الشرعية بيروت، مع الاشتغال بالخطابة والامامة والتدريس ببعض المساجد والمدارس، ثم عين أمينا للفتوى بلبنان، ورئيس للمجلس العلمي للأوقاف، ووافته المنية ببيروت عام 1382 م.
ومن مؤلفاته الذائعة الصيت نذكر:
-إتحاف ذوي العناية.
-شرح منظومة المرادي في الذال المعجمة.
-سنن أبي داود.
– الرحلة العزوزية إلى الأراضي الحجازية والبلاد الشامية.
ومقالات في عدة مجالات بالشام منها مجلة «اللغة العربية» بدمشق.
ومن بين هؤلاء العلماء الذين برحوا أرض المشرق نذكر محمد بن علي الحداوي نزيل الدار البيضاء المعروف بالفقيه ابن عائشة، العلامة المشارك في الفقه والحديث والتصوف، مع إتقان علم الآلة. انتصب للتدريس في البيضاء، ثم رحل إلى الحجاز وزار واستوطن المدينة المنورة ما يقرب من عشرين سنة
قال عنه ابن سودة: لما ذهب إلى الحجاز أخذ عن الشيخ بدر الدين الحسني الشامي، وعن الشيخ يوسف النبهاني: له رسالة في مناسك الحج وغيرها.
وفي باب الأدب والشعر نذكر عبد الله السنوسي، الذي عاش في القرن التاسع عشر ميلادي، ولد في مدينة فاس بعد الأربعين من القرن الثالث عشر للهجرة، وتوفي بالإسكندرية، وكان شاعرا بليغا بلغت أشعاره وأبياته الأوج، وانتشرت في سائر المشرق، غير أن باعه الكبير كان في الشق السياسي من خلال اتجاهه إلى العمل السياسي، وقربه من الخليفة العثماني «عبدالحميد» وحمَّله الرسائل، وبعثه في سفارة إلى المغرب عند السلطان الحسن الأول لما عرف به الشاعر من تشبع بمبدأ الوحدة الإسلامية، فأصبح من الدعاة الأوائل إلى ما عرف بالجامعة الإسلامية.
من بين مؤلفاته:
-سيف النصر بالسادات الكرام أهل بدر نظما ونثر.
-النور اللامع في بيان الاصل الجامع.
وافته المنية عام 1304هـ 1886م.
والملاحظ أن المغاربة برعوا في العلوم النقلية، وتبوأ مرتبة في المراقي الشرعية، وبذلك يتم تفنيد الرؤية القائلة بتبعية المغرب للمشرق في الأمور الدينية، فلقد كان المغاربة يفتون في الأمور الشرعية، ولهم دراية بالمذاهب السائدة، وكذا في كل الضروب والفنون الأخرى.
وقد خلفوا ورائهم تراث هاما خاصة في النواحي الفكرية والثقافية واللغوية وفي هذا الباب يذكر الدكتور حسن حلاق صاحب كتاب أنجز موسوعة تتكون من سبعة أجزاء عن أصول العائلات البيروتية، وفيها جزء كبير للأصول المغربية لهذه العائلات، عن بعض العائلات ذات الأصول المغربية، ومنها على سبيل المثال عائلة الوزان، معتبرا أن هذه الأسرة تعود بجذورها الى بطن من بني عامر، وهي من الأسر الإسلامية المنسوبة إلى آل البيت النبوي الشريف، تعود بنسبها إلى «ذرية يملح ابن السيد مشيش والد القطب عبد السلام بن مشيش…».
وذكر هذا المؤرخ بأن أسرة الوزان التي تنتشر بمدينتي بيروت وصيدا، قد برزت في الميادين العلمية والفقهية والسياسية والطبية والدبلوماسية، وارتبطت بلبنان خلال التاريخ الحديث والمعاصر.
ومن بين الأسر والقبائل المغربية التي توطنت بيروت، هناك عائلات الأبيض، وإدريس، وبرغوت، وجلول، وجنون (توجد بالمغرب عائلة كنون التي ينحدر منها العلامة عبد الله كنون)، والسوسي، وسنو، والعيتاني….
وكدليل على ريادة المشرق العلمية فقد عمل المغاربة على إرسال أبنائهم الى المشرق انطلاقا من سنة 1928 سنة إرسال البعثة المغربية بمدرسة النجاح الوطنية بنابلس، والبعثة المغربية بالقاهرة، في الوقت الذي كان فيه الاستعمار يعمل على بقاء الطلبة داخل المغرب، وذلك دون السماح لهم بمتابعة دراستهم في أوربا، خوفا من أن يتلقوا مبادئ وآراء ثورية. ثم جاءت بعد دلك بعثة مولاي الحسن بن المهدي الخليفة السلطاني بتطوان سنة 1938م، المعروفة باسم بعثة بيت المغرب في القاهرة.
وهكذا تلقى المغاربة ضروبا من المعارف ذات المشارب المتنوعة في أرض القاهرة ونابلس وقد لعبت الجالية المغربية دورا رياديا في تعيين المدارس والجامعات المناسبة لتكوين المغاربة علما ونهجا وأخلاقا ذلك كتب بنونة رسالة إلى العلامة الكبير الشيخ عبد القادر المغربي رئيس المجمع العلمي بدمشق يطلب منه معلومات حول إمكانية إيفاد بعثة من الطلبة المغاربة إلى هناك في السنة الموالية، وقد أحال الشيخ المذكور رسالة بنونة على رئيس الجامعة السورية الذي أجاب بنونة يوم 10 شتنبر 1927 رسالة رقمها 729. واعتمادا على هذه الرسالة خلص بنونة إلى أن هذه الجامعة غير مناسبة للبعثة الطلابية المغربية وارتأى إعادة النظر والبحث عن وجهة أخرى، ليقع اختياره فيما بعد على فلسطين بمدينة نابلس.
لقد فتحت هذه المبادرات والتوجهات صفحات مشرقة وبراقة في تاريخ العلاقات المغربية الشامية، حيث أخذ أفراد هذه البعثات العلمية بشرح الأوضاع السياسية والاجتماعية التي يجتازها المغرب تحت نير الاحتلال الفرنسي الغاشم والمتسلط ضد المغاربة خاصة بعد صدور الظهير البربري سنة 1930،وكانت الصحافة الفلسطينية من أولى الصحف التي ناهضت الظهير البربري نظرا لأن ذلك يمس في عقيدة الإسلام وجوهره ويربو الى التفرقة في بنوده. وذلك من خلال مقالات أنتجها مغاربة الشمال في فلسطين إبان إقامتهم بها.
ومن أوجه الحضور المغربي العلمي في القطر المشرقي مساهمة المغاربة في الكتابة ضمن أعمدة بعض المجلات المشرقية نموذج المنار المصرية، فقد نشرت المنار اعتبارا من مجلدها الأول، مواد متنوعة مصدرها مغاربة مما يفيد إسهام المغاربة فيها بكيفية متفاوتة، في إثراء مضمونها ومنها نشر مواد مترجمة جزئيا أو كليا من قبل مغاربة، من ذلك نشر الترجمة التي أعدها أحمد بن عبد السلام بلافريج للجزء الثاني من مؤلف jules Sicard « العالم الإسلامي في الأملاك الفرنساوية». كما نشرت المنار العديد من البيانات همت قضايا مختلفة في العالم الإسلامي، كان من موقعها مغاربة، مثال ذلك بيان عن سياسة الإبادة والاستئصال التي نهجتها ايطاليا في طرابلس الغرب، وقد أمضاه من المغاربة محمد تقي الدين الهلالي، وحصل التعريف به في المنار باعتباره الأستاذ الأول للأدب العربية بندوة العلماء بالهند.
وينبغي الإشارة ان إذا ثم الاستناد إلى المعيار الكمي، فان إسهام المغاربة في تحرير مواد لفائدة المنار، لم يرق إلى حجم إسهامات كتاب من أقطار عربية وإسلامية أخرى، لاسيما مصر، الشام، العراق، الهند وتونس، بيد أن هذه الملحوظة لا تنفي خوض مغاربة في قضايا أرقت العالم العربي-الإسلامي، إذ انخرطوا في مناقشة قضايا حساسة وذات أهمية.
3- ملاحظات عامة حول الإسهامات العلمية للمغاربة في المشرق:
برع المغاربة خاصة في العلوم الشرعية والنقلية وبلغوا شأوا عظيما في مراقيها واكتسبوا الهيبة المعرفية، ونالوا الإجازات العلمية، وتمرسوا في الخطابة، وفن الكتابة، واستطاعوا أن يجدوا لهم موطئ قدم في مناطق ذات باع علمي ذائع الصيت من نظير الأزهر المصري، وأرض الحجاز، وموطن الشام.
أن المشرق كان قبلة لما أراد الإبحار في يم العلم ورحابه، وكذا تلقينه فهو المشتل لمن أراد الزعامة المعرفية والنهل من رحاب العلماء المنتشرين في هذه الاقطار.
أن جل من ترجمنا له وكان ذا باع استقر به المقام في أرض الشام سوريا على وجه الاخص.
لقد تراجع الوجود المغربي بشكل ملفت خلال هذه الفترة مقارنة بالفترة الوسيطة والحديثة وذلك له تفسير في انكماش العلم والعلماء نظرا لطارئ الذي حل بديار الإسلام وهو الغزو الأجنبي الذي انطلاقا في أرض المشرق بجلاء سنة 1798 م سنة حملة نابليون بونابرت على مصر والشام.
أن المغرب لم يكن منعزلا عن العالم الإسلامي، بل ظلت وشائج تواصله العلمي معه قائمة برغم من تراجع خفوتها، فالمغرب لم يكن منطويا على نفسه تماما، غير أن الذي يجب تسجيله بهذا الشأن أن المؤثرات الخارجية المتسربة عبر هذه القنوات كانت محدودة وغير قادرة على تغيير الإيديولوجية التقليدية في المغرب،أي أن المغرب ظل في منأى عن كل تيار فكري جديد في حين أن غيره من البلاد العربية ولاسيما الشرقية كمصر والشام والعراق كانت تشهد قيام حركة عملية وأدبية نشيطة قدح زندها أولا محمد علي في مصر وثانيا البعثات العلمية الأجنبية التي أمت هذه البلاد وأسست فيها مدارس عصرية من مختلف المستويات.
وينبغي الإشارة أنه من خلال مطالعتنا لمتون المصادر والمراجع أنه لم يثبت من خلال مطالعتنا محنة أو مضايقة تعرض لها العلماء المغاربة في أرض المشرق وهو شيء يدل على الجو العام المتسم بسيادة مبادئ التسامح والإسلام بين المغاربة وسكان المشرق. ولا أدل على ذلك كانت مساندة المغاربة لأشقائهم المصريين والشاميين في التصدي للحملة النابليونية باعتباره واجبا دينيا، فرضته وحدة العقيدة واللغة والجوار، وكذا التعاون والتآزر بين الوطنيين المغاربة والشاميين من أجل مجابهة الغزو الاجنبي الفرنسي والانجليزي في القرن العشرين.
على سبيل الختام:
لقد تعددت وتنوعت الأسباب التي دفعت المغاربة إلى الالتحاق بأرض المشرق بين دوافع علمية ورغبات ذاتية، ونزوعات دينية، وغايات تجارية، لازالت في حاجة ماسة إلى الدراسة والتنقيب والبحث، بكونها تعد مواضيع خصبة قد تبوح بعدة اشكالات جوهرية ومحورية.
فلا غرو أن المغاربة أعطوا الشيء الكثير في مجموعة من المراقي العلمية، وأسهموا بصورة يانعة وراقية في مجمل المناحي العلمية والحياتية في الأقطار المشرقية، مشتغلين جذوة العلم والثقافة في رحاب المشارق الوارف، وكذا جو التسامح الذي امتزت به الأقطار المشرقية خاصة مصر والحجاز.
والملاحظ أن الجانب المغربي بعد هجرته إلى المشرق كان له وصيت خاصة في الشق العلمي الخاص بالعلوم الشرعية النقلية، من فقه ومعاملات، وكذا في النواحي الاقتصادية، حيث بلغ المغاربة طوقا في مضمار التجارة، في مصر على وجه الخصوص.
ونافلة القول، أن الوجود المغربي كان فاعلا وأساسي غير أن أتون المصادر والمراجع لم تعيره الاهتمام الكافي، كما ان البحث والتقصي في مضمار الأهداف والكوامن التي جعلت المغاربة يختارون الهجرة إلى المشرق بإمكانه أن يبين عدة معطيات تاريخية غاية في الأهمية، ولازال هذا الباب في حاجة ماسة إلى طرقه من جمهرة الباحثين والمختصين.
مراجع بالعربية:
– ابن عزوز حكيم، محمد، أب الحركة الوطنية المغربية الحاج عبد السلام بنونة حياته ونضاله، مطبعة المعارف الجديدة، الرباط،1987.
– أغوثان، نور الدين، جوانب من التواصل الفكري بين المغرب والشام خلال النصف الأول من القرن العشرين، دورية كان التاريخية، السنة العاشرة، العدد الخامس والثلاثون،2017.
– البكراوي، محمد، الطبيب عبد السلام محمد الحسني العلمي الفاسي، دفاتر تاريخية، العدد 1، جامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس، كلية الآداب ظهر المهراز،2010.
– بنونة، الطيب، نضالنا القومي في الرسائل المتبادلة بين الأمير شكيب ارسلان والحاج عبد السلام بنونة، ط الأولى، 1980.
– التازي، عبد الهادي، رواق المغاربة بالأزهر الشريف، دعوة الحق، العدد 229، ماي-يوليو، 1983.
– الجيوسي، مصطفى، موسوعة علماء العرب والمسلمين وأعلامهم، منشورات دار أسامة للنشر والتوزيع، عمان، الاردن، 2005.
– حواش، محمد، خطاب التضامن الإسلامي على ضوء حملة نابليون بونابرت على مضر والشام وموقف المغرب منها، الشبكة العربية للأبحاث والنشر، الطبعة الأولى، بيروت،2013.
– الشطي، مصطفى بن أحمد بن حسن الحنبلي، أعيان دمشق في القرن الثالث عشر ونصف القرن الرابع عشر من 1201 الى 1350 ه، دار البشائر للطباعة والنشر والتوزيع، دمشق،1997.
– الطنجي، محمود محمد، التراث العربي في المغرب وقضايا التواصل بين المشرق والمغرب، مجلة الثقافة القاهرية، العدد 23 و24، ديسمبر، يناير،1988
– كنون، عبد الله، أحاديث عن الأدب المغربي الحديث، دار الثقافة، الطبعة الثانية، الدار البيضاء، 1978.
– مخلوف، محمد بن محمد، شجرة النور الزكية في طبقات المالكية، المطبعة السلفية، القاهرة، 1349.
– المرعشلي، يوسف بن عبد الرحمن، نثر الجواهر والدرر في علماء القرن الرابع عشر، منشورات دار المعرفة، بيروت،1427 ه موافق 2007.
– المنوني، محمد، مظاهر يقظة المغرب الحديث، منشورات الجمعية المغربية للتأليف والترجمة والنشر، الرباط، 1985.
– الهاشمي، عبد المنعم، الخلافة العثمانية، بيروت: دار ابن حزم، ط1، 2004.
مراجع بالفرنسية:
– Benjellon, Abdelmajid, Approche du colonialisme espagnol et le mouvement nationaliste dans l’ex Maroc Khalifien, Okad, Rabat, 1988.
– CONGE, Jacques, Un exemple de mission estudiantine en orient dans les année trente de lycéens tétouanais à Naplouse Tituwan fi ahd alhimaya,1912-1956, Okad, Rabat, 1992.
– KHATIB, Toumader, Culture et Politique dans le mouvement nationaliste Marocaine au Marocaine au Macherq, Publication de le fondation de Martyr Mhammed Ahmed BENABOUD, Tétouan, 2016.
-LAROUI, Abdallah, Les origines sociales et culturelles du nationalisme Marocain, (1830 – 1912), Maspero, Paris, 1977.
– RAYMOND, André, Deux familles de commerçants fâsî au Caire à la fin du XVIIIe siècle, In Revue de l’Occident musulman et de la Méditerranée, n°15-16, 1973, Mélanges Le Tourneau, II.
Comments are closed, but trackbacks and pingbacks are open.